قال الإمام عثمان بن محمد بن عثمان بن صالح ، المعروف بعثمان بن فودى - تغمدهم الله برحمته - آمين
أما بيان أن دين الله يسر فقد قال الله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) وقال تعالى : ( وما جعل عليكم فى الدين من حرج ) وقال عليه الصلاة والسلام : ( إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحدا إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا ، وأبشروا ، واستعينوا بالغدوة والروحة ، وشىء من الدلجة ) رواه البخارى وقال عليه الصلاة والسلام : ( يسروا ولا تعسروا ، وأبشروا ولا تنفروا ) رواه البخارى فى صحيحه.
وفى تخليص الإخوان قال عليه الصلاة والسلام : ( اختلاف أئمة أمتى رحمة ) وقال عبد العزيز فى الدرر الملتقطة : ( من كرم الله - تعالى - أن العلماء مختلفون ، فإذا شدد هذا سهل غيره ، ودين الله يسر ، ومن قوى علمه وصحت معرفته شدد على نفسه وسهل على الناس ) وقال رويم : ( من حكم الحكيم أن يوسع على إخوانه فى الأحكام ، ويضيق على نفسه فيها ، فإن التوسعة إتباع العلم والتضييق على نفسك من حكم الورع ) .
قال الشيخ أبو إسحاق الشاطبى : ( الأولى عندى فى كل نازلة أن يكون لعلماء المذهب فيها قولان ، فيعمل الناس على موافقة أحدهما - وإن كان مرجوحا - ألا يعترض عليهم ، وأن يجروا على أنهم قلدوه فى الزمان الأول ، وجرى به العمل فإنهم إن حملوا على غير ذلك كان فيه تشويش للعامة وفتح لباب الخصام ) .
وقال عبد الوهاب الشعرانى فى اليواقيت : ( سمعت سيدى عليا الخواصى - رحمه الله - يقول : اعملوا على الجمع بين أقوال العلماء جهدكم ، فإن إعمال القولين أولى من إلغاء أحدهما ، وبذلك يقل تناقض أقوال العلماء ، ومن وصل مقام الكشف وجد جميع الأئمة المجتهدين لم يخرجوا عن الكتاب والسنة فى شىء من أقوالهم ، وشهدها كلها مقتبسة من شعاع نور الشريعة ، لأنهم على آثار الرسل سلكوا فكما أنه يجب عليك - يا أخى - الإيمان والتصديق بكل ما جاءت به الرسل - عليهم الصلاة والسلام - مما يخالف شريعتك ظاهرا ، فكذلك يجب عليك الإيمان والتصديق بصحة ما استنبطه المجتهدون ، وإن خالف مذهب إمامك ) .
وقال عبد الوهاب الشعرانى فى اليواقيت ، فى محل آخر : ( وفى البخارى عن محمد بن كعب القرظى ، التابعى الجليل أنه كان يقول : إن أعظم المسلمين فى المسلمين جرما من سئل عن شىء لم يحرم فحرمه على المسلمين من أجل مسألته وكان - صلى الله عليه وسلم - يخاف على أمته من كثرة تنزيل الأحكام ) .
ثم قال بعد كلام : سمعت سيدى عليا الخواص - رحمه الله - يقول : ( ما من عالم يأمر الناس بفعل شىء لم يصرح الشارع بالأمر به إلا تمنى يوم القيامة أنه لم يكن رجح شيئا ) ثم قال : ( إن المرجحين بأهوائهم خلاف ما رجح الشارع رجلان ، الزاهد بغلب جانب الحرمة ، والثانى بغلب رفع الحرج عن هذه الأمة رجوعا إلى الأصل ، فهذا عند الله أقرب من الذى يغلب الحرمة ، إذا الحرمة أمرها عارض للأصل ، ورافع الحرج دائر مع الأصل ، وإليه يعود حال الناس فى الجنان يتبوءون من الجنان حيث شاءوا ، وما أغفل أهل الأهواء - وإن كانوا مؤمنين - عن هذه المسألة ، وسيندمون إذا انكشف الحجاب ، فإياك يا أخى وساوس الطبيعة ، فإن العبد ممكور به من حيث لا يشعر .
فإن قلت : هل يقتضى ما ذكرنا من أول هذه المقدمة إلى هنا من التسهيل عدم باب التشديد فى الدين لكونه يسرا أو لا ؟ والجواب أن ذلك لا يقتضيه ، لأن باب التشديد معلوم فى الدين أيضا ، وقد ورد فيه مالا يحصى من الأحاديث ، وقد سلك مسلكه من لا يحصى من العلماء ، كالشيخ السنوسى فى باب النظر، وكالطرطوشى وابن الحاج صاحب المدخل فى الحوادث من البدع ، كل يتكلم على حسن نيته وعلى مقتضى أهل زمانه .
وقال عبد العزيز فى الدرر الملتقطة : ( إذا أفتى العالم بالتشديد وترك التسهيل ، لما ظهر عنده من الفقه ، وما غلب عليه من خوف الله - تعالى - فهو حسن ، ومن العلماء من يتررك ذلك التسهيل : خوفا على العوام من الانحلال ، وترك التحرز فى الدين ، فإن الغالب من العوام إذا وجد التسهيل يترك التحرز بالكلية ) انتهى
من كتاب : "الوصية الرضية من الراعى إلى الرعية (الموسوم بنجم الإخوان يستعينون به فى أمور الزمان)"
_________________
ما خاب بين الورى يوما ولا عثرت***في حالة السير بالبلوى مطيته من كان لله رب العرش ملتجأ***ومن تكن برسول الله نصرته
|