بسم الله الرحمن الرحيم حق الجار حق الجار لغة: مصدر قولهم حقّ الشّيء: وجب وهو مأخوذ من مادّة (ح ق ق) الّتي تدلّ على إحكام شيء وصحّته، فالحقّ نقيض الباطل، ويقال: حاقّ فلان فلانا: إذا ادّعى كلّ واحد منهما، فإذا غلبه على الحقّ قيل حقّه وأحقّه، واحتقّ النّاس في الدّين: إذا ادّعى كلّ واحد الحقّ.
وقولهم: أحققت الشّيء: أي أو جبته، واستحققته: أي استوجبته. وتحقّق عندي الخبر: صحّ. وحقّقت قوله وظنّه تحقيقا: أي صدّقت. وكلام محقّق أي رصين، وثوب محقّق إذا كان محكم النّسج .
الجار لغة: قال الرّاغب: الجار من يقرب مسكنه منك،
حق الجار اصطلاحا: امتثال الوصيّة بالجار بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطّاقة. كالهديّة، والسّلام وطلاقة الوجه عند لقائه، وتفقّد حاله، ومعاونته فيما احتاج إليه، إلى غير ذلك. وكفّ أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه حسّيّة كانت أو معنويّة .
قال ابن حجر- رحمه الله-: واسم الجار يشمل المسلم والكافر، والعابد والفاسق، والصّديق والعدوّ، والغريب والبلديّ، والنّافع والضّارّ، والقريب والأجنبيّ والأقرب دارا والأبعد، وله مراتب بعضها أعلى من بعض، فأعلاها من اجتمعت فيه الصّفات الأول كلّها ثمّ أكثرها وهلمّ جرّا إلى الواحد، وعكسه من اجتمعت فيه الصّفات الأخرى كذلك، فيعطى كلّ حقّه بحسب حاله .
1- قال تعالى ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (36) ) .
بعض الأحاديث الواردة في حق الجار :
1- عن عمرو بن الحمق- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أراد الله بعبد خيرا عسله قيل: وما عسله؟ قال: «يحبّبه إلى جيرانه» ).
2- عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: إنّ خليلي صلّى الله عليه وسلّم أوصاني: «إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه. ثمّ انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منها بمعروف» ) .
3- عن أبي جحيفة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يشكو جاره قال: اطرح متاعك على طريق فطرحه، فجعل النّاس يمرّون عليه ويلعنونه، فجاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، لقيت من النّاس. قال: «وما لقيت؟» قال: يلعنونني. قال: «قد لعنك الله قبل النّاس» ، فقال: إنّي لا أعود، فجاء الّذي شكاه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ارفع متاعك، فقد كفيت» ) * «4» .
4- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يشكو جاره، فقال: «اذهب فاصبر» ، فأتاه مرّتين أو ثلاثا فقال: «اذهب فاطرح متاعك في الطّريق» ، فطرح متاعه في الطّريق، فجعل النّاس يسألونه فيخبرهم خبره، فجعل النّاس يلعنونه: فعل الله به، وفعل، وفعل، فجاء إليه جاره فقال له: ارجع لا ترى منّي شيئا تكره) .
5- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خير الأصحاب عند الله: خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله: خيرهم لجاره» ) .
6- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من جار السّوء في دار المقامة؛ فإنّ جار البادية يتحوّل» ) .
7- عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال وهو ينحل ابن الزّبير قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس المؤمن الّذي يشبع وجاره جائع» ) .
8- عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به» ) .
9- عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه» ) .
. 10- عن نافع بن عبد الحارث- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سعادة المرء الجار الصّالح والمركب الهنيّ والمسكن الواسع» ) .
11- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» ) .
12- عن أبي شريح الخزاعيّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت» ) .
13- عن أبي شريح العدويّ- رضي الله عنه- قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته» . قيل وما جائزته يا رسول الله؟ قال: «يوم وليلة، والضّيافة ثلاثة أيّام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» ) .
14- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما لأصحابه: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ، أو يعلّم من يعمل بهنّ؟» . قال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدّ خمسا، فقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضّحك، فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ).
15- عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن من أمنه النّاس، والمسلم من سلّم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر السّوء، والّذي نفسي بيده لا يدخل الجنّة عبد لا يأمن جاره بوائقه» ) .
16- عن أبي شريح- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» . قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: «الّذي لا يأمن جاره بوائقه» ) .
17- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، إنّ فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنّها تؤذي جيرانها بلسانها. قال: «هي في النّار» . قال: يا رسول الله، فإنّ فلانة يذكر من قلّة صيامها وصلاتها، وأنّها تتصدّق بالأثوار من الأقط ، ولا تؤذي جيرانها. قال: «هي في الجنّة» ) .
18- عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، إنّ لي جارين فإلى أيّهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابا» ) .
19- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يا نساء المسلمات، لا تحقرنّ جارة لجارتها ولو فرسن شاة ) .
20- عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه ذبح شاة فقال: أهديتم لجاري اليهوديّ فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه» ) .
21- قال الغزاليّ- رحمه الله-: «يمن المسكن سعته وحسن جوار أهله، وشؤمه ضيقه وسوء جوار أهله» ) .
وقال- رحمه الله-: «وجملة حقّ الجار: أن يبدأه بالسّلام، ولا يطيل معه الكلام، ولا يكثر عن حاله السّؤال، ويعوده في المرض ويعزّيه في المصيبة، ويقوم معه في العزاء، ويهنّئه في الفرح، ويظهر الشّركة في السّرور معه، ويصفح عن زلّاته، ولا يتطلّع من السّطح إلى عوراته، ولا يضايقه في وضع الجذع على جداره، ولا في مصبّ الماء في ميزابه، ولا في مطرح التّراب في فنائه، ولا يضيّق طرقه إلى الدّار، ولا يتبعه النّظر فيما يحمله إلى داره، ويستر ما ينكشف له من عوراته، وينعشه من صرعته إذا نابته نائبة، ولا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته، ولا يسمع عليه كلاما، ويغضّ بصره عن حرمته، ولا يديم النّظر إلى خادمته، ويتلطّف بولده في كلمته، ويرشده إلى ما يجهله من أمر دينه ودنياه» ) .
وقال: «اعلم أنّه ليس حقّ الجوار كفّ الأذى فقط بل احتمال الأذى، ولا يكفي احتمال الأذى بل لا بدّ من الرّفق وإسداء الخير والمعروف، إذ يقال: إنّ الجار الفقير يتعلّق بجاره الغنيّ يوم القيامة فيقول: يا ربّ سل هذا لم منعني معروفه وسدّ بابه دوني؟» ) .
22- قال القرطبيّ: «فالوصاة بالجار مأمور بها مندوب إليها (أي مرغّب فيها) مسلما كان أو كافرا وهو الصّحيح» ) .
23- قال ابن حجر: «ويفترق الحال في ذلك بالنّسبة للجار الصّالح وغير الصّالح: والّذي يشمل الجميع إرادة الخير له، وموعظته بالحسنى، والدّعاء له بالهداية، وترك الإضرار له إلّا في الموضع الّذي يجب فيه الإضرار له بالقول والفعل، والّذي يخصّ الصّالح هو جميع ما تقدّم، وغير الصّالح كفّه عن الّذي يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه ويبيّن محاسنه، والتّرغيب فيه برفق، ويعظ الفاسق بما يناسبه بالرّفق أيضا ويستر عليه زلله عن غيره، وينهاه برفق، فإن أفاد فيه وإلّا فيهجره قاصدا تأديبه على ذلك مع إعلامه بالسّبب ليكفّ» ) .
شرا جارتي سترا فضول لأنّني ... جعلت جفوني ما حييت لها سترا
وما جارتي إلّا كأمّي وإنّني ... لأحفظها سرّا وأحفظها جهرا
بعثت إليها: انعمي وتنعّمي ... فلست محلّا منك وجها ولا شعرا.
وقال حاتم الطّائيّ:
ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر
ما ضرّ جارا لي أجاوره ... أن لا يكون لبابه ستر
أغضي إذا ما جارتي برزت ... حتّى يواري جارتي الخدر .
يروى أنّ جارا لابن المقفّع أراد بيع داره في دين ركبه وكان يجلس في ظلّ داره، فقال: «ما قمت إذا بحرمة ظلّ داره إن باعها معدما» . فدفع إليه ثمن الدّار وقال: «لا تبعها» ) .
قال العلماء: «الجيران ثلاثة: جار له حق واحد، وجار له حقّان، وجار له ثلاثة حقوق.
فالجار الّذي له ثلاثة حقوق هو الجار المسلم ذو الرّحم، فله حقّ الجوار، وحقّ الإسلام، وحقّ الرّحم، وأمّا الّذي له حقّان فالجار المسلم. له حقّ الجوار وحقّ الإسلام. وأمّا الّذي له حقّ واحد فالجار المشرك، وجاء بذلك حديث لكنّه ضعيف، وهذا التّقسيم موافق لما جاءت به الآيات والأحاديث بالنّسبة لحقّ المسلم وحقّ القريب وحقّ الجار، كما أنّه موافق للتّقسيم العقلي الاستقرائيّ وعلى هذا فللجار الكافر مهما كان كفره حقّ الجوار في الإحسان إليه وترك إيذائه .
من فوائد حق الجار :
(1) حفظ حقّ الجّار من كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) تعظيم حقّ الجار.
(3) حسن العلاقة بين الجيران ترضي الله- عزّ وجل ـ
(4) اسم الجار يشمل عموم أنواع المجتمع فإذا حسنت العلاقة بين الجيران وسادهم الحبّ والوئام سعد المجتمع كلّه.
(5) إنّ جار الخير يعود خيره عليه وعلى جيرانه وجار السّوء يعود سوءه عليه وحده.
(6) المكافأة على الإحسان بأحسن منه.
(7) حسن الجوار ليس بكفّ أذاك عن جيرانك بل بتحمّل أذاهم وقضاء حوائجهم وكشف كربهم.
(8) الملكان المجاوران لك أشدّ الجيران قربا فاحفظ حقّهما فلا يريا منك إلّا خيرا.
(9) حسن الجوار باب من أبواب الجنّة وسوءه باب من أبواب النّار. __________
_________________ يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم
واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم
بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم
|