موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: رؤية الله في الدنيا وتأويل النصوص الموهمة
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء سبتمبر 16, 2008 1:15 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14752
مكان: مصـــــر المحروسة
[font=Tahoma][align=justify]
قال الإمام الحافظ أحمد بن حجر الهيتمي في كتابه : [الفتاوى الحديثية ( صـ 199- 202 ) ] :

مطلب: في رؤية الله تعالى في الدنيا]


89 ــ وسئل نفع الله بعلومه: عن شخص اعتقد أنه رأى ربه تعالى في الدنيا؛ وأن الرؤيا وقعت منه في الدنيا بالعين في اليقظة فهل يجوز ذلك؟ كما قال جماعة. إن المختار جواز رؤيته في الدنيا في اليقظة بالعين وفي المنام بالقلب، وإنْ لم يقع ذلك على المختار؛ فذلك يقتضي حلاً لغير نبينا صلى الله عليه وسلّم على ما فيه. أي في الوقوع له عليه الصلاة والسلام من الكلام: أي الاختلاف الكثير الشهير، أو يحرم ذلك عليه لأنه إذا لم يقع إلا للنبي صلى الله عليه وسلّم على ما فيه فكيف يقع لغيره، أو يكْفُر باعتقاده ذلك كما قاله الكواشي في تفسير سورة النجم حيث قال بعد أن ذكر الخلاف في أنه وقع ذلك أي الرؤية بالعين في اليقظة: فمعْتقِد رؤيته تعالى هنا بالعين غير مسلم، فهل كلامه في ذلك مقرر أولاً؟

[فأجاب بقوله: الكلام هنا في مقامين:

الأول: في إمكانها عقلاً، والذي عليه أهل السنة أنها ممكنة عقلاً وشرعاً في الدنيا، واستدلوا لذلك بأمور عقلية وأمور نقلية، لكن أدلتهم العقلية لا تخلو من دَخَل وخفاء، فالمعوَّل عليه في إمكانها إنما هو الأدلة النقلية.

فمنها أن موسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم قد سألها بقوله: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَلَمِينَ } [الأعراف: 140] فلو لم تكن الرؤية ممكنة جائزة الوقوع في الخارج لكان طلب موسى لها جَهْلاً منه بما يجوز على الله وما لا يجوز، أو سفهاً أو عَبَثَاً أو طلباً للمُحال، والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين منزهون عن كل فَرْدٍ فَرْدٍ من ذلك إجماعاً بل مَنْ جوَّز واحداً من هذه على واحدٍ منهم فهو كافر مراق الدم، وأيضاً فالله تعالى قد علق الرؤية باستقرار الجبل وهو أمر ممكن في نفسه، فوجب كون المعلق به كذلك إذْ المحال لا يُعلق بممكن أصلاً، وأول المعتزلةُ الآية بتأويلات تخالف ظاهرها حتى يخرجوها عنه إلى ما يوافق اعتقادهم الفاسد، أنها من قسم المحال العقلي الذي لا يمكن وقوعه في الدنيا كالآخرة، ومحل بسطها وردها كتب التفسير والأصول.

الثاني: في وقوعها وهذا غير الأول كما هو واضح، لكن وقع في كلام السائل نفع الله به ما يقتضي اتحادهما وهو قوله: فهل يجوز ذلك كما قاله جماعة إلخ؟ إذْ الذي قاله أولئك إنما هو الجواز بمعنى الإمكان العقلي والشرعي، والذي سأل عنه إنما هو الوقوع وشتان ما بين المقامين كما تقرر، ومما يوضحه أن بحراً من زئبق يُنْبت الأجسام الجامدة والنامية والحساسة والمتحركة بالإرادة ممكن الوجود عقلاً، لكنْ لم يقع ذلك ولم يبرز إلى حيز هذا الوجود، فكذلك الرؤية وإن كانت ممكنة عقلاً وشرعاً عند أهل السنة لكنَّها لم تقع في هذه الدار لغير نبينا صلى الله عليه وسلّم، وكذا له على قول عليه بعض الصحابة رضي الله عنهم لكنَّ جمهور أهل السنة على وقوعها له صلى الله عليه وسلّم ليلة المعراج بالعين. إذا تقرر ذلك عُلِم منه أنه لا يجوز لأحد أن يدعى أنه رأى الله بعين رأسه ومن زعم ذلك فهو كافر مراق الدم، كما صرح به من أئمتنا صاحب الأنوار ونقله عنه جماعة وأقروه. وحاصل عبارته: أنَّ مَنْ قال إنه يرى الله عَياناً في الدنيا ويكلمه شفاهاً فهو كافر، ولما نقلت عنه ذلك في كتابي "الإعلام بما يقطع الإسلام" وهو كتاب نفيس لم يترك من المكفرات المتفق عليها والمختلف فيها شيئاً إلا أحصاه.

قلت: والوجه أنه لا يشترط في كفر من زعم أنه يرى الله عَياناً في الدنيا ويكلمه شَفاها اجتماع هذين خلافاً لما توهمه عبارة "الأنوار" بل يكْفُر زاعم أحدها انتهى، وسيأتي في الآيات والأحاديث ما يدل لذلك لكن يتعين حمله على عالم أو جاهل مقصر بجهله، وقد ضم إلى زعمه الرؤية بعينه، زعْمهُ اعتقاد وجود جسم ولازمه من الحدوث، أو ما يستلزمه كالصورةَ واللون ونحوهما فهذا هو الذي يتجه الحكم بكُفْره، لأنه حينئذٍ لم يعتقد قدم الحق ولا كماله تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

وأما من اعتقد رؤية عين منزهة عن انضمام ذلك إليها فلا يظهر الحكم بكفره بمجرد ذلك، لأن المنقول المعتمد عندنا عدم كُفْر الجهوية والمجسمة إلا إن اعتقدوا الحدوث أو ما يستلزمه، ولا نظر إلى لازم مذهبهم لأن الأصح في الأصول أن لازم المذهب ليس بمذهب، لجواز أن يعتقد الملزوم دون اللازم، ومنْ ثمَّ قلنا: لو صرح باعتقاد لازم الجسمية كان كافراً، وقال الأذرعي وغيره: المشهور عدم تكفير المجسمة، وإن قالوا جسم كالأجسام أي لأنهم مع ذلك قد لا يعتقدون لوازم الأجسام. وإذا تقرر هذا في الجهوية والمجسمة فكذا يقال به في زاعم رؤية العين.

[مطلب: على أنه لا خلاف بين السلف والخلف في أنه لا بد من التأويل الإجمالي في النصوص الموهمة]

فإن قلت: الفرق بينهما واضح فإن تينك الفرقتين قد ورد في الكتاب والسنة ما يصح بقولهما لولا ما امتنَّ الله به على الأمة من توفيق سلفها وخلفها إلى صرف تلك النصوص عن ظواهرها، وإنما الخلاف بين السلف والخلف في التأويل التفصيلي، فالسلف يرجحون أولوية الإمساك عنه لعدم احتياجهم إليه لصلاح زمنهم، والخلف يُرجِّحون أولويته، بل وجوب الخوض فيه لفساد زمنهم وكثرة مبتدعته، وقوة شوكتهم وتمويه شبههم.

وأما زاعم الرؤية بالعين فقد ورد من الأدلة القطعية ما يشدد النكير على سائلها واقترن به ما يقوى استنكار ذلك واستعظامه كقوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَمُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } [البقرة: 55] وقوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَبِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَباً مِّنَ السَّمَآءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللَّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} [النساء: 153] وقوله سبحانه وتعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَئِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُواْ فِى أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } [الفرقان: 21] وصح في مسلم أنه صلى الله عليه وسلّم قال: "واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا" وحينئذٍ فينبغي كفر زاعم الرؤية بالعين في الدنيا مطلقاً بخلاف المجسمة.

قلت: بعد أن قرّر الأئمة وعلماء الأمة وحفاظ الملة تلك الآيات والأحاديث وصرفوها عن ظواهرها كما تقرّر لم يبق لأحد عذر في اعتقاد ظواهرها، فمن فعل ذلك فقيل يكفر مطلقاً، وقيل إنْ قال جسم كالأجسام كفر وإلا فلا، وعليه جرى النووي رحمه الله في موضع، وقيل لا يكفر مطلقاً وهو المشهور من مذهبنا ما لم يَضُمَّ لذلك اعتقاد بعض تلك اللوازم كما مَرَّ، وحينئذٍ فينبغي أن يجرى نظير هذا الخلاف كله في مدعى الرؤية بالعين، فيكون الأصح عدم كفره، إلا إن ضمَّ لذلك اعتقاد حدوث أو ما يؤدي مؤاده، لأن ملحظ التكفير وعدمه في المجسمة ونحوهم ليس العذر وعدمه، لأن الكلام في العالم وإنما الملحظ اعتقاد النقص وملزومه، ولا شك أن هذين يجريان في زاعم الرؤية بالعين في دار الدنيا فكما جرى ذلك الخلاف كذلك يجري هنا، إذْ لا فارق يعتد هنا به كيف والإمام الرباني المترجم بشيخ الكل في الكل أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى يجزم بأنه لا يجوز وقوعها في الدنيا لأحد غير نبينا صلى الله عليه وسلّم ولا على وجه الكرامة وادعى أن الأمة اجتمعتْ على ذلك، فإذا أجمعوا على امتناع وقوعها كان زاعمه لنفسه مخالفاً للإجماع مدعياً ما قد يترتب عليه نقص، فمن ثم قالوا بكفره وقيدته بما مر.

فإن قلت: حكى عن الأشعري قول بوقوعها فكيف الإجماع حينئذٍ؟

قلت: إن صح الإجماع فواضح أنه لا ينظر إليه وأنَّ قائله إنما قاله لظنه أن لا إجماع، وإن لم يصح كان هذا القول في غاية الشذوذ ولا ينظر إليه أيضاً، ولا يمنع وجوده التكفير لزاعم ما قدمته بشرطه.] اهـ [/align]
[/font]

_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 1 زائر


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط