موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: وضوء الربانيين بماء الغيب
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء فبراير 03, 2015 2:03 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 07, 2014 5:10 pm
مشاركات: 483
كيف نفهم وضوء الربانيين بماء الغيب؟

بتوفيق الله تعالى

تقول الأبيات:

تطهَّـرْ بماء الغيب إنْ كنتَ ذا ســرٍّ ** وإلا تيممْ بالصعيد وبالصخـرِ
وقدِّم إمامًا كنتَ أنت إمامَــه ** و صلِّ صلاةَََ الفجر في أول العصرِ
فهذه صلاة العارفين بربهم ** فإن كنتَ منهم فانضحِ البـَــرَّ بالبحـرِ
---------------


أخي السائل،اعلم أنه حين فضل الله ُعز وجل مَن فَضَّل من عباده المقرَّبين،

وعلَّمهم (طريقَ الوصول) إلى جنان معرفته وعرصات محبته، أمرَهم بتربية غيرهم وبتعليمهم -

حسب ما يُجريه سبحانه على ألسنتهم- بيانـــًا ،ويطبعه في ذاكرتهم إلهامـــًا، مِن معارفَ و حقائقَ و رقائقَ و إشاراتٍ

و لمّا لم يسعِفِِ العقلُ بعضَ العامة أو حتى بعضَ الفقهاء من علماء الظاهرإلى الوصول إلى الإحاطةَ بإدراك تلك المذاقات،

و فهــمِ لغتهم الصوفية وإشاراتهم الذوقية النابعةِ أصلا من الشريعة، و الغارقة دوما في بحرالحقيقة(عكس ما يزعم المتشددون)

الذين أنكروا مقالَـَهم وجحدوا حالهَم، وغاب عنهم اختصاصُهم لاختلاف الأحوال و المقامات و التلوين

.وما ذلك إلا لأنهم لم يتفطنوا إلى أن الحق سبحانه هو المتكلِّم ُفيهم (بالمعية الإلهية ) ،

استنادا لِما رواه أبو هريرة عن النبي الكريم في حديث قدسي- أخرجه البخاري- عن سرالمحبوبية في مقام القرب

إذ يقول عز من قائل عن المتقرب له بكمال العبودة: «...فإذا أحببتُه كنت سمعَه الذي يسمع به، و
بصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، و رجْله التي يمشى بها. وإن سألنى أعطيتهُ، ولئن استعاذنى لأعيذنّهُ»

وعليه، فأهل التحقيق و التصديق مِن أرباب السلوك ،فتحوا أعينَ قلوبهم فرأوا ما لا يراه غيرهم،

من الذين فتحوا عيونَ فكرهم و نصَّبواللناس مناراتِ عقولهم،فبقوا (سجُناءَ الظاهرِ من الفعل والقول) و

نَسُوا لحد كبير أن (للكلام ذاتــا و روحا) بحيث إن الذات هي الشريعة و الروح هي الحقيقة،

و ما بينهما مَطــية الوصول و أداة العبور، و هي طريقة السلوك إلى معرفة الله تعالى

و لذلك نرى الربانين يؤكدون على أن القلبَ الذي هو(محلُّ نظر الرب )هو اللطيفة الربانية العاقلة التي لا تـُـحَدُّ لأنه

(عرش استواء التجليات الربانية على مملكة الذات الإنسانية.) لقول رب العزة فى حديث قدسي:
« ما وسعتني سمائى ولا أرضى، ولكن وسعنى قلـــب عبدىَ المؤمن »

- و قال الشيخ زروق رضى الله عنه في فهم الإشارات:
« نظرُ الصوفي أخـصُّ من نظر المفسر ومن صاحبِِِ فقه الحديث، لأن كُلاًّ منهما يعتبر الحُكمَ والمعنى، ليس إلا، و أما هو (فيزيد بطلب الإشارة) بعد إثبات ما أثبتاه» انتهى

- وأما الشيخ الششتري فيُشيرإلى (سجود الروح ) لهيبة الجلال والجمال عند الواصلين منشدا:
فاسجدْ لهيبة الجلالِ عند التدانـِي ** و لتقرأ آيـة الكمالِ سبع المثاني
وهذا (السجود المعنوي) النوراني يعرفه الربانيون حين يُوقفهم المولى -عز وجل- على عَتبة الهيبة و القهر و الجلال،فتكون (غيْبتهم عن الأكوان) بشهود المكوِّن و المسبّـِب و الفاعلِ الحقيقي سبحانه في المكونات ، إخلاصا منهم الوجهةَ للواحد الأحد، حين طهروا قلوبهم بماء الغيب من (حدَثيِ الشهوات والغفلات )
و ليس فقط من حدَثيِ النجاسة و الخَبَث ،كما هو التطهيرالمائي أو الترابي ، لا لشيء إلا لأنهم أهلُ عزائم و قصد لا أهل رُخَص و تساهل

و ذلك ما أشار إليه نظماً ابن العربي صاحب الفتوحات الربانية ،كما جاء عنه في "الطبقات الشعرانية"
(و قد قيل بأن الأبيات التالية هي للإمام الجنيد رضي الله عنه) لكن الذي يهمنا هنا هو هذه الإشراقات الروحية لا غير:
تطهر بماء الغيب إن كنتَ ذَا ســرٍّ ** و إلا تيمم ْبالصعيد وبالصخــرِ
وقدم إماما كنتَ أنت إمامَه ** و صلِّ صلاةََ الفجJJر في أول العصرِ
فهذه صلاة العارفين بربهم ** فإن كنتَ منهم فانضحِ البـَــرَّ بالبحـرِ

**يريد هذا المفتوح عليه أن يقول لنا ببساطة:
- إنْ كنتَ مِن الربانيين الكُمـَّل أصحابِ( الطهارة القلبية) بماء الغيب والأنوار القدسية ،المبنيةِ على ا"لتوحيد الخاص" فاغسلْ بَــر الشريعة و التكاليف ببحر الحقيقة و الذوق، لتعيد إلى العبودية جوهرَها و إلى العبادة روحَها حتى ( تصبحَ عبــودةً) لأنك لا ترى غير الله فاعلا و ما دونه مفعولا به َ،لوجودك في مقام الإحسان على منصة المراقبة ،و لتطهرك من نفسك و من الغيرية، ومِن شهود عالم الشهادة بماء شهود عالم الغيب

ولقدجاء في الرسالة القشيرية عن الشيخ الدقاق إخبارا منه عمن يعبدون الله في (مقام أحدية الفرق والجمع) قائلا:

" العبادة لأصحاب المجاهدات، والعبودية لأرباب المكابدات، والعبودة صفة أهل المشاهدات "

- و لا تقدم نفسَك- كما كنتَ قبل التطهير- (على العقل الرباني) الذي يُتلقــَى من خلاله العلمُ عن الله بلا واسطة،بعد الفتح و الكشف و المشاهدة:" و ما ذلك على الله بعزيز".

- و لا تقدمْ نفسَك على الشارع نفسِه صلى الله عليه و سلم ـ بلِ احعله إمامك و قدوتَك و واسطتكَ لربك، لأن به انفتحت مغالقُ الأكوان، و من خلاله أفاض المولى
- عز وجل- على عبــاده الأنوارَ والأسرارَ والفهوم

- و اخترْ لك مربيا فِقهيا و روحيا يعلِّمك- عن طريق السلوك- اتباعَ الشريعة التي تؤدي بك إلى الحقيقة ، حتى تصبح المحبةُ لك حالا و الإخلاصُ لك رداءً ،و يصبحَ "ظاهرُك" مع الفهم عن الله بالحكمة، و"باطنك" مع القدرة وسُبُحاتِ الجلال،فتصبح صلاُتك ساعتها (كصلاة الأرواح في أول نشأتها) لأنها العالمة بربها تمامَ المعرفة، وهي المحتــرِمة لحناب الحضرة الإلهية التي لا تقبل ما لا يليق بها و بقدسيتها.

- و يحذر صاحبُ النظم أيضا من التراخِي و الاستسهال والاكتفاء بما ظهر من الشرع، أو بالتعرض للرخص لأن( التلفيق) نقصان في الإيمان ،إذ يقول أهل الإشارة
"فكل من لم يُدرك تصوفَ أهل الباطن فهو من أهل التيمـــم"
لأنه في نظري لم يعرفِ (الطهارةَ الملائكية) المعصومةِ من الشهوات ومِن الأغراض: طهارةً جعلها العارفون لهم طهارة قلبية لا يستبدلونها بأية طهارة سطحية: لأن طهارة الظاهر لا تكفي للدخول إلى الحضرة المولوية و لا حظَّ لأصحاب الرخص في الطهارة الباطنية

--------------
§ - شرحُ الأبياتِ بِــ:( رائية الجنيد في التصوف ) للشيخ سيدي أحمد التجاني في الفصل 3 من الجزء 2 من الجواهر:
لقد تعرض بالشرح لهذه الأبيات الإشراقية العديدُ من الربانيين المتبحرين في علم الباطن ،و منهم من نسبها للشيخ ابن العربي، و منهم من نسبها للإمام الجنيد ( وذلك لنُــذرة كتب التحقيق و التوثيق آنذاك).

مِن هؤلاء الربانيين الكرام على سبيل المثال لا الحصر: الإمام الحسن الشاذلي و الشيخ أبو الفيض الكتاني في "كشف البراقع" و الشيخ ابن عجيبة في" إيقاظ الهمم في شرح الحكم " ، و شيخنا الختم سيدي أحمد التجاني بجواهر المعاني (في شرح رائية الجنيد في التصوف) الذي قال فيها عن ماء الغيب، حسب ما نقله عنه تلميذه وصاحبُ سره سيدي علي برادة، جامعُ كتاب "جواهر المعاني المبارك:
{اعلم أن (ماءَ الغيب) الذي أشار إلى التطهير به هو (الفَيضُ الأكبــــرُ) الفائضُ من حضرة القدس، الذي هو حضرة اللاَّهُوتِ و يُعَبَّــرُ عنه عند العارفين بالفــــتح...فهذا الفيضُ متى وَرَدَ على العبد لا يُبْقِي من أوصافِه المذمومةِ لا َعَيْنًـــا ولاَ أَثـــَرًا..."

و يضيف رضي الله عنه قائلا:"إن هذا الفيض الأَقْدَسَ والفتحَ المتصلَ بِهِ لا يَرِدُ إلا على أهل الأسرار لاَ لِمَنْ عَدَاهُـــمْ ...
و(السِّــرُّ ) هَا هُـنَا (أي الذي يتحدث عنه الناظم:إن كنتَ ذا سـِـرٍّ )هو فيضُُ من الأنوار الإلهية، يَرِدُ على العبد قبل الفتح الإلهي، إذا تجلى له الجبَّار من أستار غَيْبِهِ

"من كَشفــتُ له عن صفاتي ألزمتُه الأدبَ، ومن كشفتُ له عن ذاتي ألزمتُه العَطَبَ" وهذا العطبُ هو منتهَى الأَرَبِ و مُنتهَى مطلبِ العبد . فإن هذا العطبَ هو مَحلُّ الاستهلاك والمَحْقِ، حيث (يُسلَب العبدُ من أوصافه البشرية و) يُلبَسُ خِلْعَــةَ الاتصافِ بالأوصافِ الربانيَّة ،ويكون( عَيْــنَ العينِ ) حيث يَنْمَحِقَ الفَرْقُ واٌلْبَيْــنُ(وهذا هو المعبَّرُ عنه بجَمْعِ الجَمْعِ) } انتهى شرح شيخنا التجاني رضي الله عنه.


بقلم: المفكرة الإسلامية زينب أبوعقيل

_________________
في كل رواق للحسين يوجد سيف و بطلين


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: [AhrefsBot] و 72 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط