موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 3 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: القول السديد فى إبطال تقسيم كلمة التوحيد
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يوليو 10, 2004 2:03 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 25, 2004 12:52 pm
مشاركات: 170
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة والأخوات رواد هذا المنتدى
هذه رسالة بعنوان القول السديد فى إبطال تقسيم كلمة التوحيد، رأيت نشرها عليها فى أجزاء لمن أراد أن يطالع كيفية الرد عى التمية الوهابية ، ويرد عليهم فى تقسيمهم كلمة التوحيد إلى توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات
الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
القول السديد في إبطال تعدد التوحيد
الحمد لله الواحدِ الأحدِ الفردِ الصمدِ المنزهِ عن الشريكِ والولدِ والصاحبةِ والنظيرِ والندِ الذي تفردَ في معاني الجلالِ وصفاتِ الجمالِ والكمالِ فما من كمالٍ إلا لهُ وإليهِ وما من جلالٍ إلا مدارُه عليهِ هو بصفاتهِ لم يزل كما كانَ عليها في الأزلِ كانَ ولا مكان قبلَ خلقِ المكانِ والزمانِ وهو الآنَ على ما عليهِ كانَ لم يفتقر إليهما فهو الغنيُّ ولا اعتمدَ عليها فهو الوليُّ خلقَ الخلقَ تفضلًا منه من غيرِ وجوبٍ ولا إلزامٍ ولا مشاركةٍ ولا بأحدٍ استعانَ بل الكلُ مفتقرٌ إليه فما شاءَ كانَ وما لم يشاء لم يكن والكلُ راغبٌ إليه فإن شاء منحَ وإن شاء منعَ أيقنت بعظمتهِ القلوبُ وذلَّ لجبروتهِ كلُ معبودٍ لا إله إلا هو سبحانه عما يجحده الجاحدون ويفتريه المفترون .
والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ خلقِ اللهِ محمدٍ بنِ عبدِ اللهِ تولى اللهُ غرسَهُ فأنماهُ وتولى حرثَهُ فأزكاهُ الرحمةُ المهداةُ والنعمةُ المبتغاةُ أرسلَهُ هادياً للعلمين مبينًا للناس مالهم عند ربِّ العالمين وما وجبَ عليهم في سبيلِ المهتدين فتركنا على المحجةِ البيضاءِ ليلِها كنهاِرها لا يزيغُ عنها إلا من كُتب عليه الشقاءُ وكانَ عند اللهِ من التعساءِ نعوذُ باللهِ من الزيغِ وأهلِهِ والضلالِ وحزبِهِ
ثم أمّا بعدُ :
بدعةٌ أحدثت فرقةً وفكرةٌ تحولت إلى فتنةٍ والفتنةُ نائمةٌ فلعنَ اللهُ من أيقظَها ولما كانت المحدثاتُ في الدينِ من أبشعِ الأمورِ فجعلها رسولُ اللهِ ضلالةً ثم أردفها بكونِهَا في النارِ مصداقًا لقولِهِ (كلُ بدعةٍ ضلالةٍ وكلُ ضلالةٍ في النارِ) فكذلك نشأت فكرةُ تقسيمِ التوحيدِ وتعديدِهِ وعدمِ تفريدِهِ ولا توحيدِهِ .
سارَ فيها سابقٌ فلحقَهُ كلُ لاحقٍ قال بها فردٌ أغرٌ وقفَ أمامَهُ جهابذةُ الدّهرِ وأبطلوا مقولتَهُ وأغمدُوا فتنتَهُ ولكن للفتنِ رؤوسٌ تونعُ كلَّما ضَعُفَ الدينُ واستكانَ أهلُ الحقِ
فظهرَت وأطلَّت برأسِهَا فلم تجد مَن يقتلعُهَا من جذورِهَا فكبرُت ونمَت وأينعَت وأثمرَت حتى إذا جاء وقتُ حصادِها وجنيِّ ثمارِها قيدَ اللهُ لها مَن يستأصلُ شأفتَها ويقتلعُ شجرتَها ويجتثُ أساسَها لتكونَ كما كانت بدعةٌ زائلةٌ محتهَا سنةٌ قائمةٌ عمادُها الدينُ وقوامُها ما قالَهُ اللهُ ورسولُهُ الأمينُ الذي تركَنَا على توحيدِ الدينِ فلم يقسمهُ أقسامًا ولم يحزبه أحزابًا يشتت بها شملَ المسلمين ويفرقَ بها جمعَ الموحدين بل جعلَ كلَّ مَن قالَ لا إله إلا الله فقد عصمَ مالَهُ ودمَهُ وجعلَ ذلك عنوانًا للموحدين يهتدونَ به في دروبِ السالكين وطريقِ الحائرين وهدايةِ العالمين .
فهل هناك مَن هو أدرى منه بالدينِ فشرعَ في شرعِهِ ما جهلَهُ هو أم يتهمُهُ بالخيانةِ ونقصِ الدّيانةِ وقلةِ الأمانةِ فغفلَ عن إبلاغِنَا عمادَ ما جاءَ بهِ وهو توحيدُ ربهِ الذي أفردَ لَهُ عمرَهُ أو ما يقربُ من عمرِهِ يدعوا الناسَ إليهِ ويعرّفهُم بهِ ويحضُهم عليهِ .
أفترى هذا الذي جاءَ في القرنِ المتأخرِ يصوبُ ويعدلُ ويبينُ ويحددُ للنبيّ الأمينِ والرسولِ الكريمِ المبعوثِ رحمةً للعالمين معالمَ التوحيدِ الذي هو حقُ اللهِ علي العبيدِ .
فهل بعد هذه الفريةِ من فريةٍ ؟ وهل بعد هذه البدعةِ من بدعةٍ ؟وهل بعد هذه الضلالةِ من ضلالةٍ ؟ وهل تستحقُ كلُّ بدعةٍ إلا أن تطرحَ في النارِ ؟ ليكون مصيرُها إلى البوارِ فينجي اللهُ منها الأخيارَ ويعصمَ منها الأبرارَ ونعوذُ باللهِ من فاعلِها وقائلِها ومن استمرأَ أمرَها وفرى فريها .والله المستعان وعليه التكلان
فاللهمّ قيدنَا لإخمادِ عمادِها وإطفاءِ لهيبِها وقوّنا على ذلك ومدنَا بمددِكَ الذي لا ينفدُ وبقوتِكَ التي لا تقاومُ واهدي بها قلوبَ الحائرين وأخرجهم من الظلمات إلى النورِ ومن الحزنِ إلى السعادةِ والسرورِ .
الفصل الأول
الأصول التي قال بها من عدد التوحيد
أصلهم الأول :أن الشرك أمر قديم من بداية التاريخ البشري والشرك والتوحيد يتصارعان فمن ظاهر في أوان ومن مستتر في زمان ولما بدأ الله خلق الإنسان علي التوحيد وعلم آدم الأسماء أمره بنشر التوحيد بين ذريته ولكن لما تطاول عليهم العمر وامتدت العصور دخل الشرك علي الناس وفتنوا عن عبادة ربهم وخالقهم حتى عبدوا الأوثان التي نحتوها بأيديهم وكانوا في شركهم هذا مقرين بربوبية ربهم أي أنهم مقرون بأن خالقهم ورازقهم ومدبر أمرهم هو الله لقوله تعالى (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) فشرك المشركين لم يكن في ربوبية الله وإنما في نوع آخر يسمى الألوهية ومعناه عندهم العبادة أو توحيد العبادة وهذا الذي من أجله أرسل الله الرسل وأنزل الكتب لهداية الناس إليه قال ابن تيمية : قال شيخ الاسلام رحمه الله تعالى في كتابه شرح عقيدة الاصبهاني : وهذا التوحيد يعني توحيد الربوبية لم يذهب الى نقيضه طائفة معروفة من بني آدم ولم يعرف عن أحد من الطوائف أنه قال إن العالم له صانعان متماثلان في الصفات والافعال…والحاصل أنهم لا يقولون خالق الخلق ثلاثة بل واحد بالذات والله اعلم والمقصود هنا أنه ليس في الطوائف من يثبت للعالم صانعين متماثلين )(شرح قصيدة ابن القيم (1/365).
ـ يقول ابن باز :اعلم أن التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب ينقسم إلي أقسام ثلاثة حسب استقراء النصوص من الكتاب والسنة وحسب واقع المكلفين :
القسم الأول : توحيد الربوبية (1):وهو توحيد الله بأفعاله سبحانه وهو الإيمان بأنه الخالق الرازق المدبر لأمور خلقه المتصرف في شئونهم في الدنيا والآخرة لا شريك له في ذلك كما قال تعالي (الله خالق كل شيء) (الزمر:62) وقال سبحانه (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى علي العرش يدبر الأمر )وهذا النوع قد أقر به المشركون عباد الأوثان وإن جحد أكثرهم البعث والنشور ولم يدخلهم في الإسلام لشركهم بالله في العبادة وعبادتهم الأصنام والأوثان معه سبحانه وعدم إيمانهم بالرسول صلي الله عليه وسلم .
القسم الثاني: توحيد العبادة ويسمى توحيد الألوهية وهي العبادة وهذا القسم هو الذي أنكره المشركون فيما ذكر الله عنهم بقوله (وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب )ص.4ـ5 وأمثالها كثيرة وهذا القسم يتضمن إخلاص العبادة لله وحده والإيمان بأنه المستحق لها وأن عبادة ما سواه باطلة وهذا معنى لا إله إلا الله فإن معناها لا معبود بحق إلا الله لقوله تعالي (ذلك بأن الله هو الحق و أنما يدعون من دونه الباطل )( الحج :62) .
والقسم الثالث :توحيد الأسماء والصفات وهو الإيمان بكل ما ورد في كتاب الله وفي السنة الصحيحة عن رسول الله  من أسماء الله وصفاته .(التعليق على الطحاوية : ص2ـ4) .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يوليو 10, 2004 9:03 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 25, 2004 12:52 pm
مشاركات: 170
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا هو نص الرد كاملا لمن شاء نسخه وقراءته ، وإن كان ثمّ تعليق أو توضيح فاكتب ما تراه يحتاج إلى بيان أو رد شبهة
بسم الله الرحمن الرحيم
القول السديد في إبطال تعدد التوحيد
الحمد لله الواحدِ الأحدِ الفردِ الصمدِ المنزهِ عن الشريكِ والولدِ والصاحبةِ والنظيرِ والندِ الذي تفردَ في معاني الجلالِ وصفاتِ الجمالِ والكمالِ فما من كمالٍ إلا لهُ وإليهِ وما من جلالٍ إلا مدارُه عليهِ هو بصفاتهِ لم يزل كما كانَ عليها في الأزلِ كانَ ولا مكان قبلَ خلقِ المكانِ والزمانِ وهو الآنَ على ما عليهِ كانَ لم يفتقر إليهما فهو الغنيُّ ولا اعتمدَ عليها فهو الوليُّ خلقَ الخلقَ تفضلًا منه من غيرِ وجوبٍ ولا إلزامٍ ولا مشاركةٍ ولا بأحدٍ استعانَ بل الكلُ مفتقرٌ إليه فما شاءَ كانَ وما لم يشاء لم يكن والكلُ راغبٌ إليه فإن شاء منحَ وإن شاء منعَ أيقنت بعظمتهِ القلوبُ وذلَّ لجبروتهِ كلُ معبودٍ لا إله إلا هو سبحانه عما يجحده الجاحدون ويفتريه المفترون .
والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ خلقِ اللهِ محمدٍ بنِ عبدِ اللهِ تولى اللهُ غرسَهُ فأنماهُ وتولى حرثَهُ فأزكاهُ الرحمةُ المهداةُ والنعمةُ المبتغاةُ أرسلَهُ هادياً للعلمين مبينًا للناس مالهم عند ربِّ العالمين وما وجبَ عليهم في سبيلِ المهتدين فتركنا على المحجةِ البيضاءِ ليلِها كنهاِرها لا يزيغُ عنها إلا من كُتب عليه الشقاءُ وكانَ عند اللهِ من التعساءِ نعوذُ باللهِ من الزيغِ وأهلِهِ والضلالِ وحزبِهِ
ثم أمّا بعدُ :
بدعةٌ أحدثت فرقةً وفكرةٌ تحولت إلى فتنةٍ والفتنةُ نائمةٌ فلعنَ اللهُ من أيقظَها ولما كانت المحدثاتُ في الدينِ من أبشعِ الأمورِ فجعلها رسولُ اللهِ ضلالةً ثم أردفها بكونِهَا في النارِ مصداقًا لقولِهِ (كلُ بدعةٍ ضلالةٍ وكلُ ضلالةٍ في النارِ) فكذلك نشأت فكرةُ تقسيمِ التوحيدِ وتعديدِهِ وعدمِ تفريدِهِ ولا توحيدِهِ .
سارَ فيها سابقٌ فلحقَهُ كلُ لاحقٍ قال بها فردٌ أغرٌ وقفَ أمامَهُ جهابذةُ الدّهرِ وأبطلوا مقولتَهُ وأغمدُوا فتنتَهُ ولكن للفتنِ رؤوسٌ تونعُ كلَّما ضَعُفَ الدينُ واستكانَ أهلُ الحقِ
فظهرَت وأطلَّت برأسِهَا فلم تجد مَن يقتلعُهَا من جذورِهَا فكبرُت ونمَت وأينعَت وأثمرَت حتى إذا جاء وقتُ حصادِها وجنيِّ ثمارِها قيدَ اللهُ لها مَن يستأصلُ شأفتَها ويقتلعُ شجرتَها ويجتثُ أساسَها لتكونَ كما كانت بدعةٌ زائلةٌ محتهَا سنةٌ قائمةٌ عمادُها الدينُ وقوامُها ما قالَهُ اللهُ ورسولُهُ الأمينُ الذي تركَنَا على توحيدِ الدينِ فلم يقسمهُ أقسامًا ولم يحزبه أحزابًا يشتت بها شملَ المسلمين ويفرقَ بها جمعَ الموحدين بل جعلَ كلَّ مَن قالَ لا إله إلا الله فقد عصمَ مالَهُ ودمَهُ وجعلَ ذلك عنوانًا للموحدين يهتدونَ به في دروبِ السالكين وطريقِ الحائرين وهدايةِ العالمين .
فهل هناك مَن هو أدرى منه بالدينِ فشرعَ في شرعِهِ ما جهلَهُ هو أم يتهمُهُ بالخيانةِ ونقصِ الدّيانةِ وقلةِ الأمانةِ فغفلَ عن إبلاغِنَا عمادَ ما جاءَ بهِ وهو توحيدُ ربهِ الذي أفردَ لَهُ عمرَهُ أو ما يقربُ من عمرِهِ يدعوا الناسَ إليهِ ويعرّفهُم بهِ ويحضُهم عليهِ .
أفترى هذا الذي جاءَ في القرنِ المتأخرِ يصوبُ ويعدلُ ويبينُ ويحددُ للنبيّ الأمينِ والرسولِ الكريمِ المبعوثِ رحمةً للعالمين معالمَ التوحيدِ الذي هو حقُ اللهِ علي العبيدِ .
فهل بعد هذه الفريةِ من فريةٍ ؟ وهل بعد هذه البدعةِ من بدعةٍ ؟وهل بعد هذه الضلالةِ من ضلالةٍ ؟ وهل تستحقُ كلُّ بدعةٍ إلا أن تطرحَ في النارِ ؟ ليكون مصيرُها إلى البوارِ فينجي اللهُ منها الأخيارَ ويعصمَ منها الأبرارَ ونعوذُ باللهِ من فاعلِها وقائلِها ومن استمرأَ أمرَها وفرى فريها .والله المستعان وعليه التكلان
فاللهمّ قيدنَا لإخمادِ عمادِها وإطفاءِ لهيبِها وقوّنا على ذلك ومدنَا بمددِكَ الذي لا ينفدُ وبقوتِكَ التي لا تقاومُ واهدي بها قلوبَ الحائرين وأخرجهم من الظلمات إلى النورِ ومن الحزنِ إلى السعادةِ والسرورِ .
الفصل الأول
الأصول التي قال بها من عدد التوحيد
أصلهم الأول :أن الشرك أمر قديم من بداية التاريخ البشري والشرك والتوحيد يتصارعان فمن ظاهر في أوان ومن مستتر في زمان ولما بدأ الله خلق الإنسان علي التوحيد وعلم آدم الأسماء أمره بنشر التوحيد بين ذريته ولكن لما تطاول عليهم العمر وامتدت العصور دخل الشرك علي الناس وفتنوا عن عبادة ربهم وخالقهم حتى عبدوا الأوثان التي نحتوها بأيديهم وكانوا في شركهم هذا مقرين بربوبية ربهم أي أنهم مقرون بأن خالقهم ورازقهم ومدبر أمرهم هو الله لقوله تعالى (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) فشرك المشركين لم يكن في ربوبية الله وإنما في نوع آخر يسمى الألوهية ومعناه عندهم العبادة أو توحيد العبادة وهذا الذي من أجله أرسل الله الرسل وأنزل الكتب لهداية الناس إليه قال ابن تيمية : قال شيخ الاسلام رحمه الله تعالى في كتابه شرح عقيدة الاصبهاني : وهذا التوحيد يعني توحيد الربوبية لم يذهب الى نقيضه طائفة معروفة من بني آدم ولم يعرف عن أحد من الطوائف أنه قال إن العالم له صانعان متماثلان في الصفات والافعال…والحاصل أنهم لا يقولون خالق الخلق ثلاثة بل واحد بالذات والله اعلم والمقصود هنا أنه ليس في الطوائف من يثبت للعالم صانعين متماثلين )(شرح قصيدة ابن القيم (1/365).
ـ يقول ابن باز :اعلم أن التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب ينقسم إلي أقسام ثلاثة حسب استقراء النصوص من الكتاب والسنة وحسب واقع المكلفين :
القسم الأول : توحيد الربوبية (1):وهو توحيد الله بأفعاله سبحانه وهو الإيمان بأنه الخالق الرازق المدبر لأمور خلقه المتصرف في شئونهم في الدنيا والآخرة لا شريك له في ذلك كما قال تعالي (الله خالق كل شيء) (الزمر:62) وقال سبحانه (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى علي العرش يدبر الأمر )وهذا النوع قد أقر به المشركون عباد الأوثان وإن جحد أكثرهم البعث والنشور ولم يدخلهم في الإسلام لشركهم بالله في العبادة وعبادتهم الأصنام والأوثان معه سبحانه وعدم إيمانهم بالرسول صلي الله عليه وسلم .
القسم الثاني: توحيد العبادة ويسمى توحيد الألوهية وهي العبادة وهذا القسم هو الذي أنكره المشركون فيما ذكر الله عنهم بقوله (وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب )ص.4ـ5 وأمثالها كثيرة وهذا القسم يتضمن إخلاص العبادة لله وحده والإيمان بأنه المستحق لها وأن عبادة ما سواه باطلة وهذا معنى لا إله إلا الله فإن معناها لا معبود بحق إلا الله لقوله تعالي (ذلك بأن الله هو الحق و أنما يدعون من دونه الباطل )( الحج :62) .
والقسم الثالث :توحيد الأسماء والصفات وهو الإيمان بكل ما ورد في كتاب الله وفي السنة الصحيحة عن رسول الله  من أسماء الله وصفاته .(التعليق على الطحاوية : ص2ـ4) .
أصلهم الثاني في تقسيم التوحيد
وأما الربوبية : فكانوا مقرين بها قال الله تعالى (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله" وقال "قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله) الى قوله (فأنى تسحرون )وما اعتقد أحد منهم قط أن الأصنام هى التى تنزل الغيث وترزق العالم وتدبره وإنما كان شركهم كما ذكرنا اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله وهذا المعنى يدل على أن من أحب شيئا من دون الله كما يحب الله تعالى فقد أشرك وهذا كقوله (قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفى ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين) وكذا من خاف أحدا كما يخاف الله أو رجاه كما يرجو الله وما أشبه ذلك.(كتب وفتاوى ورسائل ابن تيمية في العقيدة :1/92)
أن النبي  لما رأي مشركي العرب مقرين بتوحيد الربوبية لم يجادلهم فيه وإنما حاربهم وسفك دماءهم واستحل نساءهم وسبى ذراريهم من أجل توحيد الألوهية أي إفراد الله وحده بالعبادة .إذن
1ـ جميع الرسل دعت قومها للتوحيد .
2ـ جميع المشركين في كافة العصور كانوا يقرون بتوحيد الربوبية دون الألوهية .
3ـ مشركي العرب الذين بعث لهم رسول الله كانوا يقرون بتوحيد الربوبية دون الألوهية ومع هذا قاتلهم رسول الله وحكم بخلودهم في النار .
4ـ كل من أقر بربوبية الله وحده لم يكفه ذلك حتى يقر بنوع التوحيد الثاني الألوهية فإن المشركين كانوا يقرون بذلك فلم ينفعهم ذلك حتى ولو شهد أن لا إله إلا الله.
يقول ابن تيمية في ذلك ـ وهو صاحب هذا التقسيم . يقول ابن تيمية في الفتاوى (3\101) : فقد تبين أن ما يسمونه توحيدا فيه ما هو حق وفيه ما هو باطل ولو كان جميعه حقا فإن المشركين إذا أقروا بذلك كله لم يخرجوا من الشرك الذى وصفهم به فى القرآن وقاتلهم عليه الرسول بل لا بد أن يعترفوا أنه لا إله إلا الله وليس المراد بالاله هو القادر على الإختراع كما ظنه من ظنه من أئمة المتكلمين حيث ظن أن الإلهية هى القدرة على الاختراع دون غيره وأن من أقر بأن الله هو القادر على الإختراع دون غيره فقد شهد أن لا إله إلا هو فإن المشركين كانوا يقرون بهذا وهم مشركون كما تقدم بيانه بل الإله الحق هو الذى يستحق بأن يعبد فهو إله بمعنى مألوه لا إله بمعنى آله والتوحيد أن يعبد الله وحده لا شريك له والإشراك أن يجعل مع الله إلها آخر وإذا تبين أن غاية ما يقرره هؤلاء النظار أهل الإثبات للقدر المنتسبون الى السنة إنما هو توحيد الربوبية وأن الله رب كل شيء ومع هذا فالمشركون كانوا مقرين بذلك مع انهم مشركون وكذلك طوائف من اهل التصوف والمنتسبين الى المعرفة والتحقيق والتوحيد ، غاية ما عندهم من التوحيد هو شهود هذا التوحيد وأن يشهد أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه .اهـ
وقال كما فتح المجيد ص14: ليس المراد بالتوحيد مجرد توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله وحده خلق العالم كما يظن ذلك من يظنه من أهل الكلام والمتصوفة ويظن هؤلاء أنهم إذا أثبتوا ذلك بالدليل فقد أثبتوا غاية التوحيد … فإن الرجل إذا أقر بما يستحقه الرب تعالى من الصفات ونزهه عن كل ما ينزه عنه وأقر بأنه وحده خالق كل شيء لم يكن موحدا حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده فيقر بأن الله وحده هو الإله المستحق للعبادة ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له والإله هو المألوه المعبود الذي يستحق العبادة وليس هو الإله بمعنى القادر على الاختراع ….. اهـ
ـ يقول عبد الرحمن عبد الخالق ـ وهو من أتباع ابن تيمية ـ وهذا التقسيم الثلاثي لم ينص عليه أحد في القرون الثلاثة الأولى فإن التوحيد ومسائل الإيمان بالله كانت معلومة من كتاب الله وسنة رسوله بل كان من ضرورات الدين العلم بأن العبد لا يكون موحداً حقاً إلا إذا آمن بالله رباً وإلهاً وخالقاً ورازقاً وملكاً، وآمن بكل ما أخبر به عن نفسه أو أخبر به رسوله  وإنما دعت الحاجة إلى هذا لتيسير فهم التوحيد، والتعريف بجميع جوانبه فإن تقسيم الأمر المجمل إلى أقسام يسهل فهمه وحفظه.
ولعل أول من ذكر هذا التقسيم بالتفصيل والتعريف هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وذلك لانتصابه رحمه الله للرد على جميع المخالفين في التوحيد من أهل الكلام والفلسفة، ومن أهل التصوف ووحدة الوجود، ومن القدرية -نفاة القدر- والجبرية، ومن الذين وقعوا في شرك الألوهية فإن كل فريق من هؤلاء أقر بنوع من التوحيد وكذب بالآخر، وكثير منهم تصور التوحيد الذي ينادي به على وجه مغلوط،)اهـ أقسام التوحيد .
أصلهم الثالث
وتعريف العبادة
ـ وبعد أن قسم هذا التقسيم السابق بقيت له مسألة واحدة وهى تعريف العبادة حتى يستطيع أن ينظّر لما سبق وأن قسمه فعرَّف العبادة بأنها : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة(1) .
ـ وعلى التعريف السابق صارت جميع الأفعال والأقوال الظاهرة والباطنة من العبادة وبما أن العبادة قسم من أقسام التوحيد فقد دخلت في العقائد فمن صرف أي عبادة كانت ـ ظاهرة أو باطنة ـ لغير الله تعالى صار من جملة المشركين فمن استعان بغير الله أو استغاث أو توسل أو تشفع صار من المشركين لا ينفع معه إقراره بلا إله إلا الله لأنه صرف العبادة لغير الله فهو كمشركي الجاهلية الذين قاتلهم رسول الله وأوجب لهم الخلود في النار .
وهكذا اتضحت الصورة كاملة وهكذا صار الصبي الغرّ من أطفالهم يحدد من يدخل التوحيد ومن يصير من جملة المشركين عباد الأوثان فما عليه إلا أن يحفظ تلك الأصول المتقدمة ثم يطبقها كما يشاء وعلى من يشاء ولا بأس أن يبدأ بوالديه ثم ينطلق بعد ذلك كما شاء فقد صار إماما في التكفير أعني توحيدهم .
ـ قال عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد : ص: 44) : وقد أوضح الله ذلك وبينه في قصص الأنبياء والمرسلين في كتابه المبين فما أجهل عباد القبور وما أعظم ما وقعوا فيه من الشرك المنافي لكلمة الإخلاص لا إله إلا الله فإن مشركي العرب ونحوهم جحدوا لا إله إلا الله لفظا ومعني وهؤلاء المشركون أقروا بها لفظا وجحدوها معني فتجد أحدهم يقولها وهو يؤله غير الله بأنواع العبادة كالحب والتعظيم والخوف والرجاء والتوكل والدعاء وغير ذلك من أنواع العبادة بل زاد شركهم علي شرك العرب بمراتب فإن أحدهم إذا وقع في شدة أخلص الدعاء لغير الله تعالي ويعتقدون أنه أسرع فرجا لهم من الله بخلاف حال المشركين الأولين فإنهم كانوا يشركون في الرخاء وأما في الشدائد فإنما يخلصون لله وحده كما قال تعالي : "فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلي البر إذا هم يشركهم " (العنكبوت :65)فبهذا يتبين أن مشركي أهل هذه الأزمان أجهل بالله وبتوحيده من مشركي العرب ومن قبلهم . اهـ
مناقشة الأصل الأول من أصول من قسم التوحيد
ـ إن القول الذي قال به ابن تيمية بأن الأمم السابقة كانت مقرة بتوحيد الربوبية علي حد تعبيره لهي مغالطة تاريخية وشرعية أيضا والتسليم بصحتها ضرب من الاستخفاف بالعقول وتفريط في الأمانة التي أخذها الله علي أهل العلم بأن يبينوه للناس ولا يكتمونه وذلك لأن الشرك لكي يقع من المشرك يستحيل أن يقع إلا في الربوبية حتى علي تقسيم ابن تيمية نفسه فإن المشرك لكي يعبد ما سيعبده لا بد وأن يعتقد فيه الضر والنفع الحقيقي والقدرة الحقيقية والملك الحقيقي …إلخ .
وإلا لكان هذا الإله عاجزا عنده لا قيمة له ولا وزن وكان هو أحق بعبادة نفسه لأن عنده من القدرة ما ليس عند من يريد عبادته فالذي يعتقد أن المشركين في شركهم كانوا يعتقدون في آلهتهم العجز وعدم القدرة علي الضر والنفع لهو مستخف بعقل من يحدثه وواضع له موضع الأنعام .
ـ فهل الضر والنفع والملك والقدرة : ربوبية أم ألوهية علي تقسيم من قسم التوحيد ؟
فاحفظ هذه القاعدة عن ظهر قلب أن الشرك لا يقع أصلا إلا في الربوبية حتى علي تقسيم من قسم التوحيد .
وإن كنا لا نوافقه علي هذا التقسيم من الأساس ولكن نقيم الحجة عليه من تقسيمه ذاته . فتأمل
وبالنظر إلي الأمم السابقة التي أرسل الله لها الرسل وأنزل عليها الكتب هل حقا كما يدعي ابن تيمية كانت مقرة بتوحيد الربوبية والذي عرَّفه بأنه : إفراد الله بالرزق والخلق والقدرة والملك والضر والنفع ….إلخ ) بخلاف العبادة فهي توحيد الألوهية كما قسمه .
فانظر مثلا إلي الثنوية عبدة النار والتي كانت تسيطر علي بلاد فارس من قديم الزمان كانوا يعتقدون أن لهذا العالم إلهين اثنين أحدهما إله النور والآخر إله الظلمة وهما اللذان أوجدا العالم وهما في تصارع دائم .
ـ قال في غاية المرام ( القاعدة الاولى في أنه لا خالق الا الله تعالى فالذى إليه عصابة أهل الحق من الإسلاميين وغيرهم من الطوائف المحققين أنه لا خالق الا الله تعالى وأن وجوب وجود ما سواه ليس إلا عنه وخالفهم في ذلك طائفة من الالهيين وجماعة من الثنوية والمعتزلة والمنجمين وأما الثنوية فاعتقادهم ان مبدأ الكائنات وكل ما في العالم من خير وشر ونفع وضر ليس هو إلا امتزاج النور والظلمة وأنهما أصل العلوم فما يحصل من الخير فمضاف إلى النور وما يحصل من الشر فمضاف إلى الظلمة لكن منهم من ذهب إلى أن النور قديم والظلمة حادثة عن فكرة ردية حصلت لبعض أجزاء النور وعبروا عن النور بالبارى وعن الظملة بالشيطان ومنهم من قال بأنهما قديمان وأما الطريق في الرد على الثنوية القائلين بالنور والظلمة وانه لا مبدأ للعالم سواهما .(غاية المرام :1/206) .
ـ وقال الشهرستاني: واجمعوا ـ أي أهل السنة والجماعة ـ على ان صانع العالم واحد خلاف قول الثنوية بصانعين قديمين أحدهما نور والآخر ظلمة وخلاف قول المجوس بصانعين احدهما اله قديم اسمه عندهم بزدان والآخر شيطان رجيم اسمه أهرمن وخلاف قول المفوضة من غلاة الروافض فى ان الله تعالى فوَّض تدبير العالم الى علىّ فهو الخالق الثانى وخلاف قول الحايطية من القدرية اتباع احمد بن حايط فى قولهم إن الله تعالى فوَّض تدبير العالم إلى عيسى بن مريم وانه هو الخالق الثانى وقد استقصينا وجوه دلائل الموحدين على توحيد الصانع فى كتاب الملل والنحل .اهـ (الفرق بين الفرق :1/ 321) .
ـ وقال ابن حزم: الفصل الثاني الثنوية هؤلاء هم اصحاب الاثنين الازليين يزعمون ان النور والظلمة ازليان قديمان بخلاف المجوس فانهم قالوا بحدوث الظلام وذكروا سبب حدوثه وهؤلاء قالوا بتساويها فى القدم واختلافهما فى الجوهر والطبع والفعل والحيز والمكان والاجناس والابدان والارواح .اهـ (الملل والنحل :1/244) .
ـ وتعجب من قول ابن تيمية نفسه :فإن المجوس القائلين بخالق لنفع و رب مبدع للمضرة سؤالهم عن علة السر أو قعت أوائلهم فى شبهة الثنوية .اهـ( كتب ورسائل ابن تيمية في العقيدة : 8/248) .
فهل يسمي هؤلاء موحدون توحيد الربوبية مع أنهم يعتقدون في أن الخلق بيد غير الله وإنما لإلهين آخرين وهل جعل شريك مع الله في خلق العالم يسمي صاحب هذا المعتقد موحدا توحيد الربوبية !!!
ـ الصبائية : قوم يقولون إن مدبر هذا العالم وخالقه هذه الكواكب السبعة والنجوم فهم عبدة الكواكب ولما بعث الله إبراهيم  كان الناس على دين الصبائية فاستدل إبراهيم  عليهم في حدوث الكواكب كما حكى الله تعالى عنه في قوله "لا أحب الآفلين" واعلم أن عبادة الأصنام أحدث من هذا الدين لأنهم كانوا يعبدون النجوم عند ظهورها ولما أرادوا أن يعبدوها عند غروبها لم يكن لهم بد من أن يصوروا الكواكب صورا ومثلا فصنعوا أصناما واشتغلوا بعبادتها فظهر من ههنا عبادة الكواكب.اهـ (اعتقاد فرق المسلمين والمشركين : 1/90)
ـ الدهرية : قال الإمام ابن الجوزي : قال المصنف قد أوهم إبليس خلقا كثيرا أنه لا إله ولا صانع وأن هذه الأشياء كانت بلا مكون وهؤلاء لما لم يدركوا الصانع بالحس ولم يستعملوا في معرفته العقل جحدوه.. إنما تمكن إبليس من التلبيس على الفلاسفة من جهة أنهم انفردوا بآرائهم وعقولهم وتكلموا بمقتضى ظنونهم من غير التفات إلى الأنبياء فمنهم من قال بقول الدهرية أن لا صانع للعالم. تلبيس إبليس ( 1/55/59) .
ـ وقال أهل السنة ان علوم الناس وعلوم سائر الحيوانات ثلاثة انواع علم بديهى وعلم حسى وعلم استدلالى وقالوا من جحد العلوم البديهية او العلوم الحسية الواقعة من جهة الحواس الخمس فهو معاند ومن انكر العلوم النظرية الواقعة عن النظر والاستدلال نظر فيه فان كان من السمنية المنكرة للنظر في العلوم العقلية فهو كافر ملحد وحكمه حكم الدهرية لقوله معهم بقدم العالم وانكار الصانع مع زيادته عليهم القول بابطال الاديان كلها .اهـ (الفرق بين الفرق :1/311) .
ـ وقال ابن حزم : باب الكلام على من قال بأن العالم لم يزل وأنه لا مدبر له قال أبو محمد رضي الله عنه لا يخلو العالم من أحد وجهين أما أن يكون لم يزل أو أن يكون محدثا لم يكن ثم كان فذهبت طائفة إلى أنه لم يزل وهم الدهرية . (الفصل في الملل :1/15) .
ـ وقال ابن الجوزى : ذكر تلبيسه على الفلاسفة وتابعيهم إنما تمكن إبليس من التلبيس على الفلاسفة من جهة أنهم انفردوا بآرائهم وعقولهم وتكلموا بمقتضى ظنونهم من غير التفات إلى الأنبياء فمنهم من قال بقول الدهرية أن لا صانع للعالم حكاه النوبختي وغيره عنهم . اهـ (تلبس إبليس : 1/59) .
ـ كما اشتهرت الحضارة المصرية القديمة بأنها حضارة وثنية تعتمد علي تعدد الآلهة فهناك إله للنماء وإله للخصب وإله للنيل وإله للبعث وإله للحياة …الخ.فهل يسمي من يعتقد في إله أنه إله الخصب أو النماء أو البعث أو الحياة أن يقال عنه أنه قد وحد الله توحيد الربوبية وهل الخصب والنماء والحياة والبعث من الربوبية أم من الألوهية عند من قسم التوحيد ؟!!!
ـ والنمروذ : وقد كان حقبة تاريخية من حقب التاريخ البشري عندما ناظره إبراهيم  فيما حكى الله عنهما ( إذ قال إبراهيم ربيّ الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت ) فهل مقولته تلك منازعة في الربوبية أم سيسميه مقسم التوحيد موحدا ؟ وهل الإحياء والإماتة عند مقسمها من الربوبية أم من الألوهية ؟!!!
ـ وفرعون عندما قال فيما حكي الله عنه ( أنا ربكم الأعلى ) أفتراه قد وحد توحيد الربوبية أم أنه قد نازع فيه بل ادعى أنه هو الرب الأعلى من رب موسى سبحانه وتعالي عما قال .
ـ وما هو الحال عندما أمر قومه بعبادته باستدلاله علي هذه الأحقية بكونه كما حكى الله عنه ( أليس لي ملك مصر وهذه النهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين … فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين )
فهل استدلاله بالملك منازعة في الربوبية أم في الألوهية عند من قسمها وهل يُسمي قومُه موحدين توحيد الربوبية وهم قد أطاعوه فيما ادعاه لنفسه من الملك الذي لا تتم الربوبية إلا به ؟!!!
والأمثلة من التاريخ أكثر من أن تحصى في إبطال هذه الدعوى .
موقف القرآن من دعوى أن الشرك لم يقع في الربوبية
ـ قال تعالى : "قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون ، وقال تعالى : "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون " ، وقال تعالى : "الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون " ، وقال تعالى : " وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود" ، وقال تعالى : كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود " وقال يةسف  كما حكى الله تعالى قوله : "
يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار " ، وقال تعالى : " وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" وقال تعالى : " قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار ، وقال تعالى : "مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد
ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ، وقال تعالى : " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا" وقال تعالى : " لكن هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا " وقال تعالى : " وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا" وقال تعالى : " هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم" وقال تعالى : " يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب" وقال تعالى : " والذين هم بربهم لا يشركون" وقال تعالى : " ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا" وقالوا : " إذ نسويكم برب العالمين" وقال تعالى : " وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير" وقالوا : " يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا" وقال : " قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا" وقال : فقال أنا ربكم الأعلى ، وقال : وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا لم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا " وقال : الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا" وقال : "يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد " . وغيرها كثير .
فهذه الآيات كما تري تقطع بوقوع الشرك والكفر في الربوبية بل تنص علي أن أصل الشرك لا يكون إلا في الربوبية كما يظهر من قوله تعالي ( بربهم يعدلون ) (وكان الشيطان لربه كفورا ) (إذا فريق منكم بربهم يشركون ) ( والذين هم بربهم لا يشركون ) .
ـ فهذه الآيات كما ترى تبين وقوع الشرك في الربوبية ثم تفسر بعض الآيات هذا الشرك وتوضحه وتجليه بصوره المختلفة فكما أن الكفر بمعني واحدٍ من معاني الربوبية هو في الحقيقة كفرٌ بالربوبية بالكلية مع أن اعتقاد المعتقد قد يكون بالإقرار بمختلف معاني الربوبية كما يظهر من قوله تعالي ( لكن هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا … وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا) فهذا الذي أقر بأنه أشرك في ربوبية الله إنما كان شركه وكفره بإنكاره البعث ومع هذا سماه الله مشركا في ربوبيته وقد كان مقرا بأن الله هو الخالق الرازق المدبر … مما يقطع بأن معاني الربوبية أوسع وأشمل مما أراده ابن تيمية وأصّل مذهبه علي أساسه .
ـ وفي قوله تعالي (يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) هل يقول أحد بأن القوم كانوا موحدين توحيد الربوبية لذلك أنكر عليهم يوسف  تعديدهم للأرباب أم أن الذي تقرره الآية أن القوم كانوا مشركين في الربوبية ولذلك أنكر عليهم يوسف  وإلا لكان لغوا من الخطاب ينزه عنه نبي الله يوسف  وينزه كتاب الله عن حكايته.
ـ قال القرطبي ( أأرباب متفرقون أي في الصغر والكبر والتوسط أو متفرقون في العدد "خير أم الله الواحد القهار" وقيل الخطاب لهما ولأهل السجن وكان بين أيديهم أصنام يعبدونها من دون الله تعالى فقال ذلك إلزاما للحجة أي آلهة شتى لاتضر ولا تنفع خير أم الله الواحد القهار الذي قهر كل شيء نظيره "آلله خير أما يشركون" " أأرباب متفرقون" أي في الصغر والكبر والتوسط أو متفرقون في العدد خير أم الله الواحد القهار وقيل الخطاب لهما ولأهل السجن وكان بين أيديهم أصنام يعبدونها من دون الله تعالى فقال ذلك إلزاما للحجة أي آلهة شتى لاتضر ولا تنفع خير أم الله الواحد القهار الذي قهر كل شيء نظيره آلله خير أما يشركون) . القرطبي (9/192) .
ـ وقال الطبري( وقوله أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار يقول أعبادة أرباب شتى متفرقين وآلهة لا تنفع ولا تضر خير أم عبادة المعبود الواحد الذي لا ثاني له في قدرته وسلطانه الذي قهر كل شيء فذلله وسخره فأطاعه طوعا وكرها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . الطبري (12/219)
ـ وأما قول ابن بتيمة :وهذا التوحيد يعني توحيد الربوبية لم يذهب الى نقيضه طائفة معروفة من بني آدم ولم يعرف عن أحد من الطوائف أنه قال إن العالم له صانعان متماثلان في الصفات والأفعال والحاصل أنهم لا يقولون خالق الخلق ثلاثة بل واحد بالذات والله اعلم والمقصود هنا أنه ليس في الطوائف من يثبت للعالم صانعين متماثلين . اهـ (شرح قصيدة ابن القيم (1/365)
ـ فسأتركه هو يجيب علي نفسه بنفسه قال ابن تيمية : وأما النوع الثانى فالشرك فى الربوبية فإن الرب سبحانه هو المالك المدبر المعطى المانع الضار النافع الخافض الرافع المعز المذل فمن شهد أن المعطى أو المانع أو الضار أو النافع أو المعز أو المذل غيره فقد أشرك بربوبيته)كتب ورسائل ابن تيمية في العقيدة (1/92) .
ـ فانظر وتأمل وافهم واسأل نفسك هل يلزم المشرك في الربوبية أن يدعى مع الله صانعا آخر مماثلا له في كل شيء؟ وهل يسمى من أنكر أي شيء من ربوبية الله أو زعم أن غيرَه مشاركٌ له فيها هل يسمى موحداً توحيد الربوبية ؟ وهل مشركي العرب باعتقادهم الضر والنفع الحقيقي لغير الله هل يقول عاقل أنهم موحدون لله في الربوبية ؟!!! وفي قوله تعالي : "لم يكن له شريك في الملك " ."يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه " " إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا "و "أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه" .
ـ فهل هذا الذي يقرره الحق سبحانه من نفي الشريك له في الملك ودفع كون آلهتهم تضر وتنفع وهي غير قادرة علي الخلق وغيره إلا لقوم يعتقدون في آلهتهم أنها قادرة وأنها تضر وتنفع وتعطي وتمنع وهي مالكة ومدبرة وإلا لكان هذا الخطاب من حق المشركين أن يحجوا محمدا  فيقولوا له من قال لك أننا نعتقد في آلهتنا ما تقول من أنها تضر وتنفع وأنها تملك وأنها قادرة إنها عاجزة ولهذا عبدناها فهل كان هذا حال المشركين الذين قاتلوا رسول الله صلي الله عليه وسلم السنوات الطوال وأخرجوه من بلده لما سبّ آلهتهم بوصفها بالعجز وسفه أحلامهم لما بين لهم حقيقة ما يعبدون هل يقال في مثل من يعتقد هذا الاعتقاد أنه قد وحد الباري سبحانه وهل ما خاطبهم به القرآن إلا لاعتقادهم في آلهتهم ما بينه القرآن وهل كل ما تقدم من الربوبية عند مقسمها أم من الألوهية ؟ أم أن كل هذه الأمثال التي يضربها القرآن لغوا من البيان لقوم هم أفصح الناس بيانا وأسرعهم فهما وأقواهم فطنة .
ـ ثم تأمل في قوله تعالي:" تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين " : المشركون يعترفون بأنهم كانوا يسوون آلهتهم برب العالمين أي أن التسوية كانت في الربوبية وإلا لكان إيراد الآية هذا الإيراد لا مفهوم له إذ كيف يكونون قد سووا الله بغيره علي سبيل العبادة فقط(الألوهية) عند من قسم التوحيد ثم يقولون برب العالمين ويحكي ذلك القرآن عنهم ولا يتعرض لإبطاله كما هي طريقة القرآن في كل قول منكر إلا أن تكون التسوية كما بينها القرآن حقا في الربوبية لذلك لم يتعرض لإبطاله ولا للرد عليها ومن هذا يتبن لك ضعف حجية من قسم التوحيد وعدم تمعنه في ألفاظ الكتاب الكريم الذي أنزل هداية للعالمين فهو معجز في كل لفظ لمن تدبره بعناية ولم يفعل كمن قسم التوحيد الذي التمس آيتين من هاهنا ومثلهم من هناك ثم جلس يقرر وينظر كما يشاء .
ـ ثم تدبر في قول فرعون لما قال له نبي الله موسى  :" وأهديك إلي ربك فتخشى "قال مجيبا له ومنكرا عليه ما دعاه إليه :"أنا ربكم الأعلى " فهل يقال إن فرعون والحالة هذه كان ممن يوحد توحيد الربوبية أم يقال أنه نازع الله فيها ؟ بل الأولى والأحرى وهو الصواب أن يقال أنه قد فاق كل ذلك وادعى أنه هو رب من أرسل موسى .
ـ ومن موقف القرآن الذي رأيته جليا هل تقول أن ابن تيمية أصاب في دعواه أم أخطاء أم ستقول أنه لا يخطئ فتدعي له العصمة وترفعه لمصاف الأنبياء المعصومين مع أن ابن تيمية نفسه قد نازع في عصمة الأنبياء !!!
ـ ونعود فنسأل مما تقدم من الآيات هل يسمى موحدا من أنكر البعث كما فعل صاحب سورة الكهف ؟ هل يسمي موحدا من أعتقد الضر والنفع الحقيقي لكائن أيما كان ؟ وهل تبين لك وقوع الشرك في الربوبية أم لا ؟وما قولك فيما حكي الله عن المشركين من قوم هود  (إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ) .
ـ قوله تعالى :"إن نقول إلا اعتراك" : أي أصابك بعض آلهتنا أي أصنامنا بسوء أي بجنون لسبك إياها ، عن ابن عباس وغيره : يقال عراه الأمر واعتراه إذا ألم به. القرطبي (9/51) .
ـ اعتراك بعض آلهتنا بسوء أي ما هذا الذي جئتنا به إلا جنون أصابك به بعض آلهتنا هذه التي تعيب. الطبري (8/218) .
ـ عن قتادة قوله إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إنما تصنع هذا بآلهتنا أنها أصابتك بسوء قال سمعت الضحاك يقول في قوله إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء يقولون نخشى أن يصيبك من آلهتنا سوء ولا نحب أن تعتريك يقولون يصيبك منها سوء قال ابن زيد في قوله إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء يقولون اختلط عقلك فأصابك هذا مما صنعت بك آلهتنا . الطبري (12/58) .
ـ وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قول قوم هود أنهم قالوا له إذ نصح لهم ودعاهم إلى توحيد الله وتصديقه وخلع الأوثان والبراءة منها لا نترك عبادة آلهتنا وما نقول إلا أن الذي حملك على ذمها والنهي عن عبادتها أنه أصابك منها خبل من جنون فقال هود لهم "إني أشهد الله" على نفسي "وأشهدكم" أيضا أيها القوم "أني بريء مما تشركون" في عبادة الله من آلهتكم وأوثانكم من دونه " فكيدوني جميعا" يقول فاحتالوا أنتم جميعا وآلهتكم في ضري ومكروهي "ثم لا تنظرون ": يقول ثم لا تؤخرون ذلك فانظروا هل تنالونني أنتم وهم بما زعمتم أن آلهتكم نالتني به من السوء وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . الطبري (12/59) .
ـ فقد رأيت ما يعتقدونه في آلهتهم من قدرتها علي الضر وإصابة أعدائها بالمكروه .
ـ وإن أردت التعجب فتعجب من قول ابن تيمية نفسه (وأما النوع الثانى فالشرك فى الربوبية فإن الرب سبحانه هو المالك المدبر المعطى المانع الضار النافع الخافض الرافع المعز المذل فمن شهد أن المعطى أو المانع أو الضار أو النافع أو المعز أو المذل غيره فقد أشرك بربوبيتة … ولهذا يجعلون فرعون من كبار العارفين المحققين وأنه كان مصيبا فى دعواه الربوبية فهذا عند الخاصة والعامة أبين من أن يستدل عليه بدليل فإنه لم يكفر أحد بالله ويدعى لنفسه الربوبية والإلهية مثل فرعون .. وقد ثبت فى صحيح مسلم عن النواس بن سمعان أن النبى لما ذكر الدجال ودعواه الربوبية قال واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت وروى هذا المعنى عن النبى  من وجوه أخرى متعددة حسنة فى حديث الدجال فإنه لما ادعى الربوبية … فموسى قاتل فرعون الذى يدعى الربوبية .اهـ(كتب ورسائل ابن تيمية في العقيدة (1/92وما بعدها) .
ـ وكل ما تقدم يبطل الأصل الأول الذي أصله ابن تيمية والذي ادعى فيه عدم وقوع الشرك في الربوبية في الأمم السابقة .
الأصل الثاني عند من قسم التوحيد
ـ وهو قوله بأن مشركي العرب كانوا يقرون بتوحيد الربوبية ولذلك لم يناقشهم الرسول  فيه وإنما انطلق إلى دعوتهم إلي النوع الثاني من التوحيد ألا وهو توحيد الألوهية وهو عنده إفراد الله وحده بالعبادة وهو الذي من أجله أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وهو الذي عليه حارب رسول الله المشركين فسبى نساءهم وسفك دماءهم واستباح أموالهم وعليه فلا يتم التوحيد ولا ينعقد إلا بهذا النوع الثاني لأن الأول لا نزاع فيه عند المشركين .
مناقشة هذا الأصل
ـ إن القول بأن مشركي العرب كانوا يوحدون الله توحيد الربوبية قولٌ عارٍ عن التحقيق بل يستدعي من المحقق المنصف التعجب والاستغراب لأن مشركي العرب لم يكونوا ـ كما حاول ابن تيمية تصوير ذلك ـ موحدين لله لا في ربوبية ولا في ألوهية بل كان شركهم فيهما معا بل إن المشركين من العرب لم يكونوا علي اعتقاد واحدٍ يربطهم بل كانوا مشتتي العقائد متنوعي الطرائق فمنهم علي سبيل المثال :
1ـ من كان يعتقد أن الذي يصرّف الكون عدة آلهة كل واحد منها له تصرف في شيء معين ولكن لهم جميعا كبير هو الذي إليه المرجعية عند التنازع والتدافع وعلي هذه العقيدة كان عامة المشركين من العرب في الجاهلية كما حكى الله سبحانه وتعالي عنهم قال تعالي :" قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلي ذي العرش سبيلاً سبحانه وتعالي عما يقولون علوا كبيرا تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا" وهذه الطائفة التي عناها سبحانه بقوله:" والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلي الله زلفى" أي ما نعبد هذه الآلهة إلا لتقربونا إلي كبيرهم الذي هو الله علي حسب اعتقادهم .
2ـ طائفة أخرى كانت تعتقد أن الذي يصرّف الكون عدة آلهة متساوية في القوة والقدرة والتدبير يصرّفون الكون فيما بينهم فلا يطغى أحد منهم على ما يخص الآخر وهم الذين عناهم الله سبحانه وتعالي بقوله :" تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين" وهم الذين قالوا لرسول الله  "أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق" .
3ـ طائفة أخرى ممن حجهم رسول الله  وهي طائفة إنكار البعث والنشور وإنكار الخالق سبحانه وتعالي وهم الدهريون الذين كانوا يقولون لرسول الله  إن هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع وما يهلكنا إلا الدهر وهم الذين عناهم القرآن بقوله "وقالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون " "أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون " "وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون " .
ـ قال ابن كثير(4\254) : يخبر تعالى عن قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا أي ما ثم إلا هذه الدار يموت قوم ويعيش آخرون وما ثم معاد ولا قيامة وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون المعاد وتقوله الفلاسفة الإلهيون منهم ينكرون البداءة والرجعة وتقوله الفلاسفة الدهرية الدورية المنكرون للصانع المعتقدون أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه وزعموا أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى فكابروا المعقول وكذبوا المنقول ولهذا قالوا وما يهلكنا إلا الدهر قال الله تعالى وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون أي يتوهمون ويتخيلون .
4ـ وطوائف أهل الكتاب من يهود ونصارى والذين بدلوا ما أنزل الله إليهم وحرفوا وغيروا وهم أيضا لم يكونوا طائفة واحدة ولا ملة واحدة فمنهم من قال ببنوة المسيح وأنه ابن لله ومنهم من كان يرى أن الله ثالث ثلاث وهو ما يسمى عندهم بالأقانيم الثلاثة الابن والأب والروح القدس .
ـ قال صاحب الإعلام: هذا صاحب كتاب المسائل يقول هذه الثلاثة الأقانيم متوحدة لأجل الآب متساوية لأجل الإبن منتظمة الروح فنؤمن أن الأب أب لأجل أنه ذو ابن والإبن ابن لأنه ذو أب والروح القدس منبثق لأنه من الآب والإبن فالأب أصلية الإلهية لأنه كما لا يخلو قط أن يكون إلها كذلك لم يخلو قط أن يكون أبا الذي الإبن منه مولود والذي الروح القدس منه ليس مولودا لأنه ليس ابنا ولا غير مولود لأنه ليس مخلوقا لأنه ليس من شيء بل إله منبثق من الآب والإبن إله وأقنوم الآب غير أقنوم الإبن وأقنوم الإبن غير أقنوم الروح القدس لكن التثليث المقدس ذات واحدة إلهية واحدة وهذا تصريح بأن الأقانيم آلهة وإن كان واحد منها غير الآخر .اهـ (الإعلام بما في دين النصارى :1/81).
ـ وأيضا فإنهم يضيفون إلى ذكرهم الأب والإبن وروح القدس شيئا رابعا وهو الكلمة وهي المتحدة عندهم بالإنسان الملتحمة به في مشيمة مريم عليها السلام فإن أمانتهم التي أتفقوا عليها كلهم هي كما نورده نصا نؤمن بالله الأب مالك كل شيء صانع ما يرى وما لا يرى وبالرب الواحد يسوع المسيح بكر الخلائق كلها وليس بمصنوع ، الإله حق من الإله حق ، من جوهر أبيه الذي بيده اتقنت العوالم وخلق كل شيء الذي من أجلنا معشر الناس ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من روح القدس وصار إنسانا وولد من مريم البتول وألم وصلب أيام قيطوش بلاطش ودفن وقام وفي اليوم الثالث كما هو مكتوب وصعد إلى السماء . الفصل في الملل (1/53).
ـ ومنهم من قال ظهر الاهوت بالناسوت فصار الناسوت المسيح مظهر الجوهر لا على طريق حلول جزء فيه ولا على سبيل اتحاد الكلمة التى هى فى حكم الصفة بل صار هو هو وهذا كما يقال ظهر الملك بصورة انسان او ظهر الشيطان بصورة حيوان وكما اخبر التنزيل عن جبريل  "فتمثل لها بشرا سويا" وزعم اكثر اليعقوبية ان المسيح جوهر واحد اقنوم واحد او زعموا ان الكلمة اتحدت بالانسان الجزئى لا الكلى ولربما عبروا عن الاتحاد بالامتزاج والادراع والحلول كحلول صورة الانسان فى المرآة المجلوة واجمع اصحاب التثليث كلهم على ان القديم لا يجوز ان يتحد بالمحدث الا ان الاقنوم الثانى الذى هو الكلمة اتحدت دون سائر الاقانيم . الملل والنحل (1/226) .
ـ ومنهم من يعتقد أن المسيح هو الله نفسه وقد ذكر الله هذه الطوائف فيما أنزل علي رسوله الكريم موضحا لعقائدهم كما في قوله تعالي ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ) وقال ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ) وقال عنهم ( وقالوا اتخذ الرحمان ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ) وقد قالت بهذه المقولة أيضا طائفة من مشركي العرب الذين قالوا عن الملائكة أنها بنات الله قال تعالي (ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون) (فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون ) ( أصطفى البنات على البنين ) ( أم له البنات ولكم البنون ) ( ومن العجب أن عند الصابئة أكثر الروحانيات قابلة منفعلة وإنما الفاعل الكامل واحد وعن هذا صار بعضهم إلى أن الملائكة إناث وقد أخبر التنزيل عنهم بذلك وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ) الملل والنحل (2/14)
وفعلت قبلهم طوائف من اليهود كما قال الله عنهم ( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنا يؤفكون ) .
وكل هذه العقائد المختلفة كما ترى وغيرها الكثير جدا كانت عليها جاهلية العرب ومن نزل إليهم القرآن الكريم إلا أنك تجد أنها تجتمع في أصل واحد وهو عدم توحيد الباري سبحانه بل علي النقيض تماما تجد الشرك في أخص خصائص الله سبحانه وهو ربوبيته .
ـ قال الإمام ابن الجوزي : مدار ذكر تلبيسه على الجاهلية : قال المصنف ذكرنا كيف لبس عليهم في عبادة الأصنام ومن أقبح تلبيسه عليهم في ذلك تقليد الآباء من غير نظر في دليل كما قال الله عز وجل :"وإذا قيل لهم أتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباءهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون" المعنى: أتتبعونهم أيضا وقد لبس إبليس على طائفة منهم فقالوا بمذاهب الدهرية وأنكروا الخالق وجحدوا البعث الذين قال الله سبحانه فيهم ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيى وما يهلكنا إلا الدهر وعلى آخرين منهم فأقروا بالخالق لكنهم جحدوا الرسل والبعث وعلى آخرين منهم فزعموا أن الملائكة بنات الله وأمال آخرين منهم إلى مذهب اليهود وآخرين إلى مذهب المجوس وكان في بني تميم منهم زرارة بن جديس التميمي وابنه حاجب )(1/80).
ـ فكيف يتغافل الباحث المنصف عن كل هذا وهو معلوم بالضرورة لمجرد أن ابن تيمية قال خلافه فهذا من التعصب الممقوت لدى السلف ومن الغلو في الرجال الذى حذر من أئمة أهل السنة بل وابن تيمية نفسه حذر من هذا الغلو .
ـ وبعد تقرير ما تقدم لا بد من بيان أن ما أصل له ابن تيمية من مذهبه هو تفسيره القائل بأن الإله ليس هو المخترع ( يعني الخالق ) وإنما هو المعبود قال ابن تيمية في الفتاوى (3\101) : (وليس المراد بالاله هو القادر على الإختراع …بل الإله الحق هو الذى يستحق بأن يعبد فهو إله بمعنى مألوه لا إله بمعنى آله والتوحيد أن يعبد الله وحده لا شريك له والإشراك أن يجعل مع الله إلها آخر )كتب ورسائل ابن تيمية (3/101)
مناقشة هذا الفرع من الأصل الثاني
ـ إن تفسير لفظ الإله بمعنى المعبود قد يكون مقبولا ولكن الذي ليس بمقبول هو حصره في هذا المعنى وحده بل وإبطال ما سواه من المعاني الأخرى ككون الإله بمعنى الخالق المخترع وهذا على غير حقيقة لفظ الإله أعني ( تفسيره بهذا المعنى الضيق وهو المعبود )
القرآن واستعماله لفظ الإله بمعنى المخترع والخلق :
استعمل القرآن لفظ الإله بمعنى المخترع كما يظهر من قوله تعالى:" ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض "
ـ قال الشيخ الفقيه أبو طاهر في كتاب صنفه لرضوان هذا فيه الرد على الإمامية يقال له "كفاية المقتصد ونهاية المجتهد" قرأته عليه رضي الله عنه وهو كتاب مفيد جدا أودع مناظرته معه في هذا الكتاب يقول فيه سألته عن خلق الأفعال التي تصدر عن العباد أهي خلق الله أو خلق لهم قال رضي الله عنه فسألته بلفظ القرآن لعله يتنبه أو يستحي فقلت له هل من خالق غير الله ففكر ساعة ثم قال الله خالق أفعاله والانسان خالق أفعاله قال فقلت انفرد الانسان لخلق أفعاله واستبد بها قال نعم قال فقلت له يا هذا لقد أشركت بالله فقال ومن أين أشركت بالله وتطاول لها رضوان وأصغى إلى ما ألقي فقلت من جملة أفعال الانسان وهو أشرف من سائر المخلوقات كلها الجواهر وبقية الأعراض فقد صار ما خلقه الانسان أشرف مما خلقه الله تعالى والله يقول "ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم عل بعض سبحان الله عما يصفون" وإذا كان الإنسان هو خالق الإيمان وهو أفضل واشرف من بقية المخلوقات فقد ذهب الانسان بما خلق وذهب الله بما خلق وعلا الإنسان على رب العباد جل ذلك الجلال أن توزن صفاته بميزان عقل الإمامية واهل الاعتزال فتأمل راشدا هذا السؤال وهذا الجواب وهذا الإفحام في هذا المقام .حز الغلاصم (1/29)
ـ قال الإمام الطبري فى تفسيره (18/49) :وقوله "ما اتخذ الله من ولد" يقول تعالى ذكره : ما لله من ولد ولا كان معه في القديم ولا حين ابتدع الأشياء من تصلح عبادته ولو كان معه في القديم أو ثم خلقه الأشياء من تصلح عبادته من إله إذا لذهب يقول إذن غبطت كل إله منهم بما خلق من شيء فانفرد به أحزنني ..
ـ وقال ابن كثير فى تفسيره (3 /255): ينزه تعالى نفسه عن أن يكون له ولد أو شريك في الملك والتصرف والعبادة فقال تعالى ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض أي لو قدر تعدد الآلهة لا نفرد كل منهم بما خلق فما كان ينتظم الوجود والمشاهد أن الوجود منتظم متسق كل من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال ماترى في خلق الرحمن من تفاوت ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه فيعلو بعضهم على بعض .
ـ وفي تفسير الجلالين (1/454): ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا أي لو كان معه إله لذهب كل إله بما خلق انفرد به ومنع الآخر من الاستيلاء عليه ولعلا بعضهم على بعض مغالبة كفعل ملوك الدنيا سبحان الله تنزيها له عما يصفون ه به مما ذكر .
ـ وقال الإمام البيهقي فى الاعتقاد (1/43) : ثم يعلم استغناء المصنوع بصانع واحد وعلو بعضهم على بعض وما يدخل من الفساد في الخلق أن لو كان معه آلهة فيستدل بذلك على أنه إله واحد لا شريك له كما قال عز من قائل ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يصفون .اهـ
ـ وقال الطبرى فى تاريخه (10/36 ) : لأن المختلفين فعل كل واحد منهما خلاف فعل صاحبه بأن أحدهما إذا أحيا أمات الآخر وإذا أوجد أحدهما أفنى الآخر فكان محالا وجود شيء من الخلق على ما وجد عليه من التمام والاتصال وفي قول الله عز وجل ذكره لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون 1 وقوله عز وجل ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون أبلغ حجة وأوجز بيان وأدل دليل على بطول ما قاله المبطلون من أهل الشرك بالله وذلك أن السموات والأرض لو كان فيهما غير الله لم يخل أمرهما مما وصفت من اتفاق واختلاف .اهـ
ـ وإذا تدبرت في قوله تعالي " ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " ينكر تعالى من اتخذ من دونه آلهة فقال أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون أي أهم يحيون الموتى وينشرونهم من الأرض أي لا يقدرون على شيء من ذلك فكيف جعلوها لله ندا وعبدوها معه ثم أخبر تعالى أنه لو كان في الوجود آلهة غيره لفسدت السموات والأرض فقال لو كان فيهما آلهة أي في السموات والأرض لفسدتا كقوله تعالى "ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون وقال هاهنا فسبحان الله رب العرش عما يصفون " أي عما يقولون إن له ولدا أو شريكا سبحانه وتعالى وتقدس وتنزه عن الذي يفترون ويأفكون علوا كبيرا .(انظر تفسير ابن كثير : 3/176)
ـ لو كان فيهما : أي السماوات والأرض آلهة إلا الله أي غيره لفسدتا أي خرجتا عن نظامهما المشاهد لوجود التمانع بينهم على وفق العادة ثم تعدد الحاكم من التمانع في الشيء وعدم الاتفاق عليه فسبحان تنزيه الله رب خالق العرش الكرسي عما يصفون الكفار الله به من الشريك له وغيره . (تفسير الجلالين :1/422) .
ـ قال البيهقي رحمه الله فى شعب الإيمان (1/29) : فإن قال قائل وهل في العقل دليل على أن محدثها واحد قيل نعم وهو استغناء الجميع في حدوثه بمحدث واحد والزيادة عليه لا ينفصل منها عدد من عدد ولأنه لو كان للعالم صانعان لكان لا يجري تدبيرهما على نظم ولا على إحكام كما قال الله عز وجل لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله ولكان العجز يلحقهما أو أحدهما وذلك أنه لو أراد أحدهما أحياء جسم وأراد الآخر إماتته كان لا يخلو من أن يتم مرادهما وهذا مستحيل أو لا يتم مرادهما أو مراد أحدهما دون صاحبه ومن لم يتم مراده كان عاجزا والعاجز لا يكون إلها قديما وعبارة أخرى وهي أن حال الاثنين لا يخلو من صحة المخالفة أو تعذر المنازعة فإن صحت المخالفة أو تعذرت المنازعة بأن صحت المخالفة كان الممنوع من المراد موصوفا بالقهر وإن تعذرت المنازعة كان كل واحد منهما موصوفا بالنقص والعجز وذلك يمنع من التثنية وقد دعانا الله عز وجل إلى توحيده في غير موضع من كتابه بما أرانا من الآيات وأوضح لنا من الدلالات.
ـ وفى فيض القدير( 1/506) : عن أبي هريرة  : أسست السماوات السبع أي بنيت والأراضون السبع على قل هو الله أحد أي لم تخلق إلا لتدل على توحيد الحق ومعرفة صفاته ومن أين لأحد من البشر أن يتخذ على مثالها أو ينسج على منوالها وقيل المراد أن التوحيد أصل لكل شيء في عالم الغيب والشهادة لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا (الأنبياء 22 )ولولا الوحدانية لما تكونت السماوات والأرض على هذا الوجه المحكم المتقن ولكانت فاسدة كبناء بغير أساس . اهـ
ـ وفى الإحكام لابن حزم (1/28) : وعلمنا الحجة على الثنوية بقوله تعالى :"لو كان فيهما آلهة إلا لله لفسدتا فسبحان لله رب لعرش عما يصفون" الذين ادعوا أن للعالم خالقين وأن له صانعين أحدهما إله النور والآخر إله الظلمة .
ـ ومن كل ما رأيت يتبين لك أن تفسير لفظ الإله بأنه ليس هو القادر علي الخلق والاختراع تفسير لا يتفق مع الحقيقة القرآنية البينة لمن تدبر وتعقل وأعود مذكرا لك بالقاعدة السابق ذكرها والتي تتفق وتتناسق مع ما أسسه القرآن من قواعد وأصول ليهدم بها ما بناه أهل الشرك من معتقدات .
قاعدة
الشرك لا يقع إلا فى االربوبية
ـ فاحفظ هذه القاعدة عن ظهر قلب أن الشرك لا يقع أصلا إلا في الربوبية حتى علي تقسيم من قسم التوحيد أعني (اعتقاد العابد في معبوده القدرة والضر والنفع والملك …الخ وهذه من خصائص الربوبية عند من قسم التوحيد .
ـ أخرج الحاكم عن كريب مولى بن عباس عن بن عباس رضي الله عنهما قال ثم بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة إلى رسول الله  فقدم علينا فأناخ بعيره على باب المسجد فعقله ثم دخل على رسول الله  وهو في المسجد جالس مع أصحابه فقال أيكم بن عبد المطلب ؟ فقال رسول الله  : أنا بن عبد المطلب ، فقال: محمد؟ قال : نعم ، قال : يا محمد أني سائلك ومغلظ عليك في المسألة فلا تجدن علي في نفسك فإني لا أجد في نفسي ، قال : سل عما بدا لك ، قال : أنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله بعثك إلينا رسولا ؟ قال : اللهم نعم ، قال : أنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله أمر التابعين أن نعبده ولا نشرك به شيئا وأن نخلع هذه الأوثان والأنداد التي كان آباؤنا يعبدون ؟ فقال  : اللهم نعم ، ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة الصلاة والزكاة والصيام والحج وفرائض الإسلام كلها ينشده ثم كل فريضة كما أنشده في التي كان قبلها حتى إذا فرغ قال فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه لا أزيد ولا أنقص ثم انصرف راجعا إلى بعيره فقال رسول الله  حين ولى إن يصدق ذو العقيصتين يدخل الجنة .
ـ وكان ضمام رجلا جلدا أشعر ذا غديرتين ثم أتى بعيره فأطلق عقاله حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه فكان أول ما تكلم به وهو يسب اللات والعزى فقالوا مه يا ضمام اتق البرص والجذام والجنون فقال ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان إن الله قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا إستنقذكم به مما كنتم فيه وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإني قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه فوالله ما أمسى ذلك اليوم من حاضرته رجل ولا امرأة إلا مسلما قال بن عباس رضي الله عنهما فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه وقد اتفق الشيخان على إخراج ورود ضمام المدينة ولم يسق واحد منهما الحديث بطوله وهذا صحيح.أخرجه الحاكم (3 / 55) واحمد ( 1/ 264) .
ـ بل المشركون لم يفرقوا بين الرب والمعبود قال الإمام ابن الجوزي فى تلبيس إبليس (1/76) :أخبرنا أبو منصور القزاز نا أبو بكر بن ثابت نا عبد العزيز بن علي الوراق نا أحمد بن إبراهيم ثنا يوسف بن يعقوب النيسابوري نا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يزيد بن هرون نا الحجاج بن أبي زينب قال سمعت أبا عثمان النهدي قال كنا في الجاهلية نعبد حجرا فسمعنا مناديا ينادي يا أهل الرحال إن ربكم قد هلك فالتمسوا لكم ربا غيره قال فخرجنا على كل صعب وذلول فبينما نحن كذلك نطلب إذا نحن بمناد ينادي إنا قد وجدنا ربكم أو شبهه .
وقال الإمام أبي الحسن الأشعري فى رسالة أهل الثغر ( 1/175) :من عصمته منهم بقوله تعالى "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس" فعصمه الله منهم مع كثرتهم وشدة بأسهم وما كانوا عليه من شدة عنادهم وعداوتهم له حتى بلغ رسالة ربه تعالى إليهم مع كثرتهم ووحدته وتبري أهله منه ومعاداة عشيرته وقصد جميع المخالفين له حين سفه آرائهم فيما كانوا عليه من تعظيم أصنامهم وعبادة النيران وتعظيم الكواكب وإنكار الربوبية وغير ذلك مما كانوا عليه حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة وأوضح.اهـ
ـ فهل هذا قول قوم لا يعتقدون في تلك الأوثان الضر والنفع؟ وهل الضر والنفع من الألوهية أم من الربوبية عند ابن تيمية؟فهل يعد ابن تيمية هؤلاء موحدين في الربوبية ؟ وهل هؤلاء من مشركي العرب أم ممن ؟وقد تبين لك أن الألوهية من معانيها الخلق والاختراع والتدبير .
ومما يقطع بعدم صحة النظرية التي اعتمد عليها ابن تيمية أن القرآن استعمل الرب بمعنى المعبود وهو نقيض ما ذهب إليه ابن تيمية :
1ـ استعمال القرآن للرب بمعنى المعبود: " ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون" "فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين
فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين" " فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون" " وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون" " وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم" " فإنهم عدو لي إلا رب العالمين" " قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون" " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون" . فهذه الآيات الكريمة تنص نصا صريحا علي استعمال الرب بمعنى المعبود ففي قوله تعالى "ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون " أي معبودات من دون الله وهو معنى الألوهية عند مقسم التوحيد .
ـ فإن قيل : ألا يمكن أن يقال إن أربابا هنا بمعنى الخلق والرزق والقدرة كما هو مذهب من قسم التوحيد ؟ فالجواب بالطبع لا لأن مقسم التوحيد مثبت لامتناع وقوع الشرك والكفر في الربوبية فلو أقر بأن معنى الآية هنا في لفظ الرب الخلق والرزق والقدرة لأبطل مذهبه بالكلية لأنه حينئذ سيكون قد أقر بوقوع الشرك في الربوبية وهو نقيض مذهبه وإن سلم بأن معنى الرب هاهنا في الآية وفي مثيلاتها المعبود فقد أبطل تقسيمه للتوحيد بالكلية لأن الألوهية حينئذ لن تكون هي الخاصة بالعبادة بل شاركتها فيها الربوبية وحينئذ سينفض السوق ويلتئم الشمل ولن يكون هناك تقسيم لما وحده الله فالآية كما ترى في جميع الأحوال ضد مذهبه وتصادمه .
ـ وتأمل في قوله تعالى ( قال أفرأيتم ماكنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ) فالرب هاهنا بالقطع لابد وأن يكون بمعنى المعبود وإلا لصار الاستثناء غير ذي جدوى فبطل المعنى بالكلية لأن تقدير الآية هذه المعبودات التي تعبدونها مع ربي عدوة لي لكن المعبود الحقيقي لي هو ربي الذي من صفات ربوبيته التي من أجلها يستحق العبادة أنه خلقني فهو يهديني والذي هو يطعمني ويسقيني وإذا مرضت فهو يشفيني ..الخ وهذه الآية كقوله تعالي (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) فاستثنى المتقين من عداوة الأخلاء كما استثنى الرب هاهنا من عداوته للمعبودات قال الإمام الطبري( ألا ترى كيف قال إبراهيم أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين قد عرف أنهم يعبدون رب العالمين مع ما يعبدون قال فليس أحد يشرك به إلا وهو مؤمن به ألا ترى كيف كانت العرب تلبي تقول لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ، المشركون كانوا يقولون هذا.( انظر تفسير الطبري : 13 / 79) .فأثبت العبادة للرب وانه نص الآية . قلت : فهذه هي تلبية أهل الشرك تنسب المشاركة لله في الملك فهل الملك من الربوبية أم من الألوهية عند من قسم التوحيد ؟!!!وهل يقال لقائل هذه التلبية إنه كان من الموحدين لله في الربوبية ؟!!!وقوله إلا رب العالمين نصبا على الاستثناء والعدو بمعنى الجمع ووحد لأنه أخرج مثل القعود والجلوس ومعنى الكلام أفرأيتم كل معبود لكم بحرارتها فإني منه بريء لا أعبده إلا رب العالمين . الطبري (19 /84)
وقوله تعالى أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين " (الشعراء : 75 ـ 77 ) استثنى الباري تعالى من جملة ما كانوا يعبدون من الأصنام وغيرها والباري تعالى ليس من جنس شيء من المخلوقات .الأحكام للآمدي (2 / 315 ).
ـ فإن قيل إن الذي يظهر من الآية أن الرب هنا بمعنى الخالق بدليل أن إبراهيم  ذكر ما يناسبه من الخلق والرزق والإحياء والإماتة؟
ـ فالجواب :لا لأن إبراهيم  لما انتهى من إبراز معنى العبادة في الربوبية انتقل إلي معان أخرى من معاني الربوبية وهي الخلق والرزق والإحياء والإماتة وهذا يظهر جليا من قوله  ( فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين
فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين" "فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون" " وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون "قال ياقوم إني برئ مما تشركون" ثم "إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركي"ن أي أخلصت ديني وأفردت عبادتي للذي فطر السموات والأرض أي خلقهما وابتدعهما على غير مثال سبق حنيفا أي في حال كوني حنيفا أي مائلا عن الشرك إلى التوحيد ولهذا قال وما أنا من المشركين وقد اختلف المفسرون في هذا المقام هل هو مقام نظر أو مناظرة. ابن كثير (2/152) .
ـ وأما قول إبراهيم  لقومه إذ رأى الكوكب فلما رأى لقمر بازغا قال هذا ربي فلمآ أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من لقوم لضالين فإنما كانت تقريرا لهم تبكيتا لا استدلالا ومعاذ الله أن يقول إبراهيم بالعبودية لأحد دون الله تعالى ومن كان مثل إبراهيم سبقت له من الله تعالى سابقة علم في انتخابه للرساله والخلة لا يستدل بكبر الشمس على ربوبيتها وهو يرى الفلك أكبر منها فصح أن ذلك توبيخ لهم على فساد استدلالهم في عبادتهم للنجوم .اهـ الأحكام لابن حزم (5/71) .
ـ قلت :وأنت تعرف أن العبادة عند مقسم التوحيد لا تصرف إلا للإله لا للخالق فالخالق الرازق المدبر المعبود عند إبراهيم  وعند غيره من أنبياء الله هو الرب لا يفرقون بين ربوبيته سبحانه وألوهيته إلا من حيث إبراز معاني الجلال والكمال لا على معنى التقسيم والتجزئه.
2ـ الإسلام والإيمان لرب العالمين : "إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين… "قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين" "قالوا آمنا برب العالمين …. فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى""رب موسى وهارون "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين…"ما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين…وأهديك إلى ربك فتخشى
اقرأ هذه الآيات وتذكر معي قول ابن تيمية :
(فإن الرجل إذا أقر بما يستحقه الرب تعالى من الصفات ونزهه عن كل ما ينزه عنه وأقر بأنه وحده خالق كل شيء لم يكن موحدا حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده فيقر بأن الله وحده هو الإله المستحق للعبادة ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له والإله هو المألوه المعبود الذي يستحق العبادة وليس هو الإله بمعنى القادر على الاختراع )
وتعجب كيف يقبل الله من إبراهيم  بل ويأمره بأن يسلم له فيقره علي ذلك ويعده إمام الموحدين بمجرد إقراره بالربوبية بينما يأبى ذلك ابن تيمية ولا يعده توحيدا (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين)
وتعجب أكثر من قوله بأن جميع المشركين كانوا مقرين بتوحيد الربوبية ثم يقبل موسى  دخولهم التوحيد بقولهم (قالوا آمنا برب العالمين …. فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى….رب موسى وهارون ) قوم وهم في الكفر يقرون بربوبية الله فإذا أرادوا دخول التوحيد لم يزيدوا على كونهم أقروا بربوبية الله مرة أخرى وقَبِلَ ذلك منهم نبيُّ الله موسى وسكت على قولهم ولم يقسم لهم التوحيد ويقول لهم أنتم كنتم تقرون بربوبية الله ولكن لكي تصيروا من جملة الموحدين عليكم بالإقرار بألوهية الله فإن من أقر بربوبيته وحدها لم يصر من الموحدين ثم ليس هذا فقط بل يحكي الله ذلك في كتابه ساكتا عليه مقرا له !!! هل يقبل هذا أي باحث منصف ؟ أم سيقول إن القوم كانوا مشركين بربهم فلما جاءهم الحق وحدوه واكتفى منهم بإثبات ربوبيته لأن من أقر بربوبيته فقد أقر بكونه هو وحده المستحق للعبادة . فتأمل
ثم تأمل في قوله تعالى :
(والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم…( (وأمرنا لنسلم لرب العالمين) ...
(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة) وتعجب أشد العجب
غاية الرسول صلي الله عليه وسلم دعوة الناس وإسلامهم لرب العالمين وغاية الرسول كما يعلم ذلك بالاضطرار هي دعوة الناس للتوحيد وإذا تقرر أن الرسول أُمر بالإسلام والدعوة لرب العالمين علمنا قطعا أن الإقرار بأن الله هو رب العالمين هو عين التوحيد الذي دعت إليه الرسل جميعا والذي من أجله أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وحارب من أجله رسول الله  وقاتل عليه أعداء الله وأن الشرك عندما وقع لم يقع أصلا إلا في هذا النوع ـ على اصطلاح مقسم التوحيد ـ وأما عندنا فلا فرق بين الرب والإله كما سبق إلا معاني الجلال والكمال وكل هذا إبطال لما قال به مقسم التوحيد .
ج/ العبادة للرب :
فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين
قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون
واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا
إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون
يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون
إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين
يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون
فليعبدوا رب هذا البيت
اشتملت الآيات المتقدمه علي توجيه الأمر الصريح بالعبادة للرب دون الإله وكان اللازم علي مذهب مقسم التوحيد توجيه الأمر بالعبادة للإله دون الرب فتكون هكذا يا أيها الناس اعبدوا إلهكم . واعبد إلهك حتى يأتيك. واعبدوا إلهكم . …الخ ولكن الذي تقرره الآيات كما ترى تصرف العبادة للرب دون الإله مما يقطع بعدم المغايرة بين الإله والرب في معنى العبادة فالرب هو المعبود كما أن الإله هو المعبود أيضا فرب العالمين هو من تصرف له العبادة وهو أيضا إله العالمين الذي تصرف له العبادة لا فرق بين ربوبيته ولا ألوهيته في معنى العبادة ويظهر لك من ذلك عدم إصابة مقسم التوحيد فيما بنى عليه مذهبه .
وأنظر إلي قوله تعالي : وناداهما ربهما ألم أنهكما عن هذه الشجرة
قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون…قال رب احكم بالحق … قل أمر ربي بالقسط
فهل الأمر والنهي والحكم والتحريم تصدر من معبودٍ مشرِعٍ مُكلِّفٍ ـ بكسر اللام اسم فاعل ـ يأمر فيطاع وينهى فلا يعصى هل هذه صفات معبود أم صفات غير معبود ؟!!!
فراجع نفسك قبل أن تقف بين يدي الله فيسألك عن سوء ظنك بالموحدين ولما شرعت في شرعه ما لم يأمر به فإن ابن تيمية قد يكون عنده جواب أمام الله يعذره به ولكن أنى لك أنت بالجواب في هذا اليوم المهيب ؟وحسبنا الله ونعم الوكيل .
مناسبة الاستعمال /
إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم
لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار
ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد
إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون
إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم
قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين
خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون
ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون
ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون
قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون
وكما رأيت في الآيات المتقدمه كيف تتناسب وتتناغم مع السياق الذي سيقت من أجله من غير تنافر ولا تضاد ولا تغاير كما أراد من قسم التوحيد فتارة تجد الآيات تقدم لفظ الرب علي لفظ الإله وتجعله هو الحاكم والمسيطر علي المعنى الكلي للآية كما في قوله تعالي (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون ) فتأمل في قوله تعالي ( فإنما حسابه عند ربه ) وقد كان من المفترض علي مذهب مقسم التوحيد أن يكون حسابه عند إلهه كيف لا والآية قد بينت بقولها (ومن يدعوا مع الله إلها آخر لا برهان له به ) فكان الشرك في الألوهية فكان المناسب له أن يكون الجزاء من نوع من وقعت في حقه المخالفة إذكيف تكون الربوبية هي الخلق والرزق والتدبير والملك …الخ والألوهية هي العبادة ثم عند وقوع الشرك في العبادة تكون المجزاة والمعاقبة من جهة أخرى هي الخلق والرزق والتدبير ولحق لهؤلاء المشركين أن يقولوا نحن ما أشركنا في ربوبيتك في شيء فكيف تعاقبنا ونحن بك موحدون ولك مقرون ولقوتك خاضعون ؟ فعاقبنا من جنس ما أشركنا فيه . وهذا بالطبع غير مراد الله من الآية وإنما هذا إلزام لمن قسم التوحيد أنه لم يراعي دقة الألفاظ ولا تناسب المعاني في كتاب الله بل هو صاحب نظرية يريد تطبيقها وحسب وافق لفظ القرآن ومراده أم لا ليس هذا هو المهم ولكن المهم هو تطبيق ما يراه وينظّر له وهذا ليس من الحق ولا الإنصاف في شيء .فإن قلت فما هي المناسبة إذن من هذه الطريقة في الأسلوب القرآني ؟ فالجواب ـ والله اعلم ـ أن معني الربوبية هاهنا أقوى وأبلغ من معنى الألوهية في المحاسبة والمجزاة كما تقول من أغضب أبويه فسيعاقبه أبوه ومن أساء من الرعية إليها فسيعاقبه أميرها ومن آذى المدرسين سيعاقبه مدرسه أو أستاذه فالتعبير في لفظ الآية جاء بعموم المعاني وشمولها وهذا يظهر من استعمال لفظ الجلالة (الله) المشتمل على جميع معاني الربوبية والألوهية والأسماء والصفات والذي يظهر من قوله تعالي (ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون )(ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) ثم استعمل المعني التالي وهو الأخص وهو معنى الألوهية بما اشتمل عليه من معاني العظمة والكبرياء والجبروت والعبادة والخلق والرزق …الخ ثم استعمل بعد ذلك أخص الخصوص وهو معنى الربوبية بما اشتمل عليه من معنى الرعاية والعناية والرأفة والرحمة والعبادة والخلق والرزق …الخ وغيرها من معاني الربوبية فكما أن للوالد في عقابه لولده معنىً خاصاً وفي الأمير بالنسبة للرعية معنىً خاصا وكما أن في الأستاذ المتولي أمر هذا الطالب معنىً خاصا فكذلك معنى الربوبية هاهنا ليستشعر العبد من معاني العدل وتمام المحاسبة وأنه قد أساء فعلاً مع ما يمكن أن يستشعره لأن الذي سيجازيه هو الذي تولاه بالرعاية والعناية وحسن تصريف أمره فهل يكون حق مثل هذا أن يكفر بنعمه ويشكر غيره ويحمد سواه ويعلم العبد أنه لن يجازى إلا من جنس ما قدم فهي تذكرة لم يستمع ويتدبر وهي إنصاف لمن يعقل بخلاف لو استعمل معنى الألوهية المشتمل علي معاني الجلال والجبروت والعظمة والكبرياء ما تهابه النفوس وتزداد نفورا علي نفورها بما جبلت عليه من الاستكانة لمعاني الرعاية والعناية ونفرتها من الجبروت والكبرياء ولذلك افتتح ذكره بالحمد لله رب العالمين وكانت البسملة مشتملة علي صفتي الرحمن الرحيم فاختلاف الألوهية عن الربوبية اختلاف معاني لأن بينهما عموم وخصوص كما سأبين بعد قليل لا اختلاف أقسام كما فعل من قسم التوحيد . فتأمل .وتارة يجعل معنى الألوهية هو المعنى المسيطر والأقوى والأبرز كما في قوله تعالي ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) لمكان التنازع والتدافع بين هذه الآلهة وكل واحد منها يدعي لنفسه صفات الجلال والكمال والعظمة والكبرياء بخلاف معني الخلق والرزق والتدبير غير المنازع فيه من جهة الجميع إذكيف سيكون أحدهم إلها وهو لا يملك ولا يقدر ولا يخلق ولا يرزق لذلك تجد الآية الكريمة راعة هذا المعنى مراعاة تامة عند السياق فقال سبحانه ( لوكان فيهما آلهة ) ثم ختم الآية بقوله ( لفسدتا ) لأن تنازعهم في معاني الألوهية يلزم منه فساد ما تحت أيديهم من ملك وتصرف بخلاف كون الملك والخلق هو المعني البارز لاحتمال انفراد كل واحد منهم به وعدم اكتراثه بالآخرين .ومن كل ما سبق يتبين لك أن لفظ الجلالة الله حق له أن يكون هو دائما المهيمن على غيره من الأسماء لشموله لجميع الأسماء والمعاني دفعة واحدة بخلاف غيره من الأسماء وكذلك اشتمل علي جميع معاني الألوهية والربوبية معا بخلاف الربوبية منفردة أو الألوهية منفردة فإنها لا تعطي ما في الاسم الأعظم من المعاني وأما الربوبية فقد عرفت أن لها من المعاني الشيء الكثير ( كالعناية والرعاية والخلق والرزق والتدبير والملك والقدرة والإحياء والإماتة والعبادة …الخ) وأما الألوهية فهي أيضا ذات معانِ كثيرة منها ( الكبرياء والجبروت والعظمة والقهر والسلطان والانتقام والخلق والرزق والقدرة والملك والتدبير والعبادة …الخ ) فإن قلت فما الفرق إذن بين الربوبية والألوهية ؟ ولماذا خص الله سبحانه دخول الإسلام بلفظ الألوهية دون الربوبية وهو قول القائل (لا إله إلا الله ) ؟ وكيف نميز بينهما إن كان هناك وجه للتميز ؟
فالجواب : أقول بتوفيق الله ومعونته : المتدبر لمعاني الربوبية والألوهية يتبين له بعد تدقيق النظر ومراعاة طريقة الاستعمال أن بين الربوبية والألوهية عموماً وخصوصاً من جهةٍ وأن أحدهما أوسع من الآخر من جهةٍ أخري كما بين (الإسلام والإيمان )تماما فأما ما بينهما من العموم والخصوص فإنهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا كما هو الحال في الإسلام والإيمان فكما قال سبحانه وتعالي (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ) وكقوله تعالي ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) فلما اجتمعا في سياق واحد علمنا قطعاً أن لكل منهما معنىً علي انفراده وهو ما عبر عنه المصطفى  في حديث جبريل عندما سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان ( عن أبي هريرة قال كان رسول الله  يوما بارزا للناس فأتاه رجل فقال يا رسول الله ما الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث الآخر قال يا رسول الله ما الإسلام قال الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان قال يا رسول الله ما الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لا تراه فإنه يراك ) متفق عليه من حديث أبي هريرة واللفظ لمسلم .فعرّف رسول الله كل واحد منهما غير تعريف الآخر ولكن عند انفرادهما لابد أن يجتمعا كما في قوله تعالي ( إن الدين عند الله الإسلام ) ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) فقدعلمنا قطعا أن الإسلام هاهنا قد شمل الإيمان لاستحالة أن يقر أحد بالإسلام ثم يكفر بشيء من الإيمان فإنه حينئذ لا يعد مسلما من الأصل كمن يقر بالإسلام ولكن يكفر بنبوة نبي من الأنبياء أياً كان ذلك النبي أو يكفر بالبعث والنشور أو أي شيءٍ من الإيمان فهو ليس مسلما أصلا كما قال تعالي ( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ) وبالعكس من أقر بالإيمان علمنا قطعا إقراره بالإسلام لأن من كفر بشيء من الإسلام فهو في الحقيقة كاذب في دعوى الإيمان كمنكر فرضية الصلاة من غير تأول ولا جهل أجمعت الأمة علي ردته وكذبه في دعوى الإيمان وإن ادعاها وكذلك اشتمل الإسلام علي ما لا يصح الإيمان إلا به ألا وهي الشهادتان فالحاصل أن إنكار الإيمان كفر بالإسلام والكفر بالإسلام إنكار للإيمان ومما سبق يتبين لك أن بين الإسلام والإيمان عموما وخصوصا مطلقا فإنهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا وبالمثل في مسألة الربوبية والألوهية فإن بينهما عموما وخصوصا كذلك فإنهما إذا اجتمعا افترقا كما في قوله تعالي (ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون )(ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون)فإن المستفاد من معنى الربوبية هاهنا غير المستفاد من معنى الألوهية في نفس الموضع فالربوبية هاهنا مشتملة علي معاني ( الرعاية والعناية والرأفة والرحمة ) بخلاف الألوهية في نفس السياق فهي مشتملة علي على معي ( الجبروت والقهر والكبرياء ) فاختلافهما كما ترى اختلاف معاني وأما إذا انفردا اجتمعا فالإقرار بربوبية الله إقرار بالألوهية كما في قوله تعالي ( وأمرنا لنسلم لرب العالمين ) ( إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ) وكذلك العبادة فمن عبد الرب كمن عبد الإله والعكس تماما كما قال تعالي ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم ) ( إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها ) ومن كفر بألوهية الله فقد كفر بربوبيته ومن كفر بربوبيته فقد كفر بألوهيته ومن أشرك في إحداهما فقد أشرك فيهما ومن وحد في إحداهما فقد وحد فيهما
وأما قولك لماذا خص دخول الإسلام بالألوهية دون الربوبية ؟
فالجواب : قد تكون قد فطنت له مما سبق بيانه فكما أن معنى الإيمان أكبر من معنى الإسلام فكذلك معنى الألوهية أكبر من معني الربوبية فدرجة الإيمان أكبر من درجة الإسلام ولا أقل من الإسلام درجة وكذلك هاهنا فالإقرار بالألوهية أوسع وأشمل من حيث المعنى من الإقرار بالربوبية لاشتمال الألوهية علي معاني ( الجبروت والعظمة والكبرياء والقهر ) دون الربوبية التي لا تشتمل على هذه المعاني فمناسبة هذا اللفظ مناسبة معنى لا لوجود اختلاف بينهما في أصل الإقرار ولا في توابع هذا الإقرار كصرف العبادة لأحدهما دون الآخر فقد عرفت التلازم الدائم بينهما وعرفت ما بينهما من عموم وخصوص مطلق .
وأما قولك وما التمايز بينهما ؟ فقد عرفت أن معنى الربوبية مختص بمعاني لا تشاركه فيها الألوهية وأن الألوهية لها معاني لا تشاركها فيها الربوبية فالربوبية تنفرد وتتميز بمعاني ( الرعاية والعناية والرأفة والرحمة والتربية والتحنان والملاحظة والاهتمام والمتابعة والمراقبة …الخ ) والألوهية تنفرد وتتميز بمعاني ( الكبرياء والعظمة والجبروت والقهر والسلطان والغلبة والمنعة …الخ ) وأما تلازمهما ففي ( العبادة والخلق والرزق والتدبير والقدرة والتصريف والحكمة والعلم والإحاطة والسمع والبصر والحياة …الخ ما لعظمته من معاني الكمال والجلال وسائر الأسماء والصفات .
الأصل الثالث من أصول من قسم التوحيد
وبعد أن قسم هذا التقسيم السابق بقيت له مسألة واحدة وهى تعريف العبادة حتى يستطيع أن ينظر لما سبق وأن قسمه فعرف العبادة بأنها (اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة )
وعلى التعريف السابق صارت جميع الأفعال والأقوال الظاهرة والباطنة من العبادة وبما أن العبادة قسم من أقسام التوحيد فقد دخلت في العقائد فمن صرف أي عبادة كانت ظاهرة أو باطنة صار من جملة المشركين فمن استعان بغير الله أو استغاث أو توسل أو تشفع صار من المشركين لا ينفع معه إقراره بلا إله إلا الله لأنه صرف العبادة لغير الله فهو كمشركي الجاهلية الذين قاتلهم رسول الله وأوجب لهم الخلود في النار .
مناقشة هذا الأصل:
إن مبنى هذا الأصل هو تعريف العبادة والذي من خلاله انطلق ابن تيمية كالسهم في تطبيق ما وصل إليه من نتائج المقدمات السابقة من دعوى عدم وقوع الشرك في الربوبية ثم إقرار مشركي العرب بالربوبية ثم دعوت الرسل لم تكن إلى الربوبية ولكن لمعنى آخر هو الألوهية ثم هذه الألوهية هي العبادة ثم وصل إلى ما نحن بصدد مناقشته من تعريفه للعبادة فقد عرفها بأنها ( اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ) ثم قال فالحب عبادة والخوف عبادة والرجاء عبادة فمن صرف شيئا من ذلك لغير الله فقد أشرك بالله …الخ
وهذا التعريف من الخطورة بمكانٍ وما رتبه عليه ابن تيمية أخطر فهو قد يكون معقولا في حق المشركين من غير أمة التوحيد لكن أن


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: القول السديد فى إبطال تقسيم كلمة التوحيد
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة أكتوبر 29, 2021 9:16 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358
حسبنا الله وسيدنا النبي ﷺ
(( اللَّهم ربَّ سيدنا محمد
صل على سيدنا محمد وآله وسلم
و اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن ))

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 3 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 6 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط