التبرك
مفهوم حقيقة التبرك : قبل أن نبين أدلة مشروعية التبرك علينا أن نفهم هذه الأشياء : أن الأشخاص فلا اعتقاد فضلهم وقربهم من الله سبحانه وتعالى مع اعتقاد عجزهم عن جلب خير أو دفع شر إلا بإذنه سبحانه وتعالى . أما الآثار فلأنها منسوبه إلى هؤلاء الأشخاص فهي مشرفة بشرفهم ، ومكرمة ومعظمة محبوبة لأجلهم .
أما الأمكنة فلا فضل لها لذاتها من حيث هي أمكنتة ، وإنما لما يحل فيها ويقع من خير وبر كالصلاة والصيام وجميع العبادات مما يقوم به عباد الله الصالحين . إذ تتنزل فيها الرحمات وتحضرها الملائكة وتغشاها السكينة ، وهذه هي البركة التي تطلب من الله في الأماكن المقصود لذلك . وهذه البركة تطلب للتعرض لها في أماكنها بالتوجه إلى الله تعالى ودعائه واستغفاره ، وتذكر ما وقع في الأماكن من حوادث عظيمة ومناسبات كريمة ، تحرك النفوس ، وتعبث فيها الهمة والنشاط للتشبه بأهلها أهل الفلاح والصلاح .
مظاهر تشريف الله تعالى لنبيه سيدنا صلى الله عليه وسلم :
1. بذكر اسمه صلى الله عليه وسلم في الأذان : إن الله تعالى أكرم نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بأن قرن اسمه باسمه في الأذان وعلى ألسنة الناس ، فكما قال الناس : لا إله إلا الله قالوا : محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد فسر العلماء قول الله تعالى ( ورفعنا لك ذكرك ) بأنه تعالى قرن اسم نبيه صلى الله عليه وسلم في الأذان باسمه الكريم .
2. بذكر اسمه صلى الله عليه وسلم في القرءان : إن الله تعالى عطف اسم نبيه الكريم على اسمه عز وجل في أكثر من آية في كلامه العزيز كقوله تعالى ( قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين ) .. وكقوله تعالى ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ) . وكغيره من الآيات الكريمة .
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبرك وإذنه في ذلك :
1. الأحاديث التي أمر فيها صلى الله عليه وسلم بالترك به بلغت حد التواتر ، وقد أقر عليها صلى الله عليه وسلم أصحابه ، وقد انعقد الإجماع على أنه صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل .
فمن هذه الأحاديث التي أمر فيها بالتبرك به : عن طلق بن علي قال : خرجنا وفدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا معه وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا فاستوهبناه من فضل طهوره فدعا بماء فتوضأ وتمضمض ثم صبه لنا في إدواة وأمرنا فقال ( اخرجوا فإذا أتيتم أرضكم فاكسروا بيعتكم وانضحوا مكانها بهذا الماء واتخذوها مسجدا ) قلنا إن البلد بعيد والحر شديد والماء ينشف قال ( مدوه من الماء فإنه لا يزيده إلا طيبا )(فاكسروا بيعتكم بمعنى اكسروا مكان العبادة وهي البيعه ....) رواه النسائي كذا في المشكاة (رقم 716 ) وهذا الحديث من الأصول المعتبرة المشتهرة الدالة على مشروعية التبرك به وبآثاره وبكل ما هو منسوب إليه فإنه صلى الله عليه أخذ وضوءه ثم جعله في إناء ثم أمرهم أن يأخذوه معهم إجابة لطلبهم وتحقيقا لمرادهم فلا بد أن هناك سرّا قويا متمكنا في نفوسهم دفعهم إلى طلب هذا الماء بخصوصه والمدينة مملوءة بالمياه .
بل وبلادهم مملوءة بالماء فلم هذا التعب والتكليف في حمل قليل من الماء من بلد إلى البلد مع بعد المسافه وطول السفر وحرارة الشمس ؟! ( راجع كذلك مفاهيم يجب أن تصحح للدكتور محمد علوي المالكي ص135 ).
نعم كل ذلك لم يهمهم لأن المعنى الذي يحمله هذا الماء يهون عليهم كل المشقة ألا وهو التبرك به وآثاره وبكل ما هو منسوب إليه وهو لا يوجد في بلدهم ولا يتوافر على كل حال عندهم ، بل ويتأكد صلى الله عليه وسلم لجوابه لهم لما قالوا إن الماء ينشف لشدة الحر إذ قال لهم ( مدوه من الماء ) فبين لهم أن بركته التي حلت في الماء لا تزال باقية مهما زادوا فيه فهي مستمرة متصلة .
2. ومن الأحاديث التي أذن فيها صلى الله عليه وسلم رواه مسلم في باب الفضائل في باب طيب عرقه صلى الله عليه وسلم بالتبرك به عن أنس بن مالك قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيت أم سليم قينام على فراشها وليست فيه ، فجاء ذات يوم فنام على فراشها وأتت وقيل لها هذا النبي نائم في بيتك على فراشك قال : فجاءت وقد عرق واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش ففتحت عتيدتها – الصندوق الصغير تجعل المرأة فيه ما يعز من متاعها- فجعلت تنشف ذلك العرق وتعصره في قواريرها ففزع النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ماتصنعين يا أم سليم ؟ فقالت يا رسول الله ، نرجوا بركته لصبياننا قال أصبت .
التبرك بالصالحين وآثارهم : روى مسلم في صحيحه عن مصعب بن سعد قال : رأى سعد رضى الله عنه أن له فضلا على من دونه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ) رواه البخاري في كتاب الجهاد الباب 76.
وروى الإمام أحمد عن شريح بن عبيد قال : ذكر أهل الشام عند على وهو بالعراق فقالوا : ألعنتهم ياأمير المؤمنين . قال : لا ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( البدلاء بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله رجلا مكانه ، يستسقي بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب ) رواه أحمد في الجزء الأول ص112 والهيثمي في مجمع الزوائد 10/67. ومن أراد استقصاء أحاديث الأبدال فعليه بالحاوي للفتاوي للحافظ السيوطي .
وروى الإمام مالك في الموطأ في باب ( ماجاء في دفن الميت ) والبخاري ومسلم وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ) .
وروي الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك ) .
وروي البخاري في باب التواضع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وماتقرب إلي عبدي بشي أحب إلي مما افترضته عليه ، ومايزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ، وإن سألتني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذه ، وما ترددت عن شيئ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ) .
وروى مسلم في صحيحه عن أسير بن جابر قال : كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه إمداد أهل اليمن أفيكم أويس بن عامر ؟ حتى أتى على أويس فقال : أنت أويس بن عامر ؟ قال : نعم ، قال من مراد ثم من قرن ؟ قال : نعم قال : فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم ، قال : نعم قال : لك والدة ؟ قال : نعم-قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمراء أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم ، له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل ، فاستغفر لي ، فاستغفر له .
التبرك بتقبيل يد ورجل الصالحين :
وقال القاضي عياض في الشفا ص 49 : عن الشعبي قال : صلى زيد بن ثابت على جنازة أمه ثم قربت له بلغته ليركبها ، فجاء ابن العباس فأخذ بركابه ، فقال زيد : خل عنه يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : هكذا نفعل بالعلماء ، فقبل زيد يد ابن عباس وقال : هكذا امرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا .
وأورد الحافظ في الإصابة بصيغة الجزم .
وروى أحمد والطبراني عن عمير بن اسحاق قال: رأيت أبا هريرة لقى الحسن بن علي فقال له : اكشف عن بطنك حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل منه فكشف عن بطنه فقبله .
وروى أحمد عن عبد الرحمن بن رزين أنه نزل المدينة هو وأصحابه يريدون الحج ، قيل لهم : ها هنا سلمة بن الأكوع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيناه فسلمنا عليه ثم سألناه ، فقال : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هذه وأخرج لنا كفه وقال : قمنا إليه فقبلنا كفيه جميعا . رواه البخاري في الأدب المفرد في باب تقبيل اليد .
وروى عبد الرازق في الجامع والخرائطي في مكارم الأخلاق وابن عساكر في التاريخ والبيهقي في السنن : عن تميم بن سلمة قال : لما قدم عمر الشام استقبله أبو عبيده بن الجراح فصافحه وقبل يده ثم خلوا يبكيان ، فكان تميم يقول : تقبيل اليد سنة .
التبرك بثياب الصالحين :
وقال مالك في من أوصته أمه أن يكفنها في ثوب معين : أحب إلي أن يكفن أمه في الثوب الذي أوصت أن تكفن فيه ، قال ابن رشد : قول مالك ( أحب إلي ) ليس على ظاهره ، بل هو الواجب عليه إذا أوصت بذلك تبركا لأنها حجبت فيه أو كانت تشهد به الصلوات ، لأن من أوصى بقربه وجب أن تنفذ وصيته . وقال ابن ابطال : ينبغي التبرك بثياب الصالحين .
التبرك بصحيح البخاري :
وقال الحافظ بن حجر في مقدمة فتح الباري ج1 ص24: ذكر الإمام القدوة أبو محمد ابن أبي جمرة في اختصار للبخاري قال : قال لي من لقيته من العارفين عمن لقى من السادة المقر بالفضل أن صحيح البخاري ماقرئ في شدة إلا فرجت ولا ركب به في مركب فغرق .
وقال الشيخ اللكنوي في مقدمة تحفه الأحوذي ص116 : قال الحافظ بن كثير : وكتاب البخاري الصحيح يستسقي بقراءته الغمام وأجمع على قبوله وصحته أهل الإسلام .
التبرك بمس قبر الإمام أحمد بن حنبل : وذكر اعلامة المحدث زاهد الكوثري في مقالاته ص376 أنه قرأ في كتاب الحكايات المنثورة للحافظ الضياء المقدسي الحنبلي أنه سمع الحافظ عبد الغني المقدسي يقول : إنه خرج في عضده شيئ يشبه الدمل فأعيته مداواته فمسح به قبر الإمام أحمد فبرئ ولم يعد إليه والكتاب المذكور بخط الحافظ المذكور ومن خطه نقلت ، وهو بظاهرية دمشق برقم 98 .
لا شك أن الإستغراق في المحبه يحمل على الإذن في ذلك ، والمقصود من ذلك كله الاحترام والتعظيم للأنبياء والأولياء ، والناس تختلف مراتبهم في ذلك كما كانت تختلف في حياته صلى الله عليه وسلم ، فأناس حين يرونه لا يملكون أنفسهم بل يبادرون إليه صلى الله عليه وسلم ، وأناس فيهم أناة يتأخرون ، والكل محل خير .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
منقول من كتاب أيها القرنيون هلا فقهتم للشيخ عز الدين ابو العزائم
_________________ بئس الانام ثلاثة و إمامهم ذاك الخبيث الأحمق الحراني تلميذه ابن القيم النزِق الذي ذم الكرام بقوله البهتــان وخليفة الاثنين ناشر كفرهم ذَنَّبٌ يسمى ناصر الألبانــي
***(اللهم اجعلني من المهتدين واجعلني سببًا لمن إهتدى )***
|