السيدة زينب
وأخبار الزينبيات للعبيدلى النسابة المتوفى سنة 227هـ
أمير المدينة وابن أميرها
بحث مستفيضا وأثر قيما وتاريخ جليل
حسن محمد قاسم
مؤلف كتاب المزارات المصرية والآثار الاسلامية
حقوق الطبع محفوظة
عام 1931
( بمناسبة مولد سيدتنا السيدة زينب عليها السلام )
بسم الله الرحم الرحيم
( الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم )
لا جرم أن علم التاريخ علم شريف ينتفع به في استجلاء آثار من مضى من العظماء الذين تركوا فى هذا العالم أكبر أثر ونقشوا فى تاريخه صفحات لا يمحوها الزمن *
والنفوس الطامحة إلى المعالي تعظم وتزداد إلى أقصى حد كل حين وآخر بالتأمل فى ذكريات أسلافها لاسيما من امتاز منهم بخصوصية أو تفرد بعمل جليل ، والأمم التي تعنى بسير عظمائها واستجلاء آثارهم وذكرياتهم ، تلك هى الأمم الحية التي ارتكزت على أكبر عامل نهض بها تلك النهضة العلمية التالدة ، فلتأسيس هذا العلم على تلك الدعائم القويمة عد فنا من فنون الأثر ، بيد أن استجلاء مثل هذه الذكريات والسعي فى الحصول على موادها فيه ما فيه من الفوائد ( فمن ) تهذيب نفس و اكتساب فضائل ( إلى ) اقتباس علـــــوم ( إلى ) اقنفاء آثار ( إلى ) تثقيف عقول ( إلى ) تبصر بأحوال السلف * ليقيس العاقل نفسه على من مضى من أسلافه ضف إلى ذلك أن كان المتناول استجلاء ذكرياته ممن جمعت له الفضائل ومكارم الأخلاق وعلو الهمة ومنتهى الشجاعة وطيب المحتد وشرف النسب وعلو الحسب ** إن شخصية بارزة كهذه عليها السلام لخليق بأن لا تهمل سيرتها وأن لا تطوى ذكرياتها ولجدير بكل امرئ عاقل متأهل لبلوغ أوج الكمال طامحة نفسه للمعالي أنه يروحها بتلك الذكريات وأن يصور لها حياة جديدة قياسا بمن مضى من أسلافها *
والسيدة الطاهرة الزكية بنت الإمام على بن أبى طالب ابن عم الرسول صلوات الله تعالى عليه وأبنة سيدتنا ( السيدة فاطمة الزهراء بنت سيدنا ومولانا سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ) وشقيقة ريحانتيه لها أشرف نسب وأجل حسب وأكمل نفس وأطهر قلب فكأنها صيغت فى قالب ضمخ بعطر الفضائل ، فالمستجلى آثارها يتمثل أمام عينيه رمز الحق رمز الفضيلة رمز الشجاعة ، رمز المروة ، فصاحة اللسان ، قوة الجنان ، مثال الزهد ، مثال الورع ، مثال العفاف ، مثال الشهامة ، ( إن فى ذلك لعبرة )
ألا ترى جوابها لجموع الشر يزيد وصحبه وهى فى السر دامية القلب باكية العين مثلوبة الفؤاد بعد تلك الذكريات المؤلمة وقد أحاط بها العدو من كل صوب ( يريدون ليطفئوا نور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره ) فلما أفحمتهم بفصاحتها ، وابهتتهم ببلاغتها ، مع أنها تعلم من نفسها أنها فى قبضة القوم وتعلم ما هم عليه من سوء السريرة وخبث السيرة ، فتمثل الحق بين عينيها وشملتها أريحية هاشمية طويت بين جوانبها فرمزت للحق بالحق ، وللفضيلة بالفضيلة ، فأخرست الألسن وكمت الأفواه ، وصمت الأذان ، (فانظر) ذلك الشعور السامي الاسلامى ( ولما ) علم القوم سوء طواياهم وإحادتهم عن جادة الحق والحقيقة استسمحها قائدهم فسمعت ( فتأمل ) 0فلئن كان فى النساء شهيرات فالسيدة أولاتهن ، وإذا عدت الفضائل فضيلة فضيلة من وفاء وسخاء وصدق وصفاء وشجاعة وإباء وعلم وعبادة وعفة وزهادة ( فزينب عليها السلام ) اقوي مثال للفضيلة بكل مظاهرها *
فجدير بطالب فنون الفضائل أن يقتبس من صفحات ذكرياتها أنموذجا يهذب به نفسه ويجنى به ثمار علو الهمة ثمار منتهى الشجاعة ثمار فصاحة اللسان ثمار نصرة الحق ثمار العفو عند المقدرة ثمار المروءة والعفاف وبذلك يكون قد جمع بين دفتي الفضائل بأجلي مظاهرها فى صفحته *
هذه الذكريات التي جمعت بين دفتيها نموذجا من الفضائل ومكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال لزينب المروءة لزينب الشهامة هى الباعث الأول الذي حدانى لإخراج هذا الأثر وقد حاولت استقصاء أخبارها دون توسع *
وما كنت لا تضخهم حجم الكتاب فيعسر تناوله 0 كما حاولت أن أدلى ببراهين استقيتها من مصادر تاريخية موثقة تثبت أن جثمانها الزكي الطاهر مدفون بمصر بضريحها الشريف الواقع جنوبي القاهرة يتعرف ذلك متصفح هذه العجالة ووفقت إلى ذلك بتوفيق الباري سبحانه وتعالى هو ولى التوفيق لا رب غيره ولا معبود سواه
القاهرة : فى يوم الجمعة 15 رجب الفرد عام 1350هـ
27 نوفمبر سنة 1931م
حسن محمد قاسم
بعده