روى الإمام مسلم في صحيحه (4/1990):[حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي، يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي.]اهـ
مما يستفاد من هذا الحديث الشريف مايلي :
أولاً : إنه إثبات لظاهرة التبادر ، وهو أن يسبق الفهم معنى اللفظ المعهود في الذهن بمجرد سماع ذلك اللفظ خالياً عن القرائن.
وهذا المعنى هو ما يطلق عليه علماء البلاغة (حقيقة) وأي معنى سواه دلت عليه القرينة هو (مجاز).
فقد سبق إلى فهم العبد من الكلام ظاهره المستحيل على الله ، لذا فقد سأل ربه مضمناً سؤاله القرينة الدالة على التنزيه.
ثانياً : أن قرينة التنزيه معلومة لكل أحد في الآخرة بعد كشف الحجب ، أما في الدنيا فقد تغيب قليلاً عن بعض المؤمنين وخاصة العوام.
وفي عقيدة الإمام أحمد برواية أبي بكر الخلال (1/ 104):[ وكان يقول إن لله تعالى "يدان" وهما صفة له في ذاته ليستا بجارحتين وليستا بمركبتين ولا جسم ولا جنس من الأجسام ولا من جنس المحدود والتركيب والأبعاض والجوارح ولا يقاس على ذلك لا مرفق ولا عضد ولا فيما يقتضي ذلك من إطلاق قولهم يد إلا ما نطق القرآن به أو صحت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم السنة فيه.]اهـ
انظر أخي القارئ إلى قول الإمام أحمد رحمه الله تعالى " ولا فيما يقتضي ذلك من إطلاق قولهم يد ...الخ" فمفهوم كلامه أن هذا اللفظ على ظاهره وإطلاقه له مفهوم وظاهر متبادر إلى الذهن من الوضع اللغوي والاستعمال البشري هذا المفهوم له لوازم ذهنية مثل التبعيض : المرفق - العضد .... الخ لا تليق بذات الله تعالى ، فأهل السنة والجماعة ينفون - ولا يتوقفون أبداً - هذه اللوازم الباطلة عن صفاته تعالى.
فأين هذا ممن يدعي أن مذهب السلف هو فهم هذه الآيات على ظواهرها المتبادرة إلى الذهن من الوضع اللغوي ، وكأنه فهم أن مراد السلف من الإجراء على الظاهر هو الحمل على المعنى اللغوي العام ، وهذا ينفيه الإمام أحمد صراحة بقوله السالف " ولا فيما يقتضي...الخ".
ويؤكد ما سبق من فهم ما نقله الإمام بدر الدين بن جماعة في إيضاح الدليل (1/33) فقال :[ وَقَالَ أَبُو الْفضل التَّمِيمِي رَئِيس الْحَنَابِلَة بِبَغْدَاد أنكر أَحْمد من قَالَ بالجسم وَقَالَ إِن الْأَسْمَاء مَأْخُوذَة من الشَّرِيعَة واللغة وَأهل اللُّغَة وضعُوا هَذَا الِاسْم على ذِي طول وَعرض وسمك وتركيب وَصُورَة وتأليف وَالله سُبْحَانَهُ خَارج عَن ذَلِك وَلم يَجِيء فِي الشَّرِيعَة ذَلِك.]اهـ
وفي صحيح ابن حبان (2/ 504):[ قال أبو حاتم رضى الله تعالى عَنْهُ هَذِهِ أَخْبَارٌ أُطْلِقَتْ مِنْ هَذَا النَّوْعِ تُوهِمُ مَنْ لَمْ يُحْكِمْ صِنَاعَةَ الْعِلْمِ أَنَّ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ مُشَبِّهَةٌ عَائِذٌ بِاللَّهِ أَنْ يَخْطُرَ ذَلِكَ بِبَالِ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَلَكِنْ أَطْلَقَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ بِأَلْفَاظِ التَّمْثِيلِ لِصِفَاتِهِ عَلَى حَسَبِ مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ دون تكييف صفات الله جل رَبُّنَا عَنْ أَنْ يُشَبَّهَ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ أَوْ يُكَيَّفَ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ إِذْ لَيْسَ كمثله شيء.]اهـ
أقول وبالله التوفيق بعد استعراض كل ما سبق :
إن فهم الآيات أو الآثار على ظواهرها المتبادرة إلى الذهن من الوضع اللغوي ليس من عمل السلف.
والله سبحانه أعلى وأعلم.