بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلي و سلم وبارك على سيدنا محمد و على اله و صحبه اجمعين
التوسل إلي الله........
التوسل إلى الله هو التضرع إلى الله عز وجل متوسلين إليه سبحانه بما يحب , وبمن يحب. يقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ) المائدة 35 (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ) الإسراء 57 . والوسيلة هي القربة , أي ما يتقرب به إلى الغير , وكل ما جعله الله سببا في القربى عنده فهو وسيلة ووصلة إلى قضاء الحاجات منه فهي ما يتوسل به إلى الله تعالى .
ولفظ الوسيلة عام في الآيتين , فهو شامل للتوسل بالذات الفاضلة من الأنبياء والصالحين في الحياة وبعد الممات , وبإتيان الأعمال الصالحة بعد وقوعها .
التوسل إلى الله بذاته وأسمائه وصفاته : ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ورد في الأدعية المأثورة : اللهم إني أسألك يكل اسم هو لك و أسألك بأسمائك الحسنى وأسألك بأنك أنت الله وأعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك , وبك منك .
التوسل بصالح الأعمال : ـ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يقول الإمام النووي رضي الله عنه : يجوز التوسل بالعمل الصالح , ويستحب للمسلم أن يدعو في حال الكرب , وفي الاستسقاء وغيره بالعمل الصالح , ويتوسل إلى الله تعالى به لأن الصالحين السابقين فعلوه فاستجيب لهم .
أخرج مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( بينما ثلاثة نفر يتمشون إذ أخذهم المطر فأووا إلى غار في جبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم , فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله فادعوا الله تعالى بها لعله يفرجها عنكم , فقال أحدهم : اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران وامرأتي ولى صبية صغار أرعى عليهم فإذا أرحت عليهم أي إذا رددت الماشية من المرعى إلى موضع مبيتها حلبت فبدأت بوالدي فسقيتهما قبل بني , وأنه نأى بي ذات يوم الشجر أي بعد المرعي فلم آت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما , فحلبت كما كنت أحلب , فجئت بالحلاب أي الإناء الذي يحلب فيه فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما , وأكره أن أسقي الصبية قبلهما , والصبية يتضاعون أي يستغيثون من الجوع عند قدمي , فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر , فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهيك فأفرج لنا فرجة نرى منها السماء , ففرج الله منها فرجة فرأوا منها السماء . وقال الأخر : اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء , وطلبت إليها نفسها فأبت حتى أتيها بمائة دينار فتعبت حتى جمعت مائة دينار , فجئتها بها فلما وقعت بين رجليها أى جلست مجلس الرجل للوقاع . قلت : يا عبد الله اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه أى بالزواج فقمت عنها , فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج لنا منها فرجة , ففرج لهم . وقال الأخر : اللهم إني كنت استأجرت أجيرا بفرق أرز أي إناء يسع ثلاثة مكاييل من الأرز ويسمي المكيال صاع فلما قصي عمله قال اعطني حقي , فعرضت عليه فرقه فرغب عنه أي كرهه وتركه , فلما أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا ورعاءها فجاءني فقال : اتق الله ولا تظلمني حقي , قلت :اذهب إلى تلك البقر ورعاءها فخذها , فقال : اتق الله ولا تستهزىء بي , فقلت : إني لا أستهزىء بك , خذ ذلك البقر ورعاءها , فأخذه فذهب به , فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج لنا ما بقي , ففرج الله ما بقي .
والملاحظ أن استجابة الدعاء لم تكن على ما قاموا به من أعمال قصدوا بها وجه الله تعالى , وإلا لحصلت بدون ذكرها , وإنما كانت الاستجابة بالدعاء إلى الله تعالى والتوسل إليه بهذه الأعمال الصالحة .
التوسل بدعاء الغير : ـ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التوسل بدعاء الغير حينما قال صلوات الله وسلامه عليه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد استأذنه في العمرة وأذن له وقال له ( لا تنسنا يا أخي من دعائك ) وهى سنة لعمر رضي الله عنه ولغيره , كما أنه يستفاد منها أنه لا يشترط فيمن تتخذه وسيلة إلى الله أن يكون أفضل منك , أو من غيرك من المسلمين .. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ( لا تنسنا يا أخي من دعائك ) .
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن خير التابعين رجل يقال له " أويس " وله والدة , وكان به بياض , فمروه فليستغفر لكم ) وفي رواية وله والدة وهو بها بار , فإن استطعت أن يغفر لك فافعل . وقد طلب عمر رضي الله عنه منه أن يستغفر له .
فدل ذلك على جواز التوسل بدعاء المسلمين , ولو كان الداعي أقل درجة من المدعو له , وهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على سؤال الله له الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود .. وسؤالنا الله أن يصلى عليه .
توسل أبينا آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم : ـ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد إلا غفرت لي ) فقال الله تعالى : " يا آدم كيف عرفت ومحمد لم أخلقه ؟ " قال: يا رب إنك لما خلقتني رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا .. ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) .. فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك .. قال الله تعالى : صدقت يا آدم , إنه لأحب الخلق إلى وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك , ولو لا محمد ما خلقتك . وفي هذا الحديث توسل برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتشرف هذا العالم بوجوده .
ذكر الحاكم في مستدركه عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس رضي الله عنه : أوحى الله إلى عيسى عليه السلام : " يا عيسى آمن بمحمد , وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به , فلو لا محمد ما خلقت آدم ولولاه ما خلقت الجنة والنار , ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب " فكتبت عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله " فسكن.
توسل الصحابة في الاستسقاء : ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أصاب الناس قحط في زمان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه , وتوجه الصحابة إلى الله عز وجل يتضرعون إليه أن ينزل المطر حتى لا يهلك الناس والدواب .
وبينما كانت طائفة من الصحابة تتوسل إلى الله عز وجل بالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعضهم يتوسل إلى الله مستسقيا بالرسول صلى الله عليه وسلم في قبره .
عن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقي بالعباس بن عبد المطلب فقال : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا , وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا , قال : فيسقون .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مالك الدار بسند صحيح , ( كما في فتح الباري ) وأخرجه البخاري في التاريخ , وابن أبي خيثمة والبيهقى في الدلائل , أن بلال بن الحــارث المزني الصحابي أتى إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الرمادة ( القحط ) في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال : يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا , فأتاه الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام فقال : ( إئت عمر فأقرئه السلام وأخبره أنهم مسقون , وقل له عليك الكيس الكيس ) فأتى الرجل عمر فأخبره , فبكى عمر ثم قال : يا رب ما ألو إلا ما أعجز عنه . وتوسل سيدنا عمر رضي الله عنه إلى الله تعالى بالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجع إلى أن العباس من الشجرة المباركة ولعلمه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكرمه ويعزه ويحبه , فعلم رضي الله عنه أن أكرام رسول الله وعزه وحبه ما ذاك لحب الله تعالى فيه , والله يتوسل إليه بمن يحب .
_________________ اللهم صلي و سلم و بارك على سيدنا محمد و على اله و صحبه اجمعين
|