[font=Tahoma][align=justify] مكانة الحديث الضعيف وأهميته في الدين .
لأنه مما عمت به البلوى في هذه الأيام أن كل من هب ودب يتحدث في الدين ويعطي نفسه الحق في تضعيف كل ما لا يوافق هواه !! معتبرا أنه بتضعيفه -محقا كان أو مبطلا , عالما كان أو جاهلا - لرواية من الروايات أخرجها عن دائرة العمل بها , دون تفريق بين الرواية الضعيفة والموضوعة , ودون اعتبار لما استقر عليه أهل المصطلح من أن الرواية قد تكون ضعيفة فتقوى وتحسن بكثرة طرقها أو بشواهد أخرى لها تعضدها , وهو ما يسميه المحدثون " الصحيح لغيره " و " الحسن لغيره " .
ولأن هذه العجالة ليست الموضع المناسب للاسترسال في هذا الموضوع فإنني أكتفي بذكر نبذة مختصرة عن الحديث الضعيف وأهميته وحكمه وأقسامه والفرق بينه وبين الموضوع . فالحديث الضعيف هو : ما قصر عن درجة الصحة أو الحسن , وتتفاوت درجاته في الضعف بحسب بعده من شروط الصحة .
والموضوع : وهو كلام كذب وضعه الكذابون والوضاعون ونسبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم زورا وإفكا وبهتانا , وهو كلام لا سند له , وإذا وجد له سند فهو كالبناء على الماء وعلى جرف هار , وتحرم روايته إلا للعلم به وتمييزه عن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ,كما يحرم العمل به مطلقا .
أما الضعيف : فإنه - في معظمه ما لم يشتد ضعفه -كلام قاله النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يستكمل شروط الصحة - سندا أو متنا - التي استقر عليه المحدثون , ولذا فإن نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم تتفاوت قوة وضعفا على حسب درجة الضعف فيه ..
ويكفي أن نذكر مثالا على ذلك : الحديث المرسل -وهو أحد أقسام الضعيف- وهو الذي رفعه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر الصحابي , وربما كان ذلك التابعي سعيد بن المسيب أو الحسن البصري أو غيرهما من الأئمة الأعلام الثقاة .
وربما كان الحديث ضعيف المتن لكن له من الشواهد ما يجبر ضعفه ويقويه ليصل به إلى مرتبة الحسن أو الصحيح كما مر منذ قليل .
وينقسم الحديث الضعيف إلى أقسام كثيرة , منها : المسند , والمرفوع , والموقوف , والمرسل , والمقطوع , والمنقطع , والمعضل , والمعنعن , والمؤنّن , والمعلق , والمدلس , والمدرج , والمعلل , والمقلوب , والمضطرب , والمركب , والمنقلب , والمصحف , والمسلسل , والفرد و والشاذ , والمنكر , والتروك ... إلخ .
وقد ذهبت الكثرة إلى العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال والمناقب بشروط هي : إن يكون شديد الضعف ، وأن يندرج تحت أصل معمول به , وعدم وجود معارض يدفعه .
وقد نقل النووي إجماعا على العمل بالحديث الضعيف في الفضائل حيث قال : أجمع أهل الحديث وغيرهم على العمل في الفضائل ونحوها مما ليس فيه حكم ولا شيء من العقائد وصفات الله تعالى بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال (1) .
وقد قدم الإمام أحمد رضي الله عنه العمل بالحديث الضعيف على القياس .وقال رضي الله عنه : ضعيف الحديث خير من قويِّ الرَّأْي (2) .
وقيل له رضي الله عنه : " تأخذ بحديث " كل الناس أكفاء ... " وأنت تضعفه ؟! " فقال : إنما يضعف إسناده ، ولكن العمل عليه (3) .
وقال أبو داود:العمل بضعيف الحديث -عندي- خير من العمل بقويِّ رأي الرجال (4).
وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " من بلغه عن الله شيء فيه فضيلة فأخذ به إيمانا ورجاء ثوابه أعطاه الله ذلك وإن لم يكن كذلك " (5) .
وقال " من بلغه عن الله فضيلة فلم يصدق بها لم ينالها " (6) .
وأختم كلامي بما قاله فضيلة الشيخ محمد زكي إبراهيم بعد أن ذكر نقل النووي وابن عبد البر الإجماع على ذلك : ولم يخالف في الإجماع على العمل بالضعيف إلا ابن العربي "أبو بكر المالكي" على ما نقله ابن الصلاح , ولمخالفته هذه وجوه يرد عليه منها أو يحمل قوله عليها , فلا تعارض بينه وبين الإجماع بجواز العمل بالضعيف في موضعه كما قدمنا , ومن كل ذلك يظهر أن احتجاج العلماء أو استئناسهم أحيانا بالضعيف في غير العقائد والأحكام شيء أصيل من العلم والدين , وأن الحملة عليه نوع من المغالطة والتجهيل , وليس أضرّ على الدين من نقل الأحكام عن مواضعها أو التمويه بها أو تشويه حقائقها , نسأل الله الهداية والإنصاف (7) . ــــــــــــــــ (1) راجع في ذلك كتاب النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي . (2) راجع في ذلك كتاب النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي . (3) راجع هذا المثال وأمثلة غيره في النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي . (4) وممن كان يرى الأخذ بالضعيف في الرقائق والفضائل : ابن المبارك والعمبري وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري وابن مهدي ويحيى بن معين والخطيب البغدادي وابن عديّ والرملي والنسائي وابن الصلاح والحافظ ابن حجر والسخاوي وغيرهم . (5) أخرجه الخطيب البغدادي 8/295 والديلمي 3/559 وابن النجار وأبو الشيخ في مكارم الأخلاق ( كنز العمال 15/791 ) والحسن بن عرفة في جزئه ( المقاصد الحسنة /107 ) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما , وابن عبد البر وكامل الجحدري ( المقاصد الحسنة /107 ) عن أنس رضي الله عنه .. قال السخاويّ : وله شواهد عن ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة .. ( المقاصد الحسنة /107 ) وقال العجلوني : قال القاري : غاية الأمر أنه ضعيف , ويقويه أنه رواه ابن عبد البر من حديث أنس , كما ذكره الزركشي , وكذا ذكره العز بن جماعة في منسكه الكبير إلا أنه لم يسنده ولم يعزه إلى أحد , ويأيده أنه ذكره السيوطي في جامعه الصغير وقال : رواه الطبراني في "الأوسط" عن أنس بلفظ " من بلغه عن الله فضيلة فلم يصدق بها لم ينالها " , ففي الجملة له أصل أصيل .. انتهى .. كشف الخفاء 2/310 (6) أخرجه الطبراني في الأوسط 5/217 وأبو يعلى 6/163 وابن عديّ 2/59 عن أنس بن مالك رضي الله عنه . (7) راجع له في ذلك كتاب أصول الوصول /360-368 وكتاب وظيفة الحديث الضعيف في الإسلام . [/align][/font]
[font=Tahoma][align=justify]مادة هذه المشاركة منقولة من تحقيق وتقديم الأستاذ عاطف وفدي لرسالتي : إحياء الميت بفضائل آل البيت للإمام الحافظ جلال الدين السيوطي ، ورسالة معرفة ما يجب لآل البيت النبوي من الحق على من عداهم لتقي الدين المقريزي . ( صـ 40 -42 ) - مكتبة الرحمة المهداة - المنصورة - مصر - الطبعة الثانية - 1427هـ - 2007 م .[/align][/font]
_________________ رضينا يا بني الزهرا رضينا بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا
يا رب
إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ
|