موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 3 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: البردة للبوصيري
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يوليو 29, 2012 8:44 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء إبريل 04, 2012 12:30 pm
مشاركات: 280
قصيدةِ البُردةِ المباركةِ كاملةً
للإمام شرف الدين أبي عبد الله محمد بن سعيد البوصيري
مَزَجْتَ دَمعــا جرى مِن مُقلَةٍ بِدَمِ أمِنْ تَــذَكِّرِ جيرانٍ بــذي سَــلَمِ
وأومَضَ البرقُ في الظَّلمـاءِ مِن اِضَمِ أَم هَبَّتِ الريحُ مِن تلقــاءِ كــاظِمَةٍ
وما لقلبِكَ اِن قلتَ اسـتَفِقْ يَهِــمِ فـما لِعَينـيك اِن قُلتَ اكْفُفَـا هَمَـتَا
ما بينَ منسَــجِمٍ منه ومُضْـطَـرِمِ أيحَســب الصَبُّ أنَّ الحبَّ مُنكَتِــمٌ
ولا أَرِقْتَ لِــذِكْرِ البـانِ والعَلَـمِ لولا الهوى لم تُرِقْ دمعـــا على طَلِلِ
به عليـك عُدولُ الدمـعِ والسَّـقَمِ فكيفَ تُنْكِـرُ حبا بعدمـا شَــهِدَت
مثلَ البَهَـارِ على خَدَّيـك والعَنَـمِ وأثبَتَ الـوَجْدُ خَـطَّي عَبْرَةٍ وضَـنَى
والحُبُّ يعتَـرِضُ اللـذاتِ بالأَلَـمِ نَعَم سـرى طيفُ مَن أهـوى فـأَرَّقَنِي
مِنِّي اليـك ولَو أنْصَفْـتَ لَم تَلُـمِ يــا لائِمي في الهوى العُذْرِيِّ مَعـذرَةً
عن الوُشــاةِ ولا دائي بمُنحَسِــمِ عَدَتْـــكَ حالي لا سِـرِّي بمُسْـتَتِرٍ
اِنَّ المُحِبَّ عَنِ العُــذَّالِ في صَمَـمِ مَحَّضْتَنِي النُّصْحَ لكِنْ لَســتُ أسمَعُهُ
والشَّـيْبُ أبعَـدُ في نُصْحٍ عَنِ التُّهَمِ اِنِّي اتَّهَمْتُ نصيحَ الشَّـيْبِ فِي عَذَلِي
مِن جهلِـهَا بنذير الشَّـيْبِ والهَـرَمِ فـانَّ أمَّارَتِي بالسـوءِ مــا اتَّعَظَت
ضَيفٍ أَلَـمَّ برأسـي غيرَ مُحتشِـمِ ولا أعَــدَّتْ مِنَ الفِعلِ الجميلِ قِرَى
كتمتُ سِـرَّا بَــدَا لي منه بالكَتَمِ لــو كنتُ أعلـمُ أنِّي مــا أُوَقِّرُهُ
كما يُرَدُّ جِمَاَحُ الخيــلِ بالُّلُـجُمِ مَن لي بِرَدِّ جِمَــاح مِن غَوَايتِهَــا
اِنَّ الطعـامَ يُقوِّي شــهوةَ النَّهِمِ
حُبِّ الرّضَاع وَإِِِنْ تَفْطِمْهُ يَنفَطِــمِ فـلا تَرُمْ بالمعاصي كَسْـرَ شـهوَتهَا
والنَّفسُ كَالطّفلِ إِنْ تُهمِلْه ُشَبَّ عَلَى
اِنَّ الهوى مـا تَـوَلَّى يُصْمِ أو يَصِمِ فاصْرِف هواهــا وحاذِر أَن تُوَلِّيَهُ
واِنْ هِيَ استَحْلَتِ المَرعى فلا تُسِـمِ وراعِهَـا وهْيَ في الأعمال سـائِمَةٌ
مِن حيثُ لم يَدْرِ أَنَّ السُّمَّ في الدَّسَـمِ كَـم حسَّــنَتْ لَـذَّةً للمرءِ قاتِلَةً
فَرُبَّ مخمَصَةٍ شَـــرٌّ مِنَ التُّـخَمِ واخْشَ الدَّسَائِسَ مِن جوعٍ ومِن شِبَعٍ
مِن المَحَـارِمِ والْزَمْ حِميَـةَ َالنَّـدَمِ واستَفرِغِ الدمعَ مِن عينٍ قَـدِ امْتَلأتْ
واِنْ همـا مَحَّضَـاكَ النُّصحَ فاتَّهِـمِ وخالِفِ النفسَ والشيطانَ واعصِهِـمَا
فأنت تعرفُ كيـدَ الخَصمِ والحَكَـمِ ولا تُطِعْ منهما خصمَا ولا حكَمَــا
أنِ اشـتَكَتْ قدمَــاهُ الضُّرَّ مِن وَرَمِ ظَلمتُ سُـنَّةَ مَن أحيــا الظلامَ الى
تحتَ الحجارةِ كَشْــحَاَ ًمُتْرَفَ الأَدَمِ وشَدَّ مِن سَغَبٍ أحشــاءَهُ وطَـوَى
عن نفسِـه فـأراها أيَّمَـــا شَمَمِ وراوَدَتْــهُ الجبالُ الشُّـمُّ مِن ذَهَبٍ
اِنَّ الضرورةَ لا تعــدُو على العِصَمِ وأكَّــدَت زُهدَهُ فيها ضرورَتُــهُ
والفريقـين مِن عُـربٍ ومِن عَجَـمِ محمدٌّ سـيدُ الكــونينِ والثقَلَـيْنِ
أبَـرُّ في قَــولِ لا منـه ولا نَعَـمِ نَبِيُّنَـا الآمِرُ النَّــاهِي فلا أَحَــدٌ
لكُــلِّ هَوْلٍ مِن الأهـوالِ مُقتَحَمِ هُو الحبيبُ الــذي تُرجَى شـفاعَتُهُ
مُستَمسِـكُونَ بِحبـلٍ غيرِ مُنفَصِـمِ دَعَـا الى اللهِ فالمُسـتَمسِـكُون بِـهِ
ولم يُـدَانُوهُ في عِلــمٍ ولا كَـرَمِ فــاقَ النَّبيينَ في خَلْـقٍ وفي خُلُـقٍ
غَرْفَا مِنَ البحرِ أو رَشفَاً مِنَ الدِّيَـمِ وكُــلُّهُم مِن رسـولِ اللهِ مُلتَمِـسٌ
مِن نُقطَةِ العلمِ أو مِن شَكْلَةِ الحِكَـمِ وواقِفُـونَ لَدَيــهِ عنـدَ حَدِّهِــمِ
ثم اصطفـاهُ حبيباً بارِيءُ النَّسَــمِ فَهْوَ الـــذي تَمَّ معنــاهُ وصورَتُهُ
فجَـوهَرُ الحُسـنِ فيه غيرُ منقَسِـمِ مُنَـزَّهٌ عـن شـريكٍ في محاسِــنِهِ
واحكُم بما شئتَ مَدحَاً فيه واحتَكِـمِ دَع مــا ادَّعَتهُ النصارى في نَبِيِّهِـمِ
وانسُب الى قَدْرِهِ ما شئتَ مِن عِظَـمِ وانسُبْ الى ذاتِهِ ما شـئتَ مِن شَـرَفٍ
حَـدٌّ فَيُعـرِبَ عنـهُ نــاطِقٌ بِفَمِ فَــاِنَّ فَضلَ رســولِ اللهِ ليـس له
أحيـا اسمُهُ حين يُـدعَى دارِسَ الرِّمَمِ لو نـاسَـبَتْ قَـدْرَهُ آيـاتُهُ عِظَمَـاً
حِرصَـاً علينـا فلم نرتَـبْ ولم نَهِمِ لم يمتَحِنَّــا بمـا تَعيَــا العقولُ بـه
في القُرْبِ والبُعـدِ فيه غـيرُ مُنفَحِمِ أعيـا الورى فَهْمُ معنــاهُ فليسَ يُرَى
صغيرةً وتُكِـلُّ الطَّـرْفَ مِن أَمَـمِ كـالشمسِ تظهَرُ للعينَيْنِ مِن بُــعُدٍ
قَــوْمٌ نِيَــامٌ تَسَلَّوا عنه بـالحُلُمِ وكيفَ يُــدرِكُ في الدنيــا حقيقَتَهُ
وأَنَّــهُ خيرُ خلْـقِ الله كُـــلِّهِمِ فمَبْلَغُ العِــلمِ فيه أنــه بَشَــرٌ
فــانمـا اتصَلَتْ مِن نورِهِ بِهِــمِ وكُــلُّ آيٍ أتَى الرُّسْـلُ الكِـرَامُ بِهَا
يُظهِرْنَ أنـوارَهَا للنــاسِ في الظُّلَمِ فـاِنَّهُ شمـسُ فَضْلٍ هُـم كــواكِبُهَا
بالحُسـنِ مشـتَمِلٌ بالبِشْـرِ مُتَّسِـمِ أكــرِمْ بخَلْـقِ نبيٍّ زانَــهُ خُلُـقٌ
والبحرِ في كَــرَمٍ والـدهرِ في هِمَمِ كالزَّهرِ في تَرَفٍ والبـدرِ في شَـرَفٍ
في عسـكَرٍ حينَ تلقاهُ وفي حَشَــمِ كــأنَّهُ وهْـوَ فَرْدٌ مِن جلالَتِــهِ
مِن مَعْــدِنَيْ مَنْطِـقٍ منه ومبتَسَـمِ كـــأنَّمَا اللؤلُؤُ المَكنُونُ في صَدَفٍ
طوبى لمُنتَشِـقٍ منـــه ومـلتَثِـمِ لا طيبَ يَعــدِلُ تُرْبَـا ضَمَّ أعظُمَهُ
يـــا طِيبَ مُبتَـدَاٍ منه ومُختَتَـمِ أبــانَ مولِدُهُ عن طِيــبِ عنصُرِهِ
قَــد أُنـذِرُوا بِحُلُولِ البُؤسِ والنِّقَمِ يَــومٌ تَفَرَّسَ فيــه الفُرسُ أنَّهُـمُ
كَشَـملِ أصحابِ كِسـرَى غيرَ مُلتَئِمِ وبـاتَ اِيوَانُ كِسـرَى وَهْوَ مُنْصَدِعٌ
عليه والنهرُ سـاهي العَيْنِ مِن سَـدَمِ والنارُ خـامِدَةُ الأنفـاسِ مِن أَسَـفٍ
وَرُدَّ وارِدُهَـا بــالغَيْظِ حينَ ظَـمِي وسـاءَ سـاوَةَ أنْ غاضَتْ بُحَيرَتُهَـا
حُزْنَـاً وبـالماءِ ما بـالنار مِن ضَـرَمِ كــأَنَّ بالنـارِ ما بالمـاءِ مِن بَلَـلٍ
والحـقُّ يظهَـرُ مِن معنىً ومِن كَـلِمِ والجِنُّ تَهتِفُ والأنــوارُ ســاطِعَةٌ
تُسمَعْ وبـــارِقَةُ الاِنذارِ لم تُشَـمِ عَمُوا وصَمُّوا فــاِعلانُ البشـائِرِ لم
بــأنَّ دينَـهُـمُ المُعـوَجَّ لم يَقُـمِ مِن بعـدِ ما أخبَرَ الأقوامَ كــاهِنُهُم
مُنقَضَّةٍ وَفـقَ مـا في الأرضِ مِن صَنَمِ وبعـد ما عاينُوا في الأُفقِِ مِن شُـهُبٍ
مِن الشـياطينِ يقفُو اِثْــرَ مُنهَـزِمِ حتى غَــدا عن طـريقِ الوَحيِ مُنهَزِمٌ
أو عَسكَرٌ بـالحَصَى مِن راحَتَيْـهِ رُمِي كــأنَّهُم هَرَبَــا أبطــالُ أبْرَهَـةٍ
نَبْـذَ المُسَبِّحِ مِن أحشــاءِ ملتَقِـمِ نَبْذَا به بَعــدَ تسـبيحٍ بِبَـطنِهِمَــا
تمشِـي اِليه على سـاقٍ بــلا قَدَمِ جاءت لِــدَعوَتِهِ الأشـجارُ سـاجِدَةً
فُرُوعُهَـا مِن بـديعِ الخَطِّ في الَّلـقَمِ كــأنَّمَا سَـطَرَتْ سـطرا لِمَا كَتَبَتْ
تَقِيـهِ حَرَّ وَطِيـسٍ للهَجِــيرِ حَمِي مثلَ الغمــامَةِ أَنَّى سـارَ ســائِرَةً
وكُــلُّ طَرْفٍ مِنَ الكفارِ عنه عَمِي وما حوى الغـــارُ مِن خيرٍ ومِن كَرَمِ
وهُم يقولون مـا بالغــارِ مِن أَرِمِ فالصدقُ في الغــارِ والصدِّيقُ لم يَرِمَـا
خــيرِ البَرِّيَّـةِ لم تَنسُـجْ ولم تَحُمِ ظنُّوا الحمــامَةَ وظنُّوا العنكبوتَ على
مِنَ الدُّرُوعِ وعن عــالٍ مِنَ الأُطُمِ وِقَـــايَةُ اللهِ أغنَتْ عَن مُضَــاعَفَةٍ
اِلا ونِــلتُ جِـوَارَاً منه لم يُـضَمِ ما سـامَنِي الدَّهرُ ضيمَاً واسـتَجَرتُ بِهِ
اِلا استَلَمتُ النَّدَى مِن خيرِ مُسـتَلَمِ ولا التَمســتُ غِنَى الدَّارَيْنِ مِن يَـدِهِ
قَلْبَاً اِذا نــامَتِ العينـانِ لم يَنَـمِ لا تُنكِـــرِ الوَحْيَ مِن رُؤيَـاهُ اِنَّ لَهُ
فليسَ يُنـكَرُ فيهِ حـالُ مُحتَلِــمِ وذاكَ حينَ بُلُــوغٍ مِن نُبُوَّتِــــهِ
ولا نــبيٌّ على غيــبٍ بمُتَّهَـمِ تبــارَكَ اللهُ مــا وَحيٌ بمُكتَسَـبٍ
وأطلَقَتْ أَرِبَــاً مِن رِبــقَةِ اللمَمِ كَــم أبْرَأَتْ وَصِبَـاً باللمسِ راحَتُهُ
حتى حَكَتْ غُرَّةً في الأَعصُرِ الدُّهُـمِ وأَحْيت السَــنَةَ الشَّــهباءَ دَعوَتُهُ
سَـيْبٌ مِنَ اليمِّ أو سَـيْلٌ مِنَ العَرِمِ بعارِضٍ جادَ أو خِلْتَ البِطَـاحَ بهــا
ظهُورَ نـارِ القِرَى ليـلا على عَـلَمِ دَعنِي وَوَصفِيَ آيـــاتٍ له ظهَرَتْ
وليس يَـنقُصُ قَــدرَاً غيرَ مُنتَظِمِ فالــدُّرُ يزدادُ حُسـناً وَهْوَ مُنتَظِمُ
مـا فيـه مِن كَرَمِ الأخلاقِ والشِّيَمِ فمَــا تَطَـاوُلُ آمــالِ المدِيحِ الى
قــديمَةٌ صِفَةُ الموصـوفِ بالقِـدَمِ آيــاتُ حَقٍّ مِنَ الرحمنِ مُحدَثَــةٌ
عَنِ المَعَـــادِ وعَن عـادٍ وعَن اِرَمِ لم تَقتَرِن بزمـــانٍ وَهْيَ تُخبِرُنــا
مِنَ النَّبيينَ اِذ جــاءَتْ ولَم تَـدُمِ دامَتْ لدينـا ففاقَتْ كُــلَّ مُعجِزَةٍ
لــذي شِـقَاقٍ وما تَبغِينَ مِن حِكَمِ مُحَكَّـمَاتٌ فمــا تُبقِينَ مِن شُـبَهٍ
أَعـدَى الأعـادِي اليها مُلقِيَ السَّلَمِ ما حُورِبَت قَطُّ الا عــادَ مِن حَرَبٍ
رَدَّ الغَيُورِ يَـدَ الجــانِي عَن الحُرَمِ رَدَّتْ بلاغَتُهَــا دَعوى مُعارِضِهَـا
وفَـوقَ جَوهَرِهِ في الحُسـنِ والقِيَمِ لها مَعَــانٍ كَموْجِ البحرِ في مَـدَدٍ
ولا تُسَـامُ على الاِكثــارِ بالسَّأَمِ فَمَـا تُـعَدُّ ولا تُحـصَى عجائِبُهَـا
لقـد ظَفِـرتَ بحَبْـلِ الله فـاعتَصِمِ قَرَّتْ بَهـا عينُ قارِيها فقُلتُ لــه
مِنَ العُصَاةِ وقَــد جاؤُوهُ كالحُمَـمِ كــأنَّها الحوضُ تَبيَضُّ الوُجُوهُ بِـهِ
فالقِسطُ مِن غيرِهَا في النـاسِ لم يَقُمِ وكـالصِّراطِ وكـالميزانِ مَعدَلَــةً
تجاهُلا وَهْـوَ عـينُ الحـاذِقِ الفَهِمِ لا تَعجَبَنْ لِحَسُـودٍ راحَ يُنكِرُهَــا
ويُنكِرُ الفَمَ طعمَ المـاءِ مِن سَــقَمِ قد تُنكِرُ العينُ ضَوْءَ الشمسِ مِن رَمَدٍ
سعيَــا وفَوقَ مُتُونِ الأَيْنُقِ الرُّسُـمِ يـا خيرَ مَن يَمَّمَ العـافُونَ سـاحَتَهُ
ومَن هُـوَ النِّعمَــةُ العُظمَى لِمُغتَنِمِ ومَن هُــوَ الآيـةُ الكُبرَى لمُعتَبِـرٍ
كما سَـرَى البَدرُ في داجٍ مِنَ الظُّلَمِ سَرَيتَ مِن حَـرَمٍ ليــلا الى حَرَمِ
مِن قابَ قوسَـيْنِ لم تُدرَكْ ولَم تُـرَمِ وبِتَّ ترقَى الى أن نِلـتَ مَنزِلَــةً
والرُّسْـلِ تقديمَ مخـدومٍ على خَـدَمِ وقَـدَّمَتْكَ جميعُ الأنبيـاءِ بهـــا
في مَوكِبٍ كُنتَ فيـه صاحِبَ العَـلَمِ وأنتَ تَختَرِقُ الســبعَ الطِّبَاقَ بهم
مِنَ الـــدُّنُوِّ ولا مَرقَىً لمُســتَنِمِ حتى اذا لم تدَعْ شَــأْوَاً لمُســتَبِقٍ
نُودِيتَ بالـرَّفعِ مثلَ المُفرَدِ العَــلَمِ خَفَضْتَ كُــلَّ مَقَامٍ بالاضـافَةِ اِذ
عَنِ العُيــون وسِـــرٍّ أيِّ مُكتَتِمِ كيما تَفُوزَ بِوَصْــلٍ أيِّ مُســتَتِرِ
وجُزْتَ كُــلَّ مَقَــامٍ غيرَ مُزدَحَمِ فَحُزتَ كُــلَّ فَخَارٍ غيرَ مُشـتَرَكٍ
وعَزَّ اِدراكُ مــا أُولِيتَ مِن نِعَــمِ وجَـلَّ مِقـدَارُ مـا وُلِّيتَ مِن رُتَبٍ
مِنَ العِنَايَـةِ رُكنَــاً غيرَ منهَــدِمِ بُشـرَى لنا مَعشَـرَ الاسـلامِ اِنَّ لنا
بـأكرمِ الرُّسْلِ كُنَّـا أكـرَمَ الأُمَـمِ لمَّـا دَعَى اللهُ داعينــا لطــاعَتِهِ
كَنَبـأَةٍ أَجْفَلَتْ غُفْــلا مِنَ الغَنَـمِ راعَتْ قلوبَ العِـدَا أنبـــاءُ بِعثَتِهِ
حتى حَكَوْا بالقَنَـا لَحمَا على وَضَـمِ مـا زالَ يلقــاهُمُ في كُـلِّ مُعتَرَكٍ
أشـلاءَ شـالَتْ مَعَ العُقبَـانِ والرَّخَمِ وَدُّوا الفِرَارَ فكــادُوا يَغبِطُونَ بـه
ما لم تَكُن مِن ليــالِي الأُشهُرِ الحُـرُمِ تَمضِي الليـالي ولا يَدرُونَ عِدَّتَهَـا
بكُــلِّ قَرْمٍ الى لَحمِ العِــدَا قَـرِمِ كـأنَّمَا الدِّينُ ضَيْفٌ حَلَّ سـاحَتَهُم
يـرمي بمَوجٍ من الأبطــالِ ملتَـطِمِ يَجُـرُّ بحـرَ خميسٍ فَوقَ ســابِحَةٍ
يَسـطُو بمُسـتَأصِلٍ للكُفرِ مُصطَـلِمِ مِن كُــلِّ منـتَدِبٍ لله مُحتَسِـبٍ
مِن بَعــدِ غُربَتِهَا موصولَةَ الرَّحِـمِ حتى غَدَتْ مِلَّةُ الاسـلامِ وَهْيَ بهـم
وخيرِ بَعـلٍ فــلم تَيْتَـمْ ولم تَئِـمِ مَكفولَـةً أبـدَاً منهـم بِـخَيرِ أَبٍ
مــاذا لَقِي منهم في كُـلِّ مُصطَدَمِ هُمُ الجبـالُ فَسَـلْ عنهُم مُصَادِمَهُم
فُصـولُ حَتْفٍ لَهم أدهى مِنَ الوَخَمِ وَسَـلْ حُنَيْنَاً وَسَـلْ بَدْرَاً وَسَلْ أُحُدَا
مِنَ العِــدَا كُلَّ مُسْوَدٍّ مِن الِّلمَـمِ المُصدِرِي البِيضِ حُمرَاً بعد ما وَرَدَتْ
أقــلامُهُمْ حَرْفَ جِسمٍ غيرَ مُنعَجِمِ والكاتِبينَ بِسُــمرِ الخَطِّ ما تَرَكَتْ
والوَرْدُ يمتـازُ بالسِّيمَى عَنِ السَّـلَمِ شـاكِي السـلاحِ لهم سِيمَى تُمَيِّزُهُم
فتَحسِبُ الزَّهرَ في الأكمامِ كُلَّ كَمِي تُهدِي اليـكَ رياحُ النَّصرِ نَشْـرَهُمُ
مِن شَـدَّةِ الحَزْمِ لا مِن شـدَّةِ الحُزُمِ كــأنَّهُم في ظُهورِ الخَيْلِ نَبْتُ رُبَـاً
فمـا تُـفَرِّقُ بين البَهْـمِ والبُهَـمِ طارَتْ قلوبُ العِدَا مِن بأسِـهِم فَرَقَاً
اِن تَلْقَهُ الأُسْـدُ في آجــامِهَا تَجِمِ ومَن تَـكُن برسـولِ اللهِ نُصرَتُـهُ
بِــهِ ولا مِن عَــدُوٍّ غيرَ مُنعَجِمِ ولَن تَــرى مِن وَلِيٍّ غيرَ منتَصِـرٍ
كالليْثِ حَلَّ مَعَ الأشـبالِ فِي أَجَمِ أَحَــلَّ أُمَّتَـهُ في حِـرْزِ مِلَّتِــهِ
فيه وكـم خَصَمَ البُرهانُ مِن خَصِمِ كَـم جَدَّلَتْ كَـلِمَاتُ الله مِن جَدَلٍ
في الجاهـليةِ والتــأديبَ في اليُتُمِ كفــاكَ بـالعلمِ في الأُمِّيِّ مُعجَزَةً
ذُنوبَ عُمْر مَضَى في الشِّعرِ والخِدَمِ خَدَمْتُهُ بمديــحٍ أســتَقِيلِ بِـهِ
كــأنني بِهِــمَا هَدْيٌ مِنَ النَّعَمِ اِذ قَـلَّدَانِيَ ما تُخشَـى عـواقِبُـهُ
حَصَلتُ الا على الآثـامِ والنَّـدَمِ أَطَعتُ غَيَّ الصِّبَا في الحالَتَيْنِ ومــا
لَم تَشتَرِ الدِّينَ بـالدنيا ولم تَسُـمِ فيـا خَسَــارَةَ نَفْسٍ في تِجَارَتِهَـا
بِينَ لـه الغَبْنُ في بَيْـعٍ وفي سَـلَمِ ومَن يَبِــعْ آجِـلا منه بـعاجِلِـهِ
مِنَ النَّبِيِّ ولا حَبـلِي بمُنصَـــرِمِ اِنْ آتِ ذَنْبَـاً فمــا عَهدِي بمُنتَقِضٍ
مُحمَّدَاً وهُوَ أوفَى الخلقِ بــالذِّمَمِ فـــاِنَّ لي ذِمَّةً منــه بتَسـمِيَتِي
فَضْلا والا فَقُــلْ يــا زَلَّةَ القَدَمِ اِنْ لم يكُـن في مَعَـادِي آخِذَاً بِيَدِي
أو يَرجِعَ الجــارُ منه غيرَ مُحـتَرَمِ حاشــاهُ أنْ يَحْرِمَ الرَّاجِي مَكَارِمَهُ
وجَدْتُـهُ لخَلاصِي خــيرَ مُلتَـزِمِ ومُنذُ أَلزَمْتُ أفكَـــارِي مَدَائِحَهُ
اِنَّ الحَيَـا يُنْبِتُ الأزهارَ في الأَكَـمِ ولَن يَفُوتَ الغِنَى منه يَــدَاً تَرِبَتْ
يَــدَا زُهَيْرٍ بمـا أثنَى على هَـرِمِ ولَم أُرِدْ زَهرَةَ الدنيـا التي اقتَطَفَتْ
سِـوَاكَ عِنـدَ حُلولِ الحادِثِ العَمِمِ يــا أكرَمَ الخلقِ ما لي مَن ألوذُ به
اذا الكريمُ تَجَلَّى بــاسمِ مُنتَقِـمِ ولَن يَضِيقَ رسـولَ اللهِ جاهُكَ بي
اِنَّ الكَبَـائِرَ في الغُفرَانِ كـالَّلمَـمِ يا نَفْـسُ لا تَقنَطِي مِن زَلَّةٍ عَظُمَتْ
تَأتِي على حَسَبِ العِصيَانِ في القِسَمِ لعَـلَّ رَحمَةَ رَبِّي حينَ يَقسِــمُهَا
لَدَيْـكَ واجعلْ حِسَابِي غيرَ مُنخَرِمِ يا رَبِّ واجعَلْ رجائِي غيرَ مُنعَكِسٍ
صَبرَاً مَتَى تَـدعُهُ الأهـوالُ ينهَزِمِ والطُفْ بعَبدِكَ في الدَّارَينِ اِنَّ لَـهُ
عـلى النبِيِّ بِمُنْهَــلٍّ ومُنسَـجِم وائذَنْ لِسُحْبِ صلاةٍ منك دائِمَةٍ
وأَطرَبَ العِيسَ حادِي العِيسِ بالنَّغَمِ ما رَنَّحَتْ عَذَبَاتِ البَانِ رَيحُ صَبَـا
وعَن عَلِيٍّ وعَن عثمـانَ ذِي الكَرَمِ ثُمَّ الرِّضَـا عَن أبي بَكرٍ وعَن عُمَرَ
أهلُ التُّقَى والنَّقَى والحِلْمِ والكَـرَمِ والآلِ والصَّحبِ ثُمَّ التَّابِعِينَ فَهُـمْ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: البردة للبوصيري
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يوليو 29, 2012 10:06 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس يونيو 14, 2007 2:19 pm
مشاركات: 5938
فتح الله عليك أخى الفاضل

اسمح لى أن أضعها مرة ثانية إذا أذنت

لأن الأبيات فوق, الشطر الثانى قبل الأول
و أيضا طمعا فى الثواب و البركة من صاحب البردة الإمام البوصيرى و صاحب البردة صلى الله عليه و آله و سلم

و رضى الله عن الإمام البوصيرى


قصيدة البردة مكتوبة كاملة (إن شاء الله)

أمنْ تذكر جيرانٍ بذى ســــلمٍ مزجْتَ دمعا جَرَى من مقلةٍ بـــدمِ

أَمْ هبَّتِ الريحُ مِنْ تلقاءِ كاظمـــةٍ وأَومض البرق في الظَّلْماءِ من إِضـمِ

فما لعينيك إن قلت اكْفُفا هَمَتــا وما لقلبك إن قلت استفق يهــــمِ

أيحسب الصبُ أنّ الحب منكتـــمٌ ما بين منسجم منه ومضْطَّــــــرمِ

لولا الهوى لم ترق دمعاً على طـللٍ ولا أرقْتَ لذكر البانِ والعَلــــمِ

فكيف تنكر حباً بعد ما شــهدتْ به عليك عدول الدمع والســــقمِ

وأثبت الوجدُ خطَّيْ عبرةٍ وضــنىً مثل البهار على خديك والعنــــمِ

نعمْ سرى طيفُ منْ أهوى فأرقـني والحب يعترض اللذات بالألــــمِ

يا لائمي في الهوى العذري معذرة مني إليك ولو أنصفت لم تلــــمِ

عَدتْكَ حالِيَ لا سِرِّي بمســـــتترٍ عن الوشاة ولا دائي بمنحســــمِ

محضْتني النصح لكن لست أســمعهُ إن المحب عن العذال في صــممِ

إنى اتهمت نصيحَ الشيب في عذَلٍ والشيبُ أبعدُ في نصح عن التهــم

فإنَّ أمَارتي بالسوءِ ما أتعظـــتْ من جهلها بنذير الشيب والهـــرمِ

ولا أعدّتْ من الفعل الجميل قـرى ضيفٍ ألمّ برأسي غيرَ محتشـــم

لو كنتُ أعلم أني ما أوقـــرُه كتمتُ سراً بدا لي منه بالكتــمِ

منْ لي بردِّ جماحٍ من غوايتهـــا كما يُردُّ جماحُ الخيلِ باللُّجُــــمِ

فلا ترمْ بالمعاصي كسرَ شهوتهـــا إنَّ الطعام يقوي شهوةَ النَّهـــمِ

والنفسُ كالطفل إن تُهْملهُ شبَّ على حب الرضاعِ وإن تفطمهُ ينفطــمِ

فاصرفْ هواها وحاذر أن تُوَليَــهُ إن الهوى ما تولَّى يُصْمِ أو يَصِـمِ

وراعها وهي في الأعمالِ ســائمةٌ وإنْ هي استحلتِ المرعى فلا تُسِمِ

كمْ حسنتْ لذةً للمرءِ قاتلــةً مـن حيث لم يدرِ أنَّ السم فى الدسـمِ

واخش الدسائس من جوعٍ ومن شبع فرب مخمصةٍ شر من التخـــــمِ

واستفرغ الدمع من عين قد امتلأتْ من المحارم والزمْ حمية النـــدمِ

وخالف النفس والشيطان واعصِهِما وإنْ هما محضاك النصح فاتَّهِـــمِ

ولا تطعْ منهما خصماً ولا حكمـــاً فأنت تعرفُ كيدَ الخصم والحكــمِ

أستغفرُ الله من قولٍ بلا عمــــلٍ لقد نسبتُ به نسلاً لذي عُقـــــُمِ

أمْرتُك الخيرَ لكنْ ما ائتمرْتُ بـه وما اسـتقمتُ فما قولى لك استقـمِ

ولا تزودتُ قبل الموت نافلـــةً ولم أصلِّ سوى فرضٍ ولم اصــــمِ

ظلمتُ سنَّةَ منْ أحيا الظلام إلـــى إنِ اشتكتْ قدماه الضرَ من ورمِ

وشدَّ من سغبٍ أحشاءه وطـــوى تحت الحجارة كشْحاً مترف الأدمِ

وراودتْه الجبالُ الشمُ من ذهــبٍ عن نفسه فأراها أيما شــــممِ

وأكدتْ زهده فيها ضرورتُـــه إنَّ الضرورة لا تعدو على العِصَمِ

وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورةُ منْ لولاه لم تُخْرجِ الدنيا من العـدمِ

محمد سيد الكونين والثقليــــن والفريقين من عُرْب ومنْ عجــمِ

نبينا الآمرُ الناهي فلا أحــــدٌ أبرَّ في قولِ لا منه ولا نعــــمِ

هو الحبيب الذي ترجى شفاعـته لكل هولٍ من الأهوال مقتحـــمِ

دعا إلى الله فالمستمسكون بــه مستمسكون بحبلٍ غير منفصـــمِ

فاق النبيين في خَلقٍ وفي خُلـُقٍ ولم يدانوه في علمٍ ولا كـــرمِ

وكلهم من رسول الله ملتمـــسٌ غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ

وواقفون لديه عند حدهــــم من نقطة العلم أو من شكلة الحكمِ

فهو الذي تم معناه وصورتــه ثم اصطفاه حبيباً بارئُ النســـمِ

منزهٌ عن شريكٍ في محاســـنه فجوهر الحسن فيه غير منقســـمِ

دعْ ما ادعتْهُ النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم

وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف وانسب إلى قدره ما شئت من عظمِ

فإن فضل رسول الله ليس لــــه حدٌّ فيعرب عنه ناطقٌ بفــــــمِ

لو ناسبت قدرَه آياتُه عظمــــاً أحيا اسمُه حين يدعى دارسَ الرممِ

لم يمتحنا بما تعيا العقولُ بـــه حرصاً علينا فلم نرْتبْ ولم نهـــمِ

أعيا الورى فهمُ معناه فليس يُرى في القرب والبعد فيه غير مُنْفحـمِ

كالشمس تظهر للعينين من بعُـدٍ صغيرةً وتُكلُّ الطرفَ من أمَـــمِ

وكيف يُدْرِكُ في الدنيا حقيقتـَه قومٌ نيامٌ تسلوا عنه بالحُلُــــــمِ

فمبلغ العلمِ فيه أنه بشــــــرٌ وأنه خيرُ خلقِ الله كلهــــــمِ

وكلُ آيٍ أتى الرسل الكرام بها فإنما اتصلتْ من نوره بهــــمِ

فإنه شمسُ فضلٍ هم كواكبُهــا يُظْهِرنَ أنوارَها للناس في الظُلـمِ

أكرمْ بخَلْق نبيّ زانه خُلـُـــقٌ بالحسن مشتملٍ بالبشر متَّســـــمِ

كالزهر في ترفٍ والبدر في شرفٍ والبحر في كرمٍ والدهر في هِمَمِ

كانه وهو فردٌ من جلالتــــه في عسكرٍ حين تلقاه وفي حشـمِ

كأنما اللؤلؤ المكنون فى صدفٍ من معْدِنَي منطقٍ منه ومُبْتَســم

لا طيبَ يعدلُ تُرباً ضم أعظُمَـــهُ طوبى لمنتشقٍ منه وملتثـــــم

أبان مولدُه عن طيب عنصــره يا طيبَ مبتدأٍ منه ومختتــــمِ

يومٌ تفرَّس فيه الفرس أنهــــمُ قد أُنْذِروا بحلول البؤْس والنقـمِ

وبات إيوان كسرى وهو منصدعٌ كشملِ أصحاب كسرى غير ملتئـمِ

والنار خامدةُ الأنفاسِ من أسـفٍ عليه والنهرُ ساهي العينِ من سدمِ

وساءَ ساوة أنْ غاضت بحيرتُهــا ورُدَّ واردُها بالغيظ حين ظمــي

كأنّ بالنار ما بالماء من بــــلل حزْناً وبالماء ما بالنار من ضَــرمِ

والجنُ تهتفُ والأنوار ساطعــةٌ والحق يظهرُ من معنىً ومن كَلِـمِ

عَمُوا وصمُّوا فإعلانُ البشائر لــمْ تُسمعْ وبارقةُ الإنذار لم تُشــــَمِ

من بعد ما أخبر الأقوامَ كاهِنُهُمْ بأن دينَهم المعوجَّ لم يقـــــمِ

وبعد ما عاينوا في الأفق من شُهُب منقضّةٍ وفق ما في الأرض من صنمِ

حتى غدا عن طريق الوحي منهزمٌ من الشياطين يقفو إثر مُنـــهزمِ

كأنهم هرباً أبطالُ أبرهــــــةٍ أو عسكرٌ بالحَصَى من راحتيه رُمِىِ

نبذاً به بعد تسبيحٍ ببطنهمـــــا نبذَ المسبِّح من أحشاءِ ملتقــــمِ

جاءتْ لدعوته الأشجارُ ســـاجدةً تمشى إليه على ساقٍ بلا قــــدمِ

كأنَّما سَطَرتْ سطراً لما كتـــبتْ فروعُها من بديعِ الخطِّ في اللّقَـمِ

مثلَ الغمامة أنَّى سار سائــــرةً تقيه حرَّ وطيسٍ للهجير حَــــمِى

أقسمْتُ بالقمر المنشق إنّ لـــه من قلبه نسبةً مبرورة القســــمِ

وما حوى الغار من خير ومن كرمٍ وكلُ طرفٍ من الكفار عنه عــِمى

فالصِّدْقُ في الغار والصِّدِّيقُ لم يَرِما وهم يقولون ما بالغـار مــن أرمِ

ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسُج ولم تحُــــمِ

وقايةُ الله أغنتْ عن مضاعفـــةٍ من الدروع وعن عالٍ من الأطـُمِ

ما سامنى الدهرُ ضيماً واستجرتُ به إلا ونلتُ جواراً منه لم يُضَــــمِ

ولا التمستُ غنى الدارين من يده إلا استلمت الندى من خير مستلمِ

لا تُنكرِ الوحيَ من رؤياهُ إنّ لــه قلباً إذا نامتِ العينان لم يَنَـــم

وذاك حين بلوغٍ من نبوتــــه فليس يُنكرُ فيه حالُ مُحتلــــمِ

تبارك الله ما وحيٌ بمكتسـَــبٍ ولا نبيٌّ على غيبٍ بمتهـــــمِ

كم أبرأت وصِباً باللمس راحتُـه وأطلقتْ أرباً من ربقة اللمـــمِ

وأحيتِ السنةَ الشهباء دعوتـُــه حتى حكتْ غرّةً في الأعصر الدُهُمِ

بعارضٍ جاد أو خِلْتُ البطاحَ بهـا سَيْبٌ من اليمِّ أو سيلٌ من العَـرِمِ

دعْني ووصفيَ آياتٍ له ظهــرتْ ظهورَ نارِ القرى ليلاً على علــمِ

فالدُّرُّ يزداد حسناً وهو منتظــمٌ وليس ينقصُ قدراً غير منتظــمِ

فما تَطاولُ آمالِ المديح إلــــى ما فيه من كرم الأخلاق والشِّيـمِ

آياتُ حق من الرحمن مُحدثـــةٌ قديمةٌ صفةُ الموصوف بالقــدمِ

لم تقترنْ بزمانٍ وهي تُخبرنـــا عن المعادِ وعن عادٍ وعـن إِرَمِ

دامتْ لدينا ففاقت كلَّ معجـزةٍ من النبيين إذ جاءت ولم تــدمِ

محكّماتٌ فما تُبقين من شبـــهٍ لِذى شقاقٍ وما تَبغين من حَكَــمِ

ما حُوربتْ قطُّ إلا عاد من حَـرَبٍ أعدى الأعادي إليها ملْقِيَ السلمِ

ردَّتْ بلاغتُها دعوى معارضَهــا ردَّ الغيورِ يدَ الجاني عن الحُـرَمِ

لها معانٍ كموج البحر في مـددٍ وفوق جوهره في الحسن والقيـمِ

فما تعدُّ ولا تحصى عجائبهــــا ولا تسامُ على الإكثار بالســــأمِ

قرَّتْ بها عين قاريها فقلتُ لــه لقد ظفِرتَ بحبل الله فاعتصـــمِ

إن تتلُها خيفةً من حر نار لظــى أطفأْتَ حر لظى منْ وردِها الشّبِـمِ

كأنها الحوض تبيضُّ الوجوه بـه من العصاة وقد جاؤوه كالحُمَــمِ

وكالصراط وكالميزان معْدلــةً فالقسطُ من غيرها في الناس لم يقمِ

لا تعجبنْ لحسودٍ راح ينكرهـــا تجاهلاً وهو عينُ الحاذق الفهـــمِ

قد تنكر العينُ ضوءَ الشمس من رمد وينكرُ الفمُ طعمَ الماءِ من ســـقمِ

يا خير من يمّم العافون ســـاحتَه سعياً وفوق متون الأينُق الرُّسُـــمِ

ومنْ هو الآيةُ الكبرى لمعتبـــرٍ ومنْ هو النعمةُ العظمى لمغتنـــمِ

سَريْتَ من حرمٍ ليلاً إلى حــــرمِ كما سرى البدرُ في داجٍ من الظلمِ

وبتَّ ترقى إلى أن نلت منزلــةً من قاب قوسين لم تُدركْ ولم تُرَمِ

وقدمتْكَ جميعُ الأنبياء بهـــــا والرسلِ تقديمَ مخدومٍ على خــدمِ

وأنت تخترقُ السبعَ الطباقَ بهــم في موكب كنت فيه صاحب العلمِ

حتى إذا لم تدعْ شأواً لمســتبقٍ من الدنوِّ ولا مرقىً لمُسْـــــتَنمِ

خَفضْتَ كلَّ مقامٍ بالإضـــافة إذ نوديت بالرفْع مثل المفردِ العلــمِ

كيما تفوزَ بوصلٍ أيِّ مســــتترٍ عن العيون وسرٍ أيِّ مكتتـــــمِ

فحزتَ كل فخارٍ غير مشــــتركٍ وجُزْتَ كل مقامٍ غير مزدَحَــــمِ

وجلَّ مقدارُ ما وُلّيتَ من رُتـــبٍ وعزَّ إدراكُ ما أوليتَ من نِعَـــمِ

بشرى لنا معشرَ الإسلام إنّ لنـــا من العناية ركناً غير منهــــدمِ

لما دعا اللهُ داعينا لطاعتـــــه بأكرم الرسل كنا أكرم الأمـــمِ

راعتْ قلوبَ العدا أنباءُ بعثتــه كنْبأةٍ أجفلتْ غُفْلا من الغَنــــمِ

ما زال يلقاهمُ في كل معتــركٍ حتى حكوا بالقَنا لحماً على وضـمِ

ودُّوا الفرار فكادوا يَغبِطُون به أشلاءَ شالتْ مع العِقْبان والرَّخــمِ

تمضي الليالي ولا يدرون عدَّتَهـا ما لم تكنْ من ليالي الأشهر الحُرُمِ

كأنما الدينُ ضيفٌ حل سـاحتهم بكل قَرْمٍٍ إلى لحم العدا قَـــرِمِ

يَجُرُّ بحرَ خَميسٍ فوقَ ســـابحةٍ يرمى بموجٍ من الأبطال ملتَطِــمِ

من كل منتدب لله محتســـبٍ يسطو بمستأصلٍ للكفر مُصْطلِـــمِ

حتى غدتْ ملةُ الإسلام وهي بهمْ من بعد غُربتها موصولةَ الرَّحِــمِ

مكفولةً أبداً منهمْ بخـــير أبٍ وخير بعْلٍ فلم تيتمْ ولم تَئِــــمِ

همُ الجبال فسلْ عنهم مصادمهـم ماذا رأى منهمُ في كل مصطدمِ

وسلْ حُنيناً وسل بدراً وسل أُحداً فصولُ حتفٍ لهم أدهى من الوخمِ

المُصْدِرِي البيضِ حُمراً بعد ما وردتْ منَ العدا كلَّ مسودٍّ من اللِمَــمِ

والكاتِبِينَ بسُمْرِ الخَط ما تركتْ أقلامُهمْ حَرْفَ جسمٍ غيرَ مُنْعَجِــمِ

شاكي السلاحِ لهم سيما تميزُهـمْ والوردُ يمتازُ بالسيما عن السَّــلَمِ

تُهْدى إليك رياحُ النصرِ نشْرهـمُ فتَحسبُ الزهرَ في الأكمام كل كمِى

كأنهمْ في ظهور الخيل نَبْتُ رُباً منْ شِدّة الحَزْمِ لا من شدّة الحُـزُمِ

طارتْ قلوبُ العدا من بأسهمْ فَرقاً فما تُفرِّقُ بين الْبَهْمِ وألْبُهــــُمِ

ومن تكنْ برسول الله نُصـــرتُه إن تلقَهُ الأسدُ فى آجامها تجــمِ

ولن ترى من وليٍ غير منتصــرٍ به ولا من عدوّ غير منقصــــمِ

أحلَّ أمتَه في حرْز ملَّتـــــه كالليث حلَّ مع الأشبال في أجَــمِ

كم جدَّلتْ كلماتُ الله من جدلٍ فيه وكمْ خَصَمَ البرهانُ من خَصِـمِ

كفاك بالعلم في الأُمِّيِّ مُعجــزةً في الجاهلية والتأديب في اليُتُمِ

خدْمتُه بمديحٍ استقيلُ به ذنوبَ عمرٍ مضى في الشعر والخِــدَمِ

إذْ قلّدانيَ ما تُخْشي عواقبُــه كأنَّني بهما هدْيٌ من النَّعَـــمِ

أطعتُ غيَّ الصبا في الحالتين وما حصلتُ إلاّ على الآثام والنـــدمِ

فياخسارةَ نفسٍ في تجارتهـــا لم تشترِ الدين بالدنيا ولم تَسُــمِ

ومن يبعْ آجلاً منه بعاجلــــهِ يَبِنْ له الْغَبْنُ في بيعٍ وفي سَـلمِ

إنْ آتِ ذنباً فما عهدي بمنتقض من النبي ولا حبلي بمنصـــرمِ

فإنّ لي ذمةً منه بتســــميتي محمداً وهو أوفى الخلق بالذِمـمِ

إن لّم يكن في معادي آخذاً بيدى فضلاً وإلا فقلْ يا زلةَ القــــدمِ

حاشاه أن يحرمَ الراجي مكارمَـه أو يرجعَ الجارُ منه غير محتــرمِ

ومنذُ ألزمتُ أفكاري مدائحــه وجدتُهُ لخلاصي خيرَ مُلتــــزِمِ

ولن يفوتَ الغنى منه يداً تَرِبـتْ إنّ الحيا يُنْبِتُ الأزهارَ في الأكَمِ

ولمْ أردْ زهرةَ الدنيا التي اقتطفتْ يدا زُهيرٍ بما أثنى على هَـــرمِ

يا أكرمَ الخلق ما لي منْ ألوذُ بـه سواك عند حلول الحادث العَـمِمِ

ولن يضيق رسولَ الله جاهُك بــي إذا الكريمُ تجلَّى باسم منتقـــمِ

فإنّ من جودك الدنيا وضرّتَهــا ومن علومك علمَ اللوحِ والقلـــمِ

يا نفسُ لا تقنطي من زلةٍ عظمــتْ إنّ الكبائرَ في الغفران كاللــممِ

لعلّ رحمةَ ربي حين يقســــمها تأتي على حسب العصيان في القِسمِ

يارب واجعلْ رجائي غير منعكِـسٍ لديك واجعل حسابي غير منخــرمِ

والطفْ بعبدك في الدارين إن له صبراً متى تدعُهُ الأهوالُ ينهــزمِ

وائذنْ لسُحب صلاةٍ منك دائمــةٍ على النبي بمُنْهَلٍّ ومُنْسَــــــجِمِ

ما رنّحتْ عذباتِ البان ريحُ صــباً وأطرب العيسَ حادي العيسِ بالنغمِ

ثم الرضا عن أبي بكرٍ وعن عمـرٍ وعن عليٍ وعن عثمانَ ذي الكـرمِ

والآلِ وَالصَّحْبِ ثمَّ التَّابعينَ فهُــمْ أهل التقى والنَّقا والحِلمِ والكـرمِ

يا ربِّ بالمصطفى بلِّغْ مقاصـدنا واغفرْ لنا ما مضى يا واسع الكـرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بمــا يتلوه فى المسجد الأقصى وفى الحرم

وبجاه من بيْتُهُ فى طيبة حــرمٌ وإسمُهُ قسمٌ من أعظــم القســم

وهذه بردةُ المختار قد خُتمـتْ والحمد لله في بدإٍ وفى ختــــم

أبياتها قدْ أتتْ ستينَ معْ مائـةٍ فرّجْ بها كربنا يا واسع الكـــرم


_________________
ومن دخل حصن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يضام


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: البردة للبوصيري
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يوليو 29, 2012 11:41 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مارس 29, 2012 9:53 pm
مشاركات: 46795
اللهم صلى وسلم وبارك على النبى المختار وعلى أّل بيته الاطهار الطيبين
وشكرا لكم اخوتى على هذا المجهود وجوزيتم من الله كل الخير
--------------------------------------------
وقى الله مصر شر الحادثات

_________________
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 3 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 10 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط