موقع د. محمود صبيح

المدرسة الكاملية في القاهرة





تنسب المدرسة الكاملية في القاهرة إلى السلطان الكامل محمد بن السلطان العادل أبي بكر بن نجم الدين أيوب (615-635هـ/ 1218-1237م) الذي يعد من أهم سلاطين الأسرة الأيوبية، فهو ابن أخ السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، وكان أبوه السلطان العادل الأيوبي الذي حكم مصر والشام بعد وفاة صلاح الدين، وقد توسم العادل في ابنه محمد النجابة والرياسة فولاه حكم مصر، وولى باقي إخوته على ولايات الشام والجزيرة الفراتية، فلما مات العادل فقد أصبح ولده الكامل محمد سلطان مصر منفردًا.

وكان الكامل الأيوبي مخالفًا لسير أبيه وعمه صلاح الدين فيما يتعلق بجهاد الصليبيين، إذ كان محبًا للسلام والدعة، به ضعف وخور شديد نحو القتال، يعمل على تجنبه وذلك على الرغم من تصديه للحملة الصليبية الخامسة على دمياط في بداية حكمه، ولكنه مال فيما بعد للسكون والمهادنة، وجعل كل اهتمامه منصبًا على محاربة إخوانه في الشام على الحدود ومناطق النفوذ.

وقد أحب الكامل الأيوبي للعمران فأنشأ السدود وأصلح الطرق ووسع الرقعة الزراعية واهتم بالنواحي العلمية، وشيد المدارس والمعاهد، وكان محبًا للعدل بين الرعية والرفق بهم، مهابًا بينهم، وبالجملة كان له فضائل كثيرة، ولكنه أقدم على خطأ فظيع محق كل أفعاله وخصاله، وهذه الغلطة تمثلت في قيامه باستدعاء الإمبراطور الألماني فريدريك الثاني حتى يشغل أخاه المعظم عيسى عن الإغارة على مصر بسبب الخلافات التي انتابت علاقاتهما.

ثم تمادى الكامل الأيوبي وصدم مشاعر المسلمين عندما قام بتسليم بيت المقدس للصليبيين سنة 625هـ للإمبراطور فريدرك الثاني برباروسا بلا قتال ولا نزال، وإنما فعل ذلك ليتفرغ لقتال إخوانه في الشام خصوصًا المعظم عيسى أمير دمشق، وجعل جل همه الاستيلاء على دمشق، فدخلها سنة 635هـ ولم يدم ملكه فيها سوى شهرين ثم اعتراه مرض الموت، فمات في 23 من رجب سنة 635هـ.

على أية حال كانت مصر في القرون الخمسة الأولى من العصر الإسلامي مركزاً للعلوم ومقصداً للطلاب، وكانت مساجد عمرو بن العاص وابن طولون والأزهر والحاكم ودار الحكمة عامرة بالدراسات المختلفة، وعلى الرغم من أن الفاطميين دعوا للمذهب الشيعي في مصر عندما استولوا عليها وولوا فقهائهم مناصب القضاء فإنهم عجزوا عن القضاء على المذهب السني. وحينما قامت الدولة الأيوبية فقد قضى سلاطينها على التشيع وأنشئوا المدارس لفقهاء الشافعية والمالكية.

ولعل أهم حدث تاريخي ينسب لهذه الدولة ما أدخلته على العمارة الإسلامية وهو إنشاء المدارس الدينية ذات التخطيط الإيواني المتعامد على يد صلاح الدين الأيوبي الذي كان يدين بالمذهب السني، فانشأ المدارس لتعليم الشريعة حتى تعدل بين دراسة المذاهب الأربعة في الإسلام.

ونذكر الآن إحدى هذه المدارس وهى المدرسة الكاملية التي تقع بخط بين القصرين من القاهرة، وكان موضعها في البداية دار تعرف بدار ابن كستول بسوق الوراقين بخط بين القصرين، وسميت بدار الحديث الكاملية لأنه كان يدرس فيها علم الحديث وما يلحق بذلك من علوم، وقد أنشاها السلطان الكامل عام 622هـ/1225م ، وكانت تعد ثاني دار لتعليم علم الحديث، ووقفها على المشتغلين بالأحاديث النبوية ثم من بعدهم على الفقهاء الشافعية، ووقف عليها الربع الذي بجوارها.

ويذكر القلقشندى أن هذه الدار قد بناها الكامل الأيوبي وقرر بها مذاهب الأئمة الأربعة، ولكن لا يوجد دليل واضح على انه كان يدرس بها الفقه الشافعي أو يدرس بها المذاهب الأربعة، وبالرغم مما ذكره السلامي عن إبراهيم ابن سعد الرومي الحنبلي من أنه كان تلقى دروساً بدار الحديث الكاملية عام 693هـ/ 1241م فإنه لا يعد دليلاً قوياً على ما ذكره القلقشندى، لأن السلامي لم يفصح عن طبيعة الدروس التي كان قد ألقاها ابن سعيد، وربما كانت دروساً في علم الحديث.

ولذا فإنه يمكن الاعتماد على النص الصريح للمقريزي الذي يؤكد أنها كانت مدرسة شافعية، فقد عمل بها ثلاثة من فقهاء الشافعية وهم أبو الخطاب عمر بن الحسن بن على بن دحيه (633هـ/1239م) الذي كان أول من تولى مشيختها والتدريس بها إلى أن عزله السلطان الكامل وأسند مشيختها إلى أخيه أبى عمرو عثمان بن الحسن بن على بن دحيه وظل بها حتى توفى عام (634هـ/1237م)، ثم تولاها من بعده الحافظ عبد العظيم بن عبد القوى المنذري (656هـ/1258م) الذي بقى في مشيختها أكثر من عشرين سنة ثم الرشيد العطار، وظلت هكذا في أيدي أكابر الفقهاء حتى تلاشى أمرها نتيجة أحداث ومحن عام 806هـ/ 1403م وتهدم معظمها فيما بعد وبقى منها الآن بقايا تقع في شارع المعز لدين الله الفاطمي.

http://zelmadain.maktoobblog.com/28/%D8 ... 8%D8%8C-2/