موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 9 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: بيان موجز لما يجب في حق الله عز وجل وما يستحيل وما يجوز
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت سبتمبر 05, 2020 12:28 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

[1] هناك أحكام عقلية دل عليها العقل الصريح ، وهناك أحكام شرعية دل عليها الشرع الصحيح :

وكلاهما يتوافقان ولا يتخالفان ، لأنّ كليهما من عند الله ، فالله تعالى خالق العقل ، ومن عند الله تعالى جاء الشرع ، وكل ما دل عليه العقل الصريح أيده الشرع الصحيح ،وكل ما جاء به الشرع الصحيح وافقه العقل الصريح ، وعند التعارض فإما أن يكون العقل سقيما ،وأما أن تكون أدلة الشرع غير قطعية الثبوت كبعض ادلة السنّة الضعيفة السند ، فهذه لا يصح أن تُعارض البراهين العقلية الصحيحة الصريحة ، أو أن تكون الأدلة الشرعية غير قطعية الدلالة ، ومثالها ظواهر المتشابهات التي توهم النقص او العجز فيما يتعلق بذات الله تعالى وتقدس ، فهذه تُرد إلى محكماتها من الأدلة الشرعية وتُحمل عليها لتوافق الادلة العقلية القطعية.

والأخذ بظواهر تلك النصوص ظاهرية مقيتة في دين الله تعالى وأصحابها ينسب النقص - من حيث يجهلون - إلى ذات الله تعالى ، لقد أنزل الله تعالى الكتاب منه المحكم ومنه المتشابه ، وقد أعلمنا الله تعالى أنّ المحكم أصل لابد من رد المتشابه إليه وإلا حدثت الفتنة وجاء الزيغ ، وهذه وظيفة المتخصصين من العلماء يحملون المتشابه على المحكم فتزول الفتنة ويحدث الوئام ، ودليل ذلك قوله تعالى :{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } [ آل عمران : 7 ] ،وقد امتدح الله تعالى أهل التخصص بقوله تعالى : { وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [ فاطر : 14 ] ، وأمر تعالى برد المتشابه إلى أهل العلم المتخصصين فيه والقادرين على حمل المتشابه على المحكم واستنباط الحكم السديد فقال تعالى : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [ النساء : 83 ] ، وقال تعالى : { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [ النحل : 43 ].


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان موجز لما يجب في حق الله عز وجل وما يستحيل وما يجوز
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت سبتمبر 05, 2020 12:33 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

[2] كيف يكون التقديم عند تعارض الأدلة :

إنّه من المقرر عند أهل الأصول المتخصصين في العقيدة على منهاج أهل السنّة أن مصادر العقيدة الأساسية تتمثل في النصوص الشرعية من الكتاب والسنّة ، ثم الدلائل العقلية الصريحة ، والبراهين العقلية الصحيحة.

قال الإمام الغزالي رحمه الله : " وأهل النظر في هذا العلم يتمسكون أولاً بآيات الله تعالى من القرآن ، ثم بأخبار الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ، ثم بالدلائل العقلية والبراهين القياسية " أهــ [ الرسالة اللدنية 106 ] .

وقال الخطيب البغدادي رحمه الله : " باب القول فيما يرد به خبر الواحد ، إذا روى الثقة المأمون خبراً متصل الإسناد رُدَّ بأمور : أحدها : أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه ؛ لأن الشرع إنما يرد بمجوزات العقول ، وأما بخلاف العقول فلا ، والثاني : أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة فيعلم انه لا أصل له أو منسوخ ، والثالث : أن يخالف الإجماع فيستدل على أنه منسوخ أو لا أصل له" أهــ [ الفقيه والمتفقه" 1/ 132 ] .

وقال الإمام الرازي رحمه الله - في كتابه القيم أساس التقديس - :( الفصل الثاني والثلاثون : في أن البراهين العقلية إذا صارت معارضة بالظواهر النـقلية ، فكيف يكون الحال فيها ؟ اعلم : أن الدلائل القطعية العقلية إذا قامت على ثبوت شيء ، ثم وجدنا أدلة نقلية يشعر ظاهرها بخلاف ذلك ، فهناك لا يخلو الحال من أحد أمور أربعة : إما أن يصدق مقتضى العقل والمنطق فيلزم تصديق النقيضين - وهو محال - وإما أن نبطلها فيلزم تكذيب النقيضين ، - وهو محال - وإما أن نكذب الظواهر النقلية ، ونصدق الظواهر العقلية ، وإما أن تصدق الظواهر النقلية وتكذب الظواهر العقلية - وذلك باطل - لأنه لا يمكننا أن نعرف صحة الظواهر النقلية ، إلا إذا عرفنا بالدلائل العقلية : إثبات الصانع ، وصفاته ، وكيفية دلالة المعجزة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وظهور المعجزات على يد محمد صلى الله عليه وسلم ولو صار القدح في الدلائل العقلية القطعية ، صار العقل متهماً ، غير مقبول القول ، ولو كان كذلك لخرج عن أن يكون مقبول القول في هذه الأصول ، وإذا لم تثبت هذه الأصول ، خرجت الدلائل النقلية عن كونها مفيدة ، فثبت : أن القدح في العقل لتصحيح النقل ، يفضي إلى القدح في العقل والنقل معاً ، وإنه باطل ، ولما بطلت الأقسام الأربعة لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية القاطعة : بأن هذه الدلائل النقلية إما أن يقال أنها غير صحيحة ، أو يقال : إنها صحيحة ، إلا أن المراد منها غير ظواهرها ، ثم إن جوزنا التأويل : اشتغلنا على سبيل التبرع بذكر تلك التأويلات على التفصيل ، وإن لم نجوز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله تعالى ، فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات وبالله التوفيق ) أهــ [ أساس التقديس : 89 ] .

( قلت ) :والتعارض لا يتصور بين العقل والنص القطعي الثبوت القطعي الدلالة ، لامتناع التعارض بين يقينيين ، وإنما يتصور التعارض بين العقل والنص غير قطعي الثبوت أو غير قطعي الدلالة ، فإن تعارض النقل والعقل الصريح ، فلا بد وأن تكون أدله النقل غير صحيحة ، بمعنى أما أن تكون غير قطعية الثبوت كبعض ادلة السنّة الضعيفة السند ، أو أن تكون الأدلة الشرعية غير قطعية الدلالة ، ومثالها ظواهر المتشابهات التي توهم النقص او العجز فيما يتعلق بذات الله تعالى وتقدس.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان موجز لما يجب في حق الله عز وجل وما يستحيل وما يجوز
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت سبتمبر 05, 2020 12:39 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

[3] خطورة تقديم أدلة النقل الظنية الدلالة على أدلة العقل الصريحة :

قال الإمام السنوسي : " أصول الكفر ستة.. ، السادس : التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير عرضها على البراهين العقلية والقواطع الشرعية "

وقال الإمام القرطبي رحمه الله - في درة من كلامه - : " اعتقاد ظواهر المتشابه كما فعلته (( المجسمة )) الذين جمعوا ما في الكتاب والسنة مما ظاهره الجسمية حتى اعتقدوا أن البارئ تعالى جسم مجسم وصورة مصورة ذات وجه وعين ويد وجنب ورجل وأصبع تعالى الله عن ذلك " أهـ [ تفسير القرطبي ج :4 ص :14 ].

( قلت) : وكلامهما غاية في الصواب :إذ هناك آيات ظاهرها يدل على حدوث علم الله ، واعتقاد هذا الظاهر كفر بالله تعالى وصفاته القديمة الكاملة ، لأنّ علم الله تعالى قديم ، يعلم ما كان وما يكون وما سيكون ، لا يعزب عن علمه شيء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل ، وهذه عقيده المسلمين جميعا من خالفها كفر والعياذ بالله ، ومن هذه الآيات ، قوله تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } ، وقوله تعالى : { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ } ،وهناك آيات ظاهرها جواز النسيان على الله تعالى ، واعتقاد هذا الظاهر كفر بالله تعالى لأنّ الله تعالى لا يضل ولا ينسى ، وهذه عقيده المسلمين جميعا من خالفها كفر والعياذ بالله ، ومن هذه الآيات ، قوله تعالى : { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [ التوبة : 67 ] ، وقوله تعالى : { فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ السجدة : 14 ] ، وهذا الظاهر محال على الله تعالى .

قال الإمام القرطبي : " نسوا الله فنسيهم أي تركوا عبادته فتركهم في العذاب " أهـ [ تفسير القرطبي ج : 2 ص : 68 ] .

وقال الإمام البيضاوي : " نسوا الله غفلوا عن ذكر الله وتركوا طاعته فنسيهم فتركهم من لطفه وفضله " أهـ [ تفسير البيضاوي ج : 3 ص : 156 ].


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان موجز لما يجب في حق الله عز وجل وما يستحيل وما يجوز
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت سبتمبر 05, 2020 12:42 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

وهناك آيات ظاهرها أنّ الله تعالى يشغله شيء عن شيء ، واعتقاد هذا الظاهر كفر بالله تعالى لأنّ الله تعالى لا يشغله شيء عن شيء ، وسع علمه كل شيء ووسعت قدرته كل شيء ، ومن هذه الآيات ، قوله تعالى : { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ } [ الرحمن : 31 ] ، وهذا الظاهر محال على الله تعالى.

قال الإمام الطبري في تفسيره : " وأما تأويله فإنه وعيد من الله لعباده وتهدد كقول القائل الذي يتهدد غيره ويتوعده ولا شغل له يشغله عن عقابه لأتفرغن لك وسأتفرغ لك بمعنى سأجد في أمرك وأعاقبك وقد يقول القائل للذي لا شغل له قد فرغت لي وقد فرغت لشتمي أي أخذت فيه وأقبلت عليه وكذلك قوله جل ثناؤه سنفرغ لكم سنحاسبكم ونأخذ في أمركم أيها الإنس والجن فنعاقب أهل المعاصي ونثيب أهل الطاعة " أهـ [تفسير الطبري ج : 27 ص : 136 ] .

وقال الإمام القرطبي : " قوله تعالى : { سنفرغ لكم أيها الثقلان } ، يقال فرغت من الشغل أفرغ فروغا وفراغا وتفرغت لكذا واستفرغت مجهودي في كذا أي بذلته ، والله تعالى ليس له شغل يفرغ منه وإنما المعنى سنقصد لمجازاتكم أو محاسبتكم وهذا وعيد وتهديد لهم كما يقول القائل لمن يريد تهديده إذا أتفرغ لك أي أقصدك وفرغ بمعنى قصد " [ تفسير القرطبي ج : 17 ص : 168 ] .

وهناك آيات ظاهرها أنّ الله تعالى تتفاوت قدرته ، وأنّ هناك شيء أهون عليه من شيء ، واعتقاد هذا الظاهر كفر ، لأنّ الله تعالى وسعت قدرته كل شيء لا يعجزه شيء ، وليس هناك شيء أهون عليه من شيء ، ولا شيء أثقل عليه من شيء ، ومن هذه الآيات ، قوله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] ، وقوله تعالى : { قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا } [ مريم : 9 ] ، وهذا الظاهر محال على الله تعالى.

جاء في لسان العرب : " {وهو أهون عليه } ، أي كل ذلك هين على وليست للمفاضلة لأنه ليس شيء أيسر عليه من غيره " أهـ [ لسان العرب ج : 13 ص : 438] .

وقال الإمام القرطبي : " المعنى أن الإعادة أهون عليه أي على الله من البداية أي أيسر وإن كان جميعه على الله تعالى هينا وقاله ابن عباس ووجهه أن هذا مثل ضربه الله تعالى لعباده يقول إعادة الشيء على الخلائق أهون من ابتدائه فينبغي أن يكون البعث لمن قدر على البداية عندكم وفيما بينكم أهون عليه من الإنشاء " أهـ [ تفسير القرطبي ج : 14 ص : 21 ].

وقال الإمام الواحدي : " وهو أهون عليه أي هين عليه وقيل هو أهون عليه عندكم وفيما بينكم لأن الإعادة عندنا أيسر من الابتداء " أهـ [ تفسير الواحدي ج : 2 ص : 841 ] .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان موجز لما يجب في حق الله عز وجل وما يستحيل وما يجوز
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت سبتمبر 05, 2020 12:49 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

وهناك آيات ظاهرها أنّ الله تعالى محيط بالعالم ، واعتقاد هذا الظاهر كفر ، لأنّ معناه أنّ العالم كله محاط بالرحمن وأنّ الكون بما فيه داخل الرحمن ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.

ومن هذه الآيات ، قوله تعالى : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا } [ النساء : 126 ] ، وقوله تعالى : { أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ } [ فصلت : 54 ] ، وقد حمل العلماء المتخصصون في العقيدة الإحاطة على إحاطة العلم والسمع والبصر والقدرة ، وذلك للتنزيه وابعاد شبهة الحلول والاتحاد مع المخلوقات ، كما حملوا متشابه الآيات السابقة على المحكم من قوله تعالى : { وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } [ الطلاق : 12 ] ، إذ جعلت الآية الإحاطة هي إحاطة العلم ، وسع ربي كل شيء علما.

وهناك آيات ظاهرها أنّ الله تعالى معنا بذاته ،واعتقاد هذا الظاهر كفر ، لأنّ الله تعالى منزه عن الاتحاد أو الحلول بخلقه ،ومنزه عن القرب الحسي بالذات.

ومن هذه الآيات قوله تعالى : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [ البقرة : ] ، وقوله تعالى : { فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ } [هود : 61 ].. وقوله تعالى : { قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ } [ سبأ : 50 ].. وقوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } [ ق : 16 ] ، وقوله تعالى : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ } [ الواقعة : 85 ] ، وظاهر هذه الادلة يدل على قرب الله تعالى بذاته من عباده ، وهذا الظاهر محال على الله تعالى ، إذ هو قرب منزه عن الاتحاد والحلول والاتصال والانفصال مع خلقه ليس كمثله شيء .

وقد حمل العلماء المتخصصون في العقيدة القرب على قرب العلم والسمع والبصر والقدرة ، وقرب الملائكة ، وذلك للتنزيه وابعاد شبهة الحلول والاتحاد مع المخلوقات ،وهناك آيات ظاهرها - لمن جهل قواعد التقديس - أنّ الله تعالى مستوٍ على عرشه بذاته ، يجلس على عرشه بذاته ويستقر عليه بذاته ، وأنّ العرش مكان الرحمن واعتقاد هذا الظاهر جهل وضلال ، لأنّ العرش خلق من خلق الله ، ولا يجوز في حق الله تعالى المماسة والاتصال مع شيء من خلقه ، كما لا يجوز في حق الله تعالى الحيز والحد والمقدار ، كما أنّ من لوازم هذا كون العرش أكبر من ذات الرحمن إذ لا يعقل حتى عند المجسمة أن يجلس الملك على عرش ضيق صغير لا يسعه .

وعقيدة كل المسلمين عدا المجسمة أنّ الله تعالى أكبر من كل شيء ، وأنه الواحد القهار ، وأنّه الكبير المتعال ، وأنّه مستغن عن خلقه بما فيهم عرشه وغيره ، وهو رب العالمين وهو رب العرش وغيره من خلق الله.

وقد ورد الاستواء في سبعة مواضع من القرآن الكريم كلها تدل لمن تدبرها بقرآئنها بأن الاستواء المقصود هو استواء ملك وقهر وتسخير وهيمنة وربوبية للعالم ،وبيان كمال قدرته التامة سبحانه في تدابير الملك والملكوت ، فهذا هو التمدح المقصود بالاستواء ، أما تفسير الاستواء بالجلوس والاستقرار فهذا ليس فيه من المدح شيء وليس فيه من الكمال شيء , وآيات الكتاب الكريم جاءت لبيان كمال عظمة الخالق وجليل قدرته .

أما ما يزعمون من أنه استواء مكان فالله خالق المكان ومالكه وهو منزه عن المكان والمكان محدود مهما كبر والله تعالى كما أنه لا حد لصفاته من العلم والقدرة وغيرها فلا حد لذاته.

وأما ما يزعمون من أنه استواء استقرار فهو باطل لأن الله عز وجل منزه عن التغير والحدوث ، والاستقرار يوحي بمعنى الحاجة وهل يحتاج الله لمخلوق حتى يستقر عليه وقبل الاستقرار أخبرونا ماذا كان حاله تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً ، والتمدح لا يكون بالكون في المكان ولا بالاستقرار ولكن ببيان صفات القدرة والعظمة وهذا هو مقصود آيات القرآن.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان موجز لما يجب في حق الله عز وجل وما يستحيل وما يجوز
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت سبتمبر 05, 2020 12:52 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

كما أنّ هناك آيات ظاهرها - لمن جهل قواعد التقديس - يوحي نسبتها إلى الله تعالى بالجوارح والأعضاء ، كالوجه واليد والعين ،وهذه نثبتها على الوجه الذي يحمل المتشابه على المحكم ، وعلى الوجه الذي يدل على الكمال ، مع تنزيه الله تعالى عن أوجه النقص فيها ، ومثال ذلك ( الوجه ) فإنه إثبات لصفة خبرية ( جاء بها الخبر ) ولكن اثباتها على ظاهرها اللغوي قد يوحي بالجارحة والجزء من الله ، وهذا محال لأنّ الله تعالى أحد لا جزء له ، غني لا جارحة له ، قهار لا حد له ، متعال على النهاية فلا نهاية له.

فينبغي أنّ نسلك في ذلك طرق الراسخين في العلم الذين علموا أنّ ظواهر تلك الآيات من الجارحة والجزء غير مرادة ، ثم احترزوا من ظاهرها فسموها صفات أو حملوا الآيات على المعنى الذي سيقت الآيات من أجله .

ومثال ذلك حمل الوجه على الذات في قوله تعالى : {كل شيء هالك إلا وجهه } وقوله تعالى {ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام } على الذات أو ما قصد به ذات الله تعالى من العمل الصالح ، إذ لا يعقل لذي لُب أن الهلاك سيلحق بالذات ولا يبقى إلا الوجه سبحانك هذا كفر عظيم.

إذن لابد من إعادة النظر في معنى الآية وأنها تدل على بقاء الله تعالى وأنه لا معنى للوجه في سياق الآيات سوى ما تواترت عليه أقوال العلماء وأنه الذات أو ما قصد به الذات من الأعمال الصالحة الخالصة.

وكذلك جاءت الآيات في العين مضافاً إلى الله تعالى :جاءت العين مضافةً إلى الله تعالى في خمس آيات : في سورة هود ( واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ) وفي سورة المؤمنون ( فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا) وفي سورة طه ( وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني ) وفي سورة الطور ( واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ) وفي سورة القمر ( تجري بأعيننا ) ،والمتدبر لآيات القرآن يعلم يقينا أن العين يستعمل فيه في مجازات متعددة ، فالعين تأتي حقيقة في الجارحة المعروفة الخاصة بالرؤية عند المخلوقين وهي جارية مجرى التمثيل والمجاز عن البصر والإدراك والرعاية والحفظ والرؤية والحراسة وعبر عن ذلك بالأعين لأنها آلة الرؤية والرؤية هي التي تكون بها الحراسة والحفظ في الغالب ، فتأتي كناية على شدة العناية والحراسة.

وكذلك جاءت الآيات في اليد مضافاً إلى الله تعالى :وذلك في ثمان آيات بلفظ الوحدان في أربعة مواضع والتثنية في موضعين والجمع في موضعين ، ففي سورة المائدة { بل يداه مبسوطتان} ، وبلغاء العرب يعلمون أن الوصف بغل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ومنه قوله تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ) ، فليس الأمر على حقيقته اللفظية ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم مأمورا بعدم غل اليد أو بسطها على الحقيقة ولم يقل بذلك عاقل ، وإنما الأمر بالقصد في الإنفاق ، وهكذا هاهنا ، فالمقصود من غل اليد وبسطها المجاز عن محض البخل والجود من غير قصد في ذلك إلى إثبات يد أو غل أو بسط ، وثنيت اليد ليكون أبلغ وأدل على إثبات غاية السخاء له ونفى البخل عنه ، فإن أقصى ما ينتهي إليه همم الأسخياء من الوصف بالمبالغة في الجود والإنعام أن يعطوا ما يعطونه بكلتا يديهم.

فالآية من باب الاستعارة التمثيلية ومن نظر في علم البيان والبلاغة لا يصعب عليه تصور ذلك أبدا .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان موجز لما يجب في حق الله عز وجل وما يستحيل وما يجوز
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت سبتمبر 05, 2020 12:54 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

وفي سورة الفتح { يد الله فوق أيديهم } وسياق الآية يدل على الرضا ببيعتهم ، والآية لم ترد للإخبار عن الله بأن له يداً ، وأن يده هذه فوق الصحابة المبايعين ، وإنما وردت لبيان قضية أكبر من ذلك والإخبار عن مسألة أعظم ، ألا وهي تأكيد هذه البيعة وتعظيم أمرها والإخبار عن شرفها وعلو مقامها ، وربطها بالله سبحانه وتعالى مباشرة لتقوية روابطها وتوثيق عراها.

وقوله تعالى { وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } ،قلت : اليد تجمع على أيد قال تعالى { ألهم أيد يبطشون بها } وقال تعالى { والسماء بنيناها بأيد } و على أيدي قال تعالى { مما عملت أيدينا } ، فلا التفات إلى من زعم أن اليد لا تجمع على أيد لأن ذلك مما جاء في القرآن والقرآن نزل بلسان عربي مبين ، والمراد بالآية هاهنا إثبات القوة والقدرة ، مثالها في ذلك تماما قوله تعالى { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } وقوله تعالى { وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ }.

فهل المراد من الآيات مدح الأنبياء بوجود الأيد التي هي الجوارح مع أن جميع البشر بما فيهم الكفار والفجار لهم أيدي وأبصار ، أم أن المقصود بالأيدي في الآيات هو قوتهم في الطاعة وجدهم وتشميرهم للعبادة ، واستعير لذلك بلفظ الأيدي لأنها عادة موضع القوة والجد والعمل ، فلا شك أن المعنى المقصود هو الثاني.

وهاهنا في الآية (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) نفس المقصود إذ لم تسق الآية لإثبات جارحة لله تعالى عن ذلك لأنه نقص يتنزه الأحد الصمد عنه ، لأن الجارحة تعني الجزء والتجزؤ يضاد الأحدية التي تعني نفي التبغض ويضاد الصمدية التي تعني كمال الغنى لأن المتجزىء يحتاج إلى جزئه فصاحب اليد ( الجارحة ) يحتاج إلى يده لتناوله الأشياء وصاحب الرجل (الجارحة ) يحتاج إلى رجله ليتحرك بها وصاحب العين ( الجارحة ) يحتاج إلى عينه ليبصر بها وهكذا.

فالمتجزيء يحتاج إلى جزئه والمتبعض يحتاج إلى بعضه والله تعالى صمد له كمال الصمدية قيوم له كمال القيومية غني له كمال الغنى ، وإثبات الجارحة ليس فيه أي معنى للكمال الإلهي المتصف بكمال الأحدية وكمال الصمدية وكمال القيومية وكمال الغنى ، بل هو نقص يتنزه الله تعالى عنه ويضاد جميع تلك الصفات العلا.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان موجز لما يجب في حق الله عز وجل وما يستحيل وما يجوز
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت سبتمبر 05, 2020 12:57 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

ونعود إلى الآية فنقول : [تأويل حبر الأمة وترجمان القرآن للأيد في الآية بالقوة ] ، فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ( والسماء بنيناها بأيد ) قال : بقوة ، وقد تأول التابعون للأيد في الآية بالقوة ، وقوله تعالى { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }.

قلت : فصحاء العرب وأهل البلاغة فيه يعلمون من قوله تعالى ( لما خلقت بيدي ) أنه كناية عن غاية الإبداع أي لما أوليته عنايتي وأظهرت فيه عجائب قدرتي وخلقته في أحسن تقويم وعلمته من العلم ما لا يعلمه غيره وفضلته في ذلك كله على غيره من المخلوقين.

هذا هو المفهوم من سياق الآيات فلم تسق الآية لإثبات جارحة لله تعالى عن ذلك لأنه نقص يتنزه الأحد الصمد القيوم الغني عنه ، لأن الجارحة تعني الجزء والتجزؤ يضاد الأحدية التي تعني نفي التبعض ويضاد الصمدية التي تعني كمال الغنى لأن المتجزئ يحتاج إلى جزئه ، والله تعالى صمد له كمال الصمدية قيوم له كمال القيومية غني له كمال الغنى ،وإلا فما الفارق عند كل منصف لم تحرق البدعة قلبه بين هذا التعبير القرآني ( لما خلقت بيدي ) وبين قوله تعالى ( مما عملت أيدينا أنعاما ) و قوله تعالى ( والسماء بنيناها بأيد ) وأيد جمع يد لقوله تعالى (ألهم أيد يبطشون بها ) فالإنسان خلق بصفة اليد والأنعام كالغنم والبقر والإبل خلقت كذلك بصفة اليد والسماء خلقت كذلك بصفة اليد .

ولا عبرة لمن اعترض على ذلك بأن إبليس كان بوسعه أن يقول وأنا خلقتني بيدك لأن الأمر بالسجود لم يكن بعلة تميز آدم بالخلق باليدين ولكن لتمحيص المطيع بالأمر من المتكبر عنه ولذلك جاء في الآية الأخرى (.. أن تسجد إذ أمرتك ).

ولا عبرة لمن قال : لو لم يكن لآدم مزية علي سائر الحيوانات باليد التي هي صفة لما عظمه بذكرها وأجله فقال ( بيدي ) ولو كانت القدرة لما كانت له مزية ، وقولهم : ميزه بذلك عن الحيوان فقد قال عز وجل : {خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما } ولم يدل هذا علي تمييز الأنعام علي بقية الحيوان وقال الله تعالي { والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون } أي بقوة ولم يدل ذلك على تميز السماء على بقية المخلوقات.

فإن قالوا : القدرة لا تثن ، وقد قال { بيدي } قلنا بلي قال العربي : ليس لي بهذا الأمر يدان ، أي ليس لي به قدرة ولا يقصد سوى ذلك ، فإن قالوا إنما عبروا بذلك لأن للإنسان يد على الحقيقة ، قلنا إذن يلزمنا إثبات اليدين للرحمة {بين يدي رحمته} وللعذاب {بين يدي عذاب شديد } وللنجوى {بين يدي نجواكم صدقة } وفي هذا الإثبات من الجهل باللغة والتلاعب بثوابتها ما فيه ومن قال بذلك فلا ينبغي أن يضيع الوقت معه.

فإن أصروا وجادلوا قلنا : قال الله تعالي في محكم التنزيل { إن مثل عيسي عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } ، فالقرآن نص على أن خلق عيسى كخلق آدم كلاهما بالقدرة المعبر عنها بقوله تعالى { ثم قال له كن فيكون } ، فسياق الآية يدل على أن المراد من قوله تعالى { لما خلقت بيدي } أنه كناية عن غاية الإبداع أي لما أوليته عنايتي وأظهرت فيه عجائب قدرتي وخلقته في أحسن تقويم وعلمته من العلم ما لا يعلمه غيره { وعلم آدم الأسماء كلها } ، وفضلته في ذلك كله على غيره من المخلوقين.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان موجز لما يجب في حق الله عز وجل وما يستحيل وما يجوز
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت سبتمبر 05, 2020 1:00 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

هذا هو المفهوم من سياق الآيات فلم تسق الآية لإثبات جارحة لله تعالى عن ذلك لأنه نقص يتنزه الأحد الصمد عنه ، لأن الجارحة تعني الجزء والتجزؤ يضاد الأحدية التي تعني نفي التبغض ويضاد الصمدية التي تعني كمال الغنى لأن المتجزئ يحتاج إلى جزئه والله تعالى صمد له كمال الصمدية قيوم له كمال القيومية غني له كمال الغنى .

على أن بعض علماء أهل السنة والجماعة أثبت بالآيات صفات لله تعالى ليست على هيئة الجارحة وإنما صفات لا نعلمها ، وهذا الوجه مقبول ضمناً ، وقد استقر قول أكثر الأصوليين على تفسير الآيات بما سيقت لأجله من إثبات معنى معين مع التنزيه وعدم التعرض لإثبات صفات إضافية لا تفيد التعظيم ولا التنزيه ، بل قد تدخل إلى التمثيل والتجسيم .

قال تعالى { لعلمه الذين يستنبطونه منهم } ، وعدم التعرض للمعنى الحقيقي المراد من الآيات المتشابهات لأنه { وما يعلم تأويله إلا الله } { والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } ، فالمتشابه كاليد والوجه ونحو ذلك فظاهره المستعمل في اللغة (( الجارحة )) مستحيل على الباري سبحانه ولا يعلم معناه على القطع إلا الله سبحانه وتعالى وأما العلماء الراسخون فقد اتفقوا على وجوب اعتقاد حقيقة وروده وعلى وجوب تنزيه الباري عن ظاهره المستحيل.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 9 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 10 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط