اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am مشاركات: 19566
|
- وصية - في حكاية عن بعض أهل الولاية
قال بعض السياح كنت جائزاً في بعض سياحاتي في أرض الشام إذ مررت بنهر يقال له نهر الذهب فرأيت في ظهر قرية من قرى ذلك النهر صومعة فيها راهب فناديته يا راهب أجبني فلم يجبني فناديته الثانية يا راهب أجبني فلم يجبني فناديته الثالثة يا راهب أجبني أو قال فناديت يا رباني فاطلع فرآني فقال لي ما حاجتك وما الذي تريد فقلت له عظة أو وصية أنتفع بها فقال لي : أو تركت الدنيا قلت : نعم , فقال لي : كل القوت والزم السكوت وعلل النفس فإنك تموت وذكرها الوقوف بين يدي الحي الذي لا يموت ثم قال :
لو قنعنا لكفانا ... منك يا دار اليســـير أنت نعماك قليل ... وبلاياك كــــــــثير وقبور تتلاشى ... حيث لا تمشي القبور يا مبهرج لا تبهرج ... إنما الناقد بصير
قال فتركته وبت ليلتي فلما أصبح عدت إليه وناديت يا راهب زدني من تلك الحكمة فقال لي كل مما كسبته يمينك وعرق فيه جبينك فإن ضعف يقينك فسل ربك فإنه يغنيك ثم قال :
إذا اقتربت ساعة يا لها ... وزلزلت الأرض زلزالــــــــــــها فلا بد من سائل قائل ... من الناس يومئذ ما لـــــــــــها تحدث أخبارها ربها ... وربك لا شك أوحى لــــــــــــــــها وتنفطر الأرض عن ساعة ... تشيب الكهول وأطــــــفالها ترى الناس سكرى بلا قهوة ... ولكن ترى النفس ما هالها ترى النفس ما قدمت محضراً ... ولو ذرة كان مثــــــــقالها ذنوبي بلائي فما حيلتي ... إذا كنت في الحشر حمالها يحاسبها ملك قادر ... فإما عليها وإما لــــــــــــــــــــــها
قال فتركته وبت ليلتي فلما أصبح عدت إليه وناديته يا راهب زدني من تلك الحكمة فقال لي : صل الفرض واذكر العرض ولا تطلب من أحد الصلة ولا القرض ثم قال :
متى تهجر الدنيا وتنوي لها بغضاً ... وتركك للعصيان حقاً متي يقضي متى يا صفيق الوجه تنوي بتوبة ... وعمرك للدنيا يساق بــــها ركضا فلا بد بعد الموت أن تسكن البلى ... يرضك ثقل اللبن تحت الثرى رضا وتعطي كتاباً فيه كل فضيحة ... وتشهد أهوال القـــــــيامة والعرضا فقم في دياجي الليل لله طائعاً ... لعل الذي أسخطته لعسى يرضــا
قال فتركته وبت ليلتي فلما أصبح عدت إليه وناديته يا راهب زدني من تلك الحكمة فقال لي : يا هذا شغلتني عن عبادة ربي فقمت إليه مودعاً فقال لي : كل الصبر والزم الفقر ثم أنشد :
متى تهدى إلى سبل الرشاد ... إذا كنت المصر على الفساد نهارك لاعباً تغتر فيه ... وليلك لا تملّ من الرقــــــــــــــــــــــاد فدع ظلم العباد فليس شيء ... أضر عليك من ظلم العباد وهيّ الزاد أنك ذو رحيل ... على السفر البعيد على انفراد تأهب للذي لا بد منه ... فإن المــــــــــــــوت ميقات العباد يسرك أن تكون زميل قوم ... لهم زاد وأنت بغـــــــــــير زاد
الفتوحات المكية - (ج 7 / ص 291)
|
|