وفى سنة 1346هـ / 1927 م نصدر مرسوم ملكى بنزع ملكية القسم الأول من الأرض اللازمة لهذا المشروع من الجهة البحرية ، ثم صدر فى السنة التالية مرسول ىخر بنزع ملكية الجزء الثانى ، وقدرت نفقات ذلك بمبلغ 45000 جنية مصرى ، أرصد منها بإقرار من مجلس الورزاء مبلغ اربعة الأف جنيها ثم أضيفت بعد ذلك مبالغ أخرى ، وقد تناولت هذه العمارة عدا ما ذكر ؛ داخل الجامع بإلاصلاح والتجديد وشملت أواوينه الأربع وسقفه ودعاماته وقبة الصحن وحدوده الأربع والمنازل الأثرية المجاورة له ، كمنزل قايتباى وغيره ، وهكذا كان من توجيه عناية المنعم الملك فؤاد الأول ملك مصر رحمه الله بهذا الجامع ؛ أناسترد سابق مجده وعادت إليه حياته الأولى بعد أن مضت عليه الحقب الطوال متخربا مهجورا لا تقام فيه الشعائر ولا يذكر فيه اسم الله وكان هذا من حسنات المغفور له الملك فؤاد الأول رحمه الله
وصف هذا المسجد فى سنة1359 هـ / 1940 م
ويشمل هذا المسجد على أرعبة أواوين أكبرها الإيوان الشرقى وهو مكون من خمسة أروقة تحملها دعائم فى أركانها الأربعة اسطوانات لكل دعامة أسطوانة ، وفى هذا الإيوان ستة محاريب منها : المحراب الطولونى وهو المجاور للمنبر ،وإلى يساره محراب آخر يعرف بمحراب السيدة نفيسة رضى الله عنها لرؤيا منامية ، ومحرابان بين سدة المبلغ ، والمحراب الأفضلى ، ومحراب لاجين ، وكلها من الجص وفى بعضها انحراف عن الاتجاه الصحيح للقبلة ، وبه المنبر وهو من آثار لاجين وعليه مذكرة تاريخيه نصها
أمر بعمل هذا المنبر المبارك مولانا السلطان الملك
المنصور حسام الدنيا والدين لاجين المنصورى فى
العاشر من صفر سنة ست وتسعين وستمائة
وهو من خشب ساج هندى وأبنوس وعظم وخشب بقس ، وقد ردت إليه فى العمارة الأخيرة مجموعة من أجزائه التى كانت مفقودة
وباقى أواوين المسجد يشتمل على منها على رواقين محمولين على داعائم تماثل دعائم الإيوان الشرقى وصحن المسجد مكشوف وبوسطه نافورة تقوم على أربعة أقواس معقودة فوقها قبة ولها أربعة أبواب من نواحيها الأربع ، وبالجانب الغربى منه المنارة الكبيرة ذات الدرج الخارجى وهى اول مئذنة حجرية بقيت من هذا التاريخ الى اليوم ،وللجامع غير هذه المنارة مآذن أخرى منها منارة القاضى كريم الدين عبد الكريم الناصرى ،التى أنشأها فى عصر ملك مصر الناصر محمد بن قلاوون فى حوالى سنة 721هـ / 1321م وهى بأعلى الزاوية البحرية الشرقية وقد سقطت المئذنة الأخرى التى كانت تقابلها فى اواخر القرن الثالث عشر الهجرى
وبالجهة الغربية من المسجد بإزاء المئذنة تربة الشيخ شرف الدين المدينى مكتوب عليها بأعلى بهابها ما نصه
أنشأ هذا المكان المبارك العبد الفقير الى الله تعالى
العارف بالله تعالى سيدنا ومولانا الشيخ شرف
الدين المدينى أعاد الله علينا من بركاته بتاريخ شهر
رجب سنة ثلاثين وتسعمائة
وهذا الشيخ شرف الدين المدينى ؛ هو أحد مدرسى هذا الجامع فى القرن العاشر الهجرى ترجمه الشعرانى فى طبقاته الوسطى ،وقد صحبه من سنة 930 هـ / 1524م ، إلى حين وفاته وكان يتردد عليه فى هذا الجامع لسماع القرآن والحديث ، وارخ وفاته فى صفر سنة 960 هـ / 1553 م
المذكرة الأولى : للمنشىء احمد بن طولون وهى فى رسم موضوع الآن على إحدى الدعائم بالبلاط الشرقى وهى ثانية اثنتين من مذكرات المنشىء ،وقد أدركت الحملة الفرنسية هذه المذكرات وصورتها فى أطلس المصلحة التاريخية التى وضعها علماء الحملة عن مصر وآثارها ومعالمها ، وقد قرأناها فى اللوحة ( رقم 11ه و ف ج ) وبالمقابلة مع المذكرة الموجودة بالمسجد وهى رقم 25 شكرا بالخط الكوفى وهذا نصها كاملا
بسم الله الرحمن الرحيم ... الملك الحق المبين ، آية الكرسى آخر
سورة الفتح كنتم خير امة أخرجت للناس ولو آمن
اهل الكتاب لكان خيرا لهم يا أيها الذين آمنوا إذا
نودى للصلاة من يوم الجمعة ، إنما يعمر مساجد
الله ، إلخ الآيات .....
أمر الأمير أبوالعباس احمد بن طولون مولى أمير
المؤمنين ادام الله له العز والكرامة والنعمة التامة
فى الآخرة والأولى ببناء هذا المسجد المبارك الميمون
من خالص ما أفاء الله عليه وطيبه لجماعة المسلمين
ابتغاء رضوان الله والدار الآخرة وإيثارا لما فيه تسنية
الدين وألفة المؤمنين ورغبة فى عمارة بيت الله وأداء
فرضه وتلاوة كتابه ومداومة ذكره ؛ إذ يقول الله
تقدس وتعالى فى بيوت أذن الله أنترفع ويذكر فيها
اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم
تجار ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الذكاة
يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم
الله احسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق
من يشاء بخير حساب فى شهر رمضان من سنة خمس
وستين ومائتين سبحان ربك رب العزة عما يصفون
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين اللهم
صل على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد
وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم
وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد
وهذه التصلية الأخيرة تختلف فى صيغتها عن المذمرة الآخرى بزيادة كأفضل ما صليت وترحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وأنعم إنك حميد مجيد ، ويلاحظ أنه لا يوجد بالنص ما هو مهموز فى الحروف طبقا لقراءة ورش
المذكرة الثانية : وهى لأمير الجيوش بدر الجمالى ، وهى فى روسم به أربعة أسطر بالخط الكوفى الرقيق يعلو أحد الأبوابالشرقية بالزيادة البحرية ، يقرأ فيها ما نصه :
البسملة ..... إنما يعمر إلى المهندين نصر من الله
وفتح قريب لعبد الله ووليه معد أبىتميم الإمام
المصتنصر بالله أمير المؤمنين صلوات الله عليه
وعلى آبائه الطاهرين وابنائه الأكرمين . أمر بتجديد
هذا الباب وما يليه عند عدوان النار على ما أبدعه
المارقون فيه السيد الأجل أمير الجيوش سيف
الإسلام ناصر الإمام أبو النجم بدر المستنصرى
أدام الله قدرته وأعلى كلمته ابتغاء ثواب الله وطلب
مرضاته وذلك فى صفر سنة سبعين واربعمائة
والحمد لله وصلواته على سيدنا محمد النبى وآله
الطاهرين وسلم تسليما
وللأفضل بن بدر هذا مذكرة أخرى بالمحراب الجص القائم بالبلاط الشرقى أحد المحاريب الستة الموجودة به ، والفضل هذا خلف والده فى الوزارة ، ونقش بألقابه وأنشأ هذا المحراب فى سنة 482هـ / 1089 م
وبالمسجد مذكرات للسلطان حسام الدين لاجين بعضها لا يزال به وبعضها محتفظ به ، منها مذكرة المنبر:
أمر بعمل هذا المنبر المبارك مولانا السلطان الملك
المنصور حسام الدنيا والدين لاجين المنصورى فى
العاشر من صفر سنة ست وتسعين وستمائة
ومذكرة دار الوضوء ( الفسقية ) :
أمر بإنشاء هذه القبة المباركة والفسقية والساعات
الشريفة مولانا السلطان الملك المنصور حسام
الدنيا والدين لاجين المنصورى فى سنة ست وتسعين
وستمائة
ومذكرة الساعات :
أمر بعمل هذه الساعات بالجامع المعروف بأحمد
ابن طولون تغمده الله برحمته مولانا السلطان الملك
المنصور حسام الدنيا والدين لاجين المنصورى فى
سنة ست وتسعين وستماية
ومذكرة المصباح ( الشمعدان )
مما عمل برسم الجامع المعمور ببقاء سيد ملوك
المسلمين مولانا السلطان الملك المنصور حسام
الدنيا والدين أبى عبد الله لاجين الذى تقرب به الى
الله تعالى بعمارته المعروف بابن طولون تقبل الله
منه ذلك واحسن إليه فى الدنيا والآخرة وجعله فى
صحائف حسناته العبد الفقير الى الله تعالى شادى
ابن شيركوه أثابه الله تعالى الكبير
( وهذا الشمعدان فى محفوظات المتحف الإسلامى مسجدل برقم 128
مذكرة ضريح الشيخ شرف الدين بالجهة الغربية بإزاء المئذنة
أنشأ هذا المكان المبارك العبد الفقير إلى الله تعالى
سيدنا مولانا الشيخ شرف الدين الميدنى أعاد الله
علينا من بركاته بتاريخ شهر رجب سنة ثلاثين
وتسعمائة
(وظل هذا الضريح موجودا إلى ما بعد عام 1937 م وكان معروفا بمقام سيدى البوشى )
أحمد بن طولون
الأمير أحمد بن طولون منشىء هذا الأثر العظيم ، تركستانى المنشأ من قبيلة أراكس فى شمال جبل القبق ، ولد بسر من رأى ( سامرا ) بالعراق فى سنة 220هـ / 835م ؛ حيث كان أبوه قد هاجر من التركستان إلى بغداد والتحق بالسلك العسكرى فى خلافة المأمون العباسى ، ورقى فى بلاد الخليفة حتى وصل إلى منصب أمير الستر .
ويبدأ ظهور نجم أحمد بن طولون فى سنة 250هـ / 865م فإن الخليفة المستعين بالله حين يرى فى أحمد ابن طولون ولاءه للخلافة وعلو همته وإخلاصه يقربه غليه ويزوجه من جاريته ( مى ) ، وقد زهرت آيات الإخلاص والولاء فى أحمد بن طولون حينما أراد المعز أن يفتك بالمستعين ، فاستعان عليه بابن طولون لقربه منه ،لكن أحمدأراد أن يبرهن على إخلاصه لولى نعمته ختى فى ىخر رمق من حياته ، فلما لم يجرؤ على قتله إذا به يسلمه إليه ليتولى هو الفتك به أوالخلاص منه بالطريقة التى يراها ، وبعدها يقيض الله سبحانه باك بك ( ومعناه طاهر بك ) ( تأتى صلة ابن طولون بطاهر بك هذا عن طريق زواجه بأمة جشم ( عيناء ) بعد وفاة أبيه طولون ) الذى كان مرشحا لولاية مصر ، فيشركه مع ابن ابن المدبر فى مصر ، فيدخل احمد بن طولون مصر غير نادم على العراق وأهله ، وبعد دخول أبن طولون مصر واستقراراه بها يمهد له الملك أسباب الوصول إليه ، فيتبوأ عشر مصر وتأتيه إمارتها طواعيه وما هى إلا بضع سنوات حتى يصبح أحمد بن طولون ملكا على مصر ،وتيدن له البلاد بأسرها فيحكمها بعدله ويبسط ‘لى أهلها وارف ظله ، ولما تنتظم أحواله يشرع فى تأسيس مملكته الجديدة فيحصنها ويعزز قوى الجيش فيها لصد كل عدوان أجنبى ، ويرفه عن جنوده ويبنى لهم الصكنات والمعسكرات بمدينته الجديدة ، وحينما يدب دبيب الخلاف بينه وبين الخليفة الموفق العباسى ، لم يكترث له ويمضى فى عزمه ويرابط له فى الجزيرة فىجيوش جرارة مجهزة بالعدد والآلات والعتاد الحربى ، ,ايخرا يتم له الأمر ويستولى على السواحل والمدن الشامية ويوقع الهزيمة بالجيش العباسى ، وبعدها تدين البلاد له بالطاعة ويملك رقعة كبيرة فىقارة آسيا ،ولما يعود إلى مصر دار ملكه ومقر سلطانه ومحل إمارته وهو يشعر بأنه قد أدى رسالته فى الحياة حتى ناله منها ، يأتيه نذير الموت وهو فى طيقه إليها فيحب به ، فيمون أحمد بن طولون تاركا لا بنهخماروية ملكا لا يعادله ملك الخليفة العباسى ، وقد ضرب احمد بن طولون لخلفه من الملوك أعلى الأمثال فى الصبر وحسن التدبير وبعد النظر فى التفكير السليم واداء الحق ورعاية المصالح والحلم والمروءة وكان فوق ذلك مثلا يحتذى به فى النسك والعقة والنزاهة والتقى والصلاح والجد فى الأمور ومراعاة الجابن ، وكان فى الأمور السياسية والشئون الدولية مثلا يجتذى به ، بعيد العوز عالى الهمة طموحا إلى المجد ، نعمت مصر فى أيامه وظفرت باستقلاق رفع من شأنها أمام الدول المحيطة
هذا هو أحمد بن طولون منشىء هذا الأثر الخالد ، وقد مات بعد أن أكمل الخمسين من عمره ، ثم دفن بعد مراسم تشيع جنازته فى احتفال شهده أهل مصر قاطبة ، فى قبر متواضع بخط سارية بين الإمام الشافعى وقبة حاتم بن هرثمة ، كتب عليه بالكوفى
سبحان من تفرد بالقدرة وقهر العباد بالموت هذا
ما يشهد به عبد الله أحمد بن طولون يشه ألا إله
الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله
أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو
كره المشركون توفى يوم الاثنين لثمان عشرة ليلة
خلت من ذى القعدة سنة سبعين وميتين
عبرت على قبر ابن طولون مرة
ففكرت فيا كان من عظم قدره
ولم أر فيما كان يملكه لكا
تبقى له شىء سوى لوح قبره
وما ينفع الإنسان فيما يحوزه
إذا فارق الدنيا سوى طيب ذكره
وقد ظل قبر أحمد بنطولون معدودا فى المزارات هذه المنطقة من القرافة إلى أوائل القرن الحادى عشر الهجرى ، فقد ذكره على السخاوى فى تحفة الأحباب ووضعه فى أول الجبانة القاهرية على قيد غلوة من الخانقاه القوصونية وشيوط الزيارات إذا ذكروا مرازات هذه المنطقة ، ذكروا المدرسة المسبحية فالخانقاه القوصونية ، فإذا وصلوا إليها ذكروا قبر أحمد بن طولون ، وهذا الموضع هو نفس التحديد الذى حدد به ابن الناسخ فى مصباح الدياجى والموفق بن عثمان فى مرشد الزوار وابن الزيات فى الكواكب السيارة ، حيث اتفقوا على أنه خارج باب القرافة مقابل له من الجهة الشرقية ,أنه أول مزارات هذه المنطقة للخارج من باب القرافة ، بيد أن هذه المنطقة وإن كان بها عدة قبور وقباب وآثار إلا أنه لا يوجد فهيا ما ينسب إلى ابن طولون وهذا يدل على اندثاره بعد القرنين الحادى عشر والثانى عشر ، وباب القرافة المقصورد فى عبارة ابن الناسخ ومن ذكر بعده هو الباب القاشم باول شارع الأقدام من آثار الملك الكامل وليس باب قايتباى الحالى
ويقول حسن قاسم فى المزارات
هى التربة الصغرى القريبة من باب القرافة ثم بعدها من شقة الجبل القبة القوصونية ( الخانقاه القوصونية ) التى تنسب للأمير قوصون السافتى مملوك الناصر محمد بن قلاوون والتىاندثرت ولم يتبق منها سوى مئذنتها ، وهى موجودة بصحراء سيدى جلال المعروفة قديما بالقرافة الناصرية
آثار ابن طولون
أسس ابن طولون مدينة القطائع وهى ثالثة ثلاث مدائن تنشأ بمصر الإسلامية ، وكانت تشغل جميعالمنطقة الجنوبية المحدودة الآن بشارع مراسينا وقلعة الكبش غربا ، وقلعة صلاح الدين ومجاوراتها إلى خط سارية شرقا ،وهذا طولها ، وكان عرضها من حد شارع الأقدان والأشرف إلى حد شارع الصليبة وخط الأساكفة وحدرة الحنا ، وما انضاف إلى هذه المدينة من الخطط التى تحيط بها من كل جانب ن ومن آثاره بالبلاد الشامية تعمير مدينة عكا وتحصينها وتجديد بناياتها بمباشرة المهندس أبو بكر المقدسى ن وجدد قلعة يافا ، وأنشأ بمصر مسجد التنور على قرنة الجبل ، والمارستان بأرض العسكر المدينة الثانية ، والقناطر بالجيزة ، والعيون بالبساتين والحصن بقلعة الروضة
خماروية بن أحمد بن طولون
اسم مركب من مقطعين خمار بضم الخاء وتشديد الميم وزيد فيه ( ويه ) بفتح الواو وسكون الياء ، هكذا ضبطه ابن دقماق ، خلف أباه فى الملك بعد موته ، وحينما استقر له الملك وبعد سلسلة انتصارات احرزها فى حروب أتم بها ما بدأ به أبوه ، عنى بتجميل مدينة القطائع واحدث بها بستانا زرع فيه أنواع الرياحين والورود والزعفران وكسا النخيل نحاسا مذهبا ، وجعل تحت النحاس ميازيب من الرصاص ينبثق منه الماء بترتيب عجيب ، وجعل من الرياحين صورا وكتابة يتعهدها البستانى بالمقراض فتبقى على أسكالها ، وبنى فى البستان برجا من خشب الساج وسرح فيه اصناف القمارى والطيور الجميلة الحسنة الصوت ، وجلب إلى البستان الطواويس ودجاج الحبش وغيرها من الطيور الغريبة ، وبنى قى قصره مجلسا سماه بيت الذهب موه حيطانه بالذهب واللازورد فى نقوش عجيبة ، وجعل فى الجدران تماثيل من الخشب بارزة ، وبنى فى القصر قبة عالية كان يجلس فيها فيشرف على المدينة ويرى الصحراء والنيل والجبل امامه ، وبنى دارا للأسود قبلى مدينة القطائع جعل فيها بيوتا فى كل بيت أسد ولبؤة ، وبجانب كل بيت حوض من الرخام ، ورتب الخدم بتعهد هذه الدار ، وكان له قصره سباع مدبربة أحدها اشتهر باسمزريف ، كان يأنس بالأمير ويستأنس به فإذا مدت مائدة خماروية ربض السد زريف بين يديه ، فإذا نام ربض عند سريره ، واستمرخماورية قائما بأعباء الملك حتى قتل أثناء خروجه إلى الشام لثمان خلون من شعبان سنة 282هـ / 895م ولم يلبث حتى قتل فى غايرة ذى القعدة من هذه السنة ، وحمل الى مصر فدفن بتربته ظاهر الفسطاط ، ولم تطل مدينة القطائع بعده إلا برهة ، ثم حرقها محمد بن سليمان ، الذى أغار على مصر ، وحارب هارون بن خماروية وانتصر عليه وقتله ، وهكذا أذهبت السياسة الغاشمة بهذه المدينة الطولونية العظيمة ، التى لو بقيت لكانت مضرب الأمثال ومكان الزائرين ، فما أقسى تلك القلوب المتحجرة
رثاء الدولة الطولونية
وقد تحسر الشعراء على ذهاب هذه الدولة وآثارها حسرتهم على كل عزيز لديهم ، ويظهر هذا السى باديا فى قصائدهم ، فمن ذلك نظم الشاعر إسماعيل بن أبى هاشم فى قصيدته منها
قف وقفة بقباب باب الساج
والقصر ذى الشرفات والأبراج
وربوع قوم أزعجوا عن دارهم
بعد الإقامة أيما إزعاج
كانوا مصابيحا لدى ظلم الدجى
يسرى بها السارون فى الأدلاج
وكأن أوجههم إذا أبصرت
من فضة بيضاء أو من عاج
كانوا ليوثا لا يرام حماهم
فى كل ملحمة وكل هياج
فانظر إلى آثارهم تلقى لهم
علما بكل ثنية وفجاج
وعليهم ما عشت لا أدع البكاء
مع كل ذى نظر وطرف ساجى
( باب الساج أحد أبواب القصر الطولونى بمدينة القطائع ، أطلق عليه هذا الأسم لأنه عمل من حشب الساج )
وله فى قصيدة أخرى
يا منزلا لبنى طولون قد دثرا
سقاك صر الغوادى القطر والمطرا
يا منزلا صرت أجفوه وأهجره
وكان يعدل عندى السمع والبصر
بالله عندك علممن أحبتنا
أم هل سمعت لهم من بعدنا خبرا
وسعيد القاص يرثى الدولة الطولونية ( ويقول المقريزى أن صاحب هذه القصيدة يدعى محمد بن طوشية )
من لم ير الهدم فى الميدان لم يره
تبارك الله ما اعلى ,اقدره
لو أن عينى الذى أنشأه تبصره
والحادثات تعادية لأكبره
كانت عيون الورى تعشو لهيبته
إذغ أضاف إليه الملك عسكره
وأخلق الدهر منه حسن جدته
مثل الكتاب محا العصران أسطره
دكت مناظره واجتثت جوسقه
كأنما الخسف فاجأه فدمره
أو هب إعصار نار فى جوانبه
فعاد معروفه للعين منكره
أين ابن طولون بانيه وساكنه
أماته الملك الأعلى فأقبره
ما أوضح الأمر لو صحت لنا فكر
طولى لمن حضه رشد فذكره
وله من قصيدة يذكر فيها مآثر ابن طولون وآثاره منها :
جرى دمعه ما بين سحر إلى نحر
ولم يجرحنى أسلمته يد الصبر
وبات وقيذا للذى خامر الحشا
يئن كما ان السير من الأسر
وهل يستطيع الصبر من كان ذا أسى
يبيت على جمر ويضحى على جمر
ولى فى بناء مسجد ابن طولون :
فبالجبل الغربى خطة يشكرا
له مسجد يغنى عن المنطق العذر
يدل ذوى الألباب أن بناءه
وبانيه لا يالغنى ولا الغمر
يناه بآجر وساج وعرعر
وبالمرمر المسنون والجص والصخر
بعد مدى الأقطار سام بناؤه
وتبنى المبانى من عقود ومن جدر
فسيح رحاب يحس الطرف دونه
رفيق نسيم كيب العرف والنشر
(((هجرة الأشراف إلى مصر )))
وفى عصر ابن طولون كانت مصر مثابة لطائفة من الأشراف الذين اضطهدتهم الخلافة العباسية وشردتهم فى الأصقاع والبقاع ن وكتب أحمد بن طولون يستقدمهم ، وكان إذا قدم وقد منهم ، يستقبله بنفسه ويتزله منزلا كريما ويغدق عليهم ،وقد حفظ لنا التاريخ فى طوائف الأشراف ووفودها جماعة منهم الأشراف القاسمية والفاطمية والباهرية وأشراف البصرة إلى طوائف اخرى ذخرت بهم مصر ، وكان يجالسهم وينزل إلىزيارتهم وقد حمد له اهل مصر هذا الصنيع وحبب إيهم ولهجت الألسنة بالثناء عليه .