نقلا عن حتى لا تحرم من رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم فى المنام (ص: 310:314)
محاولة الاعتداء على قبر النبى صلى الله عليه وآله وسلم بغرض نقل الجسد الشريف إلى الفرنجة
1 - ذكر المؤرخون فى معرض كلامهم عن تاريخ المدينة وقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعض المحاولات التى جرت للاعتداء على القبر الشريف، ومن ذلك ما ذكره المطرى (698 - 765 هـ) فى كتابه تاريخ المدينة، أن السلطان نور الدين محمود رأى النبى فى ليلة واحدة ثلاث مرات وهو يقول له فى كل واحدة منها: " يا محمود انقذنى من هذين الشخصين " لشخصين أشقرين تجاهه، فاستحضر وزيره قبل الصبح فأخبره فقال له هذا الأمر حدث فى مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس له غيرك، فتجهز وخرج على عجل بمقدار ألف راحلة وما يتبعها من خيل وغير ذلك حتى دخل المدينة على غفلة فلما زار طلب الناس عامة للصدقة، وقال لا يبقى بالمدينة أحد إلا جاء، فلم يبق إلا رجلان مجاوران من أهل الأندلس نازلان فى الناحية التى قبلة حجرة النبى من خارج المسجد عند دار آل عمر بن الخطاب التى تعرف اليوم بدار العشرة - رضي الله عنهم -، قالا: نحن فى كفاية، فجد فى طلبهما حتى جىء بهما فلما رآهما قال للوزير: هما هذان فسألهما عليهما حتى أفضى إلى العقوبة، فأقرا أنهما من النصارى وصلا لكى ينقلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم من هذه الحجرة الشريفة، ووجدهما قد حفرا نقبا تحت الأرض من تحت حائط المسجد القبلى يجعلان التراب فى بئر عندهما فى البيت، فضرب أعناقهما عند الشباك الذى فى شرقى حجرة.
وقد ذكر هذه القصة مطولة العلامة السيد نور الدين على السمهودى المدنى (911هـ) فى كتابه خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى، نقلا عن جمال الدين الأسنوى الشافعى (772 هـ) فى كتابه الانتصارات الإسلامية، ونحن ننقلها بحروفها: قال: خاتمة فيما نقل من عمل نور الدين الشهيد لخندق حول الحجرة الشريفة مملوء بالرصاص، وذكر السبب فى ذلك، وما ناسبه، وذلك أن السلطان المذكور كان له تهجد يأتى به بالليل، وأوراد يأتى بها، فنام عقب تهجده، فرأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فى نومه وهو يشير إلى رجلين أشقرين ويقول: " أنجدنى! أنقذنى من هذين " فاستيقظ فزعا، ثم توضأ وصلى ونام، فرأى المنام بعينه، فاستيقظ وصلى ونام، فرآه أيضا مرة ثالثة، فاستيقظ وقال: لم يبق نوم، وكان له وزير من الصالحين يقال له: جمال الدين الموصلى فأرسل خلفه ليلا، وحكى له جميع ما اتفق له، فقال له: وما قعودك؟ اخرج الآن إلى المدينة النبوية، واكتم ما رأيت، فتجهز فى بقية ليلته وخرج على رواحل خفيفة فى عشرين نفرا، وصحبته الوزير المذكور، ومال كثير، فقدم المدينة فى ستة عشر يوما، فاغتسل خارجها ودخل فصلى بالروضة، وزار ثم جلس لا يدرى ماذا يصنع، فقال الوزير - وقد اجتمع أهل المدينة فى المسجد -: إن السلطان قصد زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحضر معه أموالاً للصدقة، فاكتبوا من عندكم، فكتبوا أهل المدينة كلهم، وأمر السلطان بحضورهم، وكل من حضر ليأخذ يتأمله ليجد فيه الصفة التى أراها النبي صلى الله عليه وآله وسلم له، فلم يجد تلك الصفة، فيعطيه ويأمره بالانصراف، إلى أن انقضت الناس، فقال السلطان هل بقى أحد لم يأخذ شيئا من الصدقة؟ قالوا: لا، فقال: تفكروا وتأملوا، فقالوا: لم يبق أحد إلا رجلان مغربيان لا يتناولان من أحد شئيا، وهما صالحان غنيان يكثران الصدقة على المحاويج، فانشرح صدره وقال: على بهما، فأتى بهما فرآهما الرجلين اللذين أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليهما بقوله: " أنجدنى! أنقذنى من هذين " فقال لهما: من أين أنتما؟ فقالا: من بلاد المغرب، جئنا حاجين فاخترنا المجاورة فى هذا العام عند رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أصدقانى، فصمما على ذلك، فقال: أين منزلهما؟ فأخبر بأنهما فى رباط بقرب الحجرة الشريفة، فأمسكهما وحضر إلى منزلهما، فرأى فيه مالا كثيرا وختمتين وكتبا فى الرقائق، ولم ير فيه شئيا غير ذلك، فاثنى عليهما أهل المدينة بخير كثير وقالوا: أنهما صائمان الدهر ملازمان الصلوات فى الروضة الشريفة وزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزيارة البقيع كل يوم بكرة وزيارة قباء كل سبت، ولا يردان سائلا قط بحيث سدا خلة أهل المدينة فى هذا العام المجدب، فقال السلطان: سبحان الله! ولم يظهر شيئا مما رآه، وبقى السلطان يطوف فى البيت بنفسه، فرفع حصيرا فى البيت فرأى سردابا محفورا ينتهى إلى صوب الحجرة الشريفة، فارتاعت الناس لذلك، وقال السلطان عند ذلك: أصدقانى حالكما، وضربهما ضربا شديدا، فاعترفا بأنهما نصرانيان بعثهما النصارى فى زى حجاج المغاربة، وأمالوهما بأموال عظيمة، وأمروهما بالتحيل فى شئ عظيم خيلته لهم أنفسهم، وتوهموا أن يمكنهم الله منه، وهو الوصول إلى الجناب الشريف، ويفعلوا به ما زينه لهم إبليس فى النقل وما يترتب عليه، فنزلا فى أقرب رباط إلى الحجرة الشريفة، وفعلا ما تقدم وصارا يحفران ليلا، ولكل منهما محفظة جلد على زى المغاربة، والذى يجتمع من التراب يجعله كل منهما فى محفظته، ويخرجان لإظهار زيارة البقيع فيلقيانه بين القبور، وأقاما على ذلك مدة، فلما قربا من الحجرة الشريفة أرعدت السماء وأبرقت، وحصل رجيف عظيم بحيث خيل انقلاع تلك الجبال، فقدم السلطان صبيحة تلك الليلة، واتفق مسكهما واعترافهما، فلما اعترفا وظهر حالهما على يديه، ورأى تأهيل الله له لذلك دون غيره بكى بكاء شديدا، وأمر بضرب رقابهما، فقتلا تحت الشباك الذى يلى الحجرة الشريفة، وهو مما يلى البقيع، ثم أمر بإحضار رصاص عظيم، وحفر خندقا عظيما إلى الماء حول الحجرة الشريفة كلها، وأذيب ذلك الرصاص، وملأ به الخندق، فصار حول الحجرة الشريفة سورا رصاص إلى الماء، ثم عاد إلى ملكه، وأمر بإضعاف النصارى، وأمر أن لا يستعمل كافر فى عمل من الأعمال، وأمر مع ذلك بقطع المكوس جميعها.
وقد أشار إلى ذلك الجمال المطرى باختصار، ولم يذكر عمل الخندق حول الحجرة وسبك الرصاص به، لكن بين السنة التى وقع فيها ذلك مع مخالفة لبعض ما تقدم، فقال فى الكلام على سور المدينة المحيط بها اليوم: وصل السلطان نور الدين محمود بن زنكى بن آقسنقر فى سنة سبع وخمسين وخمس مائة إلى المدينة الشريفة بسبب رؤيا رآها ذكرها بعض الناس وسمعتها من الفقيه علم الدين يعقوب بن أبى بكر المحترق أبوه ليلة حريق المسجد عمن حدثه من أكابر من أدرك: أن السلطان محمود المذكور رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث مرات فى ليلة واحدة وهو يقول فى كل واحدة: " يا محمود أنقذنى من هذين " لشخصين أشقرين تجاهه، فاستحضر وزيره قبل الصبح فذكر له ذلك، فقال له: هذا أمر حدث فى مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس له غيرك، فتجهز وخرج على عجل بمقدار ألف راحلة وما يتبعها من خيل وغير ذلك، حتى دخل المدينة على غفلة من أهلها والوزير معه، وزار وجلس فى المسجد لا يدرى ما يصنع، فقال له الوزير: أتعرف الشخصين إذا رأيتهم؟ قال: نعم، فطلب الناس عامة للصدقة، وفرق عليهم ذهبا كثيرا وفضة، وقال: لا يبقين أحد بالمدينة إلا جاء، فلم يبق إلا رجلان مجاوران من أهل الأندلس نازلان فى الناحية التى تلى قبلة حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خارج المسجد عند دار آل عمر بن الخطاب التى تعرف اليوم بدار العشرة، فطلبهما للصدقة فامتنعا وقالا: نحن على كفاية ما نقبل شيئا، فجد فى طلبهما، فجئ بهما، فلما رآهما قال للوزير: هما هذان! فسألهما عن حالهما وما جاء بهما؟ فقالا: لمجاورة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أصدقانى، وتكرر السؤال حتى أفضى إلى معاقبتهما، فأقرا أنهما من النصارى، وأنهما وصلا لكى ينقلا من فى هذه الحجرة الشريفة باتفاق من ملوكهم، ووجدهما قد حفرا نقبا تحت الأرض من تحت حائط المسجد القبلى، وهما قاصدان إلى جهة الحجرة الشريفة، ويجعلان التراب فى بئر عندهما فى البيت الذى هما فيه، هكذا حدثنى عمن حدثه، فضرب أعناقهما عند الشباك الذى فى شرقى حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم خارج المسجد، ثم أحرقا بالنار آخر النهار وركب متوجها إلى الشام. انتهى كلام السمهودى رحمه الله. (1) 2 - قال سبط ابن الجوزى: حكى لى نجم الدين بن سلام عن والده أن الفرنج لما نزلت على دمياط مازال نور الدين عشرين يوما يصوم ولا يفطر إلا على الماء فضعف وكاد يتلف، وكان مهيبا ما يجسر أحد يخاطبه فى ذلك، فقال إمامه يحيى إنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فى النوم يقول: " يا يحيى بشر نور الدين برحيل الفرنج عن دمياط " فقلت يا رسول الله ربما لا يصدقنى فقال: " قل له بعلامة يوم حارم " وانتبه يحيى، فلما صلى نور الدين الصبح وشرع يدعو هابه يحيى فقال له: يا يحيى تحدثنى أو أحدثك فارتعد يحيى وخرس، فقال: أنا أحدثك __________ (1) - السمهودى فى كتابه وفاء الوفاة بأخبار دار المصطفى ـ مؤسسة الفرقان (2/ 430 - 435) نقل عن جمال الدين الأسنوى الشافعى (772 هـ) فى كتابه الانتصارات الإسلامية انظر المطرى فى تاريخ المدينة، سمط النجوم العوالى (3/ 507 - 508) التحفة اللطيفة فى تاريخ المدينة الشريفة (1/ 45) شذرات الذهب (2/ 230 - 231) تحفة الأنام للبصروى (1015 هـ) منادمة الأطلال لابن بدران (1/ 221 - 222)
_________________ "يس" يا روح الفؤاد
|