موقع د. محمود صبيح

بسم الله الرحمن الرحيم
ـ من المقرر أن كل من شم رائحة العلم أن مسألة التوسل مسألة فقهية بحتة ، ومن قال بأنها من مسائل العقيدة فقد زل به حمار العلم و نادى على نفسه بالجهل ، ومعنى قولنا أنها مسألة فقهية فهى تدور بين الجواز من عدمه ، أما إذا أصبحت مسألة عقائدية فهى تدور بين الإيمان أو الكفر ، فتنبه لهذا جيداً ، فأتباع ابن تيمية اليوم جعلوها مسألة عقائدية بحتة ، ولذلك فهم يكفّرون كل من توسل بالنبى صلى الله تعالى وآله وسلم تسليماً كثيراً ، وكل من يتوسل بالصالحين ، وهذا والله غريب جداً ، إذ كيف تتحول مسألة فقهية إلى عقيدة يكفّر من أجلها الناس ويحكم عليهم بالخلود فى نار الله تعالى ، وإليك أخى الكريم بعض ما ورد عنهم وتناقضهم الغريب ، فبينما ترى أبو بكر الجزائرى يقول فى عقيدة المؤمن(144) : إن دعاء الصالحين والاستغاثة بهم والتوسل بجاههم لم يكن فى دين الله تعالى قربة ولا عملاً صالحاً فيتوسل به أبداً ، وإنما كان شركاً فى عبادة الله محرماً يُخرج فاعله من الدين ،ويوجب له الخلود فى جهنم .اهـ
ـ ويقول الشيخ محمد بن صالح العثمين فى فتاوى مهمة (88) عن حكم النذر والتبرك بالقبور والأضرحة والتوسل والاستشفاع بها وطلب العون من أهلها وهل التوسل من مسائل العقيدة أومن مسائل الفقه ؟ فأجاب حفظه الله تعالى بقوله هذه من مسائل العقيدة والعبادة لأن النذر عبادة لا يجوز إلا لله عز وجل وكل من صرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله فإنه مشرك كافر قد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار قال الله تعالى إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار.
ـ وقال بعدها (89) : وبالنسبة للتوسل فهو داخل فى العقيدة ؛ لأن المتوسل يعتقد أن لهذه الوسيلة تأثيراً فى حصول مطلوبه ودفع مكروهه ، فهو فى الحقيقة من مسائل العقيدة ؛ لأن الإنسان لا يتوسل بشئ إلا وهو يعتقد أن له تأثيراً فيما يريد .اهـ ومثله ما ورد فى فتاوى دار الإرشاد فتوى رقم (40) وبينما ترى الألبانى يقول فى كتابه التوسل والوسيلة (ص:9 ، بالهامش ) : الاعتقاد بامداد بشر ميت للأحياء هو اعتقاد باطل ، وطلبه استغاثة بغير الله وهو نوع من أنواع الشرك الأكبر والعياذ بالله .اهـ !
ـ هو هو الألبانى يقول نراه قد تناقض فقال فى شرح الطحاوية (ص :60) أنها ليست من مسائل العقيدة.
ـ تُرى هل يأخذ أتباع ابن تيمية بحكم الجزائرى والعثيمين ورأى دار الإرشاد أم برأى محدث الأمة الألبانى؟!!! ورأى شيخهم وزعيم طائفتهم محمد بن عبد الوهاب كما يأتى .
الرد عليهم من كتبهم ومن كلام شيخهم
ـ ونرد عليهم أول ما نرد بكلام شيخهم ومتبوعهم محمد بن عبد الوهاب :
ـ قال محمد بن عبد الوهاب فى رسالته لأهل القصيم ـ ضمن مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب (12) : لا يخفى عليكم بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم قد وصلت إليكم وأنه قبلها وصدقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم والله يعلم أن الرجل
افترى علي أمورا لم أقلها ولم يأت أكثرها على بالي فمنهاه قوله إني مبطل كتب المذاهب الأربعة وإني أقلوو إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء وإني أدعي الإجتهاد وإين خارج عن التقليد وإني أقول إن اختلاف العلماء نقمة وإني أكفر من توسل بالصالحين وإني أكفر البوصيري لقوله يا أكرم الخلق وإني أقول لو أقدر على هدم قبة رسول الله  لهدمتها ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلت لها ميزابا من حشب وإني أحرم زيارة قبر النبي  وإني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهما وإني أكفر من حلف بغير الله وإني أكفر ابن الفارض وابن عربي وإني أحرق دلائل الخيرات وروض الرياحين وأسميه روض الشياطين .
ـ جوابي عن هذه المسائل أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم وقبله من بهت محمدا  أنه يسب عيسى بن مريم ويسب الصالحين فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور قال تعالى:"إنما يفترى الكذب الذي لا يؤمنون بآيات الله" الآية ، بهتوه  بأنه يقول إن الملائكة وعيسى وعزيرا في النار فأنزل الله في ذلك" إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون".اهـ
ـ وقال محمد بن عبد الوهاب فى فتاويه (3\68 ـ ط : جامعة محمد بن سعود فى أسبوع الاحتفال بالشيخ محمد بن عبد الوهاب) وقد سئل عن قولهم فى الاستسقاء : لا بأس بالتوسل بالصالحين ، وقول أحمد : يتوسل بالنبى  خاصة مع قولهم : إنه لا يستغاث بمخلوق .
التوسل من الفقه وليس من العقيدة
ـ ثم : قال : فهذه المسألة من مسائل الفقه ، وإن كان الصواب عندنا قول الجمهور : إنه مكروه ، فلا ننكر على من فعله ، ولا إنكار فى مسائل الاجتهاد .
ـ قلت : قوله أن قول الجمهور : مكروه ، مردود عليه ، فالجمهور على الجواز ، ثم تأمل قول الإمام أحمد بن حنبل : يتوسل بالنبى  خاصة : يعنى التوسل بذات النبى  .
ـ وقال حسين بن غنام الإحسائى ـ من أصحاب محمد بن عبد الوهاب ـ شارحاً كلام الشيخ فى "روضة الأفكار والإفهام لمرتاد حال الإمام " : العاشرة : قولهم فى الاستسقاء : لا بأس بالتوسل بالصالحين ، وقول أحمد : يتوسل بالنبى  خاصة مع قولهم إنه لا يستغاث بمخلوق ، فالفرق ظاهر جداً ، وليس الكلام مما نحن فيه ، فكون بعضهم يرخص بالتوسل بالصالحين وبعضهم يخصه بالنبى  ، وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه ، هذه المسألة من مسائل الفقه ، ولو كان الصواب عندنا قول الجمهور أنه مكروه فلا ننكر على من فعله ولا إنكار فى مسائل الاجتهاد .اهـ ، نقله عنه السهسوانى والذى يُعدّ من أشد المدافعين عن فكر محمد بن عبد الوهاب ودعوته الإصلاحية (1).
وقبل أن ننقل لك أخى الكريم بعضاً من كلمات ابن تيمية فى هذه المسألة ورده بنفسه على نفسه ، نختم بهذه الكلمة من ابن تيمية فيما يتصل بتكفير المتوسل برسول الله  أو أحد من أولياء الله الصالحين ، قال فى مجموع الفتاوى (1\106) : والثانى : أن التوسل يكون فى حياته وبعد موته وفى مغيبه وحضرته ولم يقل أحد أن من قال بالقول الأول فقد كفر ولا وجه لتكفيره فإن هذه مسألة خفية ليست أدلتها جلية ظاهرة والكفر إنما يكون بإنكار ما علم من الدين ضرورة أو بإنكار الأحكام المتواترة والمجمع عليها ونحو ذلك واختلاف الناس فيما يشرع من الدعاء ومالا يشرع كاختلافهم هل تشرع الصلاة عليه عند الذبخ وليس هو من مسائل السب عند أحد من المسلمين ، وأما من قال أن من نفى التوسل الذى سماه استغاثة بغيره كفر وتكفير من قال بقول الشيخ عز الدين وأمثاله فأظهر من أن يحتاج الى جواب بل المكفر بمثل هذه الأمور يستحق من غليظ العقوبة والتعزير ما يستحقه أمثاله من المفترين على الدين لا سيما مع قول النبى ــ من قال لأخيه كافر فقد باء بها أحدهما .اهـ
ـ ثم نختم برد محمد بن عبد الوهاب على أتباعه ، قال : من جاء إلى قبر معروف الكرخى أو عبد القادر الجيلانى وسأل بهما : ليس خلاف بين المسلمين فى ذلك .