موقع د. محمود صبيح
http://www.msobieh.com/akhtaa/

***( التوكل من غير تواكل )***
http://www.msobieh.com/akhtaa/viewtopic.php?f=4&t=1349
صفحة 1 من 1

الكاتب:  هاني ضوّه [ السبت مارس 05, 2005 8:31 pm ]
عنوان المشاركة:  ***( التوكل من غير تواكل )***

( التوكل من غير تواكل )

بسمك اللهم ينطقُ الخطيب ، سبحانك ربي فأنت القريب ، ما سبّح الحوت في البحر العجيب، أدعوك ربي فأنت المجيب ، سدّد القول لا تجعله يغيب ، ولا تجعله عند الناس غريب ، وصلِّ اللهم على رسولك الحبيب ، ما غرّد الشادي على الغصن الرطيب ، واجمعنا به وبجمعه المهيب.
لا تبنون بما أكتب حُكما ، ولكن نصيحة صغتها حِكما ، ومن أُوتي الحكمة صار نجما ، وعليه الله قد أنعما..
فبسم الله أبدأ القول ، والصلاة والسلام على الرسول ، وعلى آله وصحبه ومن والاه في الفعل والقول ، فأقرئوا يا أصحاب العقول ، حتى وإن كان في المقال طول ، في ذبي عن الدين حياة كالقصاص !! من المبطلين بلا سيف ولا رصاص !! لكل أسلوبه وهذا أسلوبي الخاص ، أنا لست من أهل الاختصاص!! ولست الأديب القاص ، بآي الكتاب والحديث بنيت الأساس، فلا تفرّون من الحق فمنه لا مناص!!!
هو علي عهد...فأما بعد :
الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين ...


التوكل على الله منزلة عظمى من منازل الدين ، و مقام كريم من مقامات الموفقين ، بل هو من معالي درجات المقربين ، و هو معني ينبني على اليقين و التوحيد الصحيح ، الذي يترجمه قول المؤمن : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ) و على الإيمان بالقدرة الذي يترجه قوله : ( له الملك ) و على الإيمان بالجود و الحكمه الذي يدل عليه قوله ( و له الحمد ) فمن قال ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك و له الحمد و هو على كل شئ قدير ) ، ثم له الإيمان الذي هو أصل التوكل ، و التوكل عبارة عن اعتماد القلب على الوكيل وحده مع العلم بأن السبب لابد منه و لكنه لا يفعل شئ ، إنما الفعل لله وحده لا شريك له ، فمن أعتمد على الأسباب فقد أشرك في التوحيد ، و من تثاقل عنها فقد طعن في الدين و الشرع ، و خالف الطبع ، و سنن الكون ، و من جمع بين الأمرين الأخذ بالأسباب من غير اعتماد عليها بل جعل اعتماده في تحقيق مطلوبة على الله وحده فذلك من المؤمنين حقاً الذين جمعوا بين مطالب الدين و الدنيا ، و منطق التوحيد و الشرع و العقل ، و هو الذي يقول الله سبحانه و تعالى في شأنه : ( و من يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا ) ، و هو من كتب الله له الحب في قوله : ( إن الله يحب المتوكلين ) ، و هذا هو التوكل الذي أمر الله سبحانه به في قوله : ( و على الله فليتوكل المتوكلون ) ، و هو الذي وجه إليه في قوله : ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم و إن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده ) و في قوله ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا و على الله فليتوكل المؤمنون ) ، و في قوله ( و لله خزائن السموات و الأرض و لكن المنافقين لا يفقهون ) ، و في حديث سيدنا عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال ، قال النبي صلَّى الله عليه وسلم : ( عرضت علي الأمم فرأيت النبي و معه الرهط و النبي و معه الرجل و الرجلان و النبي و ليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي : هذا موسى و قومه و لكن انظر إلى الأفق فإذا سواد عظيم فقيل لي : انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي : هذه أمتك و معهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب و لا عذاب هم الذين لا يرقون و لا يسترقون و لا يتطيرون و لا يكتوون و على ربهم يتوكلون ) .
و قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ( لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً و تعود بطانا و لزالت بدعائكم الجبال ) .
و إن لله تعالى في مخلوقاته سنناً لا تتغير و طرقاً لا تتبدل قال تعالى : ( سنة الله في الذين خلوا من قبل و لن تجد لسنة الله تبديلا ) .فقد خلق الله السموات و زينها بزينة الكواكب ، و خلف الأرض و جعل لها الجبال رواسي و أنبت فيها من كل زوج بهيج تبصرة و ذكري لكل عبدٍ منيب ، و خلق الإنسان و جعله خليفة في الأرض ليعمرها ، و سخر له ما في السموات و ما في الأرض جميعاً ، و جعل في ذلك كله آيات لقوم يتذكرون و أمره بالتفكر في ملكوت السموات و الأرض و النظر في سنته تعالى ليسترشد بذلك التدبر و ليهتدي بذلك التفكر إلى الطريق التي يحقق بها الغاية من خلقه و المقصود من إيجاده و تلك الغاية هي شكر الله تعالى على ما أنعم به عليه من النعم التي لا تعد ولا تحصي قال تعالى : ( و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) ، و الشكر على وجه الحق لا يتم إلا بالإخلاص لله و التوجه إليه و الأستعانه به في الحقيقة دون غيره من المخلوقات التي لا تضر ولا تنفع و لا تجلب خيراً و لا تدفع شراً قال تعالى : ( إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً و لو اجتمعوا له و إن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب و المطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوى عزيز ) .
الإيمان الصادق يتطلب من المؤمن التفويض الكامل إلى ربه في جميع أموره و الاعتماد عليه مع التمسك بالأسباب و الأخذ بالوسائل التي تجعل الحياة سعيدة و الحضارة زاهرة و العمران بالغاً أشده . هذه هي العقيدة الصحيحة التي يتطلبها الإسلام و يوصي بها الإيمان ، و هي التوكل على الله بعد الأخذ بالأسباب و الوسائل في كل عمل من الأعمال مع الاعتقاد بأنه لا فاعل إلا الله و لا رازق إلا الله و لا مطعم إلا الله و لا محي و لا مميت إلا الله و إنه قادر على كل شئ ، و أن علمه محيط بكل شئ .
هذا و قد ظن بعض الجاهلين و من لا معرفة له بسر الدين و لا بحكمة أحكم الحاكمين إن التوكل على الله معناه الخمول و الكسل و النوم و الغفلة ، فخسر هؤلاء دينهم و دنياهم فأذلوا أنفسهم و أضعفوا قوتهم و انحلت منهم العزائم و عميت منهم الأبصار ، فتباً لهؤلاء الغافلين و سحقاً لهؤلاء المتواكلين ، الذين لم يميزوا بين التواكل و الأخذ في الأسباب و الإهمال للوسائل هؤلاء لو تتبعوا سيرة نبيهم الحبيب صلَّى الله عليه و سلم و صحابته المختارين لأقتبسوا من سيرتهم أحين قدوة و أعظم عبرة فهذا هو الرسول الكريم صلَّى الله عليه و سلم يبدأ دعوته سراً مستخفياً عن أعين المعاندين لأن هذه الطريقة هي الوسيلة التي يستطيعها في ذلك الوقت و تلك الحقبة ، و ذلك الطور من أطوار الرسالة ، ثم جهر بعد ذلك بدعوته حيث تهيأت له الأسباب و استقامت له الأمور و سنحت له الفرصة ، و في كلا الأمرين كان معتمداً على ربه مفوضاً إليه أمره ، مخلصاً إليه وجهه .
تطورت دعوته و أشتد كيد المعاندين له حتى ضاقت عليه و على أصحابه الأرض بما رحبت و ظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ، فأعدوا العدة و سارعوا إلي الهجرة من مكة إلى المدينة فراراً بدينهم و انتصاراً لعقيدتهم ، و لم يحملهم توكلهم على الله على البقاء في مكة أذلاء مضطهدين بل أتبعوا هدي رب العالمين إذ يقول ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم ، قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ) .
فالمؤمن الحق صاحب عقيدة الصدق لا يسلم نفسه إلى الهوان و يترك أسباب العز و السلطان ، فإن تركه الأخذ بالأسباب إعراض عن الدين و تباعد عن سنة خير المرسلين ، فالرسول الكريم صلَّى الله عليه و سلم جرت عليه سنة الله في خلقه و أصابه ما أصاب إخوانه الأنبياء من قبل من أذي المعارضين و طغيان المشركين ، فأثر التوكل الصحيح يظهر في حركة العبد و سعيه جالباً للنفع دافعاً للضر فإن الأسباب ارتبطت بمسبباتها بتقدير الله و مشيئته ارتباطاً مضطرداً لا يتخلف ولا يتغير ، قال تعالى : ( فامشوا في مناكبها و كلوا من رزقه ) ، و قال جل شأنه : ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله ) .
كما ألهم أضعف مخلوقاته السعي لطلب القوت فألهم النحلة السعي إلى رزقها و اكتساب قوتها و إعداد مسكنها و ألهم النحلة أن تتخذ من الجبال بيوتاً و من الشجر ثم تأكل من الثمرات فتخرج من بطونها شراباً مختلفاً ألوانه فيه شفاء للناس ( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) .
فيا أيها الأحباب تدبروا سنن ربكم ، و أعملوا بهدي نبيكم صلَّى الله عليه و آله و سلم و لا تتكاسلوا عن الجد و العمل لتحفظوا حياتكم ، و تتهيأ في عيشتك و خذ بالأسباب التي تدفع عنك المرض و الجهل و الفقر ، فلا تترك التداوي متكلاً على ربك فأنت مخطئ في توكلك المزعوم ، حائد عن الطريق السوي و المنهج القويم المستقيم ، و إليك ما صنعة أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه للوقاية من الأمراض ، فإن الصحابة رضى الله عنهم لما قصدوا الشام و انتهوا إلى الجابية ( مدينة بالشام ) بلغهم الخبر أن به موتاً عظيماً و وباء ذريعاً ، فافترق الناس فرقتين فقال بعضهم لا ندخل على الوباء فنلقى بأيدينا إلى التهلكة ، و قالت طائفة أخرى بل ندخل و نتوكل و لا نهرب من قدر الله تعالى و لا نفر من الموت فنكون كم قال الله فيهم ( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم و هم ألوف حذر الموت ) ، فرجعوا إلى سيدنا عمر فسألوه عن رأيه فقال : نرجع و لا ندخل على الوباء ، فقال المخالفون لرأيه : أنفر من قدر الله ؟! ، فقال سيدنا عمر صاحب الفراسة الصادقة و النظر الثاقب : نعم نفر من قدر الله تعالى إلى قدر الله ؛ ثم ضرب لهم مثلاً فقال : أرأيتم لو كان لأحدكم غنم فهبط وادياً له شعبتان إحداها مخصبة ، و الأخرى مجدبة ، أليس إن رعي المخصبة رعاها بقدر الله ، و إن رعوا المجدبة رعاها بقدر الله ، فقالوا نعم .
ثم طلب سيدنا عمر سيدنا عبد الرحمن ابن عوف ليسأله عن رأيه و كان غائباً ، فلما أصبح جاء سيدنا عبد الرحمن فسأله سيدنا عمر عن ذلك فقال عندي فيه - يا أمير المؤمنين - شئ سمعته من رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلم ، فقال سيدنا عمر : الله أكبر ، فقال سيدنا عبد الرحمن سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يقول : ( إذا سمعتم بالوباء في أرض فلا تقدموا عليها ، و إذا وقع في أرض و أنتم بها فلا تخرجوا منها فراراً منه ) ، ففرح سيدنا عمر بذلك و حمد الله تعالى إذ وافق رأيه سنه رسول الله صلَّى الله عليه و سلم و رجع من الجابية بالناس ، هذا هو التوكل الذي أمر به الدين و فهمه الصحابة الراشدون فأفلحوا في جلب ما ينفعهم و دفع ما يضرهم .
و فقنا الله و إياكم إلى التوكل الصحيح عليه ، و جنبنا التواكل و الكسل و الإهمال في العمل و هدانا سواء السبيل إنه بعباده لطيف خبير .

فهذه نصيحتي...
ولن تكتمل فرحتي ، إلا إن زالت بها معصيتي ، و أعانتني على شقوتي ...
فيا رب تقبل مني هذا العمل ، وأهد قارئه لترك العلل و التمسك بالسنن ، فإن أخطأت فإني أبرأ إليك ربي من الزلل ، وإن أصبت فأنت الأعلم وأنت الأجل ، ولك اللهم المثل الأعلى إن قيل المثل!

قال تعالى : { إن تعذِّبهمْ فإنَّهُم عبادُكَ وإن تغفر لَهُمْ فإنكَ أَنتَ العزيز الحكيم } ...
صدق الله العظيم
والحمد لله على ما صنع ، وما أعطى وما منع ، وما أعـزّ وما وضع ، ما صَدح مُغرّدٌ أو هَجع.ربُّ الأرض والسماوات ، وما بينهما من كائنات ...
سبحانه المُـتعالي ... يسرّ اختزالي ... لمقالي في هذه الكلمات ...



أخوكم في الله
خادم العلم الشريف
هاني ضوّه

صفحة 1 من 1 جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين
Powered by phpBB © 2000, 2002, 2005, 2007 phpBB Group
http://www.phpbb.com/