تعصبوا لشيوخهم فى كل شئ حتى وصلوا الى التبرك بآثار النبى ومكانه واى متعلق به ونفوا ما صح بالاجماع وآثروا الهوى والابتداع لما كان من فعل المتصوفه وتبركهم بالصالحين منهم فابدت لهم عين السخط الصواب خطأ
وأسال الله العلى القدير أن يقيض لهم من اهل الله من يخرجهم من الحرمين وتلك الاماكن الطاهره التى هدموا الكثير منها بدعوى التقديس لها من العوام
واترك لكم احبائى فى رسول الله وكل من يحب رسول الله ان يقرأ كلام من يدعون محبة النبى صلى الله عليه واله وسلم
رأى الفوزان
والحاصل من هذه الآثار والأحاديث هو أن التبرك به ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبآثاره وبكل ما هو
منسوب إليه سنة مرفوعة، وطريقة محمودة مشروعة) اهـ.
أقول: في هذا الكلام إجمال سببه عدم التحقيق، وترك تدبر النصوص، فصاحب المفاهيم لم يفرق بين التبرك بذاته، أو ما انفصل منه، وبين الآثار الأرضية من بقاع صلى فيها، أو جلس فيها.
الأول: كما تقدم بيانه قد فعل بحضرة النبي محمدٍ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأقره فهو سنة ومشروع.
الثاني: وهو التبرك بالآثار الأرضية، فليس بمشروع، ولذا لم يستطع صاحب المفاهيم أن يأتي بدليلٍ يصدق عليه دعواه العريضة في قوله: (سنة مرفوعة)، وهذا من عدم التفرقة بين المتفرقات، وترك سبيل المحققين من أهل العلم.
ومما يدل على أن التبرك بالآثار الأرضية غير مشروع ومحدثٌ أمورٌ:
الأول: أن هذا النوع من التبرك لم يكن في عهده ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم ينقل فيه شيء نقلًا مصدقًا، لا بإسنادٍ صحيح ولا حسن ولا ضعيف، فلم ينقل أن أحدًا تبرك في زمانه بأثر له أرضي، وإذا لم ينقل مع توافر الدواعي على نقله، ووجود الهمم على نقل ما هو دونه بكثير: علم أنه لم يكن في زمانه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما كان كذلك فإحداثه بدعة، وكل بدعة ضلالة، والبدع يجب النهي عنها ومضادتها.
وهذا ما أرشد الخليفة الراشد إلى النهي عنه، وعن تتبع الآثار الأرضية، كما مَرّ في ما رواه المعرور بن سويد الأسدي.
الثاني: أن بركة ذوات الأنبياء والمرسلين لا تتعدى إلى الأمكنة الأرضية، وإلا لزم أن يكون كل أرضٍ وطئها، أو جلس عليها، أو طريق مر بها، تطلب بركتها، ويتبرك بها. وهذا لازم باطل قطعًا، فانتفى الملزوم، وهذا جلي لمن تأمل اتساعه وتسلسله.
الثالث: أن طلب التبرك بالأمكنة الأرضية خلاف سنة الأنبياء جميعًا قبل نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم يتحروا الآثار الأرضية للأنبياء قبلهم، ولا أمروا بتحريها، وكل ما كان خلاف ذلك فهو مما أحدثه الخلوف ـ الذين يفعلون ما لا يؤمرون ـ بعد أنبيائهم حين صعبت عليهم التكاليف الشرعية، فرغبوا في التعلق لغفران الذنوب وزيادة الحسنات بالتبرك المبتدع بالآثار المكانية؛ ولذا قال عمر: (إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، يتبعون آثار أنبيائهم)، وقد سبق تخريجه.
الرابع: أن الأمكنة الأرضية لا تكون مباركة إلا بدوم الطاعة فيها، وهي سبب إعطاء الله البركة، فالمساجد مباركة لذلك، وبركتها لا تكون مع زوال الطاعات عنها.
فمما يمثل به على هذا: أن المساجد التي غلب عليها الحربيون وصيروها كنائس زالت عنها بركة المسجد التي كانت حين كان يطاع الله فيه، وبعد أن أحدث فيها الشرك وتعبد فيها بغير شريعة الإسلام، فالبركة تنتزع، وهذا مما لا منازع فيه ولا مجادل.
الخامس: أن التبرك بالآثار المكانية وسيلة إلى ما هو أعظم: من تقديسها والاعتقاد فيها، ولا غرو، فقد قال الإخباريون عن أولاد إسماعيل (: أنهم (ضاقت عليهم مكة، ووقعت بينهم الحروب والعداوات، وأخرج بعضهم بعضًا فتفسحوا في البلاد والتماس المعاش.
وكان الذي سلخ بهم إلى عبادة الأوثان والحجارة أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن إلا احتمل معه حجرًا من حجارة الحرم تعظيمًا للحرم وصبابة بمكة) ["الأصنام"(ص6)، ولم أسقه للاستدلال، وإنما لبيان ما قيل في حالهم].
وما كان هذا شأنه فمنعه أوجب، إذ الوسيلة إلى ما ليس بمشروع ليست بمشروعة سدًا للباب، وقطعًا للذريعة.
إن السلامة من سلمى وجارتها ** أن لا تحلَّ على حالٍ بواديها
السادس: أن تعظيم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتماس بركته وتحريها يكون بما بقي اليوم من نوعي البركة وهي بركة الاتباع، والعمل بسنته، وجهاد أعداء سنته، والمخالفين لأوامر شرعه، والمنافقين الذي فتنوا الناس وأضلوهم، وبهذا رغب السلف من التابعين وأئمة الهدى، الذين حققوا محبة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنالهم من بركة اتباعه ما أذن الله فيه، وتركوا عدا هذا من التبرك بالآثار الأرضية، فعلم من هذا أن ما تركوه غير معروف عندهم، ولا هو بمشروع.
وفي هذه الأمور لطالب الهداية والتوفيق مقنع، وللراغب في سداد القول والعمل منجع، وإن الحق لأحق أن يتبع، والحمد لله الموفق للصالحات.
وقال صاحب المفاهيم (ص156):
(وبالنصوص التي نقلناها،يظهر كذب من زعم أن ذلك ما كان يعتني به ويهتم بفعله أحد من الصحابة إلا ابن عمر،وأن ابن عمر ما كان يوافقه على ذلك أحد من أصحاب الرسولـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا جهل أو كذب أو تلبيس.
فقد كان كثير غيره يفعل ذلك ويهتم به، ومنهم: الخلفاء الراشدون ـ رضي الله عنهم ـ وأم سلمة، وخالد بن الوليد، وواثلة بن الأسقع، وسلمة ابن الأكوع، وأنس بن مالك، وأم سليم، وأسيد بن حضير [تحرف اسم حُضَير بالحاء المهملة إلى خضير بالخاء المعجمة، فصححته] وسواد ابن غزية، وسواد بن عمرو، وعبد الله بن سلام، وأبو موسى، وعبد الله ابن الزبير، وسفينة مولى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسرة خادم أم سلمة، ومالك بن سنان، وأسماء بنت أبي بكر، وأو محذورة، ومالك بن أنس وأشياخه من أهل المدينة كسعيد بن المسيب، ويحيى بن سعيد) انتهى.
أقول: لن أطيل القول في تخريج ما نسبه إلى هؤلاء الصحابة والتابعين، ولكن هنا أمور:
الأول: أن اتهام صاحب المفاهيم من قال بتفرد ابن عمر بالاهتمام بالآثار المكانية بالكذب ثم بالجهل والكذب والتلبيس، من سيئات المقال، وفضائح الأحوال،إذ ما كان يظن بالصغار أن يكذبوا الكبار من أئمة الحديث والفقه والدين الذين قالوا بتفرد ابن عمر.
الثاني: أن هذا القول نسبتُهُ إلى الجهل أحق، إذ من لم يفرق بين البركة الذاتية، والآثار المكانية فخليق باطراح قوله.
الثالث: أن من أورد أسماءهم إنما رُوي عنهم التبرك بآثاره ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذاتية الباقية بعد وفاتهـ صلى الله عليه وسلم ـ والعرق والجبة والرداء وما شاكل ذلك على القول بصحته، وإلا فعند التحقيق فلا يصح منه إلا شيء قليل.
فلِمَ يُكذَّب من يقول بالفرق وهو الحقيق بالنظر الصحيح، والقول المنيع؟! أما من لم يسبر العلم ورضي منه بحظ أدنى الناس نظرًا ومعرفة فلا وزن لقوله عند أهل العلم.
وهذه التعمية من صاحب المفاهيم ينخدع بها من يحسن الظن به ويثق بعلمه، وتبعتهم يوم القيامة كبيرة {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} [البقرة: 166].
ولا يستطيع صاحب المفاهيم أن ينقل عن غير ابن عمر من صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تبركه بالآثار المكانية، بسندٍ صحيح أو حسن.
الرابع: نسبته ذلك للإمام مالك إمام المدينة وعالمها ليست صحيحة، فمالك ـ رحمه الله ـ كان ينهى عن تتبع الآثار المكانية، وينقل مالك هذا عن أعلام التابعين المدنين، وفي كتب أصحاب مالك من هذا نصوص، منها: ما قاله محدث الأندلس ابن وضاح (ص43) في كتابه "البدع والنهي عنها" قال: (وكان مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد، وتلك الآثار للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما عدا قباءً وأحدًا) اهـ.
فما للذي ينتسب لمذهب مالك لا يكون مالكيًا في هذه المسائل، سلفيًا كما كان مالك رحمه الله رحمة واسعة؟
_________________ ما لذة العيش الا صحبة الفقراهم السلاطين والسادات والامرا
فاصحبهم وتأدب فى مجالسهم وخل حظك مهما قدموك ورا
|