موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 3 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: التوسل والإستغاثة والرد على الوهابية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 18, 2006 4:42 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء ديسمبر 14, 2005 5:57 pm
مشاركات: 55
اعلم أنه لا دليل حقيقي يدل على عدم جواز التوسل بالأنبياء والأولياء في حال الغيبة أو بعد وفاتهم بدعوى أن ذلك عبادة لغير الله، لأنه ليس عبادة لغير الله مجرد النداء لحيّ أو ميت، ولا مجرد الاستغاثة بغير الله ، ولا مجرد قصد قبر وليّ للتبرك، ولا مجرد طلب ما لم تجر به العادة بين الناس، ولا مجرد صيغة الاستغاثة بغير الله تعالى، أي ليس ذلك شركا ، لأنه لا ينطبق عليه تعريف العبادة عند اللغويين، لأن العبادة عندهم الطاعة مع الخضوع، قال اللغوي (1) الزجاج وهو من أشهرهم : " قوله عز وجل { إياك نعبد(5) } معنى العبادة في اللغة الطاعة مع الخضوع ، ويقال : هذا طريق معبد إذا كان مذللا بكثرة الوطء ، ومعبد إذا كان مطليا بالقطران ن فمعنى { إياك نعبد(5)} : نطيع الطاعة التي يخضع معها " اهـ. ونقل هذا عن اللغوي الأزهري (2) وهو من كبارهم ، وقال مثلهما الفرّاء، وقال بعضهم:" العبادة أقصى غاية الخشوع والخضوع"، وقال بعض:" نهاية التذلل" كما يفهم ذلك من كلام شارح القاموس مرتضى الزبيدي خاتمة اللغويين، وهذا الذي يستقيم لغة وعرفا.




مجرد التوسل والاستغاثة ليس شركا


وليس مجرد التذلل عبادة لغير الله وإلا لكفر كل من يتذلل للملوك والعظماء، وقد ثبت أن معاذ بن جبل لما قدم من الشام سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال الرسول:" ما هذا"؟ فقال: يا رسول الله إني رأيت أهل الشام يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم، وأنت أولى بذلك، فقال :" لو كنت ءامرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"(3)، ولم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم كفرت، ولا قال له أشركت مع أن سجوده للنبي مظهر كبير من مظاهر التذلل. وعن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان في نفر من المهاجرين والأنصار فجاء بعير فسجد له فقال أصحابه : يا رسول الله سجد لك البهائم والشجر فنحن أحق أن نسجد لك فقال : " اعبدوا ربكم وأكرموا أخاكم " رواه أحمد (4) وإسناده جيد . فهؤلاء الذين يكفّرون الشخص لأنه قصد قبر الرسول أو غيره من الأولياء للتبرك فهم جهلوا معنى العبادة وخالفوا ما عليه المسلمون، لأن المسلمين سلفا وخلفا لم يزالوا يزورون قبر النبي ،وليس معنى الزيارة للتبرك أن الرسول يخلق لهم البركة، بل المعنى أنهم يرجون أن يخلق الله لهم البركة بزيارتهم لقبره.




احاديث في اثبات جواز التوسل



والدليل على جواز ما قدمنا ما أخرجه البزار (5) من حديث عبد الله بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن لله ملائكة سيّاحين في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد : أعينوا عباد الله ". قال الحافظ الهيثمي (6)" رواه الطبراني ورجاله ثقات " وحسنه الحافظ ابن حجر في أماليه مرفوعا - أي أنه من قول الرسول- وأخرجه الحافظ البيهقي (7) موقوفا على ابن عباس بلفظ:" إن لله عز وجل ملائكة سوى الحفظة يكتبون ما سقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد: أعينوا عباد الله يرحمكم الله تعالى ". والرواية الأولى تقوي ما ورد بمعناها من بعض الروايات التي في إسنادها ضعف، وقد تقرر عند علماء الحديث أن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال والدعوات والتفسير ، كما ذكر الحافظ البيهقي في المدخل .




صحابي توسل و استغاث بالنبي في حضرة عمر ولم ينكر عليه




وروى البيهقي (8) أيضا بإسناد صحيح عن مالك الدار (وكان خازن عمر) قال:" أصاب الناس قحط في زمان عمر ، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنام فقال: إيت عمر فأقرئه مني السلام وأخبره أنهم يسقون وقل له : عليك بالكيس الكيس، فأتى الرجل عمر فأخبر عمر فقال :" يا رب ما ءالو إلا ما عجزت" اهـ. وهذا الرجل هو بلال بن الحرث المزني الصحابي، فهذا الصحابي قد قصد قبر الرسول للتبرك فلم ينكر عليه عمر ولا غيره.



وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9) ما نصه:" وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار قال : أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتي الرجل في المنام فقيل له : ائت عمر . . . الحديث. وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة" ا.هـ.



ابن كثير يجيز التوسل



وقال ابن كثير (10) ما نصه:" وقد روينا أن عمر عسّ المدينة ذات ليلة عام الرمادة فلم يجد أحدا يضحك ، ولا يتحدث الناس في منازلهم على العادة ، ولم ير سائلا يسأل ، فسأل عن سبب ذلك فقيل له: يا أمير المؤمنين إن السؤال سألوا فلم يعطوا فقطعوا السؤال، والناس في همّ وضيق فهم لا يتحدثون ولا يضحكون. فكتب عمر إلى أبي موسى بالبصرة أن يا غوثاه لأمة محمد، وكتب إلى عمرو بن العاص بمصر أن يا غوثاه لأمة محمد، فبعث إليه كل واحد منهما بقافلة عظيمة تحمل البر وسائر الأطعمات ، ووصلت ميرة عمرو في البحر إلى جدة ومن جدة إلى مكة. وهذا الأثر جيد الإسناد".ا.هـ. وهذا فيه الرد على ابن تيمية لقوله إنه لا يجوز التوسل إلا بالحيّ الحاضر، فهذا عمر بن الخطاب استغاث بأبي موسى وعمرو بن العاص وهما غائبان.

<>

ثم يقول في الصحيفة التي تليها : وقال سيف بن عمر عن سهل بن يوسف السلمي عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: كان عام الرمادة في ءاخر سنة سبع عشرة وأول سنة ثماني عشرة أصاب أهل المدينة وما حولها جوع فهلك كثير من الناس حتى جعلت الوحش تأوي إلى الإنس، فكان الناس بذلك وعمر كالمحصور عن أهل الأمصار حتى أقبل بلال بن الحرث المزني فاستأذن على عمر فقال: أنا رسول رسول الله إليك، يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لقد عهدتك كيسا، وما زلت على ذلك فما شأنك". قال: متى رأيت هذا ؟ قال: البارحة، فخرج فنادى في الناس الصلاة جامعة، فصلى بهم ركعتين ثم قام فقال: أيها الناس أنشدكم الله هل تعلمون مني أمرا غيره خير منه فقالوا: اللهم لا. فقال : إن بلال بن الحرث يزعم ذيت وذيت(11). قالوا : صدق بلال فاستغث بالله ثم بالمسلمين ، فبعث إليهم وكان عمر عن ذلك محصورا ، فقال: الله أكبر ، بلغ البلاء مدته فانكشف ، ما أذن لقوم في الطلب إلا وقد رفع عنهم الأذى والبلاء. وكتب إلى أمراء الأمصار أن أغيثوا أهل المدينة ومن حولها، فإنه قد بلغ جهدهم ، وأخرج الناس إلى الاستسقاء ، فخرج وخرج معه العباس بن عبد المطلب ماشيا ، فخطب وأوجز وصلّى ثم جثا لركبتيه وقال: الله إياك نعبد وإياك نستعين ، اللهم اغفر لنا وارحمنا وارض عنا. ثم انصرف، فما بلغوا المنازل راجعين حتى خاضوا الغدران.



ثم روى سيف عن مبشر بن الفضيل عن جبير بن صخر عن عاصم بن عمر بن الخطاب أن رجلا من مزينة عام الرمادة سأله أهله أن يذبح لهم شاة فقال: ليس فيهن شىء، فألحوا عليه فذبح شاة فإذا عظامها حمر فقال: يا محمداه. فلما أمسى أري في المنام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له :" أبشر بالحياة ، ائت عمر فأقرئه مني السلام وقل له : إن عهدي بك وفيّ العهد شديد العقد فالكيس الكيس يا عمر ". فجاء حتى أتى باب عمر فقال لغلامه: استأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتى عمر فأخبره، ففزع ثم صعد عمر المنبر فقال للناس : أنشدكم الله الذي هداكم للإسلام هل رأيتم مني شيئا تكرهونه ؟ فقالوا: اللهم لا ، وعمّ ذاك؟ فأخبرهم بقول المزني - وهو بلال بن الحرث - ففطنوا ولم يفطن، فقالوا : إنما استبطأك في الاستسقاء فاستسق بنا ، فنادى في الناس فخطب فأوجز ثم صلى ركعتين فأوجز ثم قال : اللهم عجزت عنا أنصارنا وعجز عنا حولنا وقوتنا وعجزت عنا أنفسنا ، ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم اسقنا وأحي العباد والبلاد.



وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو نصر بن قتادة وأبو بكر الفارسي قالا: حدثنا أبو عمرو بن مطر حدثنا إبراهيم بن علي الذهلي، حدثنا يحيى بن يحيى ، حدثنا أبو معاوية ،عن الأعمش، عن أبي صالح عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر بن الخطاب فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق الله لأمتك فإنهم قد هلكوا ، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: " ائت عمر فأقرئه مني السلام وأخبرهم أنهم مسقون وقل له: عليك بالكيس الكيس "، فأتى الرجل فأخبر عمر فقال:" يا رب ما ءالو إلا ما عجزت عنه ". هذا إسناد صحيح ".انتهى كلام ابن كثير . وهذا إقرار منه بصحة هذا الحديث من الحافظ ابن كثير .



الحافظ ولي الدين العراقي شيخ الحافظ ابن حجر يجيز التوسل



قال الحافظ ولي الدين العراقي(12) في شرح حديث : أن موسى قال : رب أدنني من الأرض المقدسة ومية حجر وان النبي صلّى الله عليه وسلّم قال :" والله لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر" ما نصه:"وفيه استحباب معرفة قبور الصالحين لزيارتها والقيام بحقها، وقد ذكر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لقبر السيد موسى عليه السلام علامة هي موجودة في قبر مشهور عند الناس الآن بأنه قبره ، والظاهر أن الموضع المذكور هو الذي أشار إليه النبيّ عليه الصلاة والسلام ، وقد دل على ذلك حكايات ومنامات ، وقال الحافظ الضياء : حدثني الشيخ سالم التل قال : ما رأيت استجابة الدعاء أسرع منها عند هذا القبر ، وحدثني الشيخ عبد الله بن يونس المعروف بالأرمني أنه زار هذا القبر وأنه نام فرأى في منامه قبة عنده وفيها شخص أسمر فسلم عليه وقال له : أنت موسى كليم الله ، أو قال : نبي الله ، فقال : نعم ، فقلت : قل لي شيئا ، فأومأ إلي بأربع أصابع ووصف طولهن ، فإنتبهت فلم أدر ما قال ، فأخبرت الشيخ ذيالا بذلك فقال : يولد لك أربعة أولاد ، فقلت : أنا تزوجت من امرأة فلم أقربها ، فقال : تكون غير هذه ، فتزوجت أخرى فولدت لي أربعة أولاد " انتهى .





ابن تيمية هو اول من منع التوسل




و ابن تيمية هو أول من منع التوسل بالنبي عليه السلام كما ذكر ذلك الفقيه علي السبكي في كتابه شفاء السقام (13) ونص عبارته :" اعلم أنه يجوز ويحسن التوسل والاستعانة والتشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه سبحانه وتعالى ، وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكل ذي دين المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين وسير السلف الصالحين والعلماء والعوام من المسلمين ، ولم ينكر أحد ذلك من أهل الأديان ولا سمع به في زمن من الأزمان حتى جاء ابن تيمية فتكلم في ذلك بكلام يلبس فيه على الضعفاء الأغمار، وابتدع ما لم يسبق إليه في سائر الأعصار. . . ".اهـ.




كلام بعض اهل العصر ان ابن تيمية في قلبه ضغينة نحو الرسول




قال بعض أهل العصر في كلام له في الرد على ابن تيمية : فسعي ابن تيمية في منع الناس من زيارته صلى الله عليه وسلم يدل على ضغينة كامنة فيه نحو الرسول، وكيف يتصور الإشراك بسبب الزيارة والتوسل في المسلمين الذين يعتقدون في حقه عليه السلام أنه عبده ورسوله وينطقون بذلك في صلواتهم نحو عشرين مرة في كل يوم على أقل تقدير إدامة لذكرى ذلك ، ولم يزل أهل العلم ينهون العوام عن البدع في كل شئونهم ويرشدونهم إلى السنة في الزيارة وغيرها إذا صدرت منهم بدعة في شىء ، ولم يعدّوهم في يوم من الأيام مشركين بسبب الزيارة أو التوسل ، وكيف وقد أنقذهم الله من الشرك وأدخل في قلوبهم الإيمان ، وأول من رماهم بالإشراك بتلك الوسيلة هو ابن تيمية وجرى خلفه من أراد استباحة أموال المسلمين ودماءهم لحاجة في النفس ، ولم بخف ابن تيمية من الله في رواية عد السفر لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم سفر معصية لا تقصر فيه الصلاة عن الإمام أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي ، وحاشاه عن ذلك- راجع كتاب التذكرة له تجد فيه مبلغ عنايته لزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم والتوسل به كما هو مذهب الحنابلة - وإنما قوله بذلك في السفر إلى المشاهد المعروفة بالعراق لما قارن ذلك من البدع في عهده وفي نظره، وإليك نص عبارته في التذكرة المحفوظة بظاهرية دمشق: فصل: ويستحب له قدوم مدينة الرسول صلوات الله عليه فيأتي مسجده فيقول عند دخوله : بسم الله اللهم صلّ على محمد وعلى ءال محمد، وافتح لي أبواب رحمتك، وكف عني أبواب عذابك، الحمد لله الذي بلغ بنا هذا المشهد وجعلنا لذلك أهلا ، الحمد لله رب العالمين ، إلى أن قال: واجعل القبر تلقاء وجهك وقم مما يلي المنبر وقل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، اللهم صلّ على محمد وعلى ءال محمد إلى ءاخر ما تقوله في التشهد الأخير ، ثم تقول: اللهم أعط محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة والمقام المحمود الذي وعدته، اللهم صلّ على روحه في الأرواح وجسده في الأجساد كما بلغ رسالاتك وتلا ءاياتك وصدع بأمرك حتى أتاه اليقين، اللهم إنك قلت في كتابك لنبيك صلى الله عليه وسلم:{ ولو أنهم إذ ظلموآ أنفسهم جآءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما (64)} [ سورة النساء /64) وإني قد أتيت نبيك تائبا مستغفرا فأسألك أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، يا رسول الله إني أتوجه بك إلى ربي ليغفر لي ذنوبي، اللهم إني أسألك بحقه أن تغفر لي ذنوبي، اللهم اجعل محمدا أول الشافعي وأنجح السائلين وأكرم الأولين والآخرين ، اللهم كما ءامنا به ولم نره وصدقناه ولم نلقه فأدخلنا مدخله واحشرنا في زمرته وأوردنا حوضه واسقنا بكأسه مشربا صافيا رويا سائغا هنيا لا نظمأ بعده أبدا ، غير خزايا ولا ناكثين ولا مارقين ولا مغضوبا علينا ولا ضالّين، واجعلنا من أهل شفاعته. ثم تقدم عن يمينك فقل: السلام عليك يا أبا بكر الصديق، السلام عليك يا عمر الفاروق ، اللهم أجزهما عن نبيهما وعن الإسلام خيرا ، { ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } [ سورة الحشر/10] الآية . وتصلي بين القبر والمنبر في الروضة ، وإن أحببت تمسح بالمنبر وبالحنانة وهو الجذع الذي كان يخطب عليه صلى الله عليه وسلم فلما اعتزل عنه حنّ إليه كحنين الناقة. وتأتي مسجد قباء فتصلي لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصده فيصلي فيه، وإن أمكنك فأت قبور الشهداء وزرهم وأكثر من الدعاء في تلك المشاهد حتى كأنك إلى مواقفهم ، واصنع عند الخروج ما صنعت عند الدخول. ا.هـ.



وابن عقيل هذا من أساطين الحنابلة قال ابن تيمية عن كتابه عمدة الأدلة له إنه من الكتب المعتمدة في المذهب ، ويقال عن كتابه المسمى بالفنون إنه في ثمانمائة مجلد.




حديث اخر في جواز التوسل




ومن الدليل أيضا على جواز التوسل بالأنبياء والصالحين حديث أبي سعيد الخدري الذي حسنه الحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار (14) وغيره ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا خرج الرجل من بيته إلى الصلاة فقال : اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك ، أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، وكّل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له ، وأقبل الله عليه بوجهه حتى يقضي صلاته ".




روايات عن السلف في جواز التوسل ينقلها الحافظ البغدادي




قال الحافظ البغدادي(15) وهو الذي قيل فيه : إن المؤلفين في كتب الحديث دراية عيال على كتبه ، ما نصه :





" أخبرنا القاضي أبو محمد الحسن بن الحسين بن محمد بن رامين الأسترباذي ، قال : أنبأنا أحمد بن جعفر حمدان القطيعي قال : سمعت الحسن بن إبراهيم أبا علي الخلال يقول : ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به إلا سهل الله تعالى لي ما أحبّ .



أخبرنا إسماعيل بن أحمد الحيري قال: أنبأنا محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول: سمعت أبا علي الصفار يقول: سمعت إبراهيم الحربي يقول: قبر معروف الترياق المجرّب. أخبرني أبو إسحق إبراهيم بن عمر البرمكي قال: نبأنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزهري قال: سمعت أبي يقول: قبر معروف الكرخي مجرّب لقضاء الحوائج، ويقال: إنه من قرأ عنده مائة مرة { قل هو الله أحد (1)} [ سورة الإخلاص/1] وسأل الله تعالى ما يريد قضى الله له حاجته.



حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري قال: سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد بن جميع يقول : سمعت أبا عبد الله بن المحاملي يقول : أعرف فبر معروف الكرخي منذ سبعين سنة، ما قصده مهموم إلا فرّج الله همه.


أخبرنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي بن محمد الصيمري قال: أنبأنا عمر بن إبراهيم المقري قال: نبأنا مكرم بن أحمد قال: نبأنا عمر بن إسحق بن إبراهيم قال: نبأنا علي بن ميمون قال: سمعت الشافعي يقول: إني لأتيرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم - يعني زائرا- فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده، فما تبعد عني حتى تقضى.



ومقبرة باب البردان ، فيها أيضا جماعة من أهل الفضل ، وعند المصلّى المرسوم بصلاة العيد كان قبر يعرف بقبر النذور، ويقال: إن المدفون فيه رجل من ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتبرك الناس بزيارته، ويقصده ذو الحاجة منهم لقضاء حاجته.



حدثني القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قال: حدثني أبي قال: كنت جالسا بحضرة عضد الدولة ونحن مخيمون بالقرب من مصلى الأعياد في الجانب الشرقي من مدينة السلام نريد الخروج معه إلى همذان في أول يوم نزل المعسكر، فوقع طرفه إلى البناء الذي على قبر النذور فقال لي: ما هذا البناء؟ فقلت : هذا مشهد النذور ولم أقل قبر لعلمي بطيرته من دون هذا ، واستحسن اللفظة وقال: قد علمت أنه قبر النذور ، وإنما أردت شرح أمره، فقلت: هذا يقال إنه قبر عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ويقال: إنه قبر عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وإن بعض الخلفاء أراد قتله خفيا ، فجعلت له هناك زبية وسيّر عليها وهو لا يعلم، فوقع فيها وأهيل عليه التراب حيا، وإنما شهر بقبر النذور لأنه ما يكاد ينذر له نذر إلا صح وبلغ الناذر ما يريد ولزمه الوفاء بالنذر، وأنا أحد من نذر له مرارا لا أحصيها كثرة نذورا على أمور متعذرة، فبلغتها ولزمني النذر فوفيت به، فلم يتقبل هذا القول وتكلم بما دل أن هذا إنما يقع منه اليسير اتفاقا ، فيتسوق العوام بأضعافه، ويسيرون الأحاديث الباطلة فيه، فأمسكت، فلما كان بعد أيام يسيرة ونحن معسكرون في موضعنا استدعاني في غدوة يوم وقال: اركب معي إلى مشهد النذور ، فركبت وركب في نفر من حاشيته إلى أن جئت به إلى الموضع ، فدخله وزار القبر وصلى عنده ركعتين سجد بعدهما سجدة أطال فيها المناجاة بما لم يسمعه أحد ، ثم ركبنا معه إلى خيمته وأقمنا أياما ، ثم رحل ورحلنا معه يريد همذان ، فبلغناها وأقمنا فيها معه شهورا، فلما كان بعد ذلك استدعاني وقال لي: ألست تذكر ما حدثتني به في أمر مشهد النذور ببغداد، فقلت: بلى، فقال: إني خاطبتك في معناه بدون ما كان في نفسي اعتمادا لإحسان عشرتك، والذي كان في نفسي في الحقيقة أن جميع ما يقال فيه كذب ، فلما كان بعد ذلك بمدبدة طرقني أمر خشيت أن يقع ويتم، وأعملت فكري في الاحتيال لزواله ولو بجميع ما في بيوت أموالي وسائر عساكري، فلم أجد لذلك فيه مذهبا ، فذكرت ما أخبرتني به في النذر لقبر النذور، فقلت : لما لا أجرّب ذلك، فنذرت إن كفاني الله تعالى ذلك الأمر أن أحمل إلى صندوق هذا المشهد عشرة ءالاف درهم صحاحا ، فلما كان اليوم جاءتني الأخبار بكفايتي ذلك الأمر ، فتقدمت إلى أبي القاسم عبد العزيز بن يوسف - يعني كاتبه - أن يكتب إلى أبي الريان وكان خليفته ببغداد يحملها إلى المشهد ، ثم التفت إلى عبد العزيز وكان حاضرا، فقال له عبد العزيز: قد كتبت بذلك ونفذ الكتاب.ا.هـ.




حافظ الشام ابن عساكر ينقل عن مشايخه جواز التوسل




قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر (16):" حدثني الشيخ الصالح الأصيل أبو عبد الله محمد بن محمد بن عمر الصفار الإسفرايني أن قبر أبي عوانة بإسفرين (17) مزار العالم ومتبرك الخلق ".اهـ.



وفي هذا مع ما حصل من بلال بن الحرث من قصد قبر الرسول للتبرك والاستعانة به بيان لما كان عليه السلف والخلف من قصد قبور الأنبياء والصالحين للتبرك، وأنهم كانوا يرون ذلك عملا حسنا، وفي ذلك نقض زعم ابن تيمية و ابن قيم الجوزية أن زيارة القبر للتبرك شرك، وفي ذلك أيضا بيان واضح أن هذا كان عمل المسلمين بلا نكير، إنما التشويش على المتبركين جاء من ابن تيمية وأتباعه، ولو تتبعنا شواهد ذلك من كتب المحدثين وغيرهم لطال الكلام جدا ، وهذا الحافظ ابن عساكر كانت في عصره شيخ المحدثين في بر الشام كله.




الامام مالك يجيز التوسل




وقد قال الإمام مالك للخليفة المنصور لما حج وزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وسأل مالكا قائلا :" يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك ءادم عليه السلام إلى الله تعالى؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله ". ذكره القاضي عياض في الشفا (18) وساقه بإسناد صحيح، والسيد السمهودي في خلاصة الوفا، والعلاّمة القسطلاني في المواهب اللدنية، وابن حجر الهيتمي في الجوهر المنظم ، وغيرهم.




حديث اخر في جواز التوسل




وقد روى البيهقي في دلائل النبوة (19): عن عمر رضي الله عنه قال:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لما اقترف ءادم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد إلا ما غفرت لي، فقال الله عز وجل : يا ءادم كيف عرفت محمدا ولم أخلقه ، قال: لأنك يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمدا رسول الله ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك" الحديث، ورواه الحاكم (20) وصححه، ووصفه السبكي بأنه جيد(21)، وأخرجه الطبراني في الأوسط (22)الصغير (23).




البخاري يروي حديثا في جواز التوسل




وروى البخاري في كتاب الأدب المفرد (24) عن عبد الرحمن بن سعد قال:" خدرت رجل ابن عمر فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك فقال: يا محمد، فذهب خدر رجله" ا.هـ.



وفي كتاب الحكايات المنثورة للحافظ الضياء المقدسي الحنبلي ، أنه سمع الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي يقول: إنه خرج في عضده شىء يشبه الدمّل فأعيته مداواته ، ثم مسح به قبر أحمد بن حنبل فبرئ ولم يعد إليه ، وهذا الكتاب بخط الحافظ المذكور محفوظ بظاهرية دمشق.




الامام احمد يجيز التوسل





وأخرج أحمد في المسند (25) بإسناد حسن كما قال الحافظ ابن حجر (26) أن الحرث بن حسان البكري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:" أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد". ولفظ الحديث كما في مسند أحمد: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا زيد بن الحباب قال حدثني أبو المنذر سلام بن سليمان النحوي قال ثنا عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن الحرث بن يزيد البكري (27) قال: خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمررت بالربذة فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها ، فقالت لي: يا عبد الله إن لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة فهل أنت مبلغي إليه ، قال: فحملتها فأتيت المدينة فإذا المسجد غاص بأهله ، وإذا راية سوداء تخفق وبلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : ما شأن الناس، قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها، قال: فجلست، قال: فدخل منزله أو قال: رحله، فاستأذنت عليه فأذن لي فدخلت فسلمت ، فقال: هل كان بينكم وبين بني تميم شىء، قال: فقلت نعم، قال: وكانت لنا الدبرة عليهم، ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها فسألتني أن أحملها إليك، وها هي بالباب ، فأذن لها فدخلت، فقلت: يا رسول الله إن رأيت أن تجعل بيننا وبين بني تميم حاجزا فاجعل الدهناء، فحميت العجوز واستوفزت قالت: يا رسول الله فإلى أين تضطر مضرك؟ قال: قلت إنما مثلي ما قال الأول: معزاء حملت حتفها، حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصما، أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد، قال: هيه وما وافد عاد؟ - وهو أعلم بالحديث منه ولكن يستطعمه - قلت: إن عادا قحطوا فبعثوا وافدا لهم يقال له قيل، فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان، فلما مضى الشهر خرج إلى جبال تهامة فنادى: اللهم إنك تعلم أني لم أجىء إلى مريض فأداويه ولا إلى أسير فأفاديه، اللهم اسق عادا ما كنت تسقيه، فمرت به سحابات سود فنودي منها اختر، فأومأ إلى سحابة منها سوداء فنودي منها: خذها رمادا رمددا لا تبقي من عاد أحدا، قال: فما بلغني أنه بعث عليهم من الريح إلا قدر ما يجري في خاتمي هذا حتى هلكوا ، قال أبو وائل : وصدق، قال: فكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافدا لهم قالوا: لا تكن كوافد عاد. ا.هـ.



فماذا يقول هؤلاء الجاعلون التوسل بالنبي شركا في إيراد أحمد بن حنبل لهذا الحديث أيجعلونه مقررا للشرك أم ماذا يقولون؟



الماليكة يجيزون التوسل




قال ابن الحاج المالكي المعروف بإنكاره للبدع في كتابه المدخل (28) ما نصه : فالتوسل به عليه الصلاة والسلام هو محل حط أحمال الأوزار وأثقال الذنوب والخطايا لأن بركة شفاعته عليه الصلاة والسلام وعظمها عند ربه لا يتعاظمها ذنب، إذ إنها أعظم من الجميع ، فليستبشر من زاره ويلجأ إلى الله تعالى بشفاعة نبيه عليه الصلاة والسلام من لم يزره ، اللهم لا تحرمنا من شفاعته بحرمته عندك ءامين يا رب العالمين.



ومن اعتقد خلاف هذا فهو المحروم ، ألم يسمع قول الله عز وجل:{ ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جآءوك فآستغفروا الله وآستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما (64)}[ سورة النساء ]. فمن جاءه ووقف ببابه وتوسل به وجد الله توابا رحيما ، لأن الله عز وجل منزه عن خلف الميعاد وقد وعد سبحانه وتعالى بالتوبة لمن جاءه ووقف ببابه وسأله واستغفر ربه، فهذا لا يشك فيه ولا يرتاب إلا جاحد للدين معاند لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، نعوذ بالله من الحرمان . ا.هـ. كلام ابن الحاج.




حديث ثابت صحيح في جواز التوسل




وأخرج الطبراني في معجميه الكبير (29) والصغير (30) عن عثمان بن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف فشكى إليه ذلك فقال : ائت الميضأة فتوضأ ثم صلّ ركعتين ثم قل :" اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي عز وجل لتقضى لي حاجتي " وتذكر حاجتك ورح حتى أروح معك فانطلق الرجل فصنع ما قال عثمان له ثم أتى عثمان بن عفان ، فجاء البواب فأخذه بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه على الطنفسة فقال: ما حاجتك ، فذكر له حاجته فقضاها له ، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال له: ما كان لك حاجة فأتنا ، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرا ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت حتى كلّمته فيّ ، فقال عثمان بن حنيف : والله ما كلّمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم :" أو تصبر" فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق علي، فقال له النبي :" ائت الميضئة فتوضأ ثم صلّ ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات "، قال عثمان بن حنيف : فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط. قال الطبراني: والحديث صحيح.



ففيه دليل على أن الأعمى توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في غير حضرته ، بل ذهب إلى الميضأة فتوضأ وصلى ودعا باللفظ الذي علمه رسول الله ، ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم والنبي لم يفارق مجلسه لقول راوي الحديث عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا المجلس حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط (31).



فإن قيل: إن الطبراني لم يصحح بقوله:" والحديث صحيح" إلا الأصل وهو ما حصل بين النبي والأعمى ويسمى مرفوعا ، وأما ما حصل بين عثمان بن حنيف وذلك الرجل فلا يسمى حديثا لأنه حصل بعد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يسمى موقوفا.



فالجواب: أن علماء الحديث يطلقون الحديث على المرفوع والموقوف، وقد نص على ذلك غير واحد منهم كابن حجر العسقلاني (32) وابن الصلاح (33)، وفي كتاب فتاوى الرملي (34) ما نصه :" سئل عن تعريف الأثر فأجاب : إن تعريف الأثر عند المحدثين هو الحديث سواء أكان مرفوعا أو موقوفا وإن قصره بعض الفقهاء على الموقوف"ا.هـ. فدعوى الألباني وبعض تلامذته وحملهم قول الطبراني :" والحديث صحيح" على ما حصل للأعمى مع رسول الله دون ما حصل للرجل مع عثمان بن حنيف دعوى باطلة مخالفة لقواعد الاصطلاح.




المناوي يرد على ابن تيمية لانكاره التوسل


ذكر المناوي (35) في حديث:" اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة " ما نصه: " قال ابن عبد السلام : ينبغي كونه مقصورا على النبي صلى الله عليه وسلم وأن لا يقسم على الله بغيره من الأنبياء والملائكة والأولياء لأنهم ليسوا في درجته وأن يكون مما خص به، قال السبكي: يحسن التوسل والاستعانة والتشفع بالنبي إلى ربه ، ولم ينكر ذلك أحد من السلف ولا الخلف حتى جاء ابن تيمية فأنكر ذلك وعدل عن الصراط المستقيم وابتدع ما لم يقله عالم قبله وصار بين أهل الإسلام مثلة .اهـ.





جواز التوسل بالاعمال الصالحة يثبت جواز التوسل بالذوات الفاضلة




ومما يدل على جواز التوسل أيضا ما رواه البخاري (36) ومسلم (37) عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى أواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدّت عليهم الغار فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم ، قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا، فنأى بي طلب الشجر يوما فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما (38) فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلا أو مالا ، فلبثت والقدح على يديّ أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة ، فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه"، الحديث. فإذا كان التوسل بالعمل الصالح جائزا فكيف لا يصح بالذوات الفاضلة كذوات الأنبياء ، فهذا يكفي دليلا لو لم يكن دليل سواه للتوسل بالأنبياء والأولياء.




الامام احمد يجيز التوسل




وذكر المرداوي الحنبلي أيضا في كتاب الإنصاف (39) تحت عنوان فوائد ما نصه:" ومنها( أي ومن الفوائد) يجوز التوسل بالرجل الصالح على الصحيح من المذهب وقيل يستحب" اهـ. فماذا يقول هؤلاء عن المذهب الحنبلي الذي قرر أن التوسل بالنبي بعد موته سنة على رأي ، وجائز فقط على رأي فهل يكفرون الحنابلة؟ وما معنى اعتزاز هؤلاء بأحمد مع أن أحمد في واد وهم في واد ءاخر؟ وقد قال الإمام أحمد للمروالروذي (40):" يتوسل- أي الداعي عند القحط وقلة المطر أو انقطاعه - بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه" اهـ.



وفي كتاب إتحاف السادة المتقين (41) بشرح إحياء علوم الدين ما نصه:" وكان صفوان بن سليم المدني أبو عبد الله ، وقيل أبو الحارث القرشي الزهري الفقيه العابد وأبوه سليم مولى حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال أحمد: هو يستسقى بحديثه وينزل القطر من السماء بذكره ، وقال مرة: هو ثقة من خيار عباد الله الصالحين ، قال الواقدي وغيره مات سنة واثنتين وثلاثين عن اثنتين وسبعين سنة ا.هـ. أي أنه توفي قبل أن يولد الإمام أحمد. فهذا احمد لم يقل يستسقى بدعائه كما يقول ابن تيمية إن التوسل بدعاء الشخص لا بذاته ولا بذكره ، بل جعل أحمد سببا لنزول المطر ، فمن أين تحريم ابن تيمية للتوسل بالذوات الفاضلة؟





الشافعية يجيزون التوسل




وفي فتاوى شمس الدين الرملي (42) ما نصه :" سئل عما يقع من العامة من قولهم عند الشدائد: يا شيخ فلان، يا رسول الله ، ونحو ذلك من الاستغاثة بالأنبياء والمرسلين والأولياء والعلماء والصالحين فهل ذلك جائز أم لا؟ وهل للرسل والأنبياء والأولياء والصالحين والمشايخ إغاثة بعد موتهم ؟ وماذا يرجح ذلك؟



فأجاب: بأن الاستغاثة بالأنبياء والمرسلين والأولياء والعلماء والصالحين جائزة ، وللرسل والأنبياء والأولياء والصالحين إغاثة بعد موتهم، لأن معجزة الأنبياء وكرامات الأولياء لا تنقطع بموتهم، أما الأنبياء فلأنهم أحياء في قبورهم يصلون ويحجون كما وردت به الأخبار وتكون الإغاثة منهم معجزة لهم، وأما الأولياء فهي كرامة لهم فإن أهل الحق على أنه يقع من الأولياء بقصد وبغير قصد أمور خارقة للعادة يجريها الله تعالى بسببهم"ا.هـ. أما قوله:





" ويحجون" فإنه لم يثبت في السنة .




الحنفية يجيزون التوسل




قال نور الدين ملا علي القاري في شرح المشكاة ما نصه: قال شيخ مشايخنا علامة العلماء المتبحرين شمس الدين بن الجزري في مقدمة شرحه للمصابيح : إني زرت قبره بنيسابور (يعني مسلم بن الحجاج القشيري) وقرأت بعض صحيح علي سبيل التيمن و التبرك عند قبره ورأيت ءاثار البركة ورجاء الإجابة في تربته.ا.هـ.



فإن قيل: أليس في حديث :" إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث" دلالة على أن الميت لا ينفع غيره.


فالجواب: أنه ليس في الحديث الذي رواه ابن حبان (43) :" إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" دلالة على أن الميت لا ينفع غيره، إذ إن الحديث نفى استمرار العمل التكليفي الذي يتجدد به للميت ثواب، أما أن ينفع غيره فغير ممنوع بدليل أن سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم قال لمحمد عليه الصلاة والسلام في حديث المعراج :" ارجع فسل ربك التخفيف" (44)، وهذا نفع كبير لأمة محمد كان بعد موت موسى بسنين عديدة.




توسل سيدنا عمر بالعباس




فإن قيل : أليس في توسل عمر بالعباس (45) بعد موت النبي ما يدل على أنه لا يتوسل بالنبي بعد موته.



فالجواب : أن توسل عمر بالعباس بعد موت النبي ليس لأن الرسول قد مات بل كان لأجل رعاية حق قرابته من النبي صلى الله عليه وسلم، بدليل قول العباس حين قدمه عمر: اللهم إن القوم توجهوا بي إليك لمكاني من نبيك"، روى هذا الأثر الزبير بن بكار.



وروى الحاكم (46) أيضا أن عمر رضي الله عنه خطب الناس فقال:" أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده، يعظمه ويفخمه ويبر قسمه، فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس واتخذوه وسيلة إلى الله فيما نزل بكم"، وهذا يوضح سبب توسل عمر بالعباس.



وأيضا فإت ترك الشىء لا يدل على منعه كما هو مقرر في كتب الأصول، فترك للتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم لا دلالة فيه أصلا على منع التوسل إلا بالحي الحاضر، وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا من المباحات فهل دل تركه لها على حرمتها؟



وقد أراد سيدنا عمر بفعله ذلك أن يبين جواز التوسل بغير النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الصلاح ممن ترجى بركته، ولذا قال الحافظ في الفتح(47) عقب هذه القصة ما نصه:" يستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة"ا.هـ.



جواب عن احتجاج الوهابية بحديث لمنع التوسل




فإن قيل: أليس في حديث ابن عباس الذي رواه لترمذي (48) " إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله" ما يدل على عدم جواز التوسل بغير الله؟



فالجواب: أن هذا ليس فيه معارضة ما ذكرنا إذ إن المتوسل يسأل الله ، والحديث ليس معناه لا تسأل غير الله ولا تستعن بغير الله، إنما معناه أن الأولى بأن يسأل ويستعان به هو الله تعالى، نظير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي" رواه ابن حبان (49) ، فكما لا يفهم من هذا الحديث عدم جواز صحبة غير المؤمن وعدم جواز إطعام غير التقي وإنما يفهم منه أن الأولى بالصحبة المؤمن وبالإطعام التقي ، كذلك حديث ابن عباس لا يفهم منه إلا الأولوية ، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل لا تسأل غير الله ولا تستعن بغير الله، أليس هناك فرق بين أن يقال: لا تسأل غير الله وبين أن يقال: إذا سألت فاسأل الله؟




الحافظ ابن حجر يجيز التوسل بالنبي.




قال الحافظ ابن حجر في قصائده المسماة النيرات السبع :

يا سيد الرسل الذي منهاجه حاو كمال الفضل والتهذيب

الى أن قال:

فاشفع لمادحك الذي بك يتقي أهوال يوم الدين والتعذيب

فلأحمد بن علي الأثري في مأهول مدحك نظم كل غريب

قد صح أن ضناه زاد وذنبه أصل السقام وانت خير طبيب



ثم قال في قصيدة أخرى :

يا سيدي يا رسول الله قد شرُفت قصائدي بمديح فيك قد رصفا

الى أن قال :

بباب جودك عبد مذنب كلف يا أحسن الناس وجها مشرقا ووقفا

بكم توسل يرجو العفو عن زلل من خوفه جفنه الهامي لقد ذرفا

وإن يكن نسبة بعزى الى حجر فطالما فاض عذبا طيبا وصفا



ثم قال في قصيدة أخرى :

اصدح بمدح المصطفى واصدع به قلب الحسود ولا تخف تفنيدا

واقصد له واسأل به تعط المنى وتعيش مهما عشت فيه سعيدا

خير الأنام ومن لجا لجنابه لا بدع أن أضحى به مسعودا



ثم قال في قصيدة أخرى:

فما تبلغ الأشعار فيه ومدحه به ناطق نص الكتاب وناقل

الى أن قال:

ولي إن توسلت الهناء بمدحه لأني مستجد هناك وسائل



ثم قال في قصيدة أخرى:

فإن أحزن فمدحك لي سروري وإن أقنط فحمدك لي رجائي



ثم قال في قصيدة أخرى:

نبي براه الله أشرف خلقه وأسماه إذا سماه في الذكر أحمدا

فرج نداه إنه الغيث في الندى وخف من سطاه إنه الليث في العدا



ثم قال في قصيدة أخرى:

وإن قنطت من العصيان نفس فباب محمد باب الرجاء



وذكر الحافظ السخاوي(50) أن الشمس محمد بن علي القوصي الشافعي أرسل معه رسالة ليقرأها السخاوي لسيد المرسلين لكن لم يتوفق للسخاوي تبليغها إلا بعد موته جاء فيها:

عسى تبلغ الآمال منه بنظرة إلي فإن يفعل بفوز ألاقه


وهكذا يتبين لكل منصف ان التوسل جائز وان الوهابية فرقة شذت عن المسلمين وحرمت التوسل. التوسل جائز رغما عن انوف الوهابية.





--------------------------------------------------



(1) تفسير القرءان للزجاج

(2) تهذيب اللغة (2/234).

(3) أخرجه البيهقي في سننه (7/291، 292) وأخرجه ابن ماجه في سننه : كتاب النكاح : باب حق الزوج على المرأة ، وقال الحافظ البوصيري في المصباح (1/324): رواه ابن حبان في صحيحه . وقال السندي: كأنه يريد أنه صحيح الإسناد.اهـ. وانظر الإحسان (6/186-187).

(4) مسند احمد (6/76)

(5) كشف الأستار عن زوائد البزار (4/34).

(6) مجمع الزوائد (10/132).

(7) شعب الإيمان (1/445).

(8) انظر البداية والنهاية (7/ 91-92)

(9) فتح الباري شرح صحيح البخاري (2/495-496)

(10) البداية والنهاية (7/90).

(11) معناه كيت و كيت.

(12) طرح التثريب (ص/160)

(13) شفاء السقام (ص/160).

(14) نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار .( مخطوط).

(15) تاريخ بغداد (1/122-125)

(16) وفيات الأعيان (6/394)

(17) بُليدة حصينة من نواحي نيسابور ، معجم البلدان(1/177)

(18) الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/92- 93).

(19) دلائل النبوة (5/489).

(20) مستدرك الحاكم ، كتاب التاريخ (2/615).

(21) انظر شفاء السقام ص/163.

(22) عزاه له الهيثمي في مجمع الزوائد (8/253) وقال: وفيه من لم أعرفهم .

(23) المعجم الصغير (ص/355).

(24) الأدب المفرد (ص/324).

(25) مسند أحمد ( 3/ 481- 452).

(26) فتح الباري (8/579)

(27) الحارث بن حسان البكري ويسمى الحارث بن يزيد البكري كما في الإصابة للحافظ ابن حجر العسقلاني.

(28) المدخل (1/259-260)

(29) المعجم الكبير (9/17- 18).

(30) المعجم الصغير (ص/201- 202).

(31) المعجم الكبير للطبراني (9/17- 18)، والمعجم الصغير له أيضا، ( ص/201- 202). قال الطبراني : والحديث صحيح.

(32) تدريب الراوي (1/42).

(33) مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث (ص/23).

(34) فتاوى الرملي بهامش الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمي (4/ 371).

(35) فيض القدير (2/134).

(36) صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضي.

(37) صحيح مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: باب قصة أصحاب الغار الثلاثة ، والتوسل بصالح الأعمال.

(38) الغبوق: الطعام الذي يكون في النصف الأخير من النهار كالذي يؤكل العصر.

(39) الإنصاف (2/456).

(40) الإنصاف (2/456).

(41) إتحاف السادة المتقين (10/130).

(42) فتاوى الرملي بهامش الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمي(4/382).

(43) صحيح ابن حبان ، فصل في الموت وما يتعلق به من راحة المؤمن وبشراه وروحه وعمله مالثناء عليه ، انظر الإحسان (5/9).

(44) صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات.

(45) صحيح البخاري ، كتاب فضائل الصحابة: باب ذكر العباس بن عبد المطلب.

(46) مستدرك الحاكم، كتاب معرفة الصحابة(3/334) من حديث داود بن عطاء المدني عن زيد بن أسلم عن ابن عمر. قال الذهبي في التلخيص : هو في جزء البانياسي بعلو، وصح نحوه من حديث أنس، فأما داود فمتروك. قلت : تابعه عليه هشام بن سعد أخرجه البلاذري من طريقه عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر، انظر الفتح

(2/497)

(47) فتح الباري (2/497)

(48) جامع الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقائق والورع : باب (59) . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .

(49) صحيح ابن حبان : كتاب البر والاحسان : باب الصحبة والمجالسة ، راجع الإحسان (1/383-385)

(50) وجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام (2/777)

_________________
كميشى حسينى من آل بيت النبوة

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت نوفمبر 04, 2006 12:36 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة نوفمبر 03, 2006 1:01 pm
مشاركات: 3
من مجموع فتاوى و رسالئل - المجلد الثاني التوسل محمد بن صالح العثيمين

(374) سئل فضيلة الشيخ –جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرالجزاء:- عن حكم التوسل؟

فأجاب بقوله: هذا سؤال مهم، فنحب أن نبسط الجواب فيه؛ فأقول:

التوسل: مصدر توسل يتوسل: أي اتخذ وسيلة توصله إلى مقصوده؛ فأصله طلب الوصول إلى الغاية المقصودة.

وينقسم التوسل إلى قسمين:

القسم الأول: قسم صحيح ، وهو التوسل بالوسيلة الصحيحة الموصلة إلى المطلوب؛ وهو على أنواع نذكر منها:
النوع الأول: التوسل بأسماء الله– تعالى– وذلك على وجهين:

الوجه الأول: أن يكون ذلك على سبيل العموم؛ ومثاله ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه – في دعاء الهم والغم قال :

"اللهم إني عبدك ، ابن عبدك ، ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك ، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي…"الخ؛ فهنا توسل بأسماء الله – تعالى – على سبيل العموم "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ".

الوجه الثاني: أن يكون ذلك على سبيل الخصوص بأن يتوسل الإنسان باسم خاص لحاجة خاصة تناسب هذا الاسم ، مثل ما جاء في حديث أبي بكر – رضي الله عنه – حيث طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاءً يدعو به في صلاته، فقال : "قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" فطلب المغفرة والرحمة وتوسل إلى الله –تعالى – باسمين من أسمائه مناسبين للمطلوب وهما "الغفور" و "الرحيم" .

وهذا النوع من التوسل داخل في قوله – تعالى-: ]ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها[(1) فإن الدعاء هنا يشمل دعاء المسألة ، ودعاء العبادة .

النوع الثاني: التوسل إلى الله –تعالى – بصفاته ، وهو أيضاً كالتوسل بأسمائه على وجهين:

الوجه الأول : أن يكون عاماً كأن تقول : "اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا" ثم تذكر مطلوبك .

الوجه الثاني: أن يكون خاصاً ، كأن تتوسل إلى الله – تعالى - بصفة معينة خاصة لمطلوب خاص ، مثل ما جاء في الحديث "اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي " فهنا توسل لله – تعالى – بصفة "العلم" و"القدرة" وهما مناسبتان للمطلوب.

ومن ذلك أن يتوسل بصفة فعلية مثل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.

النوع الثالث: أن يتوسل الإنسان إلى الله- عز وجل- بالإيمان به، وبرسوله - صلى الله عليه وسلم- فيقول:"اللهم إني آمنت بك ، وبرسولك فاغفر لي أو وفقني" ، أو يقول: "اللهم بإيماني بك وبرسولك أسألك كذا وكذا"،ومنه قوله–تعالى :] إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب.الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم [(1) إلى قوله : ]ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار[(2) فتوسلوا إلى الله – تعالى – بالإيمان به أن يغفر لهم الذنوب، ويكفر عنهم السيئات، ويتوفاهم مع الأبرار.

النوع الرابع : أن يتوسل إلى الله – سبحانه وتعالى – بالعمل الصالح ؛ ومنه قصة النفر الثلاثة الذين أووا إلى غار ليبيتوا فيه، فانطبق عليهم الغار بصخرة لا يستطيعون زحزحتها ، فتوسل كل منهم إلى الله بعمل صالح فعله ؛ فأحدهم توسل إلى الله – تعالى – ببره بوالديه؛ والثاني بعفته التامة ؛ والثالث بوفائه لأجيره ، قال كل منهم "اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فافرج عنا ما نحن فيه" فانفرجت الصخرة، فهذا توسل إلى الله بالعمل الصالح.

النوع الخامس : أن يتوسل إلى الله –تعالى- بذكر حاله يعني أن الداعي يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله وما هو عليه من الحاجة ، ومنه قول موسى - صلى الله عليه وسلم -: ]رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير[ (3)يتوسل إلى الله – تعالى – بذكر حاله أن ينزل إليه الخير . ويقرب من ذلك قول زكريا - عليه الصلاة والسلام -: ]رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك ربِ شقياً[ (1) فهذه أنواع من التوسل كلها جائزة؛ لأنها أسباب صالحة لحصول المقصود بالتوسل بها.

النوع السادس: التوسل إلى الله – عز وجل- بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابته ، فإن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم – أن يدعو الله عز وجل لهم بدعاءٍ عام، ودعاءٍ خاص؛ ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي – صلى الله عليه وسلم – يخطب فقال : يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا ، فرفع النبي – صلى الله عليه وسلم – يديه وقال: "اللهم أغثنا" ثلاث مرات، فما نزل من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته ، وبقي المطر أسبوعاً كاملاً . وفي الجمعة الأخرى جاء ذلك الرجل أو غيره والنبي – صلى الله عليه وسلم – يخطب فقال : يا رسول الله ، غرق المال ، وتهدم البناء فادع الله أن يمسكها عنا ، فرفع النبي – صلى الله عليه وسلم – يديه وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا" فما يشير إلى ناحية من السماء إلا انفرجت ، حتى خرج الناس يمشون في الشمس؛ وهناك عدة وقائع سأل الصحابة النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يدعو لهم على وجه الخصوص ومن ذلك أن النبي-صلى الله عليه وسلم – ذكر أن في أمته سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وهم الذين لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون ، فقام عكاشة بن محصن وقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال: "أنت منهم" فهذا أيضاً من التوسل الجائز وهو أن يطلب الإنسان من شخص ترجى إجابته أن يدعو الله – تعالى – له؛ إلا أن الذي ينبغي: أن يكون السائل يريد بذلك نفع نفسه ، ونفع أخيه الذي طلب منه الدعاء ، حتى لا يتمحض السؤال لنفسه خاصة ؛ لأنك إذا أردت نفع أخيك ونفع نفسك صار في هذا إحسان إليه؛ فإن الإنسان إذا دعا لأخيه في ظهر الغيب قال الملك : "آمين ولك بمثل" وهو كذلك يكون من المحسنين بهذا الدعاء والله يحب المحسنين.

القسم الثاني: - التوسل غير الصحيح وهو : -أن يتوسل الإنسان إلى الله – تعالى – بما ليس بوسيلة ، أي بما لم يثبت في الشرع أنه وسيلة؛ لأن التوسل بمثل ذلك من اللغو، والباطل المخالف للمعقول ، والمنقول ؛ ومن ذلك أن يتوسل الإنسان إلى الله – تعالى – بدعاء ميت يطلب من هذا الميت أن يدعو الله له ؛ لأن هذا ليس وسيلة شرعية صحيحة؛ بل من سفه الإنسان أن يطلب من الميت أن يدعو الله له ؛ لأن الميت إذا مات انقطع عمله ، ولا يمكن لأحد أن يدعو لأحد بعد موته ، حتى النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يمكن أن يدعو لأحد بعد موته؛ ولهذا لم يتوسل الصحابة – رضي الله عنهم – إلى الله بطلب الدعاء من رسوله - صلى الله عليه وسلم - بعد موته ؛ فإن الناس لما أصابهم الجدب في عهد عمر- رضي الله عنه- قال: - "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" فقام العباس – رضي الله عنه- فدعا الله- تعالى- . ولو كان طلب الدعاء من الميت سائغاً، ووسيلة صحيحة لكان عمر ومن معه من الصحابة يطلبون ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن إجابة دعائه - صلى الله عليه وسلم - أقرب من إجابة دعاء العباس – رضي الله عنه-؛ فالمهم أن التوسل إلى الله- تعالى – بطلب الدعاء من ميت توسل باطل لا يحل، ولا يجوز.

ومن التوسل الذي ليس بصحيح : أن يتوسل الإنسان بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم– وذلك أن جاه الرسول- صلىالله عليه وسلم – ليس مفيداً بالنسبة إلى الداعي؛ لأنه لا يفيد إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أما بالنسبة للداعي فليس بمفيد حتى يتوسل إلى الله به؛ وقد تقدم أن التوسل اتخاذ الوسيلة الصالحة التي تثمر . فما فائدتك أنت من كون الرسول - صلى الله عليه وسلم- له جاه عند الله ؟! وإذا أردت تتوسل إلى الله على وجه صحيح فقل: اللهم بإيماني بك وبرسولك،أو بمحبتي لرسولك، وما أشبه ذلك؛ فإن هذا الوسيلة الصحيحة النافعة .

(375) وسئل فضيلة الشيخ : أعلى الله درجته في المهديين : عن حكم التوسل وأقسامه؟

فأجاب بقوله : التوسل اتخاذ الوسيلة ؛ والوسيلة "كل ما يوصل إلى المقصود" فهي من الوصل؛ لأن الصاد والسين يتناوبان كما يقال : صراط ، وسراط، وبصطة ، وبسطة.

والتوسل في دعاء الله – تعالى – أن يقرن الداعي بدعائه ما يكون سبباً في قبول دعائه ، ولابد من دليل على كون هذا الشيء سبباً للقبول؛ ولا يعلم ذلك إلا من طريق الشرع ؛ فمن جعل شيئاً من الأمور وسيلة له في قبول دعائه بدون دليل من الشرع فقد قال على الله ما لا يعلم ؛ إذ كيف يدري أن ما جعله وسيلة مما يرضاه الله – تعالى – ، ويكون سبباً في قبول دعائه؟! والدعاء من العبادة؛ والعبادة موقوفة على مجيء الشرع بها . وقد أنكر الله-تعالى – على من اتبع شرعاً بدون إذنه، وجعله من الشرك فقال تعالى : ]أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله[ (1) وقال – تعالى - : ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون[(2) .

والتوسل في دعاء الله – تعالى – قسمان:

القسم الأول : أن يكون بوسيلة جاءت بها الشريعة وهو أنواع .

النوع الأول : التوسل بأسماء الله- تعالى –، وصفاته، وأفعاله، فيتوسل إلى الله – تعالى – بالاسم المقتضي لمطلوبه،أو بالصفة المقتضية له، أو بالفعل المقتضي له: قال الله – تعالى-: ]ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها[ (3) فيقول: اللهم يا رحيم ارحمني ، ويا غفور اغفر لي، ونحو ذلك؛ وفي الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي). وعلم أمته أن يقولوا في الصلاة عليه: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم.

النوع الثاني : التوسل إلى الله – تعالى-بالإيمان-به وطاعته كقوله-تعالى-عن أولي الألباب : ]ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا[ (4) وقوله: ]إنه كان فريق من عبادي يقول :ون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا[ (1).

وقوله عن الحواريين: ]ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين[ (2) .

النوع الثالث: أن يتوسل إلى الله بذكر حال الداعي المبينة لاضطراره، وحاجته، كقول موسى –عليه الصلاة والسلام -: ]رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير[ (3) .

النوع الرابع : أن يتوسل إلى الله بدعاء من ترجى إجابته كطلب الصحابة – رضي الله عنهم– من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو الله لهم مثل قول الرجل الذي دخل يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم – يخطب، فقال: ادع الله أن يغيثنا ؛ وقول عكاشة بن محصن للنبي -صلى الله عليه وسلم - : ادع الله أن يجعلني منهم.

وهذا إنما يكون في حياة الداعي ، أما بعد موته فلا يجوز؛ لأنه لا عمل له: فقد انتقل إلى دار الجزاء ؛ ولذلك لما أجدب الناس في عهد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لم يطلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستسقي لهم؛ بل استسقى عمر بالعباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: قم فاستسق؛ فقام العباس فدعا ، وأما ما يروى عن العتبي أن أعرابياً جاء إلى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم - فقال: "السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول: ]ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً[ (1) وقد جئتك مستغفراً من ذنوبي مستشفعاً بك إلى ربي" وذكر تمام القصة؛ فهذه كذب لا تصح ؛ والآية ليس فيها دليل لذلك ؛ لأن الله يقول : ] ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم [ . ولم يقل : " إذ ظلموا أنفسهم " و ]إذ[ لما مضى لا للمستقبل ؛ والآية في قوم تحاكموا، أو أرادوا التحاكم إلى غير الله، ورسوله، كما يدل على ذلك سياقها السابق، واللاحق.

القسم الثاني : أن يكون التوسل بوسيلة لم يأت بها الشرع وهي نوعان :

أحدهما : أن يكون بوسيلة أبطلها الشرع، كتوسل المشركين بآلهتهم؛ وبطلان هذا ظاهر.

الثاني : أن يكون بوسيلة سكت عنها الشرع: وهذا محرم؛ وهو نوع من الشرك، مثل أن يتوسل بجاه شخص ذي جاه عند الله، فيقول : : "أسألك بجاه نبيك" : فلا يجوز ذلك؛ لأنه إثبات لسبب لم يعتبره الشرع ، ولأن جاه ذي الجاه ليس له أثر في قبول الدعاء ؛ لأنه لا يتعلق بالداعي، ولا بالمدعو؛ وإنما هو من شأن ذي الجاه وحده ، فليس بنافع لك في حصول مطلوبك؛ أو دفع مكروبك، ووسيلة الشيء ما كان موصلاً إليه ؛ والتوسل بالشيء إلى مالا يوصل إليه نوع من العبث ، فلا يليق أن تتخذه فيما بينك وبين ربك - والله الموفق.

(376) وسئل فضيلة الشيخ : عن حكم التوسل بالنبي ، صلى الله عليه وسلم ؟

فأجاب قائلاً : التوسل بالنبي – صلى الله عليه وسلم – أقسام :

الأول : أن يتوسل بالإيمان به فهذا التوسل صحيح، مثل أن يقول : : "اللهم إني آمنت بك وبرسولك فاغفر لي"؛ وهذا لا بأس به ؛ وقد ذكره الله-تعالى- في القرآن الكريم في قوله : ] ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار[(1) ، ولأن الإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيلة شرعية لمغفرة الذنوب، وتكفير السيئات؛ فهو قد توسل بوسيلة ثابتة شرعاً.

الثاني : أن يتوسل بدعائه – صلى الله عليه وسلم – أي بأن يدعو للمشفوع له؛ وهذا أيضاً جائز وثابت لكنه لا يمكن أن يكون إلا في حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم -؛ وقد ثبت عن عمر – رضي الله عنه – أنه قال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" وأمر العباس أن يقوم فيدعو الله- سبحانه وتعالى – بالسقيا؛ فالتوسل في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم –بدعائه جائز، ولا بأس به.

الثالث : أن يتوسل بجاه الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، سواء في حياته، أو بعد مماته: فهذا توسل بدعي لا يجوز؛ وذلك لأن جاه الرسول –صلى الله عليه وسلم- لا ينتفع به إلا الرسول – صلى الله عليه وسلم –؛ وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يقول : : اللهم إني أسألك بجاه نبيك أن تغفر لي أو ترزقني الشيء الفلاني ؛ لأن الوسيلة لا بد أن تكون وسيلة ؛ والوسيلة مأخوذة من الوسل بمعنى الوصول إلى الشيء؛ فلا بد أن تكون هذه الوسيلة موصلة إلى الشيء وإذا لم تكن موصلة إليه فإن التوسل بها غير مجد، ولا نافع ؛ وعلى هذا فنقول : التوسل بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أقسام:

القسم الأول : أن يتوسل بالإيمان به، واتباعه؛ وهذا جائز في حياته، وبعد مماته.

القسم الثاني : أن يتوسل بدعائه أي بأن يطلب من الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن يدعو له فهذا جائز في حياته لا بعد مماته؛ لأنه بعد مماته متعذر.

القسم الثالث: أن يتوسل بجاهه، ومنزلته عند الله؛ فهذا لا يجوز لا في حياته، ولا بعد مماته؛ لأنه ليس وسيلة؛ إذ إنه لا يوصل الإنسان إلى مقصوده؛ لأنه ليس من عمله.

فإذا قال قائل : جئت إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند قبره، وسألته أن يستغفر لي، أو أن يشفع لي عند الله فهل يجوز ذلك أولا ؟

قلنا : لا يجوز .

فإذا قال: أليس الله يقول: ]ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً[(1) .

قلنا له: بلى إن الله يقول : ذلك ، ولكن يقول : ]ولو أنهم إذ ظلموا[ و ]إذ[ هذه ظرف لما مضى، وليست ظرفاً للمستقبل ؛ لم يقل الله : ولو أنهم إذ ظلموا ..، بل قال]إذ ظلموا [ . فالآية تتحدث عن أمر وقع في حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم-واستغفار الرسول– صلى الله عليه وسلم – بعد مماته أمر متعذر؛ لأنه إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث – كما قال الرسول – صلى الله عليه وسلم –:"صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له" . فلا يمكن لإنسان بعد موته أن يستغفر لأحد؛ بل ولا يستغفر لنفسه أيضاً؛ لأن العمل انقطع.

(377) وسئل -جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء-: عن التوسل هل هو من مسائل العقيدة؟ وعن حكم التوسل بالصالحين ؟ .

فأجاب – حفظه الله تعالى – بقوله : التوسل داخل في العقيدة ، لأن المتوسل يعتقد أن لهذه الوسيلة تأثيراً في حصول مطلوبه، ودفع مكروهه؛ فهو في الحقيقة من مسائل العقيدة ؛ لأن الإنسان لا يتوسل بشيء إلا وهو يعتقد أن له تأثيراً فيما يريد .

والتوسل بالصالحين ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول : التوسل بدعائهم: فهذا لا بأس به؛ فقد كان الصحابة – رضي الله عنهم – يتوسلون برسول الله – صلى الله عليه وسلم – بدعائه : يدعو الله لهم فينتفعون بذلك ؛ واستسقى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بعم النبي - صلى الله عليه وسلم - "العباس بن عبد المطلب" بدعائه .

وأما القسم الثاني : فهو التوسل بذواتهم: فهذا ليس بشرعي ؛ بل هو من البدع من وجه ، ونوع من الشرك من وجه آخر.

فهو من البدع؛ لأنه لم يكن معروفاً في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه.

وهو من الشرك لأن كل في أمر من الأمور أنه سبب ولم يكن سبباً شرعياً فإنه قد أتى نوعاً من أنواع الشرك ؛ من اعتقد وعلى هذا لا يجوز التوسل بذات النبي – صلى الله عليه وسلم – مثل أن يقول : : أسألك بنبيك محمد – صلى الله عليه وسلم – إلا على تقدير أنه يتوسل إلى الله- تعالى- بالإيمان بالرسول – صلى الله عليه وسلم- ، ومحبته فإن ذلك من دين الله الذي ينتفع به العبد ؛ وأما ذات النبي - صلى الله عليه وسلم - فليست وسيلة ينتفع بها العبد ؛ وكذلك على القول الراجح لا يجوز التوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن جاه النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما ينتفع به النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه؛ ولا ينتفع به غيره ؛ وإذا كان الإنسان يتوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - باعتقاد أن للنبي - صلى الله عليه وسلم-جاهاً عند الله فليقل: اللهم إني أسألك أن تشفع بي نبيك محمداً - صلى الله عليه وسلم- ، وما أشبه ذلك من الكلمات التي يدعو بها الله- عز وجل-.

(378) وسئل أيضاً :هل يجوز التوسل بجاه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ؟

فأجاب قائلا : التوسل بجاه النبي – صلى الله عليه وسلم – ليس بجائز على الراجح من قول أهل العلم؛ فيحرم التوسل بجاه النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ فلا يقول : الإنسان: اللهم إني أسألك بجاه نبيك كذا، وكذا؛ وذلك لأن الوسيلة لا تكون وسيلة إلا إذا كان لها أثر في حصول المقصود ؛ وجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنسبة للداعي ليس له أثر في حصول المقصود؛ وإذا لم يكن له أثر لم يكن سبباً صحيحاً؛ والله – عز وجل – لا يدعى إلا بما يكون سبباً صحيحاً له أثر في حصول المطلوب؛ فجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - هو مما يختص به النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده؛ وهو مما يكون منقبة له وحده؛ أما نحن فلسنا ننتفع بذلك؛ وإنما ننتفع بالإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ومحبته ؛ وما أيسر الأمر على الداعي إذا قال : "اللهم إني أسألك بإيماني بك، وبرسولك كذا، وكذا" بدلاًمن أن يقول: أسألك بجاه نبيك . ومن نعمة الله – عز وجل – ورحمته بنا أنه لا ينسد باب من الأبواب المحظورة إلا وأمام الإنسان أبواب كثيرة من الأبواب المباحة . والحمد لله رب العالمين.

(379) سئل فضيلة الشيخ : عن هذا الحديث : أن أعمى أتى إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ادع الله أن يكشف عن بصري قال: "أو أدعك" ، قال: يا رسول الله إنه قد شق عليّ ذهاب بصري، فقال : فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد ، صلى الله عليه وسلم ، نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي" ما صحة هذا وما معناه؟

فأجاب قائلاً : هذا الحديث اختلف أهل العلم في صحته فمنهم من قال : إنه ضعيف ، ومنهم من قال: إنه حسن ، ولكن له وجهة ليست كما يتبادر من اللفظ، فإن هذا الحديث معناه أن النبي – صلى الله عليه وسلم - أمر هذا الرجل الأعمى أن يتوضأ، ويصلي ركعتين ليكون صادقاً في طلب شفاعة النبي – صلى الله عليه وسلم – له ، وليكون وضوؤه، وصلاته عنواناً على رغبته في التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم– والتوجه به إلى الله –سبحانه وتعالى– ؛ فإذا صدقت النية، وصحت، وقويت العزيمة فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – يشفع له إلى الله – عز وجل – ؛ وذلك بأن يدعو النبي – صلى الله عليه وسلم – له. فإن الدعاء نوع من الشفاعة كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : "ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه" . فيكون معنى هذا الحديث أن هذا الأعمى يطلب من النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يدعو الله له؛ لأن هذا الدعاء نوع شفاعة. أما الآن وبعد موت النبي – صلى الله عليه وسلم – فإن مثل هذه الحال لا يمكن أن تكون لتعذر دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – لأحد بعد الموت، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : "إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له" والدعاء بلا شك من الأعمال التي تنقطع بالموت؛ بل الدعاء عبادة كما قال الله – تعالى- : ]وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين[ (1) ولهذا لم يلجأ الصحابة – رضي الله عنهم – عند الشدائد وعند الحاجة إلى سؤال النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يدعو الله لهم ؛ بل قال عمرابن الخطاب – رضي الله عنه- حين قحط المطر: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون" وطلب من العباس – رضي الله عنه – أن يدعو الله – عز وجل – بالسقيا فدعا فسقوا . وهذا يدل على أنه لا يمكن أن يطلب من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد موته أن يدعو لأحد؛ لأن ذلك متعذر لانقطاع عمله بموته صلوات الله وسلامه عليه ؛ وإذا كان لا يمكن لأحد أن يطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو له بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم- فإنه لا يمكن – ومن باب أولى - أن يدعو أحد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، نفسه بشيء من حاجاته أو مصالحه؛ فإن هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله؛ والذي حرم الله على من اتصف به الجنة: قال الله – تعالى-:]ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين[ (1) . وقال – تعالى-]: فلا تدع مع الله إلهاً آخر فتكون من المعذبين [ (2) ؛ وقال الله – عز وجل -: ]ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون[ (3)؛ وقال – تعالى: ]إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار[ (4). فالمهم أن من دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته أو غيره من الأموات لدفع ضرر أو جلب منفعة فهو مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، وعليه أن يتوب إلى الله – سبحانه وتعالى –، وأن يوجه الدعاء إلى العلي الكبير الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ؛ وإني لأعجب من قوم يذهبون إلى قبر فلان وفلان يدعونه أن يفرج عنهم الكربات ويجلب لهم الخيرات وهم يعلمون أن هذا الرجل كان في حال حياته لا يملك ذلك فكيف بعد موته بعد أن كان جثة - وربما يكون رميماً قد أكلته الأرض - فيذهبون يدعونه، ويتركون دعاء الله – عز وجل – الذي هو كاشف الضر، وجالب النفع، والخير ، مع أن الله – تعالى – أمرهم بذلك وحثهم عليه فقال : ]وقال ربكم ادعوني أستجب لكم[ (5) . وقال –الله تعالى-: ] وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان[ (6). وقال – تعالى – منكراً على من دعا غيره : ]أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله[(1).أسأل الله – تعالى– أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم.

(380) وسئل أيضاً : عن حديث : أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن عمر – رضي الله عنه – كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب وقال : "اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، فيسقون " هل هو صحيح؟ وهل يدل على جواز التوسل بجاه الأولياء؟

فأجاب قائلاً : هذا الحديث الذي أشار إليه السائل حديث صحيح رواه البخاري ، لكن من تأمله وجد أنه دليل على عدم التوسل بجاه النبي – صلى الله عليه وسلم -، أو غيره؛ وذلك أن التوسل هو اتخاذ وسيلة؛ والوسيلة هي الشيء الموصل إلى المقصود؛ والوسيلة المذكورة في هذا الحديث "نتوسل إليك بنبينا فتسقينا؛ وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" المراد بها التوسل إلى الله تعالى بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال الرجل : "يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا" ولأن عمر قال للعباس : قم يا عباس فادع الله فدعا، ولو كان هذا من باب التوسل بالجاه لكان عمر – رضي الله عنه – يتوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يتوسل بالعباس؛ لأن جاه النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم عند الله من جاه العباس، وغيره؛ فلو كان هذا الحديث من باب التوسل بالجاه لكان الأجدر بأمير المؤمنين عمر –رضي الله عنه–أن يتوسل بجاه النبي–صلىالله عليه وسلم،دون جاه العباس بن عبد المطلب .

والحاصل أن التوسل إلى الله – تعالى – بدعاء من ترجى فيه إجابة الدعاء لصلاحه لا بأس به؛ فقد كان الصحابة – رضي الله عنهم – يتوسلون إلى الله – تعالى – بدعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – لهم ؛ وكذلك عمر – رضي الله عنه – توسل بدعاء العباس بن عبد المطلب – رضي الله عنه - ، فلا بأس إذا رأيت رجلاً صالحاً حرياً بالإجابة لكون طعامه وشرابه وملبسه ومسكنه حلالاً وكونه معروفاً بالعبادة والتقوى ، لا بأس أن تسأله أن يدعو الله لك بما تحب ، بشرط أن لا يحصل في ذلك غرور لهذا الشخص الذي طلب منه الدعاء ، فإن حصل منه غرور بذلك فإنه لا يحل لك أن تقتله وتهلكه بهذا الطلب منه؛ لأن ذلك يضره.

كما أنني أيضاً أقول : إن هذا جائز؛ ولكنني لا أحبذه ، وأرى أن الإنسان يسأل الله –تعالى – بنفسه دون أن يجعل له واسطة بينه وبين الله، وأن ذلك أقوى في الرجاء، وأقرب إلى الخشية، كما أنني أيضاً أرغب من الإنسان إذا طلب من أخيه الذي ترجى إجابة دعائه أن يدعو له ، أن ينوي بذلك الإحسان إليه - أي إلى هذا الداعي - دون دفع حاجة هذا المدعو له؛ لأنه إذا طلبه من أجل دفع حاجته صار كسؤال المال وشبه المذموم ، أما إذا قصد بذلك نفع أخيه الداعي بالإحسان إليه - والإحسان إلى المسلم يثاب عليه المرء كما هو معروف - كان هذا أولى وأحسن . والله ولي التوفيق .

(381) سئل فضيلة الشيخ : عن حكم هذا الدعاء : "اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك" هل للسائلين حق على الله؟ .

فأجاب قائلاً : يجب علينا أولاً أن نعلم أن التوسل إلى الله – تعالى – قسمان :

قسم جائز : وهو ما جاء به الشرع .

قسم ممنوع : وهو ما منعه الشرع.

والجائز أنواع : ونعني بالجائز هنا ما ليس بممنوع فلا يمنع أن يكون مستحباً .

أولاً : التوسل إلى الله بأسمائه؛ وهذا جائز؛ ودليله قوله – تعالى- : ] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها[(1)[1] وكذلك قوله- صلى الله عليه وسلم:"أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك " إلى آخر الحديث .

ثانياً : التوسل إلى الله بصفاته ومنه ما جاء في الحديث : "اللهم بعلمك الغيب ، وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني ما علمت الوفاة خيراً لي" فإن علم الله الغيب صفة ، وقدرته على الخلق صفة، وهذا التوسل إلى الله – تعالى – بعلمه، وقدرته.

ثالثاً : التوسل إلى الله – تعالى – بأفعاله: أن تدعو الله بشيء ثم تتوسل إليه في تحقيق هذا الشيء بفعل نظيره؛ ومنه حديث الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم - : "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم" . فإن صلاة الله على إبراهيم وعلى آل إبراهيم من أفعاله .

وكذلك أيضاً تقول : "اللهم كما أنزلت علينا المطر فاجعله غيثاً نافعاً " فهنا توسل إلى الله بإنزال المطر؛ وهو فعل من أفعال الله.



رابعاً : التوسل إلى الله بالإيمان؛ ومنه قوله تعالى: ]ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا[ . ثم قال : ]فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار[(1)

خامساً : التوسل إلى الله بالعمل الصالح : ومنه حديث الثلاثة الذين خرجوا في سفر فآواهم الليل إلى غار، فدخلوه ثم انحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدت الباب، فتوسل كل واحد منهم بصالح عمله، فانفرجت الصخرة.

سادساً : التوسل إلى الله بدعاء من ترجى إجابته : يعني أن تطلب من شخص ترجى إجابته أن يدعو الله لك؛ وهذا كثير؛ ومنه ما ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب الناس يوم الجمعة، فدخل رجل فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل "يعني من قلة المطر والنبات" فادع الله أن يغيثنا فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه، وقال: "اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا" فما نزل من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته.

وقولنا : التوسل إلى الله بدعاء من ترجى إجابته هذا من النوع الجائز ولكنه هل هو من الأمر المشروع يعني هل يشرع لك أن تقول لشخص ما : ادع الله لي؟ .

نقول : في هذا تفصيل:

إن كان لأمر عام يعني طلبت من هذا الرجل أن يشفع لك في أمر عام لك ولغيرك فلا بأس به ومنه الحديث الذي أشرت إليه في قصة الرجل الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "هلكت الأموال وانقطعت السبل" فإن هذا الرجل لم يسأل شيئاً لنفسه؛ وإنما سأل شيئاً لعموم المسلمين .

أما إذا كان لغير عامة المسلمين فالأولى ألا تسأل أحداً يدعو لك إلا إذا كنت تقصد من وراء ذلك أن ينتفع الداعي: فتأتي لشخص وتقول : ادع الله لي؛ هذا لا بأس به بشرط ألا تقصد به إذلال نفسك بالسؤال؛ ولكن قصدك نفع الداعي؛ لأنه إذا دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك: "آمين ولك بمثله"؛ فهذه أنواع ستة كلها جائزة .

أما التوسل الممنوع فهو : أن يتوسل الإنسان بالمخلوق؛ فإن هذا لا يجوز؛ فالتوسل بالمخلوق حرام - يعني لا بدعائه ولكن بذاته، مثل أن تقول : "اللهم إني أسألك بمحمد - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا" فإن هذا لا يجوز.

وكذلك لو سألت بجاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه لا يجوز؛ لأن هذا السبب لم يجعله الله، ولا رسوله سبباً .

وأما ما جاء في السؤال "أسألك بحق السائلين عليك" فالسائل يسأل هل للسائلين حق؟

الجواب:نعم للسائلين حق أوجبه الله على نفسه في قوله:] وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان[((1).وكذلك فإن الله يقول:إذا نزل إلى السماء الدنيا:"من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه " فهذا حق السائلين، وهو من فعل الله – عز وجل- والتوسل إلى الله بفعله لا بأس به.



تم بحمد الله . تعالى . المجلد الثاني


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت نوفمبر 04, 2006 12:55 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة نوفمبر 03, 2006 1:01 pm
مشاركات: 3
من مجموع فتاوى و رسالئل - المجلد الثاني التوسل محمد بن صالح العثيمين

(374) سئل فضيلة الشيخ –جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرالجزاء:- عن حكم التوسل؟

فأجاب بقوله: هذا سؤال مهم، فنحب أن نبسط الجواب فيه؛ فأقول:

التوسل: مصدر توسل يتوسل: أي اتخذ وسيلة توصله إلى مقصوده؛ فأصله طلب الوصول إلى الغاية المقصودة.

وينقسم التوسل إلى قسمين:

القسم الأول: قسم صحيح ، وهو التوسل بالوسيلة الصحيحة الموصلة إلى المطلوب؛ وهو على أنواع نذكر منها:
النوع الأول: التوسل بأسماء الله– تعالى– وذلك على وجهين:

الوجه الأول: أن يكون ذلك على سبيل العموم؛ ومثاله ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه – في دعاء الهم والغم قال :

"اللهم إني عبدك ، ابن عبدك ، ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك ، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي…"الخ؛ فهنا توسل بأسماء الله – تعالى – على سبيل العموم "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ".

الوجه الثاني: أن يكون ذلك على سبيل الخصوص بأن يتوسل الإنسان باسم خاص لحاجة خاصة تناسب هذا الاسم ، مثل ما جاء في حديث أبي بكر – رضي الله عنه – حيث طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاءً يدعو به في صلاته، فقال : "قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" فطلب المغفرة والرحمة وتوسل إلى الله –تعالى – باسمين من أسمائه مناسبين للمطلوب وهما "الغفور" و "الرحيم" .

وهذا النوع من التوسل داخل في قوله – تعالى-: ]ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها[(1) فإن الدعاء هنا يشمل دعاء المسألة ، ودعاء العبادة .

النوع الثاني: التوسل إلى الله –تعالى – بصفاته ، وهو أيضاً كالتوسل بأسمائه على وجهين:

الوجه الأول : أن يكون عاماً كأن تقول : "اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا" ثم تذكر مطلوبك .

الوجه الثاني: أن يكون خاصاً ، كأن تتوسل إلى الله – تعالى - بصفة معينة خاصة لمطلوب خاص ، مثل ما جاء في الحديث "اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي " فهنا توسل لله – تعالى – بصفة "العلم" و"القدرة" وهما مناسبتان للمطلوب.

ومن ذلك أن يتوسل بصفة فعلية مثل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.

النوع الثالث: أن يتوسل الإنسان إلى الله- عز وجل- بالإيمان به، وبرسوله - صلى الله عليه وسلم- فيقول:"اللهم إني آمنت بك ، وبرسولك فاغفر لي أو وفقني" ، أو يقول: "اللهم بإيماني بك وبرسولك أسألك كذا وكذا"،ومنه قوله–تعالى :] إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب.الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم [(1) إلى قوله : ]ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار[(2) فتوسلوا إلى الله – تعالى – بالإيمان به أن يغفر لهم الذنوب، ويكفر عنهم السيئات، ويتوفاهم مع الأبرار.

النوع الرابع : أن يتوسل إلى الله – سبحانه وتعالى – بالعمل الصالح ؛ ومنه قصة النفر الثلاثة الذين أووا إلى غار ليبيتوا فيه، فانطبق عليهم الغار بصخرة لا يستطيعون زحزحتها ، فتوسل كل منهم إلى الله بعمل صالح فعله ؛ فأحدهم توسل إلى الله – تعالى – ببره بوالديه؛ والثاني بعفته التامة ؛ والثالث بوفائه لأجيره ، قال كل منهم "اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فافرج عنا ما نحن فيه" فانفرجت الصخرة، فهذا توسل إلى الله بالعمل الصالح.

النوع الخامس : أن يتوسل إلى الله –تعالى- بذكر حاله يعني أن الداعي يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله وما هو عليه من الحاجة ، ومنه قول موسى - صلى الله عليه وسلم -: ]رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير[ (3)يتوسل إلى الله – تعالى – بذكر حاله أن ينزل إليه الخير . ويقرب من ذلك قول زكريا - عليه الصلاة والسلام -: ]رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك ربِ شقياً[ (1) فهذه أنواع من التوسل كلها جائزة؛ لأنها أسباب صالحة لحصول المقصود بالتوسل بها.

النوع السادس: التوسل إلى الله – عز وجل- بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابته ، فإن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم – أن يدعو الله عز وجل لهم بدعاءٍ عام، ودعاءٍ خاص؛ ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي – صلى الله عليه وسلم – يخطب فقال : يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا ، فرفع النبي – صلى الله عليه وسلم – يديه وقال: "اللهم أغثنا" ثلاث مرات، فما نزل من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته ، وبقي المطر أسبوعاً كاملاً . وفي الجمعة الأخرى جاء ذلك الرجل أو غيره والنبي – صلى الله عليه وسلم – يخطب فقال : يا رسول الله ، غرق المال ، وتهدم البناء فادع الله أن يمسكها عنا ، فرفع النبي – صلى الله عليه وسلم – يديه وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا" فما يشير إلى ناحية من السماء إلا انفرجت ، حتى خرج الناس يمشون في الشمس؛ وهناك عدة وقائع سأل الصحابة النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يدعو لهم على وجه الخصوص ومن ذلك أن النبي-صلى الله عليه وسلم – ذكر أن في أمته سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وهم الذين لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون ، فقام عكاشة بن محصن وقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال: "أنت منهم" فهذا أيضاً من التوسل الجائز وهو أن يطلب الإنسان من شخص ترجى إجابته أن يدعو الله – تعالى – له؛ إلا أن الذي ينبغي: أن يكون السائل يريد بذلك نفع نفسه ، ونفع أخيه الذي طلب منه الدعاء ، حتى لا يتمحض السؤال لنفسه خاصة ؛ لأنك إذا أردت نفع أخيك ونفع نفسك صار في هذا إحسان إليه؛ فإن الإنسان إذا دعا لأخيه في ظهر الغيب قال الملك : "آمين ولك بمثل" وهو كذلك يكون من المحسنين بهذا الدعاء والله يحب المحسنين.

القسم الثاني: - التوسل غير الصحيح وهو : -أن يتوسل الإنسان إلى الله – تعالى – بما ليس بوسيلة ، أي بما لم يثبت في الشرع أنه وسيلة؛ لأن التوسل بمثل ذلك من اللغو، والباطل المخالف للمعقول ، والمنقول ؛ ومن ذلك أن يتوسل الإنسان إلى الله – تعالى – بدعاء ميت يطلب من هذا الميت أن يدعو الله له ؛ لأن هذا ليس وسيلة شرعية صحيحة؛ بل من سفه الإنسان أن يطلب من الميت أن يدعو الله له ؛ لأن الميت إذا مات انقطع عمله ، ولا يمكن لأحد أن يدعو لأحد بعد موته ، حتى النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يمكن أن يدعو لأحد بعد موته؛ ولهذا لم يتوسل الصحابة – رضي الله عنهم – إلى الله بطلب الدعاء من رسوله - صلى الله عليه وسلم - بعد موته ؛ فإن الناس لما أصابهم الجدب في عهد عمر- رضي الله عنه- قال: - "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" فقام العباس – رضي الله عنه- فدعا الله- تعالى- . ولو كان طلب الدعاء من الميت سائغاً، ووسيلة صحيحة لكان عمر ومن معه من الصحابة يطلبون ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن إجابة دعائه - صلى الله عليه وسلم - أقرب من إجابة دعاء العباس – رضي الله عنه-؛ فالمهم أن التوسل إلى الله- تعالى – بطلب الدعاء من ميت توسل باطل لا يحل، ولا يجوز.

ومن التوسل الذي ليس بصحيح : أن يتوسل الإنسان بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم– وذلك أن جاه الرسول- صلىالله عليه وسلم – ليس مفيداً بالنسبة إلى الداعي؛ لأنه لا يفيد إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أما بالنسبة للداعي فليس بمفيد حتى يتوسل إلى الله به؛ وقد تقدم أن التوسل اتخاذ الوسيلة الصالحة التي تثمر . فما فائدتك أنت من كون الرسول - صلى الله عليه وسلم- له جاه عند الله ؟! وإذا أردت تتوسل إلى الله على وجه صحيح فقل: اللهم بإيماني بك وبرسولك،أو بمحبتي لرسولك، وما أشبه ذلك؛ فإن هذا الوسيلة الصحيحة النافعة .

(375) وسئل فضيلة الشيخ : أعلى الله درجته في المهديين : عن حكم التوسل وأقسامه؟

فأجاب بقوله : التوسل اتخاذ الوسيلة ؛ والوسيلة "كل ما يوصل إلى المقصود" فهي من الوصل؛ لأن الصاد والسين يتناوبان كما يقال : صراط ، وسراط، وبصطة ، وبسطة.

والتوسل في دعاء الله – تعالى – أن يقرن الداعي بدعائه ما يكون سبباً في قبول دعائه ، ولابد من دليل على كون هذا الشيء سبباً للقبول؛ ولا يعلم ذلك إلا من طريق الشرع ؛ فمن جعل شيئاً من الأمور وسيلة له في قبول دعائه بدون دليل من الشرع فقد قال على الله ما لا يعلم ؛ إذ كيف يدري أن ما جعله وسيلة مما يرضاه الله – تعالى – ، ويكون سبباً في قبول دعائه؟! والدعاء من العبادة؛ والعبادة موقوفة على مجيء الشرع بها . وقد أنكر الله-تعالى – على من اتبع شرعاً بدون إذنه، وجعله من الشرك فقال تعالى : ]أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله[ (1) وقال – تعالى - : ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون[(2) .

والتوسل في دعاء الله – تعالى – قسمان:

القسم الأول : أن يكون بوسيلة جاءت بها الشريعة وهو أنواع .

النوع الأول : التوسل بأسماء الله- تعالى –، وصفاته، وأفعاله، فيتوسل إلى الله – تعالى – بالاسم المقتضي لمطلوبه،أو بالصفة المقتضية له، أو بالفعل المقتضي له: قال الله – تعالى-: ]ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها[ (3) فيقول: اللهم يا رحيم ارحمني ، ويا غفور اغفر لي، ونحو ذلك؛ وفي الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي). وعلم أمته أن يقولوا في الصلاة عليه: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم.

النوع الثاني : التوسل إلى الله – تعالى-بالإيمان-به وطاعته كقوله-تعالى-عن أولي الألباب : ]ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا[ (4) وقوله: ]إنه كان فريق من عبادي يقول :ون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا[ (1).

وقوله عن الحواريين: ]ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين[ (2) .

النوع الثالث: أن يتوسل إلى الله بذكر حال الداعي المبينة لاضطراره، وحاجته، كقول موسى –عليه الصلاة والسلام -: ]رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير[ (3) .

النوع الرابع : أن يتوسل إلى الله بدعاء من ترجى إجابته كطلب الصحابة – رضي الله عنهم– من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو الله لهم مثل قول الرجل الذي دخل يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم – يخطب، فقال: ادع الله أن يغيثنا ؛ وقول عكاشة بن محصن للنبي -صلى الله عليه وسلم - : ادع الله أن يجعلني منهم.

وهذا إنما يكون في حياة الداعي ، أما بعد موته فلا يجوز؛ لأنه لا عمل له: فقد انتقل إلى دار الجزاء ؛ ولذلك لما أجدب الناس في عهد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لم يطلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستسقي لهم؛ بل استسقى عمر بالعباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: قم فاستسق؛ فقام العباس فدعا ، وأما ما يروى عن العتبي أن أعرابياً جاء إلى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم - فقال: "السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول: ]ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً[ (1) وقد جئتك مستغفراً من ذنوبي مستشفعاً بك إلى ربي" وذكر تمام القصة؛ فهذه كذب لا تصح ؛ والآية ليس فيها دليل لذلك ؛ لأن الله يقول : ] ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم [ . ولم يقل : " إذ ظلموا أنفسهم " و ]إذ[ لما مضى لا للمستقبل ؛ والآية في قوم تحاكموا، أو أرادوا التحاكم إلى غير الله، ورسوله، كما يدل على ذلك سياقها السابق، واللاحق.

القسم الثاني : أن يكون التوسل بوسيلة لم يأت بها الشرع وهي نوعان :

أحدهما : أن يكون بوسيلة أبطلها الشرع، كتوسل المشركين بآلهتهم؛ وبطلان هذا ظاهر.

الثاني : أن يكون بوسيلة سكت عنها الشرع: وهذا محرم؛ وهو نوع من الشرك، مثل أن يتوسل بجاه شخص ذي جاه عند الله، فيقول : : "أسألك بجاه نبيك" : فلا يجوز ذلك؛ لأنه إثبات لسبب لم يعتبره الشرع ، ولأن جاه ذي الجاه ليس له أثر في قبول الدعاء ؛ لأنه لا يتعلق بالداعي، ولا بالمدعو؛ وإنما هو من شأن ذي الجاه وحده ، فليس بنافع لك في حصول مطلوبك؛ أو دفع مكروبك، ووسيلة الشيء ما كان موصلاً إليه ؛ والتوسل بالشيء إلى مالا يوصل إليه نوع من العبث ، فلا يليق أن تتخذه فيما بينك وبين ربك - والله الموفق.

(376) وسئل فضيلة الشيخ : عن حكم التوسل بالنبي ، صلى الله عليه وسلم ؟

فأجاب قائلاً : التوسل بالنبي – صلى الله عليه وسلم – أقسام :

الأول : أن يتوسل بالإيمان به فهذا التوسل صحيح، مثل أن يقول : : "اللهم إني آمنت بك وبرسولك فاغفر لي"؛ وهذا لا بأس به ؛ وقد ذكره الله-تعالى- في القرآن الكريم في قوله : ] ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار[(1) ، ولأن الإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيلة شرعية لمغفرة الذنوب، وتكفير السيئات؛ فهو قد توسل بوسيلة ثابتة شرعاً.

الثاني : أن يتوسل بدعائه – صلى الله عليه وسلم – أي بأن يدعو للمشفوع له؛ وهذا أيضاً جائز وثابت لكنه لا يمكن أن يكون إلا في حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم -؛ وقد ثبت عن عمر – رضي الله عنه – أنه قال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" وأمر العباس أن يقوم فيدعو الله- سبحانه وتعالى – بالسقيا؛ فالتوسل في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم –بدعائه جائز، ولا بأس به.

الثالث : أن يتوسل بجاه الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، سواء في حياته، أو بعد مماته: فهذا توسل بدعي لا يجوز؛ وذلك لأن جاه الرسول –صلى الله عليه وسلم- لا ينتفع به إلا الرسول – صلى الله عليه وسلم –؛ وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يقول : : اللهم إني أسألك بجاه نبيك أن تغفر لي أو ترزقني الشيء الفلاني ؛ لأن الوسيلة لا بد أن تكون وسيلة ؛ والوسيلة مأخوذة من الوسل بمعنى الوصول إلى الشيء؛ فلا بد أن تكون هذه الوسيلة موصلة إلى الشيء وإذا لم تكن موصلة إليه فإن التوسل بها غير مجد، ولا نافع ؛ وعلى هذا فنقول : التوسل بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أقسام:

القسم الأول : أن يتوسل بالإيمان به، واتباعه؛ وهذا جائز في حياته، وبعد مماته.

القسم الثاني : أن يتوسل بدعائه أي بأن يطلب من الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن يدعو له فهذا جائز في حياته لا بعد مماته؛ لأنه بعد مماته متعذر.

القسم الثالث: أن يتوسل بجاهه، ومنزلته عند الله؛ فهذا لا يجوز لا في حياته، ولا بعد مماته؛ لأنه ليس وسيلة؛ إذ إنه لا يوصل الإنسان إلى مقصوده؛ لأنه ليس من عمله.

فإذا قال قائل : جئت إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند قبره، وسألته أن يستغفر لي، أو أن يشفع لي عند الله فهل يجوز ذلك أولا ؟

قلنا : لا يجوز .

فإذا قال: أليس الله يقول: ]ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً[(1) .

قلنا له: بلى إن الله يقول : ذلك ، ولكن يقول : ]ولو أنهم إذ ظلموا[ و ]إذ[ هذه ظرف لما مضى، وليست ظرفاً للمستقبل ؛ لم يقل الله : ولو أنهم إذ ظلموا ..، بل قال]إذ ظلموا [ . فالآية تتحدث عن أمر وقع في حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم-واستغفار الرسول– صلى الله عليه وسلم – بعد مماته أمر متعذر؛ لأنه إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث – كما قال الرسول – صلى الله عليه وسلم –:"صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له" . فلا يمكن لإنسان بعد موته أن يستغفر لأحد؛ بل ولا يستغفر لنفسه أيضاً؛ لأن العمل انقطع.

(377) وسئل -جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء-: عن التوسل هل هو من مسائل العقيدة؟ وعن حكم التوسل بالصالحين ؟ .

فأجاب – حفظه الله تعالى – بقوله : التوسل داخل في العقيدة ، لأن المتوسل يعتقد أن لهذه الوسيلة تأثيراً في حصول مطلوبه، ودفع مكروهه؛ فهو في الحقيقة من مسائل العقيدة ؛ لأن الإنسان لا يتوسل بشيء إلا وهو يعتقد أن له تأثيراً فيما يريد .

والتوسل بالصالحين ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول : التوسل بدعائهم: فهذا لا بأس به؛ فقد كان الصحابة – رضي الله عنهم – يتوسلون برسول الله – صلى الله عليه وسلم – بدعائه : يدعو الله لهم فينتفعون بذلك ؛ واستسقى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بعم النبي - صلى الله عليه وسلم - "العباس بن عبد المطلب" بدعائه .

وأما القسم الثاني : فهو التوسل بذواتهم: فهذا ليس بشرعي ؛ بل هو من البدع من وجه ، ونوع من الشرك من وجه آخر.

فهو من البدع؛ لأنه لم يكن معروفاً في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه.

وهو من الشرك لأن كل في أمر من الأمور أنه سبب ولم يكن سبباً شرعياً فإنه قد أتى نوعاً من أنواع الشرك ؛ من اعتقد وعلى هذا لا يجوز التوسل بذات النبي – صلى الله عليه وسلم – مثل أن يقول : : أسألك بنبيك محمد – صلى الله عليه وسلم – إلا على تقدير أنه يتوسل إلى الله- تعالى- بالإيمان بالرسول – صلى الله عليه وسلم- ، ومحبته فإن ذلك من دين الله الذي ينتفع به العبد ؛ وأما ذات النبي - صلى الله عليه وسلم - فليست وسيلة ينتفع بها العبد ؛ وكذلك على القول الراجح لا يجوز التوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن جاه النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما ينتفع به النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه؛ ولا ينتفع به غيره ؛ وإذا كان الإنسان يتوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - باعتقاد أن للنبي - صلى الله عليه وسلم-جاهاً عند الله فليقل: اللهم إني أسألك أن تشفع بي نبيك محمداً - صلى الله عليه وسلم- ، وما أشبه ذلك من الكلمات التي يدعو بها الله- عز وجل-.

(378) وسئل أيضاً :هل يجوز التوسل بجاه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ؟

فأجاب قائلا : التوسل بجاه النبي – صلى الله عليه وسلم – ليس بجائز على الراجح من قول أهل العلم؛ فيحرم التوسل بجاه النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ فلا يقول : الإنسان: اللهم إني أسألك بجاه نبيك كذا، وكذا؛ وذلك لأن الوسيلة لا تكون وسيلة إلا إذا كان لها أثر في حصول المقصود ؛ وجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنسبة للداعي ليس له أثر في حصول المقصود؛ وإذا لم يكن له أثر لم يكن سبباً صحيحاً؛ والله – عز وجل – لا يدعى إلا بما يكون سبباً صحيحاً له أثر في حصول المطلوب؛ فجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - هو مما يختص به النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده؛ وهو مما يكون منقبة له وحده؛ أما نحن فلسنا ننتفع بذلك؛ وإنما ننتفع بالإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ومحبته ؛ وما أيسر الأمر على الداعي إذا قال : "اللهم إني أسألك بإيماني بك، وبرسولك كذا، وكذا" بدلاًمن أن يقول: أسألك بجاه نبيك . ومن نعمة الله – عز وجل – ورحمته بنا أنه لا ينسد باب من الأبواب المحظورة إلا وأمام الإنسان أبواب كثيرة من الأبواب المباحة . والحمد لله رب العالمين.

(379) سئل فضيلة الشيخ : عن هذا الحديث : أن أعمى أتى إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ادع الله أن يكشف عن بصري قال: "أو أدعك" ، قال: يا رسول الله إنه قد شق عليّ ذهاب بصري، فقال : فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد ، صلى الله عليه وسلم ، نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي" ما صحة هذا وما معناه؟

فأجاب قائلاً : هذا الحديث اختلف أهل العلم في صحته فمنهم من قال : إنه ضعيف ، ومنهم من قال: إنه حسن ، ولكن له وجهة ليست كما يتبادر من اللفظ، فإن هذا الحديث معناه أن النبي – صلى الله عليه وسلم - أمر هذا الرجل الأعمى أن يتوضأ، ويصلي ركعتين ليكون صادقاً في طلب شفاعة النبي – صلى الله عليه وسلم – له ، وليكون وضوؤه، وصلاته عنواناً على رغبته في التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم– والتوجه به إلى الله –سبحانه وتعالى– ؛ فإذا صدقت النية، وصحت، وقويت العزيمة فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – يشفع له إلى الله – عز وجل – ؛ وذلك بأن يدعو النبي – صلى الله عليه وسلم – له. فإن الدعاء نوع من الشفاعة كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : "ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه" . فيكون معنى هذا الحديث أن هذا الأعمى يطلب من النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يدعو الله له؛ لأن هذا الدعاء نوع شفاعة. أما الآن وبعد موت النبي – صلى الله عليه وسلم – فإن مثل هذه الحال لا يمكن أن تكون لتعذر دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – لأحد بعد الموت، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : "إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له" والدعاء بلا شك من الأعمال التي تنقطع بالموت؛ بل الدعاء عبادة كما قال الله – تعالى- : ]وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين[ (1) ولهذا لم يلجأ الصحابة – رضي الله عنهم – عند الشدائد وعند الحاجة إلى سؤال النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يدعو الله لهم ؛ بل قال عمرابن الخطاب – رضي الله عنه- حين قحط المطر: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون" وطلب من العباس – رضي الله عنه – أن يدعو الله – عز وجل – بالسقيا فدعا فسقوا . وهذا يدل على أنه لا يمكن أن يطلب من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد موته أن يدعو لأحد؛ لأن ذلك متعذر لانقطاع عمله بموته صلوات الله وسلامه عليه ؛ وإذا كان لا يمكن لأحد أن يطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو له بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم- فإنه لا يمكن – ومن باب أولى - أن يدعو أحد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، نفسه بشيء من حاجاته أو مصالحه؛ فإن هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله؛ والذي حرم الله على من اتصف به الجنة: قال الله – تعالى-:]ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين[ (1) . وقال – تعالى-]: فلا تدع مع الله إلهاً آخر فتكون من المعذبين [ (2) ؛ وقال الله – عز وجل -: ]ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون[ (3)؛ وقال – تعالى: ]إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار[ (4). فالمهم أن من دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته أو غيره من الأموات لدفع ضرر أو جلب منفعة فهو مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، وعليه أن يتوب إلى الله – سبحانه وتعالى –، وأن يوجه الدعاء إلى العلي الكبير الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ؛ وإني لأعجب من قوم يذهبون إلى قبر فلان وفلان يدعونه أن يفرج عنهم الكربات ويجلب لهم الخيرات وهم يعلمون أن هذا الرجل كان في حال حياته لا يملك ذلك فكيف بعد موته بعد أن كان جثة - وربما يكون رميماً قد أكلته الأرض - فيذهبون يدعونه، ويتركون دعاء الله – عز وجل – الذي هو كاشف الضر، وجالب النفع، والخير ، مع أن الله – تعالى – أمرهم بذلك وحثهم عليه فقال : ]وقال ربكم ادعوني أستجب لكم[ (5) . وقال –الله تعالى-: ] وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان[ (6). وقال – تعالى – منكراً على من دعا غيره : ]أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله[(1).أسأل الله – تعالى– أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم.

(380) وسئل أيضاً : عن حديث : أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن عمر – رضي الله عنه – كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب وقال : "اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، فيسقون " هل هو صحيح؟ وهل يدل على جواز التوسل بجاه الأولياء؟

فأجاب قائلاً : هذا الحديث الذي أشار إليه السائل حديث صحيح رواه البخاري ، لكن من تأمله وجد أنه دليل على عدم التوسل بجاه النبي – صلى الله عليه وسلم -، أو غيره؛ وذلك أن التوسل هو اتخاذ وسيلة؛ والوسيلة هي الشيء الموصل إلى المقصود؛ والوسيلة المذكورة في هذا الحديث "نتوسل إليك بنبينا فتسقينا؛ وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" المراد بها التوسل إلى الله تعالى بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال الرجل : "يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا" ولأن عمر قال للعباس : قم يا عباس فادع الله فدعا، ولو كان هذا من باب التوسل بالجاه لكان عمر – رضي الله عنه – يتوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يتوسل بالعباس؛ لأن جاه النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم عند الله من جاه العباس، وغيره؛ فلو كان هذا الحديث من باب التوسل بالجاه لكان الأجدر بأمير المؤمنين عمر –رضي الله عنه–أن يتوسل بجاه النبي–صلىالله عليه وسلم،دون جاه العباس بن عبد المطلب .

والحاصل أن التوسل إلى الله – تعالى – بدعاء من ترجى فيه إجابة الدعاء لصلاحه لا بأس به؛ فقد كان الصحابة – رضي الله عنهم – يتوسلون إلى الله – تعالى – بدعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – لهم ؛ وكذلك عمر – رضي الله عنه – توسل بدعاء العباس بن عبد المطلب – رضي الله عنه - ، فلا بأس إذا رأيت رجلاً صالحاً حرياً بالإجابة لكون طعامه وشرابه وملبسه ومسكنه حلالاً وكونه معروفاً بالعبادة والتقوى ، لا بأس أن تسأله أن يدعو الله لك بما تحب ، بشرط أن لا يحصل في ذلك غرور لهذا الشخص الذي طلب منه الدعاء ، فإن حصل منه غرور بذلك فإنه لا يحل لك أن تقتله وتهلكه بهذا الطلب منه؛ لأن ذلك يضره.

كما أنني أيضاً أقول : إن هذا جائز؛ ولكنني لا أحبذه ، وأرى أن الإنسان يسأل الله –تعالى – بنفسه دون أن يجعل له واسطة بينه وبين الله، وأن ذلك أقوى في الرجاء، وأقرب إلى الخشية، كما أنني أيضاً أرغب من الإنسان إذا طلب من أخيه الذي ترجى إجابة دعائه أن يدعو له ، أن ينوي بذلك الإحسان إليه - أي إلى هذا الداعي - دون دفع حاجة هذا المدعو له؛ لأنه إذا طلبه من أجل دفع حاجته صار كسؤال المال وشبه المذموم ، أما إذا قصد بذلك نفع أخيه الداعي بالإحسان إليه - والإحسان إلى المسلم يثاب عليه المرء كما هو معروف - كان هذا أولى وأحسن . والله ولي التوفيق .

(381) سئل فضيلة الشيخ : عن حكم هذا الدعاء : "اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك" هل للسائلين حق على الله؟ .

فأجاب قائلاً : يجب علينا أولاً أن نعلم أن التوسل إلى الله – تعالى – قسمان :

قسم جائز : وهو ما جاء به الشرع .

قسم ممنوع : وهو ما منعه الشرع.

والجائز أنواع : ونعني بالجائز هنا ما ليس بممنوع فلا يمنع أن يكون مستحباً .

أولاً : التوسل إلى الله بأسمائه؛ وهذا جائز؛ ودليله قوله – تعالى- : ] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها[(1)[1] وكذلك قوله- صلى الله عليه وسلم:"أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك " إلى آخر الحديث .

ثانياً : التوسل إلى الله بصفاته ومنه ما جاء في الحديث : "اللهم بعلمك الغيب ، وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني ما علمت الوفاة خيراً لي" فإن علم الله الغيب صفة ، وقدرته على الخلق صفة، وهذا التوسل إلى الله – تعالى – بعلمه، وقدرته.

ثالثاً : التوسل إلى الله – تعالى – بأفعاله: أن تدعو الله بشيء ثم تتوسل إليه في تحقيق هذا الشيء بفعل نظيره؛ ومنه حديث الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم - : "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم" . فإن صلاة الله على إبراهيم وعلى آل إبراهيم من أفعاله .

وكذلك أيضاً تقول : "اللهم كما أنزلت علينا المطر فاجعله غيثاً نافعاً " فهنا توسل إلى الله بإنزال المطر؛ وهو فعل من أفعال الله.



رابعاً : التوسل إلى الله بالإيمان؛ ومنه قوله تعالى: ]ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا[ . ثم قال : ]فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار[(1)

خامساً : التوسل إلى الله بالعمل الصالح : ومنه حديث الثلاثة الذين خرجوا في سفر فآواهم الليل إلى غار، فدخلوه ثم انحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدت الباب، فتوسل كل واحد منهم بصالح عمله، فانفرجت الصخرة.

سادساً : التوسل إلى الله بدعاء من ترجى إجابته : يعني أن تطلب من شخص ترجى إجابته أن يدعو الله لك؛ وهذا كثير؛ ومنه ما ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب الناس يوم الجمعة، فدخل رجل فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل "يعني من قلة المطر والنبات" فادع الله أن يغيثنا فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه، وقال: "اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا" فما نزل من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته.

وقولنا : التوسل إلى الله بدعاء من ترجى إجابته هذا من النوع الجائز ولكنه هل هو من الأمر المشروع يعني هل يشرع لك أن تقول لشخص ما : ادع الله لي؟ .

نقول : في هذا تفصيل:

إن كان لأمر عام يعني طلبت من هذا الرجل أن يشفع لك في أمر عام لك ولغيرك فلا بأس به ومنه الحديث الذي أشرت إليه في قصة الرجل الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "هلكت الأموال وانقطعت السبل" فإن هذا الرجل لم يسأل شيئاً لنفسه؛ وإنما سأل شيئاً لعموم المسلمين .

أما إذا كان لغير عامة المسلمين فالأولى ألا تسأل أحداً يدعو لك إلا إذا كنت تقصد من وراء ذلك أن ينتفع الداعي: فتأتي لشخص وتقول : ادع الله لي؛ هذا لا بأس به بشرط ألا تقصد به إذلال نفسك بالسؤال؛ ولكن قصدك نفع الداعي؛ لأنه إذا دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك: "آمين ولك بمثله"؛ فهذه أنواع ستة كلها جائزة .

أما التوسل الممنوع فهو : أن يتوسل الإنسان بالمخلوق؛ فإن هذا لا يجوز؛ فالتوسل بالمخلوق حرام - يعني لا بدعائه ولكن بذاته، مثل أن تقول : "اللهم إني أسألك بمحمد - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا" فإن هذا لا يجوز.

وكذلك لو سألت بجاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه لا يجوز؛ لأن هذا السبب لم يجعله الله، ولا رسوله سبباً .

وأما ما جاء في السؤال "أسألك بحق السائلين عليك" فالسائل يسأل هل للسائلين حق؟

الجواب:نعم للسائلين حق أوجبه الله على نفسه في قوله:] وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان[((1).وكذلك فإن الله يقول:إذا نزل إلى السماء الدنيا:"من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه " فهذا حق السائلين، وهو من فعل الله – عز وجل- والتوسل إلى الله بفعله لا بأس به.



تم بحمد الله . تعالى . المجلد الثاني


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 3 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 5 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط