اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm مشاركات: 5435
|
الطوارق... حكاية 2962 سنة من تاريخ الصحراء (3ـ 4)
 الطوارق... حكاية 2962 سنة من تاريخ الصحراء (3ـ 4)
يسود اعتقاد خاطئ أن موطن الطوارق الأصلي هو مصر، ولعب الاستعمار الغربي، وصراعه مع الإمبراطورية العثمانية من أجل تقاسم النفوذ وتعديل الحدود، دوراً كبيراً في بث المشكلات. ومن الانصاف القول بأن الطوارق أبلوا بلاء حسناً في قتال الاستعمار الأوروبي، لكنهم بعد الاستقلال عانوا مشكلات عدة ليس أقلها عدم انتشار التعليم بين صفوفهم، مما حرمهم من تبوء المكانة المناسبة في السلطات الجديدة.
وتدلنا كتب التاريخ أن هناك أقواماً يدعون "التمحو" و"التحنو" كانوا يعيشون غرب وادي النيل، وتحديداً في الصحراء. وكان يطلق عليهم العديد من الأسماء، منها "المشواش" و"الليبو" و"أمينيو" وهم رجال أشداء لدرجة أن الملك رمسيس الثالث جلب مرتزقة من ليبيا لاستخدامهم في الحروب التي كان يخوضها، وكان معظمهم من الأمازيغ، وتحديداً من قبيلة اسمها "الميشوش". وعندما مات رمسيس الثالث توالى على العرش 6 ملوك باسم رمسيس، وكانوا جميعاً ضعفاء، فاستقوى الأمازيغ بالجيش وسيطروا عليه إلى حد بعيد. وفي عام 950 قبل الميلاد استولى "شيشينق"، القائد الأمازيغي في الجيش المصري، على العرش، وقد حكم الأمازيغ مصر لمدة 200 عام، شكلوا خلالها الأسر 22 و23 و24 حتى سقط حكمهم على يد النوبيين بزعامة الملك "بعنخي".
واحة جغبوب وإيطاليا لكن علاقة الأمازيغ بمصر لم تنقطع، فقد شهد القرن العشرون انتزاع مناطق من مصر وضمها إلى ليبيا، ومنها واحات "جغبوب" و"أركنو" و"العوينات" في الجنوب.. بدأت قصة انتزاع تلك الأراضي من السيادة المصرية أثناء أزمة خليج السلوم عام 1904، على إثر خلاف مع الامبراطورية العثمانية التي استطاعت الاستيلاء على مدينة السلوم في العام 1904، وأقام الأتراك ثكنات عسكرية في المدينة، مما أثار الاحتلال الإنكليزي لمصر، فبدأت ضغوط بريطانية على الحكومة العثمانية للانسحاب من مدينة السلوم والاعتراف بالسيادة المصرية عليها…وكان ذلك هو أول نزاع على حدود مصر الغربية.
وكانت المنطقة قد شهدت، قبل وبعد ذلك، غارات من قبائل ليبية على صحراء مصر الغربية طوال الفترة من 1901 حتى 1916، وبدأت بغارة من قبيلة "الأوازير" من بني غازي على قبيلة “القطيفة” وهي واحدة من القبائل المصرية على الحدود مع ليبيا. وعندما زار قائد السواحل المصري آنذاك ميناء السلوم عام 1905، أبلغته مشايخ القبائل المصرية أنهم يتوقعون غارات من القبائل الليبية، وقد كان للأتراك والألمان دور في هذه الغارات، حيث أرسلوا إلى السيد أحمد السنوسي في صحراء ليبيا، وأغروه بالدخول في الحرب ضد القوات البريطانية والمصرية، وطمع السنوسي في فرض سيطرته على أجزاء عديدة من مصر مما أدى إلى الدخول في 6 معارك مع القوات المصرية والبريطانية.. ومنها معركة "بئر ماجد" عام 1915 و"العطاطين". واستطاع الوصول إلى مشارف النيل، وظل هذا الاحتلال لمدة 15 سنة، إلى أن تم إنشاء سلاح الهجانة المصري الذي استطاع تحرير الواحات المصرية، وتم عقد اتفاقية مع السنوسي تقضي بالاكتفاء بالزعامة الدينية، وأن يكون حاكماً لواحة "جغبوب" تحت السيادة المصرية، وكان هناك شرط في تلك الاتفاقية بألا يزيد أتباعه المسلحون في الواحة على 50 فردا، يستخدمون لحفظ الأمن الداخلي فقط داخل الواحة.
نزاعات قبلية وعرقية ورغم أن “السنوسي” كان حاكما لإقليم مصري آنذاك، إلا أن الدولة العثمانية عندما اعترفت باستقلال “ليبيا” عينته ملكاً على ليبيا، وذلك لإثارة النزاعات القبلية والعرقية على الحدود الغربية.
وعندما سقطت حكومة سعد زغلول، وجاءت حكومة أحمد زيور الذي قبل مطالب إيطاليا بتسليم واحة "جغبوب" ووقع على تلك المعاهدة دون أن تعرض على البرلمان، وعندما عرضت عليه رفضها لمدة 7 سنوات.. لكنه تراجع عن معارضته خوفاً من التهديدات الإيطالية المتكررة باحتلال مرسى مطروح.
وعندما احتلت إيطاليا عندما واحة "الكفرة" وجدت أنها بلا قيمة وغير ذات جدوى من الناحية العسكرية والإستراتيجية ما لم يتم احتلال "أركنو" و"العوينات" و"آبار سارة" وهي واحات تقع إلى ناحية الغرب والجنوب من واحة "الكفرة"، ولذلك اتجهت إيطاليا عام 1934 لاحتلال تلك الواحات المصرية عسكرياً.
وقبل استقلال ليبيا كانت مصر تطالب باستقلال ليبيا ووحدتها، فيما وقفت الدول العظمى ضد تلك الرغبة، وكانوا يستهدفون تقسيمها إلى 3 مناطق، على أن تكون كل منطقة خاضعة لاحدى الدول العظمى.. وفي الوقت نفسه طلبت مصر تعديل حدود مصر الغربية، ورغبتها في استرداد مناطق معينة، وهي منطقة "هضبة السلوم" بما تشمله من ميناء "بردية"، لأن تلك الهضبة لها أهمية عسكرية كبرى، فمن يسيطر عليها يمكنه تهديد حدود مصر الشمالية.. كما طالبت باسترجاع واحة "جغبوب" التي تمثل عنق الزجاجة والمدخل الطبيعي من الجهة الغربية لجميع واحات مصر الغربية، وقد سبق لإدريس السنوسي أن هاجم القوات المصرية واستطاع احتلال جميع الواحات.
القذافي وأمازيغ سيوة وفي عهد الرئيس أنور السادات حدثت أزمة سياسية، بدأت حين طالب عضو مجلس قيادة الثورة آنذاك عبد السلام جلود بتعديل حدود ليبيا، لتصل إلى رأس علم الروم، وضم واحة سيوة إلى ليبيا، ووصل الأمر أيضا إلى الادعاء بأن حدود ليبيا تمتد حتى العلمين. وكان رد السادات على تصريحات جلود بتحريك القوات المصرية والتوجه نحو طبرق وواحة "جغبوب".. ولولا تدخل الملوك والرؤساء العرب لنشب صراع عسكري عام 1977 على خلفية التوترات التي خلفتها تلك التصريحات ورد الفعل من الجانب المصري.
حالة الطوارق بعد الاستقلال وجد الطوارق أنفسهم مشتتين بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو الواقعة جنوب الصحراء الكبرى وليبيا والجزائر إلى الشمال، بعد رحيل الاستعمار الفرنسي من منطقة غرب إفريقيا، ورسم حدود جديدة في المنطقة. وزاد من شعورهم بالغبن أنهم قاوموا بشراسة الاحتلال الفرنسي والأوروبي لعدة دول أفريقية منذ نهاية القرن 19 وعرقلوا تقدم القوات الفرنسية في دول أفريقيا السوداء وقتل الفرنسيون رئيسهم الأمنوكال فهرون العام 1916.
ومنذ استقلال الدول الإفريقية عن الاحتلال الأوروبي غلب التوتر على علاقة الطوارق بحكومات الدول التي يتواجدون فيها، غير أن أول تحرك سياسي فعلي للطوارق يعود إلى العام 1963 حيث أعلنوا عن مطالبهم السياسية في مالي وطالبوا بحق امتلاك الأراضي والحفاظ على خصوصياتهم الثقافية واللغوية غير أن حكومة الرئيس "موبوتو كيتا" قمعت هذه الحركة وزجت برموزها في السجون.
ومع استقلال الدول الإفريقية والعربية من الاحتلال الغربي وجد الطوارق أنفسهم في وضع حرج خاصة أن صفوفهم لا تضم العدد الكبير من الحاصلين على شهادات عليا تمكنهم من المطالبة بمناصب سياسية وإدارية في الدول التي يتواجدون فيها، وزاد من عزلتهم وجودهم في مناطق صحراوية، قليلة الكثافة السكانية وبعيدة عن العواصم التي تعتبر مركز القرارات، وهو ما جعلهم من المنسيين في هذه الدول لذلك طالبوا برفع التهميش والمظالم.
وللطوارق مطالب كأي شعب، فهم يطالبون بحقوق على ملكية الأراضي، إضافة إلى الاعتراف بحقوقهم الثقافية واللغوية، ففي أوائل التسعينيات من القرن الماضي، اندلعت حركة تمرد في صفوف قبائل الطوارق الرحل الماليين، فبادرت الحكومة إلى إرسال قواتها المسلحة إلى شمال البلاد بهدف سحق تمردهم.
وقد لعب القذافي بورقة الطوارق كثيراً، ومنحهم، في بعض الأوقات، دوراً كبيراً في بلاده ودعمهم في البلدان الأخرى، ضمن سياسته المعروفة، بل إنه كثيراً ما كان يردد، وخصوصاً في سنوات حكمه الأخيرة، أن الطوارق هم سكان أفريقيا الأصليين.
إعداد سامر الياس
(المادة المنشورة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)
http://arabic.rt.com/news_all_news/analytics/68918/
|
|