اسم الکتاب : تاريخ الخميس في احوال انفس النفيس
حسين بن محمد بن الحسن الدِّيار بَكْري (المتوفى: 966هـ)
(50)
قال بعض أهل العلم الذى بنى البيت الحرام لجرهم قال ثم نشر الله بنى اسماعيل بمكة وأخوالهم من جرهم اذ ذاك ولاة البيت والحكام بمكة وكانوا كذلك بعد نابت بن اسماعيل فلما ضاقت عليهم مكة وكثروا بها انبسطوا فى الارض فابتغوا المعايش والتفسح فى الارض فلا يأتون قوما ولا ينزلون بلدا الا أظهرهم الله عز وجل عليهم بذنبهم فوطئوهم وغلبوهم حتى ملكوا البلاد ونفوا عنها العماليق وجرهم على ذلك بمكة ولاة البيت لا ينازعهم اياه بنو اسماعيل لخؤولتهم وقرابتهم واعظام الحرم أن يكون به بغى أو قتال ثم ان جرهما بغوا بمكة واستحلوا حلالا من الحرمة وارتكبوا أمورا عظاما وأحدثوا فيها احداثا لم تكن فقام مضاض بن عمرو بن الحارث وهو مضاض الاصغر فيهم خطيبا فقال يا قوم احذروا البغى فانه لا بقاء لاهله قد رأيتم من كان قبلكم من العماليق استخفوا بالحرم فلم يعظموه وتنازعوا بينهم واختلفوا حتى سلطكم الله عليهم فأخرجتموهم فتفرقوا فى البلاد فانكم ان فعلتم ذلك تخوّفت عليكم أن تخرجوا منه خروج ذل وصغار فقال قائل منهم يقال له مجذع من الذى يخرجنا منه ألسنا أعز العرب وأكثرهم رجالا وأموالا وسلاحا فقال مضاض اذا جاء الامر بطل ما تقولون فلم يقصروا عن شئ مما كانوا يصنعون وكان للبيت خزانة بئر فى بطنها يلقى فيها الحلى والمتاع الذى يهدى له وهو يومئذ لا سقف له وتواعد له خمسة نفر من جرهم أن يسرقوا ما فيه فقام على كل زاوية من البيت رجل منهم واقتحم الخامس فجعل الله عز وجل أعلاه أسفله وسقط منكسا فهلك وفرّ الاربعة الاخر* قال أهل العلم ان جرهما لما طغت فى الحرم دخل منهم رجل وامرأة يقال لهما أساف بن بغى ونائلة بنت ديك البيت ففجرا فيه فمسخهما الله تعالى حجرين فأخرجا من الكعبة فنصبا على الصفا والمروة ليعتبر بهما من رآهما وليزدجر الناس عن مثل ما ارتكبا ويقال ان الرجل من جرهم والمرأة من قطورا ثم لم يزل أمرهما يندرس ويتقادم حتى صارا صنمين يعبدان وقال بعض أهل العلم انه لم يفجر بها فى البيت وانما قبلها وقيل ان عمرو بن لحىّ دعا الناس الى عبادتهما وقال انما نصبا هاهنا لان آباءكم ومن كان قبلكم كانوا يعبدونهما وانما ألقاه عليه ابليس وكان عمرو فيهم شريفا مطاعا متبعا وقد اختلف أهل العلم فى نسبهما والمشهور أن الرجل أساف بن سهيل والمرأة نائلة بنت عمرو بن ديك ولم يزالا يعبدان ويستملهما الطائف اذا فرغ حتى كان يوم الفتح فكسرا* وفى شفاء الغرام اختلف أهل الاخبار فيمن أخرج جرهما من مكة اختلافا يعسر التوفيق بينه قيل ان بنى بكر بن عبد منات بن كنانة وغبشان ابن خزاعة أخرجوا جرهما من مكة لبغيهم فيها وقيل ان بنى اسماعيل أخرجوا جرهما من مكة بعد أن سلط الله على جرهم آفات من الرعاف والنمل الذى فنى به أكثر من أصابهم بمكة وقيل ان الله سلط على الذين يلون البيت من جرهم دواب شبيهة بالنغف فهلك منهم ثمانون كهلا فى ليلة واحدة سوى الشباب حتى جلوا من مكة الى أطم والقول الاوّل ذكره ابن اسحاق لانه قال ثم ان جرهما لما بغوا فى مكة واستحلوا حلالا من الحرمة وظلموا من دخلها من غير أهلها وأكلوا مال الكعبة الذى يهدى لها فرّق أمرهم وكان ملكهم يومئذ عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمى
ويقال ما سميت ببكة الا لانها تبك أعناق الجبابرة اذا أحدثوا فيها شيئا أى تدقها وما قصدها جبار الا قصمه الله تعالى أو من الازدحام أى ازدحام الناس فيها يبك بعضهم بعضا أى يدفع فى ازدحام الطواف وعن ابن عباس أنه قال مكة من الفج الى التنعيم وبكة من البيت الى البطحاء وقال عكرمة البيت وما حوله بكة وما وراء ذلك مكة وقيل بكة موضع البيت وما سوى ذلك مكة وقال الضحاك ان مكة وبكة اسمان مترادفان لهذا البلد والباء بدل من الميم وقيل بكة بالباء الموحدة موضع البيت وفى رواية اسم البيت وقيل مكة اسم المدينة أو قال القرية سميت بكة بمكة لانها تمك الذنوب أى تذيبها وقيل لانها يؤمّها الناس من كل ناحية وكل مكان فكأنها تجذبها وهذه الاقوال ترجع الى قول العرب امتك الفصيل ضرع أمّه اذا امتصه وجذب بفيه ما فيه هكذا فى زبدة الاعمال* وفى سيرة مغلطاى تسمى أيضا الرأس وصلاح وأمّ رحم وكوبا وأمّ القرى والحاطمة والعرش وطيبة وقيل ان جرهما ابن ملك من الملائكة قال ابن عباس كان الملك من الملائكة اذا أذنب ذنبا عظيما أهبط الى الارض ونزعت منه روحانية الملائكة وجعل فى خلق بنى آدم فأذنب ملك من الملائكة يقال له عذرا أو نحوها ذنبا فكان فى الهواء ثم هبط مكة فتزوّج امرأة من العماليق فولدت جرهما فذلك قول الحارث بن مضاض لا همّ ان جرهما عبادك ... والناس طرف وهم تلادك ثم بنى البيت قصى بن كلاب بعد ما انقرضت العمالقة وجرهم وخلفتهم فيها قريش واستولت على الحرم لكثرتهم بعد القلة وعزهم بعد الذلة وكان قصى أوّل من جدّدها من قريش بعد ابراهيم وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل كذا فى شفاء الغرام ثم بعد قصى بن كلاب بنى البيت قريش قال ابن اسحاق كانت الكعبة فى عهد قريش وضيمة فوق القامة ولم تكن مسقفة ويخالفه ما مرّ أن قصى بن كلاب بناها مسقفة بخشب الدوم وجريد النخل فهدمتها قريش وبنتها مسقفة وسبب ذلك أنه كان فى جوفها بئر يكون فيها أموال الكعبة فدخلها جماعة ليلا فسرقوها*وفى رواية لما شرعوا فى نقض البناء وهدمها خرجت عليهم الحية التى كانت فى بطنها تحرسها سوداء الظهر بيضاء البطن رأسها مثل رأس الجدى فمنعتهم عن ذلك فلما راوا ذلك اعتزلوا عند مقام ابراهيم وكان يومئذ فى مكانه الذى هو فيه اليوم فتشاوروا فقال لهم الوليد بن المغيرة يا قوم ألستم تريدون بها الاصلاح قالوا بلى قال فان الله لا يهلك المصلحين وفى أسد الغابة قال يا معشر قريش لا تدخلوا فى بنيانها من كسبكم الا طيبا لا تدخلوا فيها مهر بغى ولا ربا ولا مظلمة وقيل ان أبا وهب بن عمرو قال هذا ففعلوا ودعوا وقالوا اللهم ان كان لك فى هدمها رضى فأتمه واشغل عنا هذا الثعبان فأقبل طائر من جوّ السماء كهيئة العقاب ظهره أسود وبطنه أبيض ورجلاه صفراوان والحية على جدار البيت فاغرة فاها فأخذ برأسها ثم طار بها حتى أدخلها أجياد الصغرى قالت قريش انا لنرجو أن الله قد قبل عملكم ونفقتكم* وفى حياة الحيوان الثعبان الذى فى جوف الكعبة اختطفه العقاب حين أراد قريش بناء البيت الحرام وان الطائر حين اختطفها ألقاها بالحجون فالتقمتها الارض فهى الدابة التى تخرج عند الصفا تكلم الناس*
ذكر دابة الارض
يتبع
_________________
مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم
|