عذرا سيدى سهم النور المبارك على هذه المقاطعة, و لكنها محاولة متواضعة , فاسمح لى
هذه المشاركة من تعليق السيد حسن السقاف فى تمهيده على كتاب دفع شبه التشبيه للحافظ ابن الجوزى باختصار و تصرف.
سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما و أرضاهما
فقد نقل عنه تأويلات كثيرة فيما يتعلق بمسألة الصفات بأسانيد صحيحة نذكر بعضها:
أ- أول ابن عباس قوله تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ) القلم:42 فقال: "يكشف عن شدة" ذكر ذلك الحافظ ابن حجر فى فتح البارى (12/428) و الحافظ ابن جرير الطبرى فى تفسيره (29 / 38 ) حيث قال فى صدر كلامه على هذه الآية: "قال جماعة من الصحابة و التابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد" اهـ.
قلت : و منه يتضح أن التأويل كان عند الصحابة و التابعين و هم سلفنا الصالح.
قلت: و نقل ذلك الحافظ ابن جرير أيضا عن : مجاهد , و سعيد بن جبير, و قتادة و غيرهم.
ب- و أول سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قوله تعالى : (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) الذاريات: 47 , "قال: بقوة" كما فى تفسير الحافظ ابن جرير الطبرى (7/27) ,
ولفظ (أيد) هى جمع يد و هى الكف كما فى "القاموس المحيط" فى مادة (يدى) حيث جاء فيه: "اليد: الكف, أو من أطراف الأصابع إلى الكتف, أصلها يُدْىٌ جمعها: أيد و يُدِىُّ" و انظر "تاج العروس شرح القاموس" (10/417-418). و منه قوله تعالى : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا) الأعراف:7 . و تستعمل لفظة (أيد) مجازا و تؤول فى عدة معان منها : "القوة" كقوله تعالى : (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ) أى: بقوة, و منها: "الإنعام و التفضل" و منه قوله تعالى : (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ص:17 . فتأمل.
و قد نقل الحافظ بن جرير الطبرى فى تفسيره (27/7) تأويل لفظة (أيد) الواردة فى قوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) بالقوة أيضا عن جماعة من السلف منهم: مجاهد و قتادة و منصور و ابن زيد و سفيان. جـ - و أول سيدنا عبد الله بن عباس النسيان الوارد فى قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا) بالترك, كما فى تفسير الحافظ الطبرى (مجلد5/ جزء 8/ ص 201) حيث قال ابن جرير : "أى ففى هذا اليوم , و ذلك يوم القيامة ننساهم, يقول نتركهم فى العذاب...."اهـ.
فقد أول ابن جرير النسيان بالترك, و هو صرف لهذا اللفظ عن ظاهره لمعنى جديد مجازى, و نقل الحافظ ابن جرير هذا التأويل الصارف عن الظاهر و نقل ذلك و رواه بأسانيده عن ابن عباس و مجاهد.. و غيرهم.
الإمام مالك
روى الحافظ ابن عبد البر فى التمهيد (7/143) و ذكر الحافظ الذهبى فى "سير أعلام النبلاء" (8/105) أن الإمام مالكا رحمه الله تعالى أول النزول الوارد فى الحديث بنزول أمره سبحانه و هذا نص الكلام من "السير" :
"قال ابن عدى: حدثنا محمد بن هارون بن حسان, حدثنا صالح بن أيوب حدثنا حبيب بن أبى حبيب حدثنى مالك قال: يتنزل ربنا تبارك و تعالى أمره, فأما هو دائم لا يزول قال صالح: فذكرت ذلك ليحيى بن بكير, فقال حسن و الله, و لم أسمعه من مالك" اهـ.
قلت: و رواية ابن عبد البر من طريق أخرى فتنبه. و فى هذا أن مالكا ينزه الله عن الحركة, و لا نقول انه ساكن. سبحان ربى العظيم الأعلى.
الإمام أحمد بن حنبل
قال الحافظ ابن كثير أيضا فى "البداية و النهاية" (10/327):
" ومن طريق أبى الحسن الميمونى عن احمد بن حنبل انه أجاب الجهمية حين احتجوا عليه بقوله تعالى : (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) قال : يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المحدث , لا الذكر نفسه هو المحدث. و عن حنبل عن احمد انه قال: يحتمل أن يكون ذكر أخر غير القرآن" اهـ.
قال الحافظ الذهبى فى "سير أعلام النبلاء" (10/578) :
"قال أبو الحسن الميمونى: قال رجل لأبى عبد الله – احمد بن حنبل-: ذهبت إلى خلف البزار أعظه, بلغنى أنه حدث بحديث الأحوص عن عبد الله – بن مسعود – قال: (ما خلق الله شيئا أعظم من آية الكرسى...) و ذكر الحديث, فقال أبو عبد الله – احمد بن حنبل - : ما كان ينبغى أن يحدث بهذا فى هذه الأيام – يريد زمن المحنة – و المتن: ( ما خلق الله من سماء و لا ارض أعظم من آية الكرسى) و قد قال احمد بن حنبل لما أوردوا عليه هذا يوم المحنة : إن خلق الواقع ههنا على السماء و الأرض و هذه الأشياء لا على القرآن" اهـ .
روى الخلال بسنده عن حنبل عن عمه الإمام احمد بن حنبل انه سمعه يقول: " احتجوا على يوم المناظرة, فقالوا: (تجيء يوم القيامة سورة البقرة...) الحديث, قال: فقلت لهم : إنما هو الثواب" اهـ
الإمام البخارى
نقل الحافظ البيهقى فى "الأسماء و الصفات" ص (470) عن البخارى انه قال : "معنى الضحك الرحمة" اهـ.
و قال الحافظ البيهقى ص (298) : " روى الفربرى عن محمد بن إسماعيل البخارى رحمه الله تعالى انه قال : معنى الضحك فيه – أى الحديث – الرحمة" اهـ.
و قد نقل هذا التأويل أيضا الحافظ بن حجر فى "فتح البارى"
النضر بن شميل
و هو الإمام الحافظ اللغوى من رجال الستة ولد سنة (122) هـ:
ذكر الحافظ البيهقى فى " الأسماء و الصفات" ص (352) و الحافظ ابن الجوزى فى "دفع شبه التشبيه" أن النضر بن شميل الحافظ السلفى قال : إن معنى حديث : (حتى يضع الجبار فيها قدمه) أى من سبق فى علمه انه من أهل النار.
و كذا قال الإمام أبو منصور الأزهرى كما نقله الحافظ ابن الجوزى فى "دفع شبه التشبيه" عنه.
و قال الحافظ ابن الجوزى أيضا:
"و قد حكى أبو عبيد الهروى – صاحب كتاب غريب القرآن و الحديث – عن الحسن البصرى انه قال: القدم : هم الذين قدمهم الله تعالى من شرار خلقه و أثبتهم لها"اهـ.
الإمام هشام بن عبيد الله
قال الحافظ الذهبى فى "سير أعلام النبلاء" (10/446)فى ترجمته:
"هو الرازى السنى الفقيه, احد أئمة السنة" توفى سنة (221) هـ.
ثم قال الذهبى
" قال محمد بن خلف الخراز : سمعت هشاما بن عبيد الله الرازى يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق, فقال له رجل : أليس الله يقول : (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) فقال: محدث إلينا, و ليس عند الله بمحدث.
قلت لأنه من علم الله , و علم الله لا يوصف بالحدوث" اهـ
سفيان بن عيينة
ذكر الحافظ ابن الجوزى أثناء كلامه على الحديث الحادى و الثلاثين فى "دفع شبه التشبيه" فى تأويل حديث : (أخر وطأة وطئها الرحمن بوج) أى: أخر غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه و سلم بالطائف.
الحافظ ابن جرير الطبرى السلفى ت (311) هـ
ذكر الحافظ بن جرير فى "تفسيره" (1/192) عند تأويل قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) ما نصه: " و العجب ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب فى تأويل قول الله : (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) الذى هو بمعنى: العلو و الارتفاع. هربا عند نفسه أن يلزمه بزعمه إلى أن تأويله بالمجهول من تأويله المستنكر, ثم لم ينج مما هرب منه, فيقال له : زعمت إن تأويل قوله: (استوى) : أقبل, أفكان مدبرا عن السماء فأقبل إليها؟ فإن زعم إن ذلك ليس بإقبال فعل و لكنه إقبال تدبير, قيل له: فكذلك فقل : علا عليها علو ملك و سلطان لا علو انتقال و زوال" اهـ.
ابن حبان المتوفى سنة (354) هـ
أول الحافظ ابن حبان فى صحيحه (1/502) حديث : "حتى يضع الرب قدمه فيها – أى جهنم – " فقال:
"هذا الخبر من الأخبار التى أطلقت بتمثيل المجاورة, و ذلك أن يوم القيامة يلقى فى النار من الأمم و الأمكنة التى يعصى الله عليها, فلا تزال تستزيد حتى يضع الرب جل و علا موضعا من الكفار و الأمكنة فى النار فتمتلىء, فتقول : قط قط , تريد: حسبى حسبى, لأن العرب تطلق فى لغتها اسم القدم على الموضع. قال الله جل و علا: (لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) يريد: موضع صدق, لا أن الله جل و علا يضع قدمه فى النار, جل ربنا و تعالى عن مثل هذا و أشباهه" اهـ.
الحافظ الترمذى
ذكر الحافظ الترمذى فى سننه (4/692) بعد حديث الرؤية الطويل الذى فيه لفظة (فيعرفهم نفسه) فقال:
"و معنى قوله فى الحديث: فيعرفهم نفسه يعنى يتجلى لهم" اهـ. و له تأويل أخر فى سننه (5/160)
الإمام سفيان الثورى
ذكر الحافظ الذهبى فى سير أعلام النبلاء (7/274) فى ترجمة سيد الحفاظ فى زمانه الإمام الثورى أن معدان سأل الإمام الثورى عن قوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ) فقال بعلمه.
قلت: و هذا تأويل ظاهر و صرف للفظ عن ظاهره, لا سيما و أن لفظة هو الواردة فى قوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ) تعود على الذات لا على الصفات أصلا, و مع ذلك لما كان ظاهرها مستحيلا صرفت إلى المجاز فأولت, و الله الموفق.
الإمام أبو الحسن الأشعرى
الإمام أبو الحسن الأشعرى يؤول فى كتابه "رسالة أهل الثغر" اللذين تتظاهر المجسمة و المتمسلفة الاحتجاج بما فيهما:
قال الإمام أبو الحسن الأشعرى فى كتابه "الإبانة" المحقق على أربع نسخ خطية (دار الأنصار تحقيق الدكتورة فوقيه) ص (21) ما نصه:
" و أن الله تعالى استوى على العرش على الوجه الذى قاله و بالمعنى الذى أراده , استواءا منزها عن المماسة و الاستقرار و التمكن و الحلول و الانتقال, لا يحمله العرش بل العرش و حملته محمولون بلطف قدرته, و مقهورون فى قبضته, و هو فوق العرش و فوق كل شيء إلى تخوم الثرى, فوقية لا تزيده قربا إلى العرش و السماء, بل هو رفيع الدرجات عن العرش كما انه رفيع الدرجات عن الثرى و هو مع ذلك قريب من كل موجود و هو اقرب إلى العبد من حبل الوريد و هو على كل شيء شهيد" اهـ.
و تنبهوا : إلى أن هذه القطعة من "الإبانة" محذوفة من أكثر نسخ الإبانة التى طبعها سلفية العصر و الموجودة فى الأسواق و بأيدى الناس, و ابحثوا عن النسخة المشار إليها و هى متوفرة و مطبوعة.
و قال الإمام أبو الحسن الأشعرى فى "رسالة أهل الثغر" و هى من آخر مؤلفاته ص (73) :
" و اجمعوا على أنه عز و جل يرضى عن الطائعين له, و أن رضاه عنهم إرادته لنعيمهم, و أنه يحب التوابين و يسخط على الكافرين و يغضب عليهم, و أن غضبه إرادته لعذابهم" اهـ.
فالأشعرى هنا يؤول الرضا و الغضب بصراحة فأين ما يدعيه المتمسلفون؟!!
الحافظ ابن الجوزى
كتاب "دفع شبه التشبيه" يثبت ذلك عنه بلا شك, و الله الموفق.
|