الحمد لله الذي لا يشبِه ذاتُه الذوات ، ولا تشبِه صفاتُه الصفات ، ولا تكتنفه الأرَضون ولا السماوات ، الأول بلا ابتداء ، الآخر بلا انتهاء ، الذي جلّ عنِ الصاحبة والأبناء ، كان قبل الأمكنة والأرجاء ، فكون الأكوان ودبَّر الزمان وَحَدَّه بلا ريب ولا افتراء ، فلا يحتاج إلى المكان ، ولا يتقَيَّد بالزمان ، ولا يشغله شأنٌ عن شأنٍ في المخلوقات جمعاء ، والصلاة والسلام الأتمان الأكمَلان ، على سيدنا ونبيِّنا وقائِدنا وقرةِ أعينِنا محمد سيد ولد عدنان أفصح العرب العَرْباء ، وعلى ءاله وصحبه ، ومنِ اهتدى بهديه ما أطل فجر وأضاء .
كان السلطان صلاح الدين الأيوبيّ رحمه الله تعالى كما وصفَه أصحاب التراجِم شافعيّ المذهب أشعريَّ الاعتقاد ، وقد كان له اعتناء خاص بنشر عقيدة الإمام الأشعريّ رحمه الله فقد قال السيوطيّ في الوسائل في مسامرة الأوائل ( ص/15) ما نصُّهُ : (( إنَّ السلطان صلاح الدين بن أيوب أمر المؤذنين في وقت التسبيح أن يعلنوا بذكر العقيدة الأشعرية ، فواظب المؤذنون على ذكرِها كل ليلة إلى وقتنا هذا )) .اهـ أي إلى وقت السيوطي المتوفى سنة 911هـ.
ويقول الشيخ محمد بن علان الصديقي الشافعي ما نصه : (( فلما وليَ صلاح الدين بن أيوب وحمل الناس على اعتقاد مذهب الأشعريّ أمر المؤذنين أن يعلنوا وقت التسبيح بذكر العقيدة التي تعرف بالمرشدية فواظبوا على ذكرها كل ليلة )) .اهـ
ولما كان للسلطان المذكور هذا الاهتمام بعقيدة الأشعريّ ألف الشيخ النحويّ محمد بن هبة الله هذه الرسالة وأسماها (( حدائقَ الفصولِ وجواهِرَ الأصول )) وأهداها للسلطان صلاح الدين فأقبل عليها وأمر بتعليمها حتى للصبيان في المكاتب ، وصارت تسمى فيما بعد (( بالعقيدةِ الصلاحية )) .
قال محمد بن هبة الله رحمه الله :
[align=center]فهذِهِ قَوَاعِدُ العَقَائِدِ****ذَكَرْتُ مِنْهَا مُعْظَمَ المَقَاصِدِ جَمَعْتُهَا للمَلِكِ الأَمِينِ****النَّاصِرِ الغَازِي صَلاحِ الدِّينِ عَزِيزِ مِصرَ قَيْصَرِ الشَّامِ ومَنْ****مَلَّكَهُ اللهُ الحِجَازَ واليَمَنْ ذِي العَدْلِ والجُودِ مَعًا والْبَاسِ****يُوسُفَ مُحيِي دَوْلَةِ العَبَّاسِ ابنِ الأَجلِّ السَّيِّدِ الكَبِيرِ****أيوبَ نَجمِ الدِّينِ ذِي التَّدبيرِ لا زَالَتِ الأيَّامُ طَوْعَ أَمرِهِ****والسَّعدُ يَسعَى مَعْ جُيوشِ نَصرِهِ حتَّى يَنَالَ مُنْتَهَى ءامَالِهِ****مُؤَيَّدًا ممتَّعًا بآلِهِ وصَانِعُ العَالمَِ لا يَحويهِ****قُطرٌ تَعَالى اللهُ عَنْ تَشبيهِ قد كانَ موجودًا ولا مكانا****وحكمُهُ الآنَ على ما كانا سبحانهُ جلَّ عنِ المكانِ****وعزَّ عن تغيُّرِ الزمـانِِ فَقَدْ غَلا وزَادَ في الغُلُوِّ****مَنْ خَصَّهُ بجِهَةِ العُلُوِّ وحَصَرَ الصَانِعَ في السَّمَاءِ****مُبدِعَهَا والعَرْشُ فَوقَ المَاءِ وأثبَتُوا لذاتِهِ التحيزَا****قَدْ ضَلَّ ذَوُ التشبيهِ فيمَا جَوَّزَا اعلَم أصَبْتَ نَهجَ الخَلاصِ****وفُزتَ بالتَّوحِيدِ والإخْلاصِ إنَّ الذي يُؤمِـنُ بالرَّحمـنِ****يُثْبِتُ مَا قَدْ جَاءَ في القُرْءانِ مِنْ سائِرِ الصِّفاتِ والتَّنـزيه****=عن سَننِ التَّعطِيلِ و التَّشبيهِ من غَيرِ تجسيمٍ ولا تَكييفِ****لِمَا أَتَى فيهِ ولا تحَريفِ فإنَّ مَنْ كيَّفَ شَيئًا مِنها****زَاغَ عنِ الحقِّ وضَلَّ عنهَا قد استوى اللهُ على العرشِ كما****شاءَ ومَن كيَّفَ ذاكَ جسَّما وإنما التأويلُ في الروايهْ****فيمَن تجَدَّدت لهُ وِلايهْ في الشاهدِ السائرِ في الآفاقِ****قدِ استوى بشرٌ على العراقِ والاستواءُ لفظةٌ مشهـورهْ****لها معانٍ جمَّةٌ كثيرَهْ فنَكِلُ الأمرَ إلى اللهِ كما****فوضَهُ مَن قَبلَنا مِنْ عُلَما وهكَذَا مَا جاءَ في الأخبَارِ****عنِ النَّبِيِّ المُصطَفَى المُختَارِ فأنكَرَتْ صِفاتِهِ المُعتَزِلَهْ****سُبحانَ مَنْ أنْشَأَنا مَا أَعدَلَهْ وجَعَلوا كَلامَهُ في شَجَرَهْ****لِعَبدهِ مُوسى أَلا مَا أَنْكَرَهْ وفِرْقَةٌ مَالُوا إلى القِياسِ****فَأَثْبَتُوهَا كَصِفَاتِ النَّاسِ حَياتُهُ قَديمَةٌ كَذاتِهِ****وهكَذَا مَا جَاءَ مِنْ صِفاتِهِ وصَانِعُ العَالَمِ ذُو كَلامِ****أَوْصَلَ مَعنَاهُ إلى الأفهَامِ كَلامُهُ المُنْـزَلُ مِنْ صِفاتِهِ****وَهْوَ قَدِيمٌ قَائِمٌ بذاتِهِ وَهوَ إذا ( نقرؤُهُ بالأحـرُفِ )****مِنْ بَعدِ أنْ نكتُبَهُ في المُصـحَفِ تَحفَظُهُ الصُّدُورُ ذِكرًا كُلُّها****لَكنْ علَـى التَّحقِيقِ لا يَحُلُّهَا ( ولَيْسَتِ التِّلاوةُ المَتلُّوَّا )****زَادَ ذَوُوا الحَشوِ إذًا غُلُوَّا فمَيِّزِ المَقرُوءَ والمكتُوبَا****فاعتَبِرِ الحِسَابَ والمَحسُوبا وقُلْ لِمَنْ قَدْ كَيَّفَ الكَلاما****بالحَرفِ والصَّوتِ معًا سَلامَا صفاتُ الذاتِ والأفعالِ طُرًّا****قديماتٌ مصوناتُ الزوال فيا أُولي التشبيهِ والتجسيمِ****الحاءُ في الرحمنِ قبلَ الميمِ[/align]
قالَ الحافظ المتمكن الشيخ عبد الله الهرري حفظه الله :
احفظوا هذا لأن الوهابية تُموِّه على الناس مَن ليس عنده دليل يرُدُّ به عليهِم يموِّهون عليه ويُوهمون الناس أن كلامَهم هو الصحيح ، ثم إن الوهابية لمَّا علموا أن صلاح الدين الأيوبيّ كان أشعريا مِثلَنا يعتقِد أنّ الله موجود بلا مكان ، ولا يَمُرّ على الله زمان ، وأنّ كلام الله الذي هوَ مُتَكَلِّم به ليس حرفا ولا صوتا ، لمَّا علِموا هذا قال بَعضهم : (( كافرٌ صلاحُ الدين )) ، كافرٌ عندَهُم مَن لا يُشبِّه اللهَ بخلقِه كافرٌ كائِنا مَن كان ، وصلاح الدين ملِك عادل سلطان عادِل تَقي ، يَكفي شرَفا له أنه حرَّر بيت المَقدِس بعد أن حكمه الإنكليز وجماعته تسعين سنة طهَّر بيت المقدِس مِن الإكليز ، وهؤلاء الوهابية ماذا فعلوا للمسلمين ؟!!! قاتلوا المسلمين ، ماذا فعلوا ؟!! وما قاتَلوا قطُّ الكفار ، لمَّا أخذوا الحجاز مكة والمدينة وتوابعهما بمساعدة الإنكليز بالمال والسلاح أخرجوا الشريف الذي كان يحكم مكة والمدينة أخرجوه فلجأَ إلى الأُردُنّ ثمّ هجموا على شرقي الأُردنَّ قتلوا ثلاثة ءالاف وزيادة من الأردنيين وصاروا يقولون : (( اقتل الكافِر اقتلِ الكافِر )) ، هذا فعل الوهابية ماذا فعلوا ؟!!! قطُّ ما جاهدوا في سبيل الله ثمّ يطعنون في هذا الملِك السلطان العادِل ، هذا السلطان العادِل الشجاع البطَل العالِم يَطعنون فيهِ يُكفرونه ، عندهم لا يوجد مسلم إلا من كان على عقيدَتِهم كلّ المسلمين كفار عندَهم يُريدون أن يُدخلوا الناس مِن جديد في الإسلام هم الكفار ما عرفوا خالِقَهم .
نفعنا الله واخواننا بها في الدارين ببركة الأنبياء والمرسلين وخصوصا سيدنا محمدٍ سيد الكونين وببركة الأولياء والصالحين ونسأل الله تعالى أن يجعلها في ميزان حسناتنا وأن يتقبلها منّا إنه على كل شىء قدير وبعباده لطيفٌ خبير ءامين .
_________________ توسّلت بالهادي البشير محمد إلى اللّه في أمر تعسّر حلّه ، إذا ضاق صدري و الكروب تزايدت فليس لها إلا الذي عمّ فضله ، هو السيد المختار من ءال هاشم عليه صلاة اللّه ثم سلامه.
|