الدرة الثمينة في أخبار المدينة (ص: 166 - 169)
وليس في يومنا هذا معين إلا تسعة قبور: قبر العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وعليه طين ساج، وقبر الحسن بن علي بن أبي طالب، ومعه في القبر ابن أخيه علي بن الحسين زين العابدين، وأبو جعفر محمد علي الباقر، وابنه جعفر الصادق. والقبران في قبة كبيرة عالية قديمة البناء في أول البقيع، وعليها بابان يفتح أحدهما في كل يوم للزيارة، رضي الله عنهم أجمعين.
وروي عن عبيد الله بن علي بن الحسن بن علي قال: ادفنوني إلى جنب أمي فاطمة بالمقبرة، فدفن إلى جنبها بالمقبرة.
وقال سعيد بن محمد بن جبير: رأيت قبر الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند فم الزقاق الذي بين دار نبيه بذروان وبين دار علي بن أبي طالب، وقيل لي: دفن عند قبر أمه.
وروى عن فائد مولى عبادل، قال: حدثني الحفار أنه حفر لإنسان، فوجد قبراً على سبعة أذرع من خوخة بيته مشرفاً عليه لوح مكتوب: هذا قبر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: فعلى هذا، هي مع الحسن في القبة، فينبغي أن يسلم عليها هنالك، وقبر صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم في تربة في أول البقيع.
وقال محمد بن موسى بن أبي عبد الله: كان قبر صفية بنت عبد المطلب عند زاوية دار المغيرة بن شعبة، وقبر عقيل بن أبي طالب أخي علي رضي الله عنه في قبة في أول البقيع أيضاً، ومعه في القبر ابن أخيه عبد الله بن جعفر الطيار ابن أبي طالب الجواد المشهور.
وقبور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهن أربعة قبور ظاهرة ولا يعلم تحقيق ما فيها منهن.
وقد روى البخاري في ((الصحيح)) أن عائشة رضي الله عنها أوصت عبد الله بن الزبير: ((لا تدفني معهم -تعني النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه- وادفني مع صواحبي بالبقيع)) .
وروى عن فائد مولى عبادل قال: قال لي منقذ الحفار: في المقبرة قبران مطابقان بالحجارة: قبر حسن بن علي، وقبر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فنحن لا نحركهما.
وقد روى مالك بن أنس: أن زينب بنت جحش توفيت في زمان عمر بن الخطاب، فدفنها بالبقيع.
وروي عن محمد بن عبد الله بن علي أنه قال: قبور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من خوخة بيته إلى الزقاق يعني البقيع.
وروي عن الحسن بن علي بن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنه هدم منزله في دار علي بن أبي طالب، قال: فأخرجنا حجراً مكتوباً عليه: هذا قبر رملة بنت صخر، فسألنا عنه فائد مولى عبادل؟ فقال: هذا قبر أم حبيبة بنت أبي سفيان.
وروى عن إبراهيم بن علي الرافعي، أنه حفر لسالم البابكي مولى محمد بن علي، قال: فأخرجوا حجراً طويلاً وفيه مكتوب: هذا قبر أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مقابل خوخة آل نبيه بن وهب، فأهيل عليه التراب، وحفر لسالم في موضع آخر.
وقبر إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وعليه قبة وملبن ساج.
وروى إبراهيم بن قدامة عن أبيه قال: أول ما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع عثمان بن مظعون رضي الله عنه قال: فدفنه -أي ابنه إبراهيم- رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب عثمان بن مظعون، وقبره حذاء زاوية عقيل بن أبي طالب.
قال جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما: قبر إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاه دار سعيد بن عثمان التي يقال لها: الزوراء، بالبقيع مرتفعاً عن الطريق.
وأنبأنا أبو القاسم الأزجي، عن أبي علي الأصبهاني، عن أبي نعيم الحافظ، عن أبي محمد الخواص، حدثنا محمد بن عبد الرحمن المخزومي، حدثنا الزبير بن بكار، حدثنا محمد بن الحسن، عن صالح بن قدامة، عن أبيه، عن عائشة بنت قدامة قالت: كان القائم يقوم عند قبر عثمان بن مظعون رضي الله عنه فيرى بيت النبي صلى الله عليه وسلم ليس دونه حجاب.
وحدثنا محمد بن الحسن، حدثنا سليمان بن سالم، عن عبد الرحمن بن حميد، عن أبيه قال: أرسلت عائشة رضي الله عنها إلى عبد الرحمن بن عوف حين نزل به الموت: أن هلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى إخوانك، فقال: ما كنت مضيقاً عليك بيتك، إني كنت عاهدت ابن مظعون أينا مات دفن إلى جنب صاحبه.
قلت: فعلى هذا قبر ابن مظعون وابن عوف رضي الله عنهما عند إبراهيم عليه السلام، فينبغي أن يزار هناك. وقبر فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب رضي الله عنهما في قبة في آخر البقيع.
وروى عيسى بن عبد الله بن محمد، عن أبيه، عن جده قال: دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت أسد بن هاشم وكانت مهاجرة مبايعة بالروحاء، مقابلها حمام أبي قطيفة.
قلت: واليوم مقابلها نخل يعرف بالحمام، وقبر عثمان بن عفان رضي الله عنه وعليه قبة عالية، وهو قبل قبة فاطمة بنت أسد بقليل وحوله نخل.
روى ابن شهاب أن عثمان رضي الله عنه لما قتل دفن في ((حش كوكب)) ، فلما ملك معاوية رضي الله عنه واستعمل مروان على المدينة، أدخل ذلك الحش في البقيع، فدفن الناس حوله.
قلت: والحش: البستان.
وقبر مالك بن أنس إمام دار الهجرة رضي الله عنه في أول البقيع على الطريق، فهذه القبور المشهورة، والباقي سبخة لا يعرف فيها قبر أحد بعينه.
وأخبرنا أبو القاسم بن سعد بخطه عن الحسن بن أحمد، عن أحمد بن عبد الله، عن جعفر بن محمد، حدثنا محمد بن عبد الرحمن، عن شريك عن عبد الله بن أبي روق قال: حمل الحسن بن علي بن أبي طالب فدفن بالبقيع بالمدينة.
وحدثنا محمد بن الحسن، عن عيسى بن عبد الله، عن أبيه قال: ابتاع عمر بن عبد العزيز من زيد بن علي وأخته خديجة داراً لهما بالبقيع بألف وخمسمائة دينار، ونقضها وزادها في البقيع، فهي مقبرة آل عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وحدثنا محمد بن عيسى، عن خالد، عن عوسجة قال: كنت أدعو ليلة إلى زاوية دار عقيل بن أبي طالب التي تلي باب الدار، فمر بي جعفر بن محمد، فقال لي: أعن أثر وقفت هاهنا؟ قلت: لا، قال: هذا موقف النبي صلى الله عليه وسلم بالليل إذا جاء يستغفر لأهل البقيع.
قلت: وداره الموضع الذي دفن فيه.