موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 9 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: من ثمار مدارس الأخلاق : التكايا والخانقاوات
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 06, 2015 5:38 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14765
مكان: مصـــــر المحروسة

أب يقتل أبناؤه ، أم تقتل أولادها ، مدرس يفقأ عين تلميذه أو العكس ، تحرش حت بالأطفال الصغار ، زوج يقتل زوجته أو العكس ، زنا المحارم - نسأل الله العفو والعافية - بلطجة ، أطفال الشوارع ...... الخ.

جمل وألفاظ اعتدنا أن تطرق أسماعنا للأسف الشديد في أيامنا هذه.

سلوكيات غريبة عجيبة طفت وطغت على مجتمعاتنا الإسلامية العربية وعلى الشعب المصري بالأخص.

منذ عقود قليلة لم يكن أحد منا يسمع عن هذه الخبائث أدنى شيء ، وحتى وإن وجدت فكان لها حكم القليل النادر ، والنادر لا حكم له.

بنظرة متفحصة نجد أن السبب الرئيس لذلك الانحطاط مرده إلى غياب أو انحسار دور الفرقة أو الطائفة المنوط بها حفظ المكون الأخلاقي للأمة.

أعني بهم الصوفية أو إن شئنا الدقة الطرق الصوفية.

ولست هنا بصدد رصد أو تتبع أسباب ذلك الضعف والقصور الذي أعاق الطرق الصوفية أن تضطلع بدورها هذا ، ولكن أهدف من هذا الموضوع أن أسلط الضوء على ثمرة واحدة من ثمار الطرق الصوفية أو مدارس الأخلاق وعن دورها في توفير الأمن الاجتماعي والتربوي لأبناء الأمة ، وأقصد بهذه الثمرة التكايا أو الخانقاوات.

ومن الملاحظ أن الخطاب الديني أو صور التدين التي تحاول حكومة العالم الخفية أن تقدمها كبديل للخط الذي صارت عليه جماهير الأمة لقرون قد أدى دوره بشكل كبير في تدمير المكون الأخلاقي للأمة.

فقد قدمت تلك الصور الدين في صورة جافة جامدة منزوعة الروح والخلق ، وكلما تزايدت صور وأشكال وقوالب هؤلاء كلما ارتفع معامل الانحدار الخلقي للأمة.

وعلى العكس تماماً في يوم كانت فيه طرق الصوفية أو مدارس الأخلاق تقوم بواجبها على أكمل وجه كانت أخلاق الأمة جماعات أو أفراد على مستوى رفيع من الرقي والتحضر.

يظهر ذلك بأقل نظرة لأخلاق الآباء والأجداد ومقارنتها بالغثاء الذي تحياه أجيال اليوم.

فالتصوف والصوفية هم صمام الأمان لحفظ أخلاق الشعوب في عالمنا الإسلامي وكيف لا وقد قيل :

التصوف خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف.

يتبع إن شاء الله.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من ثمار مدارس الأخلاق : التكايا والخانقاوات
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 07, 2015 5:51 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14765
مكان: مصـــــر المحروسة

الطرق الصوفية - نشأتها في مصر.

أول من غرس بذور التصوف بمعناه الفني الاصطلاحي في مصر، هو: «ذو النون المصري المتوفى سنة 245هـ، وكان يعد أول من تكلم من الصوفية عمومًا في علوم المقامات والأحوال، وشاركه في غرسها في القرن الثالث الهجري أيضًا صوفيان آخران لهما مكانتهما، وهما: أبو بكر الدقاق المصري، وأبو الحسن بن بنان الحمال المتوفى سنة 336هــ، ثم استمرت حركة التصوف بمصر في القرنين الرابع والخامس الهجريين، ومن أبرز رجالها أبو علي الروذباري المتوفى سنة 332هـ، وأبو الخير الأقطع التيناني المتوفى سنة 343هـ، وأبو القاسم الصامت المتوفى سنة 427هـ(1).

وهذا التصوف العملي بصورته الجمعية «لم ينشأ في مصر قبل النصف الثاني من القرن السادس الهجري، وقد سجل المقريزي تاريخ نشأته بعام 569 للهجرة(2)، وهو تاريخ إنشاء أول الخانقاوات في عهد صلاح الدين الأيوبي.

ومن أهم المدارس الصوفية، التي ظهرت في مصر خلال القرن السادس الهجري «مدرسة صوفية كبيرة بصعيد مصر، وهي المدرسة التي أسسها الشيخ عبد الرحيم القنائي المتوفى سنة 592هـ، ثمَّ قام عليها من بعده صوفي له مكانته في عصره، وهو الشيخ أبو الحسن الصباغ المتوفى سنة 613هـ، والذي أخذ عنه كثيرون جدًّا من صوفية الصعيد في ذلك العصر، وكان القرن السابع الهجري في مصر عصر ازدهار تصوف أصحاب الطرق، فقد وفد إلى مصر من العراق الشيخ أبو الفتح الواسطي، وأقام بالإسكندرية، ونشر بها الطريقة الرفاعية(3).

فالطريقة الرفاعية والجيلانية، اللتان ظهرتا في العراق في القرن السادس الهجري، قد انتشرتا في مصر في القرن السابع الهجري والقرون التالية له.

وإذا كان للرفاعي والجيلاني دورهما الهام في نشر حركة الطرق الصوفية في كل مكان، فقد كانت هناك أيضًا شخصيات صوفية هامة، لعبت دورًا كبيرًا في مصر منها: أبو مدين التلمساني، وعبد السلام بن مشيش، وأبو الفتح الواسطي.

أما سيدي الرفاعي وسيدي عبد القادر الجيلاني وسيدي أبي مدين الغوث وغيرهم من أرباب الطرق الكبرى بمصر، فلنا معهم وقفة مطولة نتعرف عليهم وعلى طرقهم الصوفية، وأصولها ومبناها، نتحدث عن ذلك بالتفصيل عن كل طريقة على حدة فى باب يخصها من الموقع، حيث سيأتي الحديث عن كل من (الطريقة الرفاعية)، و(الطريقة القادرية)، و(الطريقة المدينية)، كما سيأتى الحديث بالتفصيل أيضا عن (الشيخ أبي الفتح الواسطي) ضمن رجال الطريقة الرفاعية، و(الشيخ ابن مشيش) ضمن رجال الطريقة الشاذلية.

ويكفي - للتدليل على دور هؤلاء - أن نعلم مثلًا أنَّ أبا مدين التلمساني (ت594هـ)، هو أستاذ عبد الرازق الجزولي، والجزولي هو شيخ ومعلم عبد الرحيم القنائي، وأبو الحجاج الأقصري، كما أنَّ أبا مدين التلمساني أستاذ وشيخ عبد السلام بن مشيش، أستاذ ومربي أبو الحسن الشاذلي شيخ الطريقة الشاذلية.

وقد التقى أبو مدين التلمساني بسيدي عبد القادر الجيلاني أثناء الحج، وأثر كل منهما في الآخر، ثمَّ إنَّ أم سيدي أحمد البدوي حفيدة أبو مدين، يقول عبد الصمد زين: (كان اسم والدته فاطمة بنت محمد بن أحمد بن عبد اللَّه بن أبي مدين بن شعيب المدينية(4)، وهناك المزيد من الحديث عن أبي مدين الغوث عند تناولنا لطريقته: (الطريقة المدينية).

أما الشخصية الثانية التي نستشعر دورها في حركة الطرق الصوفية بمصر في القرن السابع الهجري؛ فهي شخصية الصوفي الكبير الشيخ عبد السلام بن مشيش أستاذ الشاذلي، الذي كان يفخر أبو الحسن الشاذلى بتلمذته عليه، والذي قال فيه ابن عياد في المفاخر العلية، نقلًا عن محيي الدين عبد القادر بن الحسن الشاذلي، صاحب كتاب الكواكب الزاهرة: (مقام ابن مشيش بالمغرب كالشافعي بمصر)(5).

يقول الشيخ أبو الحسن الشاذلي عن قصة اجتماعه وتعرفه بابن مشيش، أنَّه لما دخل العراق اجتمع بالشيخ الصالح أبو الفتح الواسطي، فما رأينا بالعراق مثله، وكان بالعراق شيوخًا كثيرة، وكنت أبحث عن القطب، فقال لي الشيخ أبو الفتح: أتطلب القطب بالعراق، وهو في بلادك المغرب، ارجع فإنَّك تجد القطب هناك، فلما رجع اجتمع بأستاذه القطب الشيخ عبد السلام بن مشيش.

وفي صحبة أستاذه أقبل الشاذلي على العبادة، فطهر نفسه من حب الدنيا، ومن الإقبال على الخلق، وأقبل على حب اللَّه وفنى في حبه، فلما صفت نفسه وأصبح أهلًا للولاية، ووراثة القطبانية؛ أمره أستاذه أن يرحل عن فاس إلى تونس، وتنبأ له بما سيحدث له في مستقبل أيامه(6).

ومن وصايا ابن مشيش للشاذلي: (الزم الطهارة من الشرك، كلما أحدثت تطهرت، ومن دنس حب الدنيا كلما ملت إلى شهوة أصلحت بالتوبة ما أفسدت بالهوى وأكدت، وعليك بمحبة اللَّه على التوقير والنزاهة، وأدمن على الشراب والمحبة، وكأسها مع السكر والصحو، كلما أفقت أو تيقظت شربت، حتَّى يكون سكرك به، وحتَّى تغيب بجماله عن المحبة وعن الشرب، والشراب والكأس، بما يبدو لك من نور جماله، وقدس كماله وجلاله)(7).

وقال ابن مشيش أيضًا: (أفضل الأعمال أربعة بعد أربعة: المحبة للَّه، والرضا بقضاء اللَّه، والزهد في الدنيا، والتوكل على اللَّه، هذه أربعة. وأمَّا الأربعة الأخرى فالقيام بفرائض اللَّه، والاجتناب لمحارم اللَّه، والصبر على ما لا يعني، والورع من كل شيء يلهي)(8).

هذه إشارة سريعة لابن مشيش أستاذ الشاذلي، صاحب الطريقة الشاذلية الكبيرة بمصر، وقد قلنا إنَّ ابن مشيش لبس الخرقة من أبي مدين التلمساني، ومن ناحية أخرى نرى بصمات الإمام الرفاعي في تسلك ابن مشيش مربي الشاذلي، فقد تسلك ابن مشيش على يد السيد الإمام بري الحسيني أحد أصحاب سيدي أحمد الرفاعي رضي اللَّه عنهم أجمعين(9)، ثمَّ لا ننسى أن أبا الفتح الواسطي تلميذ الرفاعي الكبير، هو الذي نصح الشاذلي بالذهاب إلى القطب الكبير عبد السلام بن مشيش.

أما الشخصية الثالثة التي لها أثرها في نشر الطرق بمصر، فهو الشيخ أبو الفتح الواسطي:
ولقد أثر الواسطي في ظهور وانتشار الطرق الصوفية بمصر أثرًا كبيرًا للغاية، فقبل أن يفد الشاذلي إلى مصر أو البدوي، قدم هو إلى الإسكندرية ونشر بها الطريقة الرفاعية، ومهد لها الطريق في مصر، (وأخذ عنه خلائق لا يحصون، منهم الشيخ عبد السلام القليبي، والشيخ عبد اللَّه البلتاجي، والشيخ بهرام الدميري، والشيخ جامع الفضلين الدنوشري، الوهاب، والشيخ عبد العزيز الدريني، والشيخ علي المليجي)(10).

وقد توفي الواسطي بالإسكندرية حوالي عام 632هـ، وحسبنا (أن نعلم أنَّه لما وصل خبر وفاته إلى خلفاء الرفاعي بالعراق، مركز الدعوة والطريقة الرفاعية؛ وقع اختيارهم على السيد أحمد البدوي؛ ليخلفه في زعامة الإخوان وأتباع الرفاعي بمصر، فوصل السيد البدوي مبعوثًا من المدرسة الرفاعية إلى الإسكندرية سنة 635هـ، وفي هذا تقدير كبير لمركز الواسطي ومكانته)(11).

وجدير بالذكر، أنَّ السيدة فاطمة أم سيدي إبراهيم الدسوقي هي ابنة أبي الفتح الواسطي، الذي لعب دورًا كبيرًا في نشر الطرق الصوفية بمصر، وأسس بها طريقته الخاصة به.

هامش :

المرجع: الطرق الصوفية في مصر، نشأتها ونظمها، أ/د عامر النجار، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، د ت، (ص 87- 89 ، 117 - 124) .

(1) (مجلة كلية الآداب)، جامعة القاهرة، مجلد 25، ص61.

(2) (التصوف في مصر إبان العصر العثماني) للدكتور توفيق الطويل، ص37، نقلًا عن (خطط المقريزي)، جـ24، ص273.

(3) (مجلة كلية الآداب)، بحث الدكتور التفتازاني، ص62، مجلد 25.

(4) (الجواهر الصمدانية) لعبد الصمد زين الدين، ص33.

(5) (المفاخر العلية) لابن عياد، ص13.

(6) (أعلام الإسكندرية) للدكتور الشيال، ص169.

(7) (أبو الحسن الشاذلي) لعلي سالم عمار، جـ1، ص81، 82 على التوالي.

(8) (أبو الحسن الشاذلي) لعلي سالم عمار، جـ1، ص81، 82 على التوالي.

(9) (كشف النقاب) للطبري، ص14 بتصرف، النص هكذا (ابن مشيش تسلك على يد الإمام بري الحسيني، صاحب سلمية أحد الأعيان من أصحاب إمام الطوائف السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي اللَّه عنهم أجمعين).

(10) (طبقات الشعراني)، جـ1، ص176.

(11) (أبو الحسن الشاذلي) لعلي سالم عمار، جـ1، ص77.

المرجع:
الطرق الصوفية في مصر، نشأتها ونظمها، أ/د عامر النجار، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، د ت، (ص 87- 89 ، 117 - 124) .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من ثمار مدارس الأخلاق : التكايا والخانقاوات
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 07, 2015 6:01 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14765
مكان: مصـــــر المحروسة

شـاهد علي عصــر الخـــير‏:‏

الخانقاوات‏..‏ بيت للدعاء من الزمن الجميل

41633 ‏السنة 125-العدد 41633 1 ديسمبر 2000 5من رمضــان 1421 هـ


تحقيق: هالة احمد زكى

منذ أن عرفت الدنيا شهر رمضان وماأن يهل هلاله حتي تتفجر ينابيع الخير في الكون وتتفجر أيضا في النفس البشرية وترتفع أصوات الدعاء والذكر وترتفع ايضا أصوات الخير في كل مكان‏.‏

يحكي انه في زمن بعيد بعيد‏..‏ كانت الشوارع والطرقات في بر مصر تسكن إذا ما سجي الليل فلا تكاد تري من حولك إلا خيالا لظل يتحرك حول ضوء مصباح خافت أو حتي شمعة متواضعة لمن تتجافي جنوبهم عن المضاجع ويقضون ليلتهم في الصلاة والدعاء‏.‏

ولكن الأذن تسمع قبل أن يرتفع صوت المؤذن في الفجر صوت ذكر خافت فهناك أصوات جميلة تسبح الله تعالي هي الاخري وتصدر من مكان قريب من احدي الخانقاوات‏.‏

أما وماذا تكون هذه الخانقاوات؟ فهذه حكاية ترجعنا إلي زمن ذي النون المصري وابن الفارض والصوفية والمتعبدين فكما تحكي د‏.‏سعاد ماهر في كتابها المهم مساجد مصر وأولياؤها الصالحون‏.‏

ان المسلمين بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يتسم أفاضلهم في عصرهم بتسمية سوي صحابة الرسول إذ لافضيلة فوقها وقيل لمن أدرك أهل العصر الثاني سمي من صحب للصحابة بالتابعين وأنفرد أهل الصفة المراعون أنفسهم مع الله باسم التصوف واشتهر هذا الاسم قبل المائتين من الهجرة وهناك رأي آخر حيث تنسب الصوفية إلي أهل الصفة المنقطعين للعبادة والذين يصطفون في نهاية مسجد الرسول صلي الله عليه وسلم أما الرأي الثالث فيقول انه أخذ من كلمة الصفاء أو الصفاء الروحي‏..‏

ويختلف الأمر في التفسير بين الناس كما تشير الكتب إلا مانعتبره في حكم المؤكد ان كلمة الصوفية والخانقاوات قد فسرها الجاحظ وابن بطوطة والمقريزي بأنها كلمة باللغة الفارسية تعني بيت العبادة والأكثر من هذا أن هذه الخانقاوات ظهرت في القرن الرابع الهجري ووصلت إلي قمة مجدها في القرن السادس‏..‏

وفي مصر المحروسة يذكر أن أول الخانقاوات كانت خانقاه سعيد السعداء التي أنشأها صلاح الدين الأيوبي وأوقف لها الأوقاف وتعد هذه الخانقاه قصة وحدها فهي في الاصل تخص أحد القائمين بالخدمة في عهد الخليفة المستنصر وهو الاستاذ عنبر ويبدو أن هذا الرجل قد كان له من الطموح والنفوذ ماجعله يفكر في أن يصبح شيئا مهما في يوم من الأيام إلا أن هذا الطموح كان له قمة بلغها وحق عليه بعدها الهبوط من هذه القمة وهو المتوقع في مثل هذه الحكايات المثيرة وقد انتهت الحدوتة كلها بقتل صاحبها وصلبه علي باب زويلة‏,‏ فذهب عنبر وطموحه وبقيت الدار التي سكنها من بعده الصالح طلائع ثم الوزير شاور وحتي إذا ماجاء زمن صلاح الدين بعد انقضاء عهد الفاطميين في مصر جعلها وقفا للصوفية ولقب شيخها بشيخ الشيوخ‏.‏

وبوقف هذه الخانقاه علي الفقراء الصوفية كما يشير علي مبارك في الخطط التوفيقية الجديدة بدأ زمن آخر منذ عام تسعة وخمسين وستمائة هجرية‏.‏ فمن بعدها رتب للصوفية طعاما وبني لهم حماما في نفس المكان الذي عاش فيه الرجل الطموح وانفتح الباب لتظهر في الوجود أكثر من خانقاه وأكثر من ساكن صوفي يتوق للعيش بها فبنيت مجموعة من الخانقاوات في منطقة صحراء المماليك والجمالية والسيدة زينب مثل خانقاه السلطان الأشرف برسباي وخانقاه السلطان الناصر فرج بني برقوق في صحراء المماليك وخانقاه بيبرس الجاشنكير بشارع الجمالية وخانقاه سنجر الجاولي بشارع مراسينا بحي السيدة زينب وخانقاه وقبة شيخو بشارع الصليبة‏..‏

وقد اختصت هذه الخانقاوات بالكثير من الفنون الإسلامية الجميلة وكيف لايكون هذا وقد شيد معظمها في العصر المملوكي وفي زمن كان انشاء أي منها يعتبر مفاجأة ملوكية للشعب ـ ان صح التعبير ـ وفقراء الصوفية فكان الامراء والسلاطين يقومون بوقفها وافتتاحها بانفسهم في احتفال مهيب‏.‏

ونعود إلي التميز المعماري فنجدها تشتمل علي الكثير من آيات التفوق كما يؤكد د‏.‏عاصم رزق في كتابه خانقاوات الصوفية في مصر أظهر المعماريون تفوقهم في تصميم الداخل والخارج والمحراب والارضية والنقش والكتابة فلم يكن هناك فرق يذكر بين تخطيط المسجد والخانقاه وقد عمد المعماريون إلي ادماج المأذن بالواجهات علي حد قوله بالاضافة إلي تجميل المأذن بالطاقات والكسوات التي كان يستخدم فيها القيشاني‏.‏

ويتطور الأمر ويدرس المسلمون بهذه الخانقاوات المذاهب الفقهية ويختص كل خانقاه في زمن القرن الثامن الهجري بمذهب فقد كان فقه الإمام الشافعي يدرس بالخانقاه الجاولية والحنفي بالخانقاه الجمالية بينما درست المذاهب الأربعة في الخانقاه الشيخونية‏..‏

ويبقي أن نسأل هل استمر الحال علي ماكان عليه فعاش هؤلاء الصوفية من غير قلق علي طعام أو مسكن؟ في الحقيقة ان هذا لم يحدث لان لكل شيء خلقه الله تعالي بداية ونهاية ايضا فقد هجرت هذه الخانقاوات بعد زمن من تغير الدنيا وحلت التكايا محلها في مصر في العصر العثماني وان كانت هذه الوريثة الجديدة اختلفت في معمارها عن سابقتها فقد اصبح لهذه التكايا صحن به حديقة وفسقية تحيط بها ايوانات وتنظم من حولها قاعات للدراويش علي أن يكون هناك مسجد صغير وسبيل بكل تكية ومع وجود هذه التكايا اختلف الأمر عما كان‏.‏

إلا أن الخير ليس له عصر بعينه‏,‏ وهذه التكايا قبل أي شئ نجحت في أن تواصل المهمة كما هو الحال في تكية البكثاشية جنوب قلعة الجبل وهي منحوتة في جبل المقطم وتكية الهنود المواجهة لمسجد أحمد كتخدا بالقرب من شارع القبانة وغيرها‏.

ولتختفي بعد هذا بزمن ايضا التكايا وتستمر حركة الحياة رغم كل شيء وليبحث الناس علي شئ آخر يوقفونه علي الفقراء وليواصلوا الخير الذي بدأه الاجداد‏,‏ وفي النهاية نقول لاتنس ذكر الله فكما يقول الله في كتابه تعالي في سورة الرعد‏(‏ إلا بذكر الله تطمئن القلوب الذين امنوا وعملوا الصالحات طوبا لهم وحسن مأب‏)‏ فالله لايذكر فقط علي مآدبه طعامنا حين نفطر في هذا الشهر المبارك ولايذكر فقط عند الشدة ليكون لكل منا دعاء عريض‏.

المصدر :

http://www.ahram.org.eg/archive/2000/12/1/INVE1.HTM


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من ثمار مدارس الأخلاق : التكايا والخانقاوات
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 07, 2015 6:08 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14765
مكان: مصـــــر المحروسة

-الخـوانق و الرّبـط و الزّوايـا:

كان انتشار التّصوّف بمصر في عصر المماليك من المميّزات و الظّواهر الّتي اتّصفت بها الحياة الدّينية، وساعدت عدّة ظروف في انتشار هذه الظاهرة واتّساع نطاقها، وكان صلاح الدّين الأيّوبي قد عمل على إدخال نظام الخانقاوات إلى مصر واستغل التّصوف في مشروعه للقضاء على المذهب الشّيعي، غير أنّ التّصوّف ظلّ هادئا ولم يشتدّ تياره إلاّ في عصر المماليك، وأدّت أحداث العالم الإسلامي في المشرق والمغرب إلى هجرة كثير من مشايخ الصّوفية إلى مصر أين وجدوا مناخًا مناسبًا خاصّة رعاية و اهتمام سلاطين المماليك بهم، و الاستعداد الذي كان عند أفراد المجتمع المصري لتلقي تعاليم الصّوفية و تقبل آرائهم و مذاهبهم المختلفة فاندفع الكثيرون إلى الدّخول تحت لواء المشايخ.

وكان الصّوفية في مصر يتخذون من الخوانق و الرّبط و الزّوايا مراكز لنشاطهم وتعليم مذاهبهم لأتباعهم، والخوانق أو الخانقاوات جمع خانقاه، وهي لفظ فارسي الأصل معناه بيت الصّوفية، وقد أحدثت في العالم الإسلامي خلال القرن 4-5هـ/10-11م.

وكانت الخوانق عبارة عن دور عبادة و علم، حيث كان يدرّس فيها الفقه والحديث و القراءات والتّصوف، كما كانت مأوى للوافدين من الغرباء على مصر، و مراكز إشعاع ثقافي بما حَوَته من مكتبات وكتب في شتى العلوم.

كما كان لها طاقم إداري مكوّن من شيخ الخانقاه وإمامها وناظرها ومدرّسو المذاهب، والمعيدون وخازن الكتب، وغيرهم من القائمين على خدمة الطلبة والوافدين، وكان لكلّ موظف منهم أجره.

وكانت أوّل خانقاه أسّست بمصر هي خانقاه سعيد السّعداء بالقاهرة، وتعرف أيضا بالصّلاحية، أنشأها السّلطان صلاح الدّين الأيّوبي سنة 569 هـ/1173م، وولّى عليها شيخا ووقف عليها بستانا وقيسارية.

وكانت هذه الخانقاه مخصّصة لدراسة المذهب الشّافعي، وممّن تولى التدريس بها: تقيّ الدّين بن رزين، وتقيّ الدّين بن دقيق العيد، و برهان الدّين الخضر السّنجاري، و تقيّ الدّين بن بنت الأعز وبهاء الدّين بن تقيّ الدّين السّبكي وابن حجر العسقلان، وكان هؤلاء المشايخ من أقطاب العلماء بمصر في عصر سلاطين المماليك، ممّا يدل على أهمية هذه الخانقاه وأن إسناد مشيختها وتدريسها كان لا يصح إلاّ للمبرزين من العلماء.

وفي عهد المماليك انتشرت الخوانق انتشارًا واسعًا، و ذكر المقريزي بالقاهرة وحدها 22 خانقاه، وكان أشهرها:

الخـانقاه البيبـرسية:

أنشأها الأمير ركن الدّين بيبرس الجاشنكير سنة 707-709هـ/1306-1309م، ووصفها المقريزي بأنّها أجلّ خانقاه بالقاهرة بنيانًا و أوسعها مقدارًا و أتقنها صنعة و بنى بجانبها رباطًا كبيرًا و قبّه لضريحه، و قرّر فيها 400 صوفي، و بالرّباط 100 من الجند، ورتّب بالقبّة درسا للحديث النبوي، وكانت لهذه الخانقاه عدّة أوقاف بمصر و الشام، و كان عبد الرّحمن بن خلدون ممّن تولى مشيختها.

خـانقاه سريـاقوس:

تقع هذه الخانقاه خارج القاهرة ناحية الشمال، أنشأها السلطان النّاصر محمّد بن قلاوون، وجعل فيها مائة خلوة لمائة صوفي، وبنى بجانبها جامعًا، وبنى بها حماما ومطبخا في 723هـ/1323م، وكمُلَت في 725هـ/1325م، وافتتحها السّلطان مع الأمراء و القضاة و مشايخ الخوانق، و سكن النّاس حولها حقّ صارت بلدة كبيرة، و لقّب شيخ هذه الخانقاه بشيخ الشّيوخ.

الخـانقاه الشّيخونـية:

أنشأها الأمير الكبير شيخو العمري النّاصري سنة 756هـ/1355م، وكان يقام بها درس الحديث والتفسير و القراءات والفقه على المذاهب الأربعة، وكان لكلّ درس شيخ و طلبة، واشترط عليهم حضور الدرس و وظيفة التّصوف.

الخـانقاه الظّـاهـرية:

أنشأها الملك الظاهر برقوق سنة 786-788هـ/1384-1386م، وكان لها عدّة أوقاف، وكانت تزخر بالكتب والشّيوخ والمدرّسين و المعيدين و الطّلاب في فقه المذاهب الأربعة و علوم التّصوف و القراءات و التّفسير و الحديث.

الخـانقاه النّاصرية:

أنشأها السّلطان فرج بن برقوق سنة 801-813هـ/1398-1460م، وكانت أضخم خانقاه بمصر مساحة وأكثرها نفقة، وبنيت على شكل مسجد فسيح الأرجاء لإقامة الصّلوات، وكمدرسة للعلوم الشّرعية وخانقاه للصّوفية وتربة للعائلة البرقوقية وكتاتيب لتعليم الأيتام، وأصبحت نواة مدينة ناشئة.

الخانقاه الأشرفية:

أنشأها السّلطان الأشرف برسباي بالقرافة الشرقية سنة 835هـ/1431م، وكانت تلي الخانقاه النّاصرية فرج من حيث الأهمية، وكانت مزودة بمكتبة زاخرة بالمصنفات الدّينية والفقهية واللّغويّة و التاريخيّة والمصاحف والربعات الشريفة، وكانت تقام بها دروس الفقه على المذاهب الأربعة.

الخـانقاه الغـورية:

أنشأها السّلطان قانصوه الغوري أواخر عهد المماليك سنة 909-910هـ/1503-1504م، وكانت بها خزانة كتب ضمّت الكثير من المصنفات والمصاحف.

أمّا الرّبط :

فهي جمع رباط، و هو دار كان يسكنها أهل طريق الله، و هو بيت الصّوفية أيضا، وهو من المرابطة أي لزوم الثّغر.

وكانت الرّبط منتشرة على ثغور الدّول الإسلامية خاصة في بلاد الشام والمناطق الّتي كانت في جهاد مستمر ضدّ الصليبيين، وكانت تجمع بين حياة الحرب و الحياة الروحيّة، لكن وبعد أن ضعف الخطر الصليببي بالمشرق أخذ الرّباط يفقد طابعه الجهادي وتغلبت عليه الصّفة الدينية، وساعد انتشار التّصوف في عصر المماليك على إيجاد المبرّرات لبقاء الرّبط وتحويلها إلى دور للصّوفية.

وقد اهتم سلاطين المماليك بإنشاء الرّبط، و تبعهم في ذلك الأمراء و حتّى بعض السيدات الصّالحات، و وجدت أربطة للرّجال و أخرى للنساء، و أحصى المقريزي بالقاهرة 12 رباطا منها:

ربـاط البغدادية:

بالقرب من خانقاه سرياقوس، بنته السّت الجليلة تذكار باي خاتون ابنة الملك الظّاهر بيبرس سنة 684هـ/ 1285م للشّيخة الصّالحة زينب بنت أبي البركات المعروفة ببنت البغدادية، فأنزلتها به ومعها النساء الخيرات، وكان به شيخة تعظ النّساء و تذكّرهن و تفقّههن.

رباط ابن سليمان:

خارج باب زويلة بالقاهرة، وعرف باسم أحمد بن سليمان بن أحمد بن إبراهيم بن أبي المعالي بن العبّاس الرّحبي البطائحي الرّفاعي شيخ الفقراء الأحمدية الرّفاعية بديار مصر (ت:691هـ/1292م).

رباط ابن أبي منصور:

بقرافة مصر، نسبة إلى الشّيخ صفيّ الدينّ الحسين بن علي بن أبي منصور الصّوفي المالكي (ت:682هـ/ 1283م)، سلك طريقة أهل الله على يد الشيخ أبي العّباس أحمد بن أبي بكر الجزّار التّجيبي المغربي.

رباط الآثار:

خارج مصر، كان مطلاّ على نهر النيل، وقرّر فيه الملك الأشرف شعبان بن حجي بن محمد بن قلاوون درسا للفقهاء الشّافعية، و جعل له مدرّسا و عدّة طلبة كان لهم نفقة ووقف، وكان به خزانة كتب.

أمّا الزّوايـا :


فهي الركن من البيت أو المسجد، و كان أصلها مسجدًا صغيرًا للصّلوات ثمّ تطور مفهومها في المغرب و صارت توازي الخانقاه بالمشرق، و هي على العموم دار الصّوفية، كما تداخلت تعاريف كلّ من الخانقاه و الرّباط و الزّاوية لاسيما بعد ما أصبحت وظائفها في مصر المملوكية متشابهة، و لم تعد التّفرقة واضحة بين هذه المصطلحات.

وقد انتشرت الزوايـا في العصر المملوكي كنوع من منشآت التّصوف، و كانت الزاوية تنشئ في الغالب برسم شخص معين لينقطع فيها للعبادة، مثال ذلك زاوية الشّيخ خضر التي أنشاهأ الظّاهر بيبرس البندقداري خارج القاهرة، و أنزل بها الشّيخ خضر بن أبي موسى المهراني العدوي، الّذي توفّي سنة 676هـ/1277م، و كان للظّاهر بيبرس اعتقاد كبير فيه، و زاوية الرّكراكي خارج القاهرة، و هي منسوية للشّيخ المعتقد أبي عبد الله محمد الرّكراكي المغربي المالكي، لإقامته بها وكان فقيها مالكيا متصديا لأشغال المغاربة (ت:794 هـ/ 1393م)، وزاوية الجعبري نسبة إلى الشّيخ برهان الدين إبراهيم بن معضاد بن شدّاد بن ماجد الجعبري المعتقد الواعظ (ت:687هـ/ 1288م)، وكان يجلس فيها للوعظ و رواية الحديث ويشارك في الطب، كما كان ينظم الشعر.

المصادر :

-الخطط المقريزية
-كتاب السلوك للمقريزي
-الانتصار لواسطة عقد الأمصار لابن دقماق
-حسن المحاضرة للسيوطي
-المنهل الصافي لابن تغري بردي الأتابكي
-النجوم الزاهرة لابن تغري بردي
ومصادر أخرى.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من ثمار مدارس الأخلاق : التكايا والخانقاوات
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 07, 2015 6:41 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14765
مكان: مصـــــر المحروسة

خانقاوات الصوفية:

لفظ خانقاه هو لفظ فارسي معناه في الأصل المائدة أو المكان الذي يأكل فيه الملك، ثم أطلق بعد ذلك على الخوانق أو الخانقاوات أو الدور التي قام على إنشائها الملوك والأمراء الراغبون في عمل القرب والمبرات لأغراض كثيرة أهمها إيواء الغرباء من المسلمين الوافدين إلى ديارهم والقيام بمعيشتهم وتثقيفهم، ومع أن الصلوات الخمس المفروضة كانت تؤدي في إيوان خاص للصلاة بهذه الخانقاوات إلا أن الصلاة الجمعة لم تكن تقام فيها.

والخانقاه وهي بيت الصوفية كانت أشبه ما تكون بالمدرسة، لئنها كانت فعلاً مدرسة العامة ممن نذروا أنفسهم لحياة الزهد والتقشف، سواء كانوا من أبناء الشعب أو من أرباب الحرف والصناعات الذين عملوا على حمل مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الطرق والأسواق فتشابهت الخانقاه بذلك مع المدرسة من حيث الشكل والوظيفة.

والخلاصة أن الخوانك في الإسلام كانت عبارة عن دور للعلم والعبادة قامت بأدوار دينينة اجتماعية وثقافية هامة في حياة المجتمع الإسلامي منذ نشأتها، فقد كانت أولاً معاهد للمذاهب الفقهية والحديث الأخرى ممن لم يكن لهم مساوئ، وكانت ثالثاً مراكز إشعاع ثقافي بما احتوته بعض مكتباتها من الكتب المصنفة في كثير من العلوم والمعارف.

وكانت وظائف الخانقاة كثيرة ومتعددة، منها شيخ الخانقاه إمامها وناظر وقفها ومدرسو المذاهب ومعيدوهم والكحال والجرائحي والطبائعي وخازن الكتب وكاتب الغيبة والشاهد والمؤذن والمزملاتي، ومشرف الحمام، ومشرف المطبخ والطباخ وخادم الشيخ وخادم الربعات الشريفة والبواب والفراش وسواق الساقية والوقاد ونحوهم، وإن دل هذا الكم من الوظائف على شيء، فإنما يدل على حجم ما كان في هذه الخانقاوات من وظائف متنوعة كان كل واحد من أربابها يتقاض نظير عمله بالخانقاه أجراً نقدياً راعى فيه الوقف أن يتناسب مع ثرائه المالي ومقامه الاجتماعي، علاوة على ما كانوا جميعاً يشتركون فيه من أجر عيني انحصر في المأكل من الخضروات واللحوم والأرز واللبن والعسل والحلوى ونحوها وفي الملبس والصابون وغير ذلك من الأرزاق الوافرة التي كانت توزع عليهم.

وقد سار صلاح الدين على نهج استاذه نور الدين فأهتم بهذه المؤسسات ورّوادها من الصوفية، وأحسن إليهم واستشارهم في كثير من الأمور ويجل علماءهم وجلس إليهم واستمع إلى نصحهم، ووقفوا معه في حروبه ضد الصليبيين في مواقع كثيرة ، فقد نشأ صلاح الدين وترعرع مع أبيه نجم الدين أيوب الذي كان خيراً، حسن السيرة، كثير الإحسان إلى الفقراء والصوفية والمجالسة لهم.

قال ابن كثير : كان شجاعاً، كثير الصلاة، وله خانقاه بالديار المصرية، وله بدمشق خانقاه.

وقد رأى ابن خلكان في بعلبك خانقاه للصـوفية، يُقال لها النجمية، وهي منسوبة إليه، ومدحه بأنه كان كثير الصلاح .

إلا أن التأثير الكبير في أخلاق وشخصية صلاح الدين، جاء من سيّده نور الدين، الذي تعلّم منه طرائق الخير، ومحبة أهل الله، والاجتهاد في أمور الجهاد، وقد سار على الدرب نفسه الذي سلكه سـلفه، فقبـل أن يشـرع بتخليـص البـلاد من براثن الصليبيين بقي اثنتي عشرة سنة (570 – 582ه) يعمل من أجل تحقيق الوحدة، وإعداد قوّة الإسلام المادية الروحية، فزاد من إنشاء الرُّبَط والخوانق والزوايا، وجعل منها مدارس عسكرية وتربوية، قال الصفدي: وأربى على نور الدين في جميع ذلك، وأردف كلامه هذا شعراً :

أحيا الذي قد سنّ نور الدين
وزاد ما أمكن من تحسين

ويُعَدُّ صلاح الدين أوّل من أدخل مثل هذه المواضع على مصر.

قال القلقشندي: وأما الخوانق والربط، فممّا لم يُعهد بالديار المصرية، قبل الدولة الأيوبية، وكان المبتكر لها صلاح الدين بن أيوب، ووافقه في ذلك المقريزي والسيوطي وغيرهما :

إن صلاح الدين أوّل من أنشأ خانقاه للصوفية بمصر، ووقّف عليها أوقافاً كثيرة، وكان سكّانها يُعرفون بالعلم والصلاح، ووُليّ مشيختها الأكابر، وممن تُرجى بركتهم مع ما كان لهم من الوزارة، والإمارة، وتدبير الدولة، وقيادة الجيوش، وتقدمة العساكر.

وقد استرعت هذه الأمور الرّحالة الأندلسي ابن جبير أثناء رحلته إلى المشرق فقال : ومن مناقب هذا البلد (مصر) ومفاخرة العائدة في الحقيقة إلى سُلطانه المدارس والمحارس الموضوعة لأهـل الطلب والتعبد .. وهذا السلطان الذي سنّ هذه السنن المحمودة هو صلاح الدين، هو صلاح الدين المظفر وَصَل الله صلاحه وتوفيقه.

وكان- رحمه الله – أينما حلّ ونزل يبني المدارس الشرعية والخانقاوات، جنباً إلى جنب، فخلال فتح صلاح الدين القدس سنة (583ه) أمر المسلمين بالمحافظة على كنيسة القيامة، وبنى بالقرب منها مدرسة للفقهاء الشافعية ورباطاً للصلحاء الصوفية، ووقف عليها وقوفاً، وأسدى بذلك على الطائفتين معروفاً.

وفي فتحه لعكّا، وقف نصف دار "الإستبار" رباطاً للصوفية، ونصفها مدرسة للفقهاء ولا نجد غرابة من صلاح الدين في فعل مثل هذه الأشياء، لا سيما إذا علمنا أنّ الفريقين قد رافقوه في معاركه وفتوحاته ويبرز المؤرخون لنا هذا الحضور، وخاصّة فتح القدس قال ابن خلكان :

وكان فتحه عظيماً، شهده من أهل العلم خلق، ومن أرباب الخرق والزهد عالم.

ويُعزّز هذا الكلام، قول ابن الوردي في تاريخه :

وشهد فتحه كثير من أرباب الخرق والزهد والعلماء في مصر والشام، بحيث لم يتخلّف منهم أحد.

وقد كان صلاح الدين يصحب معه علماء الصوفية لأخذ الرأي والمشورة، فضلاً عن أنّ وجودهم يُعتبر حافزاً قوياً للمريدين على القتال ببسالة وشجاعة نادرة.

وقد كانت شخصية صلاح الدين محببة لأهل التصوف، فقد سلك طريق الزهد، كما أنه لم يحفظ ما تجب عليه الزكاة ولم يُخلَّف في خزانته إلا سبعاً وأربعين درهماً ناصرية وجراماً واحداً ذهباً، ولم يخُلفَّ مُلكاً ولا داراً ولا عقاراً ولا بستاناً، ولا شيئاً من أنواع الأملاك، وقِنع من الدنيا في ظلَّ خيمة تهبّ بها الرياح ميمنة وميسرة.

وكان صلاح الدين يستوي عنده الذهب والمدر (الطين) فقد قال ابن شداد :

وسمعت في معرض حديث جرى يمُكن أن يكون في الناس من ينظر إلى المال كما ينظر إلى التراب فكأنه أراد بذلك نفسه.

والروايات كثيرة تؤكّد زهد صلاح الدين وتقشُّفه في مأكله وملبسة بينما يُغدق كرمه على الفقهاء والصوفية، ويوقف القُرى بما تملك من موارد وأرباح خدمة للزوايا ودور الفقراء.

وبنى صلاح الدين الخانات في الأماكن المنقطعة، البعيدة عن العمران، وفي الطرق الموصلة بين المدن، وذلك لخدمة أبناء السبيل والمسافرين، وقد شاهد ابن جبير الخان الذي بناه صلاح الدين في الطريق بين حمص ودمشق، وكان يسمى بـ "خان السلطان،" كذلك بنى الأمير بهاء الدين قراقوش خان السبيل.

وقد اهتم صلاح الدين بجذب العلماء وكذلك بجذب الصوفية فأنشأ لهم أول "خانقاه" للصوفية في مصر وجعلها "برسم الفقراء الصوفية الواردين من البلاد الشاسعة" ووقف عليهم أوقافاً جليلة وولى عليهم شيخاً يدبر أمورهم عرف : بشيخ الشيوخ، ويذكر المقريزي :

أن سكانها من الصوفية كانوا معروفين بالعلم والصلاح، وأن عدد من كان بها بلغ الثلاثمائة وقد رتب لهم السلطان الخبز والحلوى في كل يوم، وأربعين درهماً في العام ثمن كسوة، وبنى لهم حماماً بجوارهم، ومن أراد منهم السفر، أعطي نفقة تعينه على بلوغ غايته.

وهذه العناية بأمور الصوفية، كانت تستهدف أهدافاً منها ما هو متعلق بحركة الأحياء السني، فعلى الرغم من أن التصوف المعتدل كان اتجاهاً له احترامه من قبل الحكام وعامة الناس في ذلك العصر، إلا أن الاهتمام به على هذا النحو في مصر بالذات كان عملاً مقصوداً، ويهدف إلى تحقيق غاية.

وإذا كان صلاح الدين حاول جذب علماء السنة إلى مصر من كل مكان، ليشاركوا بعلومهم وفكرهم في حركة الإحياء السني، فإن هناك جانباً هاماً كان لابد من العمل على إشباعه وتحويله من الوجهة التي اتجه بها الفاطميون إلى وجهة أخرى هذا الجانب هو الجانب العاطفي في الناس، والذي سيطر عليه الفاطميون بسهولة.

وكان التصوف السني، وأهله من الفئات القادرة على إشباع هذا الجانب يومها: بأخلاقهم السهلة السمحة، وزهدهم في متاع الدنيا، وقدرتهم على مخاطبة الناس عن طريق مجالس الوعظ والذكر وغير ذلك.

وقد استطاع صلاح الدين ونور الدين من قبله الاستفادة من جموع المتصوفة السنيين في حركة الإحياء السني والتصدي للتشيع، والغزو الصليبي.

المصدر :

موسوعة تاريخ الحروب الصليبية صلاح الدين الأيوبي : الفصل الثاني : قيام الدولة الأيوبية : المبحث الخامس : الإصلاح الاقتصادي وأوجه الإنفاق.

تم بحمد الله.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من ثمار مدارس الأخلاق : التكايا والخانقاوات
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 07, 2015 10:59 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 8042
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من ثمار مدارس الأخلاق : التكايا والخانقاوات
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 08, 2015 2:16 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14765
مكان: مصـــــر المحروسة

أكرمكم الله شيخنا الفاضل (فراح يعقوب) ، وجزاك الله خيراً ويسعدني دائماً مروركم الكريم العطر.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من ثمار مدارس الأخلاق : التكايا والخانقاوات
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 08, 2015 6:42 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء يناير 06, 2009 4:44 pm
مشاركات: 6441
هذا الموضوع جميل جدا نفعنا الله بكم جميعا وللعلم أن خانقاة سعيد السعداء وهى بحى الجمالية وقد قمت بزيارتها وكتبت عنها فهى من أعظم الخانقات الموجودة فى مصر
وأنشئت للعلم وقد قبر بها أكثر من خمسة عشر شيخ وولى وقد أندثرت رفاتهم جميعا
والتكية السليمانية بالمغربلين وقد قبر فيها أيضا
والتكية المولوية أمام مستشفى الخليفة
وقصر الأمير طاز
وتكية السلطان محمود خان بشارع بورسعيد بجوار مستشفى أحمد ماهر
وتكية سيدى إبراهيم الكلشنى بشارع تحت الربع ومن قبر بها
والتكية الرفاعية ببولاق ومن قبر بها
والزاوية النظامية ومن قبر بها
وخانقاة برسباى
وكثيرا من الخانقات التى شيدت للصوفية
وأرجوا مراجعة قسم اللآثار الإسلامية والمزارات المصرية فى هذا المنتدى الذى حوى كثير من العلم
بارك الله فى صاحبه معالى الدكتور محمود صبيح
وبارك الله فى كل من كتب وقرأ ونظر فى هذا المتندى
وبارك الله فى القائمين عليه


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من ثمار مدارس الأخلاق : التكايا والخانقاوات
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس إبريل 09, 2015 2:59 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14765
مكان: مصـــــر المحروسة

وبارك الله فيكم أستاذنا الكريم (حسن قاسم) وجعل مجهوداتكم في خدمة الصالحين وسيرهم العطرة نوراً لكم في الدنيا والآخرة.

جزاكم الله خيراً وأسعدني مروركم الكريم.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 9 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 22 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط