عثمان بن أرطغرل وبناء الدولة:
أما عثمان بن أرطغرل والذي تنسب إليه الدولة العثمانية فكان شخصاً صالحاً تقياً بعيداً عن المحرمات وتذكر الروايات أنه في زيارة من زيارات عثمان إلى الشيخ "الإدبالي" من كبار مشايخ الطريقة الأخية رأى في رؤياه أن هلالاً خرج من بطن الشيخ وأخذ يكبر ويكبر حتى دخل إلى صدر عثمان ,ثم رأى أن شجرة خرجت من صدره أخذت تكبر حتى أظلت العالم بأكمله,ثم رأى أن ريحاً قد هبت فجعلت أوراق هذه الشجرة تتساقط وتتناثر على الدنيا وغطت أماكن كثيرة خاصة أستانبول التي كانت تشبه جوهرة الخاتم وتنتهي الرؤيا بتعليق الخاتم في إصبع عثمان ,وعندما سأل عثمان الشيخ "الإدبالي" عن تفسير رؤيته,أخبره بأنه سوف يكون صاحب دولة هو وأولاده.وقام الشيخ بتزويج إبنته إلى عثمان,وكان هذا إشارة إلى الهلال الذي خرج منه وانتقل إلى عثمان .
وكان الشيخ "الإدبالي" يعطي الدروس الدينية والإرشاد في الزاوية التي بناها ,فلما أعتلى عثمان إمارة الدولة طلب من الشيخ الإدبالي أن يكون مسئولاً عن منصب الإفتاء في الدولة كما عينه حاكماً على قلعة بيله جيك التي كانت تقيم فيها عائلة الأمير.
وكان للطريقة الأخية دورها البارز في إدارة الدولة فكانوا يجمعون الجند حولهم ويقاتلون بإسم الدين في خدمة الدولة في إطار صوفي ,وقد كانت الأيام الأولى لتأسيس الدولة العثمانية تكتسب صفة الغزو ثم بدأ التأسيس المعنوي للدولة وكان لهذه الطريقة نشاط عقلي وروحي للحياة في الدولة بفضل الزوايا التي أسسوها في قرية في الأناضول ,وكان مرشدو هذه الطريقة يعملون على إحياء الحياة الإجتماعية والإعداد للجهاد ونشر الإسلام في كل المناطق.
دور عظيم للمؤسسات الصوفية:
وقد لعبت المؤسسات الصوفية دوراً عظيماً في نشاطات الدولة وتشكيلاتها الرسمية ,وأعتلى أصحاب الطريقة الأخية مناصب كبرى في الدولة مثل القاضي والقاضي عسكر والصدر الأعظم (رئيس الوزراء حالياً).
ومن أشهر الطرق التي ظهرت وقت تأسيس الدولة أيضاً الطريقة "البكتاشية" التي تنتسب إلى الشيخ "الحاج بكتاش ولي" وقد تولت هذه الطريقة أمور الجيش الانكشاري أول جيش منظم يؤسس في الدولة العثمانية ,وكانت هذه الطريقة أيضاً تقوم بتنشئة وتربية أسرى الحرب تربية إسلامية صحيحة.
وإلى جانب البكتاشتية أنتشرت الطريقة "الرفاعية" في بدايات القرن الرابع عشر الميلادي وكانت تكاياها تنتشر في أزمير وأماسيا ومعظم أنحاء الأناضول وقد أكتسبوا نفوذاً كبيراً بين الناس وما زالت هذه الطريقة مستمرة في تركيا حتى الآن.
ومن الطرق التي عاصرت تأسيس الدولة الطريقة "المولوية" التي تنتسب إلى مولانا "جلال الدين الرومي" وكانت تكاياهم تنتشر في شمال الأناضول وأنقرة وبورصة,وكان مركزهم في قونية, كما كانت كل المدن القريبة من تجمعهم مثل قيصرية وكوتاهية وادين تحت نفوذ المولوية, وكانت لتكاياهم أهمية كبرى في الدولة بفضل ما أظهرته من سكون وإستقرار معنوي وروحي, ولا تزال هذه الطريقة موجودة في تركيا حتى الآن بنفس نشاطها وفاعليتها.
في ذلك الوقت كان سلاطين الدولة وأغنياؤها وعظمائها مرتبطين بهؤلاء المشايخ وتلك التكايا .وكان أهل الطرق يعملون علي التآخي والترابط بين فئات الشعب ,وكان لهم دورهم العظيم في الدفاع عن الإسلام كما كان لهم نفوذ على الهيئة الحاكمة في الدولة ورقابة السياسة التي ينتهجونها سواء على السلطان أو الأمراء حيث كانت لهم حقوق اختيار السلطان نفسه .
وبجهود مشايخ الصوفية الكبار تم تأسيس مكتب في الأناضول يسمى "مكتب الأكبرية " نسبة إلى الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي وكان هذا المكتب بمثابة المدرسة الصوفية الكبرى واستمر نشاط هذا المكتب على يد الشيخ "داود القيصري" الذي أشتهر بشرح كتاب "فصوص الحكم للشيخ محي الدين" وكان أول مدرس في المدارس العثمانية الدينية وقد تسلم لواء الصوفية من بعده الشيخ "مولافناري" وكان أول شيخ للإسلام في الدولة العثمانية.