بمناسبة مولد سيدى
إبن عطاء الله السكندرى
رضى الله تعالى عنه
يقول النسابة حسن قاسم :
سيدى تاج الدين بن عطاء الله السكندرى ( ... – 709 ) الأستاذ الإمام ، قطب العارف ، وترجمان الواصلين ، ومبدى أسررار اللطائف ، الواصل غلى الله والموصل إليه تاج الدين ومنبع أسرار الواصلين أبو الفضل سيدى أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن عيسى بن الحسين بن عطاء الله الجذامى نسبا ، المالكى مذهبا ، الإسكندرى دارا ، القرافى مزارا الصوفى حقيقة ، الشاذلى طريقى ، أعجوبة زمانه ، ونخبة عصره ، وأوانه ، الجامع لأنواع العلوم ، من تفسير ، وحديث ، وفقه ، وتصوف ، ونحو ، واصول ، وغير ذلك كان رضى الله عنه ونفعنا بأسراره متكلما على طريق أهل التصوف واعظا ، انتفع به خلق كثير وسلكوا طريقه ، وقد شهد له شيخه بالتقديم قال فى ( لطائف المنن ) ك قال لى الأستاذ ك الزم فوالله لئن لومت لتكونن مفتيا فى المذهبين ، يريد مذهب أهل الشريعة ومذهب أهل الحقيقة .
قالو رحمه الله : ودخلت عليه ذات يوم ، فلما دخلت عليه قال : لا تطالبوا الأستاذ بأن تكونوا فى خاطره ، بل طالبوا أنفسكم بأن يكون الأستاذ فى خاطركم ، فعلى مقدار ما يكون عندكم تكونوا عنده .
وقد كنت قد حدثت بعض أصحابه : أريد لو نظر الأستاذ بعنايته ، وجعلنى فى خاطره ، ثم قال لى : أى شىئ تريد ؟ والله ، ليكونن لك شأن عظيم ، والله ، ليكونن لك شأن عظيم ، والله ليكونن لك كذا وكذا ، فكان كما أخبر .
وقال رضى الله عنه فى ( لطائف المنن ) جرت مخاصمة بينى وبين أحد أصحاب سيدى أبو العابس المرسى قبل صحبتى له ، وقلت لذلك الرجل : ليس إلا أهل العم الظاهر ، وهؤلاء القوم يدعون أمورا عظيمة ، وظاهر الشرع يأباها ن قال رحمه الله : وسبب اجتماعى به أنقلت فى نفسى بعد أن جرت المخاصمة ك دعنى أذهب أنظر إلى هذا الرجل ، فصاحب الحق له أمارات ، قال : فأتيته ، فوجدته يتلكم فى الأنفاس التى أمر الشارع بها ، فأذهب الله ما كان عندى ، وصار رحمه الله من خواص اصحابه ، ولازمه اثنى عشر عاما حتى أشرقت أنواره عليه ، وصار من صدور المقربين * وله مؤلفات رحمه الله متداولة سارت بذكرها الركبان منها : ( الحكم العطائية ) (1) وهى أفضل ما صنف فى علم التوحيد ، واجل ما عتمده بالتفهم والتحفظ كل سالك ومريد ، ذات عبارات رائقة ، ومعان حسنة فائقة ، قصد فيها إلى إيضاح طريق العارفين والموحدين ، وغبانه مناهج السالكين والمتجردين ، وله كتاب التنوير (2) وكتاب مفتاح الفلاح (3) فى الذكر ومراتبه ، وكتاب تاج العروس (4) وكتاب ( عنوان التوفيق ) (5) وهو شرح لقصيدة العارف بالله سيدنا أبى مدين التلمسانى وكتاب القول المجرد فى الاسم المفرد وله غير ذلك .
توفى رحمه الله تعالى بالمدرسة المنصورية بمصر ثالث عشر جمادى الآخر سنة 709 ودفن بسفح الجبل المقطم بزاويته التى كان يتعبد فيها ومقامه يزار ، يعرفه الكبير والصغير ، ويتوسل به إلى الله الغنى والفقير ، نفع الله به المسلمين .
---------------------------------------------------------------------------------------------
(1) كتاب الحكم العطائية : للشيخ تاج الدين أبى الفضل أحمد بن عبد الكريم المعروف بابن عطاء الله الإسكندرانى الشاذلى المالكى المتوفى بالقاهرة سنة 709 ، وهى حكم منثور على لسان أهل الطريقة ولما صنفها عرضها على شيخه أبى العباس المرسى فتأملها وقال له : لقد أتيت يا بنى فى هذه الكراسة بمقاصد الأحياء وزيادة ولذلك تعشقها أرباب الذوق لما رقلهم من معانيها وراق وبسطوا القول فيها وشرحوها كثيرا(كشف الظنون 2/675) .
(2) كتاب التنوير : فى غسقاط التدبير للشيخ تاد الدين أحمد بن محمد المعروف بابن عطاء الله الإسكندرى المتوفى سنة 709 وذكر أنه ألفه بمكة المكرمة ثم استدرك عليه بدمشق وزاد فيه فوائد ولم يرتبه وغنما هو كلما من حيث الورود قال : إذا طالعه المريد الصادق عرف أن المتلوث لا يصلح للحضرة القدسية ( كشف الظنون 1/502)
(3) كتاب مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح في ذكر الله الكريم الفتاح، في التصوف، للمؤلف: الإمام ابن عطاء الله السكندري. : إن ذكر الله هو مفتاح الفلاح والصلاح، وهو العمدة في حياة المسلم، وعليه يعوّل أهل التحقيق موادهم. وأهل العرفان هم أهل الذكر الذي لا ينفك عن قلبهم قبل لسانهم ذكر الله. لذا فقد صنف ابن عطاء الله السكندري هذا الكتاب الذي جاء مضمونه ليضيء الأرواح بمصباح الذكر الذي استهله بمقدمة تحدث فيها ع ماهية الذكر وبفضله، وبالإجماع عليه، ودليله في الكتاب والسنة ثم تحدث عن الجهر فيه والتحذير من تركه وأتبع ذلك بباب ذكر فيه فوائد الذكر على الإجمال ثم فوائد الأذكار، ثم تحدث عن تدريج السالك بالأذكار وكيفية تنقله في الأطوار وتناول الحديث عن المريد للسلوك إذا سبق منه كثرة آثام وأوزار ثم أتبع ذلك بباب ذكر فيه الخلوة منهياً القسم الأول باب ما ينبغي لأهل الطريق أن يأخذوا أنفسهم به ويلازموه وخصص القسم الثاني لشرح الأذكار وقد ضمّ هذا القسم فصول وخاتمة هي جملة من الأصول.
(4) كتاب تاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس للمؤلف: الإمام ابن عطاء الله السكندري، في التصوف. كتاب يتناول موضوع تهذيب النفوس البشرية والتوبة إلى الله ومناجاة الله وغير ذلك.
-----------------------------------------------------------------------------------------------------
هو الشيخ الإمام تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء السكندرى الجذامى نسبا المالكى مذهبا الشاذلى طريقة ، وهو من أصل عربى فأجداده من الجذاميين من قبيلة كهلان التى ينتهى نسبها إلى بنى يعرب بن قحطان من العرب.
ولد بن عطاء بمدينة الأسكندرية حيث كانت تقيم أسرته وكان جده يشتغل بالتدريس .
ويقول الدكتور التفتازانى
إن مولده بين سنتى 658هـ - 679هـ وقد تتلمذ ابن عطاء على يد أشهر فقهاء الأسكندرية فى ذلك العصر وهو الفقيه ناصر الدين الدين المنبر الجذامى الاسكندرى إذ كانت الاسكندرية فى ذلك العصر مركزا هاما من المراكز العلمية بمصر وكان والده معاصرا للشيخ أبى الحسن الشاذلى مؤسس الطريقة الشاذلية .
وفى كتب التراجم قسم حياة بن عطاء الله إلى ثلاثة أقسام
أولها: أمضاه مدينة الاسكندرية طالبا لعلوم عصره الدينية من تفسير وحديث وفقه وأصول ونحو
والثانى : من حياته سنة 674هـ عند التقائه بأبى العباس المرسى واصطحابه له وينتهى بحضوره إلى القاهرة ومما هو جدير بالذكر أن أبن عظاء الله لم ينقطع عن طلب العلم بسلوكه كريق الصوفية
.والثالث : من حياته يبدأ من وقت أرتحاله من الأسكندرية ليقيم بالقاهرة وينتهى بوفاته سنة 709 هـ .
يقول الإمام الغزالى فى كتابه أحياء علوم الدين :
والذين يستندون فى هذا المسلك إلى أساس من اعتزال النبى صلى الله عليه وسلم وتعبده بغار حراء قبل نزول الوحى حتى صفت نفسه وتهيأ لنور النبوة والعزل عند ابن عطاء الله تعنى الأنقطاع المعنوى لا الحقيقى عن الخلق بحيث يكون السالك مراقب نفسه على الدوام ومحازرا أن يشغل ذهنه بالعالم فإذا أحكم الصوفى عزلته وألفت نفسه الوحدة دخل الخلوة ويعرف الخلوة بأنها وسيلة للوصول إلى سر الخلق فهى تبتل إلى الله وانقطاع عن غيره تعالى
.
لقد أصبح ابن عطاء الله بعد وفاة شيخه أبى العباس المرسى سنة 686هـ هو القائم على طريقته والداعى لها هذا بالاضافة إلى قيامه بالتدريس بمدينة الأسكندرية فلما رحل للقاهرة اشتغل بالتدريس واعظ
من كراماته رضى الله عنه:
ولكى ولى كرامة تسنت له فقد ذكره الإمام عبد الوهاب الشعرانى فى طبقاته الكبرى بعض الكرامات التى تنسب إلى ابن عطاء وعددها دال على منزلته كصوفى كامل واصل إلى الله
يروى بن حجر العسقلانى :
إن ثلاثة قصدوا محله فقال أحدهم لو سلمت من العائلة لتجردت ، وقال الآخر أنا أصلى واصوم ولا أجد من الصلاح ذرة ، فقال الثالث أن صلاتى ما ترضينى فكيف ترضى ربى . فلما حضروا مجلسه قال فى غثناء كلامه ومن الناس من يقول كذا وكذا وأعاد كلامهم بعينه
.
وبقول المناوى فى الكواكب الدرية :
( ابن عطاء السكندرى ) هو أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله ، الشيخ تاج الدين أبو الفضل الجذامى ثم السكندرى الشاذلى ، إمام تاج علمه مرتفع ، وشمل فضله مجتمع ، وخبر نعته مشتهر ، ودر حكمة منتثر ، ومصنفاته مفيدة ، وحلل ذكره على مر الأيام جديدة ، هجر النوم وقلاه ، ولو لم يكن له غير كتاب التنوير لكفاه .
وقال اتاج السبكى : أوراه كان شافعيا * له اليد الطولى فى العوم الظاهرة ، والمعارف الباطنة ، إمام فى التفسير والحديث والأصول ، متبحر فى الفقه .. له وعظ يعذب فى القلوب ، ويحلو فى النفوس ، وكان قد تدرب بقواعد العقائد الشرعية ، وهذبته العلوم ، فاستدل بالمنطووق على المفهوم ، فساد بذلك العصابة الصوفية ، وكان له من الرئاسة شرب معلوم ، وهو صاحب كتاب الحكم الذى من تأمله قال : ما هذا منشور ، إن هذا إلا لؤلؤ منثور ، كل سطر منه جنة قد حفت بالمثار ، وأحدقت بأنوار الأزهار ، وطل شطر من سكر لويباع بثمن بخس لا شترى بألف دينار ، صحب العارف المرسى وأخذ عنه جمع من الأعيان ، وانتفع به خلق كثير منهم شيخ الشافعية التقى السبكى وأصله من إسكندرية ، ثم قطن مصر ، وصار يعظ الناس ، ويرشدهم ، وله الكلمات البديعة المفردة بالتدوين ،ومن نظمه
أعندك عن ليلى حديث محرر لغيراده يحيى الرميم وينشر
فعهدى بها العهد القديم وإننى على كل حال فى هواها مقصر
مات سنة تسع وسبع مئة ودفن بالقرافة بقرب من بنى الوفا
ومن كراماته : أن الكمال بن الهمام زار قبره فقرأ عنده سورة هود حتى وصل إلى قوله ( فمنهم شفى وسعيد ) فأجابه من القبر بصوت عال : يا كمال ، ليس فينا شقى ، فأوصى بأن يدفن هناك * ومنها أن رجل من تلامذته حج ، فرأى الشيخ فى المطاف ، وخلف المقام ، وفى المسعى ، وفى عرفة ، فلما رجع سأل عن الشيخ : هل خرج من البلد فى غيبته فى الحج ؟ قالوا : لا : فدخل إليه وسلم عليه فقال له من رأيت فى سفرتك هذه من الرجال ؟ قال : يا سيدى ، رأيتك فتبسم ، وقال الرجل الكبير يملأ الكون ، لو دعى القطب من حجر لأجاب
ويقول السخاوى فى تحفة الأحباب وبغية الطلاب :
العالم القطب عطاء الله السكندرى : هو الشيخ الإمام العالم القطب الارف بالله تعالى الشيخ تاج الدين أبو الفضل أحمد بن عطاء الله السكندرى المالكى الشاذلى وهو تلميد أبى العباس المرسى وتلميذ الشيخ أبى الحسن الشاذلى وتلميذ عبد السلام مشيش وتلميذ الشيخ عبد الرحمن العطار رضى الله تعالى عنهم أجمعين وهو من كبار مشايخ الشاذلية وله كتب ومصنفات وله الديوان المشهور وله ذرية لاقية ومسجده معروف بالقاهرة بخط الجامع الأزهر ومناقبه مشهور ويضيق الوقت عن وصفها * وبالحوش ايضا صهرالشيخ وهو القاضى محبى الدين المغربى والشيخ شمس الدين ابى عبد الله محمد بن عبد الملك بن عبد الغنى الزركشى وولده تاج الدين أبى عبد الله واخيه الشيخ محب الدين وبهذا التربة جماعة من الأولياء والأشراف واقراء والمحدثين .
مؤلفاته
وله مؤلفات كثيرة رحمه الله تعالى ومتداولة سارت بذكرها الركبان منها الحكم العطائية التي أفرد كثير من العلماء كتبهم في تفسير تلك الحكم ذات العبارات الرائقة والمعاني الحسنة الفائقة قصد فيها إيضاح طريق العارفين والموحدين وتبيين مناهج السالكين حتى قالوا في حق الحكم العطائية كادت أن تكون الحكم قرآناً يتلى ، ومن كتبه رضي الله عنه التنوير ومفتاح الفلاح وتاج العروس وعنوان التوفيق في آداب الطريق – شرح بها قصيدة الغوث أبو مدين – ومن كتبه القول المجرد في الاسم الفرد
توفي رضي الله عنه بالمدرسة المنصورية بمصر سنة /709/هجرية ودفن بمقبرة المقطم بسفح الجبل بزاويته التي كان يتعبد فيها ومقامه يزار يتوسل به الصالحون ويتبرك فيه الصغير والكبير