القسمة من النور : ـــــــــــــــــــــــــــ (القسمة من النور: روى الإمام مسلم وغيره عن السيدة عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ». نقول وبالله التوفيق: خُلق آدم عليه السلام من عناصر أربعة: عنصر التراب, ثم وُضع عليه عنصر الماء فكان طيناً ثم تخلله عنصر الهواء فأصبح ما يعرف بالطين اللازب (كالروبة) ثم عنصر النار فكان من صلصال كالفخار. ثم خلق الله حواء من ضلع آدم, ثم كان من ماء آدم وحواء (النطفة) السلالة البشرية. هذا هو الحظ من العناصر الأربعة, وكان حظ الملائكة الخلق من النور, وخلق الجآن من مارج من نار (وهو لسان اللهب) , فهل خُلق الصنف الآدمي من شيء غير ذلك أو عنصر لم يذكر؟ ليس هناك آية أو حديث فيه: "لم يخلق الله آدم إلا من كذا وكذا فقط", فخطوات خلق آدم كانت في عدة آيات. سيدنا عيسى كان من أم بشرية ونُفخ فيه من الروح كحالة خاصة؟ وبقية البشر! هل لهم حظ من غير العناصر الأربعة؟ نعم ... لهم حظ من النُّورِ وَالظُّلْمَةِ؟ لا تتعجب! … ألم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ، ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ يَوْمَئِذٍ فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ نُورِهِ يَوْمَئِذٍ اهْتَدَى، وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ ... ». وكانوا وقتها في حضرة خاصة, أو في حضرة الذر والإشهاد. كينونتهم أصبح فيها نور أو ظلمة, سواء كانت أرواحهم أو أسرارهم أو نفوسهم!
كل إنسان له نصيب من نور ما, إذا دخل فيه أشرقت ذاته بقدر ما دخل من نور. فإن قلت هل أتى ما يؤيد ذلك؟ قلنا: نعم فعَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ , عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ؟ قَالَ: «مِنَ الْمَاءِ وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالتُّرَابِ» قَالَ: فَمِمَّ خُلِقَ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي, قَالَ: ثُمَّ أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو , فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ؟ قَالَ: مِنَ الْمَاءِ وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالتُّرَابِ, قَالَ: فَمِمَّ خُلِقَ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: فَتَلَا ابْنُ عَبَّاسٍ (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ) (الجاثية 13) فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا كَانَ لِيَأْتِي بِهَذَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلّم».وله طريق آخر عن عبد الله بن عمرو, فعَنْ أَبِي أَرَاكَةَ قَالَ: «سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ؟ قَالَ: مِنَ النُّورِ وَالنَّارِ وَالظَّلْمَةِ وَالثَّرَى. قَالَ: وَائْتِ ابْنَ عَبَّاسِ فَاسْأَلْهُ، فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِ فَسَلْهُ: مِمَّ خُلِقَ ذَلِكَ كُلُّهُ؟ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ فَتَلا: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ) (الجاثية 13)». فإن قلت: قد يكون المقصود أن كل عنصر من هذا خلق به نوع من الخلق؟ قلنا لك: إذا كان ذلك كذلك, فلا بد للإجابة أن تشتمل على كل العناصر التي خلق منها الخلق, فأين النار في الرواية الأولى؟ وأين الماء والهواء في الرواية الثانية؟ وهم من العناصر الأساسية. وإن قلت: إن إجابة ابن عباس بالآية كان رداً على السؤال الثاني من السائل (فَمِمَّ خُلِقَ هَؤُلَاءِ ـ ويقصد به قطع التسلسل في السؤال, كما قال الإمام البيهقي, قال: "وقد أخبر الله عز وجل أن مصدر الجميع منه، أي من خلقه وإبداعه واختراعه، فهو خالق كل شيء، خلق الماء أولاً، أو الماء وما شاء من خلقه لا عن أصل ولا على مثال سبق، ثم جعله أصلاً لما خلق بعده، فهو المبدع وهو الباري لا إله غيره، ولا خالق سواه". فبمعرفة أن هناك من المخلوقات ما خلقه الله من لا شيء, ومنها ما خلقه من شيء: ينقطع التسلسل في السؤال. فهناك أول من كل مخلوق.قلنا: لا يغيب عن ابن عمرو وابن الزبير أن من المخلوقات ما خلقه الله من غير شيء, ومن المخلوقات ما خلقه الله من شيء, وما كان الرجل ليقول: "مَا كَانَ لِيَأْتِي بِهَذَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلّم ", فبلا شك أدرك عبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير أن للرجل مغزى غير الإجابة بقطع التسلسل وإلا ما قال كل واحد منهما: "لا أدري", وعبد الله بن عمرو بالذات له روايات في ماهية أول الخلق الذي خلقه الله من غير شيء, كما سبق في موضعه الأمر دقيق جداً, وإلا ما كان الرجل يقول: "مَا كَانَ لِيَأْتِي بِهَذَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلّم ". استدلال سيدنا ابن عباس بالآية كان لشيئين: الأول: الإشارة في سخر لكم ... سخر لكم أنتم معشر البشر ... فالأولية وقطع التسلسل على ما قال البيهقي إشارة لأحد من البشر الأوائل. فالجواب يتعلق بمن قيل لهم سخر لكم أنتم .. فالسر فيهم سخر لكم ... سخر لكم أنتم معشر البشر, فالخليفة منكم فيخرج من المقصود بالاستدلال من بالآية الملائكة, والجن, وإن دخل الجن فلاتباعهم للإنس ليس إلا. فهذا الاستدلال في هذا السياق دال على تخصيص معنى السؤال في خلق البشر. ولا بد للإجابة معرفة من المقصود بـ "لكم" "جميعا منه" من تسخير الله فيكون السؤال الأول: " مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ؟ وتكون إجابته: أ ـ العناصر الأساسية لكل المخلوقات: الماء والنور والظلمة والهواء ... إلخ. ب ـ كل العناصر الأساسية لكل المخلوقات حواها واحد من المخلوقات. ويكون السؤال الثاني: فَمِمَّ خُلِقَ هَؤُلَاءِ؟ وتكون إجابته: لقطع التسلسل هناك أوليتان: الأولية الأولى: أولية لمن خلق الله منه المخلوقات: وهذه الأولية لمن خصه الله بأعظم نصيب من المنادة بـ " لكم " في (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ) (الجاثية 13) فإن كل العناصر المخلوق منها البشر أو كل المخلوقات مسخرة لكم الأولية الثانية: أولية كل نوع أو صنف أو جنس, كأول من الملائكة وأول من الجن وأول من الشياطين وأول من المركب من العناصر الأربعة وهو آدم عليه السلام مضافاً إليه النور والظلمة. الرجل قال كلمة خطيرة قال: "مَا كَانَ لِيَأْتِي بِهَذَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلّم وهو دقيق، فهم مغزى كلام ابن عباس ... فبوجود نور النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في أهل البيت يدركون غوامض لا يدركها غيرهم. ونقول: السائل يسأل عما يسمى في عصرنا هذا بـ "الخلية الأم" أو خلية أصل الوجود. ونقول لك أيضاً: إنه تلميح من سيدنا عبد الله بن عباس أن كل المخلوقات مخلوقة من أجل سيدنا محمد, فهو من سخر له الله السماوات والأرض ووضعت مفاتيح الخزائن في يده, وما سخر الله الكون بسماواته وأرضه إلا لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم , وإلا قل لي ما الذي سخره الله لك في السماء السابعة؟ فالشياطين والجن محبوسون في الأرض وحتى حدود السماء الدنيا (الأولى). وإشارة من سيدنا ابن عباس إلى النور المحمدي, وإشارة إلى معنى النور المحمدي, وإلا لماذا سجد البعير, وأتت الأشجار ساجدة تمشي إليه على ساق بلا قدم؟ ولماذا كان العرجون يقفز فرحاً, ثم يسجد تجاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ثم يقفز فرحاً؟ ولماذا حن الجذع وأن؟ ولماذا نبع الماء من بين يديه عياناً بياناً؟ وقد كانت يد سيدنا موسى عليه السلام تخرج بيضاء من غير سوء ولكن بعد إدخالها في جيبه, وجيبه لمن يرى الآية من الفراعنة وبني إسرائيل غيب, الماء فار فوراناً من بين أصابع سيدنا رسول الله وليس من الأنامل, الماء نفسه لم يزد من نفسه ولكنه نبع من بين الأصابع, يعني كل أصبعين كأنهم رقم سبعة " 7" نبع الماء من التقاء كل أصبعين, وتفجر تفجيراً فخرج من جسد سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم من أصابعه, نبع لا طرد, فإن الإنسان تخرج ذنوبه من أنامله بعد الوضوء مع آخر قطر الماء, أما مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فلا ذنوب ولا طرد, بل نبع الماء الذي يظنه بعض الناس أول المخلوقات, نبع هذا من بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فعده بعض العلماء أطهر أنواع المياه, وأطهر من زمزم. قال صلى الله عليه وآله وسلّم للصحابي: «ناولني الذراع فناوله ذراع, ثم قال صلى الله عليه وآله وسلّم: ناولني الذراع, فناوله, فقال له صلى الله عليه وآله وسلّم: ناولني الذراع فقال: أو للشاة أكثر من ذراعين, فقال: لو أجبتني لناولتني ما دعوتك». قال أسيادنا الفقهاء: وجملة المعجزات راجعة إِلى ثلاثة معان: إِيجاد معدوم، أَو إِعدام موجود، أَو تحويل حال موجود. إِيجاد معدوم: كخروج الناقة من الجبل بدعاءِ صالح عليه السلام. وإِعدام الموجود: كإِبراءِ الأَكمه والأَبرص بدعاءِ عيسى عليه السلام. وتحويلُ حال الموجود: كقلب عصا موسى ثعباناً". فقال البعض, إلا إيجاد المعدوم.قلنا لهم: إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فهو أصل الموجودات, وسر حياتها, فكان الماء ينبع من ذاته الشريفة من بين أصابعه الشريفة, وكان يخرج الذراع من العدم إلى الوجود, ويمسح ضرع عنزة لم يَنْزُ عليها فحل (لم يجامعها جدي) فيحتلب منها لبناً كما يشاء, بخاصية أن كل شيء خُلق من نوره صلى الله عليه وآله وسلّم. وهذا هو الفرق بين ما كان من يد سيدنا موسى وما كان من سيدنا إبراهيم وسيدنا عيسى من (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ) (آل عمران 49) وبين ما أوتيه صلى الله عليه وآله وسلّم , فكل ما فعلوه كان عن إذن وبأداة (عصا ـ طير) وليس من ذاتهم, ومن غيب يظهر لشهادة, (يد سيدنا موسى) وليس من شهادة تظهر في عالم الشهادة. وكان مما قلناه في كتابنا شرح دعاء سورة يس, في شرح بِبَاءِ بَدْءٍ سِرُّهُ لَامِعُ: "حال النبى عند ربه لا يعلمه إلا ربه، (وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى) (الضحى 4) , ولكن الله يريد أن يعرف الناس " محمداً " صلى الله عليه وآله وسلّم، فلابد من التمييز، ومن أجل ذلك خلق الله النقطة التى تميز الحق من الضلال والفوق من التحت، فكانت الباء دالة على سيد الخلق. إذاً فالباء بقيت وظلت نقطتها لأنه لابد لها من التعريف بوجوب الإيمان برسالته، فلابد للناس أن يؤمنوا بالرسالة، والرسالة تحتاج إلى رسول، هذا الرسول يجب أن يكون معروفاً، والباء عرفت بالنقطة فالباء إذاً فى أمة الحروف الدالة على بدء الخليقة بمن يجب أن يتعرف عليه الناس وهو سيدنا محمد رسول الله، فكان بداية الكون " بسم الله الرحمن الرحيم " خلق محمد. عندما يريد الله أن يخفى حال حبيبه فإنه يخفى النقطة، ويظهره مرة فى محمد صلى الله عليه وآله وسلّم، ومرة فى أسرار قوله: «ناولنى الذراع». عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ «صُنِعَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلّم شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ فَأُتِيَ بِهَا فَقَالَ لِي: يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ فَنَاوَلْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ فَنَاوَلْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَهَلْ لِلشَّاةِ إِلاَّ ذِرَاعَانِ فَقَالَ لَوْ سَكَتَّ لَنَاوَلْتَنِي مِنْهَا مَا دَعَوْتُ بِهِ قَالَ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ يُعْجِبُهُ الذِّرَاعُ». . بباء بدء كان يقول صلى الله عليه وآله وسلّم: «ناولنى الذراع». أخَذها سيدنا رسول الله فى الحضرة النبوية. بأسرار تجلى الله بـ "بسم الله الرحمن الرحيم " وبالوكالة عن الله الرحمن الرحيم يأتى الذراع".انتهى ) ــــــــــــــــــــــــــ من كتاب / على أعتاب الحضرة المحمدية / للأستاذ الدكتور السيد الشريف محمود صبيح حفظه الله ـــــــــــــــــــــــ اللهم صل على سيدنا محمد النور وآله وسلم
_________________ صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله
|