وارث النبوة ، ومصباح الأمة ، السيد المظلوم ، والإمام المحروم ، زين العباد ، ونور الأوتاد ، أبو الحسن على بن الحسين بن علىّ ، الملقب بزين العابدين وهو مشهمور بكشف الحقائق ، ونطق الدقائق .
سئل : " من أسعد الناس فى الدنيا والآخرة ؟ " قال : " إن خير الناس فى الدنيا والآخرة ، من إذا رضى لم يحمله رضاه على الباطل وإذا سخط لم يخرجه سخطه عن الحق ". وهذا وصف من نالوا كمال الاستقامة ، وذلك أن الرضا بالباطل باطل ، والإغضاء عن الحق فى حال الغضب باطل ، ولا يكون المؤمن مبطلاً.
وكان الحسين يناديه بعلىّ الأصغر ، وعندما قـتل الحسـين وأبنـاؤه فى كربلاء لم يبق إلا علىّ ليهتم بنسـاء آل البيت ، وكان مريضاً وجئ بالنسوة عند يزيد ابن معاوية – أخزاه الله – فى دمشق يركبن الجمال ، وقد نزع عنهن الحجاب . فسئل : كيف أصبحتم يا علىّ ، ويا أهل بيت الرحمة ، فأجاب علىّ : " أصبحنا من قومنا بمنزلة قوم موسى من آل فرعون ، يذبحون أبناءنا ، ويستحيون نساءنا فلا ندرى صباحنا من مساءنا ، وهذا من حقيقة بلائنا ".
ويروى أن هشام بن عبد الملك بن مروان حج ذات سنة ، وأخذ يطوف بالبيت ، حتى يقبل الحجر الأسـود ، ولم يجد لذلك سبيلاً من شدة الزحام فصعد إلى المنبر ، وألقى خطبة ، وحينذاك دخل زين العابدين علىّ بن الحسين رضى الله عنه إلى المسجد ، بوجه أقمر ، وخد منور ، وثوب معطر ، وبدأ الطواف ، وحينما اقترب من الحجر أخلى له الناس الطريق ، تعظيماً له حتى قبله ، وحينما رأى رجل من أهل الشام ما حدث قال لهشام : " يا أمير المؤمنين ، إنهم لم يفسحوا لك الطريق وأنت أمير ، فمن هذا الشاب حسن الوجه ، الذى أتى فتخلى كل الناس عن الحجر ، وأخلوا له المكان ؟. فقال هشام : لا أدرى ، وكان هدفه ألا يعرفه أهل الشام ، ولا ينضموا إليه ، أو يرغبوا فى إمارته ، وكان الفرزدق الشاعر واقفاً قال : أنا أعرفه ، فقالوا : ومن هو يا أبا فراس ؟، أخبرنا ، فقد رأينا شاباً ذا مهابة . فقال لهم : انصتوا حتى أصفه لكم ارتجالاً وقال :-
[poet font="Simplified Arabic,5,seagreen,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
هذا الذى تعرف البطحاء وطأته"="والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خـير عـباد الله كلهم"="هذا التقى النقى الطاهر العلم
هذا ابن فاطمة الزهراء ويحكم"="وابن الرضى على خيركم قدم
إذا رأتـه قـريش قال قائلها"=" إلى مكارم هذا ينتهى الكـرم
ينمى إلى ذروة العز التى قصرت"="عن نيلها عرب الإسلام والعجم
من جـده أفضل الأنبيـاء ومن"="فضل أمته دانت له الأمم
ينشق نور الدجى عن نور طلعته"="كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم
يكاد يمسكه عرفـان راحتـه"="ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضى حياء ويغضى من مهابته"="فما يكلم إلا حـين يبتسـم
فى كفه خيزران ريحها عبق"="من كف أروع فى عرنينه شمم
مشتقة من رسـول الله نبعته "="طابت عناصره والخيم والشيم
كلتا يديه غـياث عم نفعهما"="يستو كفان ولا يعروهما العدم
عم البرية بالإحسان فانقشعت"="عنها الغيابة والإملاق والظلم
لا يستطيع جواد دَرْك غايتهم"="ولا يدانيهم قوم وأن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت"="والأسد أسد الشرى والبأس يحتدم
من معشر حبهم دين وبغضهم كفر"="وقربهم منجا ومعتصم
أن عد أهل التقى كانوا أئمتهم"="أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم .
[/poet]
وعلى هذا النسق مدحه ، وأهل بيت الرسول ؛ فغضب عليه هشام ، وأمر أن يلقى فى سجن عسفان وهو مكان بين مكة والمدينة ، ونقل الخبر كما هو إلى علىّ زين العابدين فأمر بأن يحملوا إليـه اثنى عشر ألف درهم وقال : " قولوا له يا أبا فراس نستمحيك العذر ، فنحن قوم مبتلون ، وليس فى حوزتنا أكثر من هذا نرسله إليك ، فرد الفرزدق هذه العطية وقال : لقد كذبت فى كثير من الأشعار ، شعرى فيك كفارة لبعضها ، لوجه الله وحب الرسول وأبنائه ". وحينما حملت هذه الرسالة إلى زين العابدين قال : ارجعوا وردوا إليه هذه العطية وقولوا : " يا أبا فراس إذا كنت تحبنا فلا ترضى أن نرجع فيما أعطينا ، وما خرج من ذمتنا ". وحينذاك أخذ الفرزدق العطية . ومناقب ذلك السيد أكثر من أن يحدها حصر ، والله أعلم .
( منقول من كتاب " كشف المحجوب " للهجويرى )
|