|
[font=Traditional Arabic][center]بسم الله الرّحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وسلّم
سلسلة: تصحيح المفاهيم....العدد الأوّل
التصوّف علم الأذواق
لا الألفاظ التي ترددها الأجداق؟
الحمد لله الذي أنار القلوب بشهوده،وجعلها محلا لحكمه ونوره،والصلاة على القبضة الربانية،سيد البرية،أصل الخليقة الإنسانية،واللطيفة الأحدية،شمس سماء الأسرار ،ومظهر الأنوار،وترياق الأغيار ،البحر المضمضم،والكمال المكتّم،غوث العارفين الأعلام،وقطب فلك الجمال والجلال والكمال،سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله،وعلى آله الرّاقين في سمائه،الموصولين به إليه تحت عباءته،وارض اللهم عن أسيادنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن ومن ابتعهم وأحسن فسلك سبيلهم الأقوم ودرج نحو طريقهم المملوء بالنسم، من أهل الصلاح والفلاح والنجاح فكانت طريقهم موصلة وأنوارهم مرشدة،قدّست أسرارهم،وأعاد الله علينا نفحاتهم،.....وبعد:
قال سيدي ومولاي الحسن البصري ببركة تربية آل البيت(ع) قدس الله سره العزيز( لقد أدركت رجالا لو رأيتموهم لقلتم إنهم مجانين ولو رأوكم لقالوا إنكم لم تؤمنوا قط)
فإن علوم السادة الصوفية مبناه وأصلاه الكتاب والسنة لا يخرج عن ذلك،بل كله وجزؤه ظاهره وباطنه دقائق ورقائق في فهم الكتاب والسنة فكم من آية لها من اللطائف ما لا يدركه إلا صاحب الغرّة بالله سبحانه وتعالى،ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء هذا لأنّهم وارثون ولآخرتهم حارثون كما قال سيدي ومولاي وقرّة عيني شيخي الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي قدس الله سره في فصوصه إنّما أنا وارث ولآخرتي حارث الذي بُنيَ كتابه هذا على فهم آيات الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز الكريم على نقل أذواق الأنبياء والأمر كما قال سيدي الغوث شعيب لا يكون المريد مريد حتى يجد في القرآن ما يريد فهذا حال الصوفي حتى انه قيل من أراد أن يعرف حاله عند الله فلتنظر حالك أنت مع القرآن!!.
وعودا لشيخي الشيخ الأكبر قال في رسم حدود ذكر الصوفي والتصوف لطّف الله القلوب بذكره وحبه وأذاقنا من كفه(( ويقولون إن للذكر بداية وتوسط ونهاية، فبدايته توجه صادق، وتوسطه نور طارق، ونهايته حال حارق، وإن للذكر أصلا وفرعا وشرطا وبساطا وخاصة، فأصله الصفاء، وفرعه الوفاء، وشرطه الحضور، وبساطه العمل الصالح، وخاصيته الفتح المبين، وحد التصوف عندهم صفاء المعاملة بتحقيق المنزلة، وقد يقال صفاء الأفكار بدوام الأذكار، وكان أويس القرني رحمه الله ذكره في فكره، وهو أرفع هذا المقام، وعمدة أعمالهم عشرة: الصبر، والرجا، والذكر، والحياء، والصدق، والإيثار، والخلق،والتواضع، والفتوة، والانبساط. ويتعلقون بالشكور، والحميد، والصمد، والنور، فإذا أحكموا مراسم هذا المقام، يأنسوا بالمذكور ويتوحشوا بمن سواه، فاختاروا السياحة والخلوة، ورغبوا في الأماكن الخالية والفلوات...))أهـ.
فأناس اهتموا بالفقه فأحكموا ضوابطه وشروطه وأركانه وأساسه وفرعه وأحدثوا لذلك ضوابط تعرف به لم تكن في الزمن الأول في عهد الصحابة رضوان الله عليهم وأناس اهتموا بأصول الدين وسلكوا مسلك الفقهاء فأحدثوا ألفاظا الجوهر والعرض والهيولى والمقولات والواجب والمستحيل والجائز..الخ وكذا عند المحدثين الإسناد والمتن والإتصال والرفع والوقف ...الخ وكذا عند السادة الصوفية رفعوا همهم لله وأوقفوا أنفسهم عند حدود شرع الله فمن ادعى الجمال قبل الجلال فهو دجال وكذا ألفاظ اصطلحوا عليها لا يعرفها غيرهم غيرة على هذا العلم لكي لا يدّعيه من لا يعرفه ولم يذقه فأسسوا لذلك قواعد كلية مبينة على الأصلين وقواعد الثقلين...وليس القصد من هذا فصل العلوم من بعضها البعض فما من صوفي إلا وهو فقيه والشاهد ذلك كثير قال الإمام مالك ( من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن تصوف ولم يتفقه فقد تفسق ومن جمع بينهما فقد تحقق) وكلامنا على الجزء الأخير من عبارة الإمام مالك رضي الله عنه إذ الجامع هو من يصح كلامه أما المدّعي فلا كلام معه لأن الله لا يعبد إلا بعلم قال سيدي ومولاي قدوة العارفين الشيخ الأكبر:
إن الشرعية حد ماله عوج عليه أهل المقامات العلا درجوا
أما عن رسم عقيدة الصوفي فاعلم رحمني الله وإيّاك:
أنّ باب التوحيد باب لا يدرك شأوه ولا يبلغ منزله وغاية العلم به سبحانه هو العجز عن إدراكه وبه يتحصل الإدراك لا أنه لا يوجد إدراك بل موجود ولكن ما هو إلا العجز عن إدراك كنهه سبحانه لذا نهى العارفون بالله عن الخوض في ذات الله والتكلم فيها بحضرة القياس أو بحضرة غير حضرة التسليم والإمرار لأن حصر الله سبحانه وتقييده بأفكارنا هو السبب الذي جعل أولئك يقيسون الغائب على الشاهد لما علموا العجز سلموا الأمور لقائلها والآخرين ضلوا بزيادة البلكفة فأثبتوها كأصل ونفوها كلفظ كذلك من قاس بفكره فقد حكم عليه بظنه وتخمينه والله سبحانه يقول"خالق كل شيء"وقوله جل من قائل "والله خلقكم وما تعملون" فحسم سبحانه الخلاف بأنّكم يا عباد الله كل شيء منكم وفيكم مخلوق فلذا كان العجز منا أو فينا عجز عن إدراك القديم عجز حقيقي فلا الحادث يثبت مع ظهور القديم فانمحاقه ظاهر كما قال العارف "كيف يثبت الحادث مع من له وصف القدم" لذا كان هذا الباب مزلة للأقدام والحسن فيه الاقتصاد وحسن العمل والتفكير فيه على وفق النصوص والآيات الواردة قال تعالى" ويحذركم الله نفسه" وننزه كما نزه نفسه عن تنزيهنا" سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون" وكما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما " تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق فإنّكم لا تقدرون قدره" انظر الحلية لأبي نعيم وورد بغير هذه الصيغة في بعض الروايات فالحذر الحذر في هذا الباب فالقليل من حكّم قواعده واستخرج أحكامه على وفق ما جاء به الشرع الحكيم والدين القويم وهذه طريقة المفكرين المتثبتين وقليل ما هم والأفضل سلوك باب التسليم والانصياع لأوامر المختار الحكيم صلى الله عليه وآله وتكثير الصلاة عليه فإنها باب عظيم للنجاة والفوز والأمن يوم تجادل كل نفس بما يلقى إليها فكثّر الصلاة عليه صلى الله عليه وآله لتكون غدا بالصلاة عليه تباهي لا بالجدل فإنه من ترك الجدال وهو محق "بنى الله له بيتا في الجنة"
وأنت باب الله أي امرئ أتاه من غيرك لا يدخل
جاء في الإبريز أثناء كلام العارف السيد الواصل والمحب الغارق سيدي عبد العزيز الدبّاغ-قدس سره- أثناء كلامه على رؤية المصطفى صلى الله عليه وآله مناما قال ما نصه"فإن النبي صلى الله عليه وآله هو باب الله عز وجل ومن جهل الباب وضل عنه فإنّه لا يمكنه دخول الدار أبدا فلولا هو صلى الله عليه وآله ما صح لنا إيمان بالله ولا شيء من خير الدنيا والآخرة.."أهـ
فاهتموا بذكر الحبيب المحبوب شافي العلل ومفرّج الكروب فتولاهم وهداهم (وكان حق علينا نصر المؤمنين).
نشروا فضائله وظاهره وباطنه بالتلميح صلى الله عليه وآله وسلّم إذ لا يعرفه إلا ربه سبحانه.
والعلم الذي هذا شأنه لا شك انه من فروض الأعيان علينا بعد معرفة الإنسان ما يجب عليه من أمور دينه يتعين عليه بعد معرفة عيوب نفسه ما لها وما عليها وكيف تداوى الجروح والقروح وترفع مرتبتها الخسيسة إلى النفيسة من عالم الظلم إلى عالم الأنوار من عالم الأغيار إلى حضرة الواحد القهار ومحاربة أعدائها والإستاعنة بالله سبحانه فقننوا لذلك قواعد وأصول تعرف النفس بها وبأي مرتبة هي على وفق ما تحدثت به الأخبار والنصوص...
فتأمّل لطريقهم وسلوكهم فكل العلوم التي ذكّرت إلا وهي وسائل للتوصيل لهذا العلم الذوقي العرفاني والوسلية لها حكم المقصد شرعا وما لا يتم الواجب إلا به فله حكمه،فالتصوف فرض عين على الأمة أن تلتزم به لأنه مقام الإحسان وهو ما ذكر في حديث جبيرل عليه السلام قال أخبرني عن الإحسان فقال صلى الله عليه وآله أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك فقسمت المراتب مرتبة العارفين بالله ومرتبة المريدين أو الفقراء في المصطلح الصوفي
أن تعبد الله كأنك تراه جملة تامة وهي مرتبة الشهود والملاحظة في الخاطر والوارد والقيام والقعود في الأكل والمشرب وفي الملبس إلا وهم معه سبحانه برؤيته وهم أقسام في ذلك :قبله وبعده معه وفيه ولكل قسم ذوق خاص يدركه أهله كما روي هذا أيضا عن سلف الأمة ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله والآخر قال بعده والآخر قال فيه والآخر قال معه يطلب من صدروه التي هي المظان الأصلية لهذا العلم وهو العلم الوحيد الذي لا يؤخذ تعينا إلا من أفواه المشايخ لخطورة المزالق في هذا العلم وخشية ذكر كلام على غير ما أرادوه فيكون فتنة على البعض فجعل الله المشايخ سببا موصلا له سبحانه نفعنا الله بهم وأمدنا الله من أسرارهم.
وتوصيلا: إن لم تكن تراه وهي مرتبة ادني من المرتبة الأولى فإنه يراك فتذكر بأنه يراك هو سبحانه فاستعن بأهل المقام الأول للدخول فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ومن علم ليس كمن جهل وليس العيب في الجهل ولكن العجب هو الإدعاء ومن هنا نشأت المصطلحات وبيّنت المراتب ليكون كل في مرتبته.
هذا ما يُقال الآن وفي العدد القادم سيكون بيان للشرعية والحقيقة وأن باطن الشرعية هي الحقيقة فلا فرق وانه لا يعبد الله إلا بعلم وكذا بيان لبعض المصطلحات الصوفية المشكلة كوحدة الوجود والحلول والإتحاد وكذا أدلة الشرع لمسألة رجال الغيب وأنها مسألة شرعية وأقوال العلماء في هذا الباب إلى لقاء قادم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
قاله بفــــــــــمه الفقير إلى ربه
الغــــــــــــــــــني به عمن سواه
أبومحي الــدين يونس الحسني
وصلى الله سيدنا ومولانا محمد النور الذاتي
والسر الساري في سائر الأسماء والصفات وعلى آله سلم
[/center][b][/b][b][/font]
_________________
جذبتني بحسن ضوء وجهها سقتني كأسها من عاتق الخمر
غيبتني عني بسر التجلي لكعبة الحق فاسجد وكبري
|
المنتدى
التسجيل
الأسئلة المتكررة
بحث
