بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله أجمعين ... وبعد
الأخ الفاضل/ ابن عربى .. الإخوة الأحباب
أتابع معكم الحديث فى موضوع الحلاج ... وذكرت لحضراتكم أن الموضوع فيه نظرة سياسية .. ويتمثل ذلك فى شخصين رئيسيين ..
الأول .. هو الخليفة المقتدر بالله .. والثانى .. وهو الوزير حامد بن العباس .
وأقدم لكم ترجمة موجزة عنهما .. لعلنا نقرأ بين السطور .. أو نستشف أسباب محنة الحلاج .
ترجمة الخليفة المقتدر بالله العباسى .. كما ذكرها السيوطى فى تاريخ الخلفاء .
هو أبو الفضل جعفر بن المعتضد . ولد في رمضان سنة اثنتين وثمانين ومائتين وأمه رومية , وقيل تركية اسمها غريب , وقيل شغب . ولما اشتدت علة أخيه المكتفي سأل عنه فصح عنده أنه احتلم فعهد إليه ولم يل الخلافة قبله أصغر منه فإنه وليها وله ثلاث عشرة سنة . فاستصباه الوزير العباس بن الحسن فعمل على خلعه ووافقه جماعة على أن يولوا عبد الله بن المعتز فأجاب ابن المعتز بشرط أن لا يكون فيها دم , فبلغ المقتدر ذلك فأصلح حال العباس ودفع إليه أموالا أرضته فرجع عن ذلك , وأما الباقون فإنهم ركبوا عليه في العشرين من ربيع الأول سنة ست والمقتدر يلعب الأكرة فهرب ودخل وأغلقت الأبواب , وقتل الوزير وجماعة وأرسل إلى ابن المعتز فجاء وحضر القواد والقضاة والأعيان وبايعوه بالخلافة , ولقبوه الغالب بالله . فاستوزر محمد بن داود بن الجراح واستقصى أبا المثنى أحمد بن يعقوب ونفذت الكتب بخلافة ابن المعتز.
قال المعافى بن زكريا الجريري : لما خلع المقتدر وبويع ابن المعتز دخلوا على شيخنا محمد بن جرير الطبري فقال : ما الخبر ؟ قيل : بويع ابن المعتز , قال : فمن رشح للوزارة ؟ قيل : محمد بن داود . قال : فمن ذكر للقضاء ؟ قيل : أبو المثنى , فأطرق ثم قال : هذا الأمر لا يتم , قيل له : وكيف ؟ قال : كل واحد ممن سميتهم متقدم في معناه عالي الرتبة , والزمان مدبر والدنيا مولية , وما أرى هذا إلا إلى اضمحلال , وما أرى لمدته طولا .
وبعث ابن المعتز إلى المقتدر يأمره بالانصراف إلى دار محمد بن طاهر لكي ينقل ابن المعتز إلى دار الخلافة فأجاب , ولم يكن بقي معه إلا طائفة يسيرة , فقالوا : يا قوم نسلم هذا الأمر ولا نجرب نفوسنا في دفع ما نزل بنا , فلبسوا السلاح وقصدوا المخرم وبه ابن المعتز فلما رآهم من حوله ألقى الله في قلوبهم الرعب فانصرفوا منهزمين بلا قتال وهرب ابن المعتز ووزيره وقاضيه ووقع النهب والقتل في بغداد .
وقبض المقتدر على الفقهاء والأمراء الذين خلعوه وسلموا إلى يونس الخازن فقتلهم إلا أربعة منهم القاضي أبو عمر سلموا من القتل , وحبس ابن المعتز ثم أخرج فيما بعد ميتاً .
واستقام الأمر للمقتدر فاستوزر أبا الحسن علي بن محمد بن الفرات فسار أحسن سير وكشف المظالم وحض المقتدر على العدل ففوض إليه الأمور لصغره واشتغل باللعب واللهو وأتلف الخزائن .
قال الذهبي : اختل النظام كثيراً في أيام المقتدر لصغره .
وفى سنة خمس صار الأمر والنهي لحرم الخليفة ولنسائه لركاكته , وآل الأمر إلى أن أمرت أم المقتدر بمثل القهرمانة , أن تجلس للمظالم وتنظر في رقاع الناس كل جمعة . فكانت تجلس وتحضر القضاة والأعيان وتبرز التواقيع وعليها خطها .
وفي سنة ثمان غلت الأسعار ببغداد وسغبت العامة , لكون حامد بن العباس ضمن السواد وجدد المظالم ووقع النهب وركب الجند فيها وشتتهم العامة , ودام القتال أياماً وأحرق العامة الحبس وفتحوا السجون ونهبوا الناس ورجموا الوزير واختلفت أحوال الدولة العباسية جدا ً.
وفي سنة أربع عشرة دخلت الروم ملطية بالسيف.
وفي سنة خمس عشرة دخلت الروم دمياط وأخذوا من فيها وما فيها وضربوا الناقوس في جامعها. وفيها ظهرت الديلم على الري والجبال فقتل خلق وذبحت الأطفال.
وفي سنة ست عشرة بنى القرمطي داراً سماها دار الهجرة , وكان في هذه السنين قد كثر فساده وأخذه البلاد وفتكه بالمسلمين , واشتد الخطب به وتمكنت هيبته في القلوب وكثر أتباعه وبث السرايا وتزلزل له الخليفة , وهزم جيش المقتدر غير مرة , وانقطع الحج في هذه السنين خوفاً من القرامطة , ونزح أهل مكة عنها . وقصدت الروم ناحية خلاط وأخرجوا المنبر من جامعها وجعلوا الصليب مكانه .
وفي سنة سبع عشرة سير المقتدر ركب الحاج مع منصور الديلمي فوصلوا إلى مكة سالمين فوافاهم يوم التروية عدو الله أبو طاهر القرمطي فقتل الحجيج في المسجد الحرام قتلا ذريعاً , وطرح القتلى في بئر زمزم وضرب الحجر الأسود بدبوس فكسره ثم اقتلعه , وأقام بها أحد عشر يوماً ثم رحلوا وبقى الحجر الأسود عندهم أكثر من عشرين سنة , ودفع لهم فيه خمسون ألف دينار فأبوا حتى أعيد في خلافة المطيع.
وقيل إنهم لما أخذوه هلك تحته أربعون جملا من مكة إلى هجر فلما أعيد حمل على قعود هزيل فسمن .
قال محمد بن الربيع بن سليمان : كنت بمكة سنة القرامطة فصعد رجل لقلع الميزاب وأنا أراه فعيل صبري وقلت يا رب ما أحلمك فسقط الرجل على دماغه فمات . وصعد القرمطي على باب الكعبة وهو يقول : أنا بالله وبالله أنا ... يخلق الخلق وأفنيهم أنا ولم يفلح أبو طاهر القرمطي بعدها وتقطع جسده بالجدري .
وفي هذه السنة هاجت فتنة كبرى ببغداد بسبب قوله تعالى " وعسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً " قالت الحنابلة : معناها يقعده الله على عرشه , وقال غيرهم : بل هي الشفاعة ودام الخصام واقتتلوا جماعة كثيرة. وفي سنة تسع عشرة نزل القرمطي الكوفة وخاف أهل بغداد من دخوله إليها فاستغاثوا ورفعوا أصواتهم والمصاحف وسبوا المقتدر . وفيها دخلت الديلم الدينور فسبوا وقتلوا.
ومات في أيام المقتدر من الأعلام : محمد بن أبي داود الظاهري , ويوسف ابن يعقوب القاضي , وابن شريح شيخ الشافعية , والجنيد شيخ الصوفية , وأبو عثمان الحيري الزاهد , وأبو بكر البرديجي , وجعفر الفريابي , والنسائي صاحب السنن , وابن الجلاء شيخ الصوفية , وأبو يعلى الموصلي صاحب المسند , والأشناني المقرئ وابن سيف من كبار قراء مصر , وأبو بكر الروياني صاحب المسند , وابن المنذر الإمام , وابن جرير الطبري , والزجاج النحوي , وابن خزيمة , وأبو بكر بن أبي داود السجستاني , وأبو عوانة صاحب الصحيح , وأبو القاسم البغوي المسند , وخلائق آخرون . انتهى النقل .
يقول العبد الفقير مريد الحق : تلك هى شخصية المقتدر بالله ... نسأل الله العافية .. والله لا أتشفى ولا أعاير – عياذا بالله من ذلك –
فى نفسه فقد اشتغل باللعب واللهو وأتلف الخزائن .
فى أهله صار الأمر والنهي لحرم الخليفة ولنسائه لركاكته , وآل الأمر إلى أن أمرت أم المقتدر بمثل القهرمانة , أن تجلس للمظالم وتنظر في رقاع الناس كل جمعة . فكانت تجلس وتحضر القضاة والأعيان وتبرز التواقيع وعليها خطها .
فى الرعية .. والجبهة الداخلية غلت الأسعار ببغداد وسغبت العامة , لكون حامد بن العباس ضمن السواد وجدد المظالم ووقع النهب وركب الجند فيها وشتتهم العامة , ودام القتال أياماً وأحرق العامة الحبس وفتحوا السجون ونهبوا الناس ورجموا الوزير واختلفت أحوال الدولة العباسية جدا ً.
وظهرالقرمطي وبنى داراً سماها دار الهجرة , وكان في هذه السنين قد كثر فساده وأخذه البلاد وفتكه بالمسلمين , واشتد الخطب به وتمكنت هيبته في القلوب وكثر أتباعه وبث السرايا وتزلزل له الخليفة , وهزم جيش المقتدر غير مرة , وانقطع الحج في هذه السنين خوفاً من القرامطة , ونزح أهل مكة عنها .
ونزل القرمطي الكوفة وخاف أهل بغداد من دخوله إليها فاستغاثوا ورفعوا أصواتهم والمصاحف وسبوا المقتدر .
وحضر عدو الله أبو طاهر القرمطي يوم التروية , فقتل الحجيج في المسجد الحرام قتلا ذريعاً , وطرح القتلى في بئر زمزم وضرب الحجر الأسود بدبوس فكسره ثم اقتلعه , وأقام بها أحد عشر يوماً ثم رحلوا وبقى الحجر الأسود عندهم أكثر من عشرين سنة , ودفع لهم فيه خمسون ألف دينار فأبوا حتى أعيد في خلافة المطيع .
و هاجت فتنة كبرى ببغداد بسبب قوله تعالى " وعسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً " قالت الحنابلة : معناها يقعده الله على عرشه , وقال غيرهم : بل هي الشفاعة ودام الخصام واقتتلوا جماعة كثيرة .
فى الجبهة الخارجية حدث ولا حرج .. - ولاحول ولا قوة إلا بالله - دخلت الروم دمياط وأخذوا من فيها وما فيها , وضربوا الناقوس في جامعها .
وظهرت الديلم على الري والجبال فقتل خلق وذبحت الأطفال . ثم دخلت الديلم الدينور فسبوا وقتلوا .
وقصدت الروم ناحية خلاط وأخرجوا المنبر من جامعها وجعلوا الصليب مكانه .
ثم انظر .. من الذين ماتوا أيام المقتدر ... من الأولياء والعلماء .. الذين بهم ترفع البلايا وتكشف الغمة .. ابن شريح شيخ الشافعية , والجنيد شيخ الصوفية , وأبو عثمان الحيري الزاهد , وأبو بكر البرديجي , وجعفر الفريابي , والنسائي صاحب السنن , وابن الجلاء شيخ الصوفية , وأبو يعلى الموصلي صاحب المسند , وأبو بكر الروياني صاحب المسند , وابن المنذر الإمام , وابن جرير الطبري , وابن خزيمة , وأبو بكر بن أبي داود السجستاني , وأبو عوانة صاحب الصحيح , وأبو القاسم البغوي .
أظن – والله أعلم – أنها أيام عجاف ... شهدت من الخلل والظلم .. ما يفسر لنا .. لماذا قتل الحلاج .
ويتبع بمشيئة الله .. فى ترجمة حامد بن العباس الوزير .
وصل اللهم على سيدنا ومولانا رسول الله وآل بيته الطيبين الطاهرين وسلم , وعظم وشرف وكرم .
|