أهل بيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم هم ذوو رحمه من الذرية المباركة والعترة الطاهرة وأقاربه ونساؤه وأحبابه المقربون الذين فضلهم الله على بقية المؤمنين حيث جمع لهم شرفين عظيمين هما شرف النسب فهم منه وهو منهم وشرف الصحبة له صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. وقد طهرهم الله التطهير المطلق حيث قال سبحانه وتعالى عنهم "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"(33:الأحزاب) نزلت هذه الآية ـ كما جاء في كتب التفسير والسنة الصحيحة ـ في بيت أم المؤمنين السيدة أم سلمة رضي الله عنها وكان قد اجتمع عند النبي في بيته هذا أربعة كان خامسهم أولهم وسيدهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع عليهم الكساء (العباءة) ولفهم به وقال رافعاً يده الشريفة بالدعاء "اللهم إن هؤلاء أهل بيتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراٌ" والخمسة هم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدنا الإمام على وسيدتنا السيدة فاطمة وسيدانا الحسن والحسين _ وهؤلاء الخمسة هم الأهم والأولى بهذا الفضل والشرف حيث اجتمعت فيهم اقرب صلات الرحم وأعلى درجات القرابة والصهر فهم أهل بيت واحد(النبي وابنته وزوجها ـ صهره وابن عمه ـ وابناهما عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم السلام) كما أن في هذا الدعاء النبوي تفسير للآية وتخصيص لهؤلاء السادة بأنهم الأولى والأهم ولا ينفي ذلك دخول غيرهم في هذا الشرف العظيم كقولنا مثلاً: هذا ولدي حقاً مع وجود غيره من الأولاد وتقدير ذلك إنه أهم أولادي. ثم الذين يلونهم من ذوي الأرحام والزوجات ثم الأحباب. وإنما ألحق أحبابهم بهم لأن من أحب قوماً حشر معهم كما أن مولى القوم منهم وهذا ما أكرم الله به الصحابيين الجليلين سيدنا سلمان الفارسي حيث قال عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم "سلمان منا أهل البيت" وسيدنا واثلة بن السقع حيث بشره النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بقوله "وأنت من أهل بيتي" والتي قال عنها سيدنا واثلة ولله إنها لأرجى ما أرجو" أي أن تلك البشرى أكبر أمل لسيدنا واثلة في النجاة يوم القيامة لأنه سيكون ضمن سادتنا أهل البيت الكرام الذين قد اتصل بهم بواسطة أمر عظيم ألا وهو الحب والحب من أنفع الأسباب فقد روي عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قوله "سبب وتسب يقطع يوم القيامة إلا سببي وتسبي". هذا وقد أوجب الله علينا ـ معشر المؤمنين ـ حبهم بقوله سبحانه وتعالى "قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناٌ"(23:الشورى) قرأها الإمام الحسن بن على رضى الله عنهما فقال اقتراف الحسنة في الآية هي مودتنا أهل بيت رسول الله وقراها الإمام بن عربي فأنشد قائلا :
أرى حب أهل البيت عند فريضة = على رغم أهل البعد يورثني القربى
فما طلب المبعوث أجرا على الهدى = بتبليغه إلا المودة في القربى
ومما يدل على علو منزلتهم وخلود ذكرهم وزيادة شرفهم أن الله أوجب على كل مؤمن أن يذكرهم في اعظم ركن واهم فريضة وهى الصلاة ففى التشهد الأخير وقبل ختمنا لصلاتنا نصلي عليهم مع جدهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وصلاتنا هذه ركن من أركان الصلاة عند الإمام الشافعي تبطل الصلاة بدونه و لذلك انشد قائلاٌ :
يا آل بيت رسول الله حبكم = فرض من الله في القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم = من لم يصل عليكم لا صلاة له
ومما تتشرف به دائماٌ أننا إذا تحدثنا في أمور ديننا ودنيانا خطابة أو وعظاً أو كتابة دائماٌ ما نذكرهم بالصلاة عليهم في البداية بعد حمدنا لله وعند الختام نقول وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0 ومما قال الشاعر الكبير الفرزدق عنهم مشيراً إلى هذا المعنى :
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم = في كل بدء ومختوم به الكلم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم = أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
ويكفى أن حبيبنا جدهم صلى الله عليه وسلم قال عنهم كما جاء في رواية الإمام مسلم رضي الله عنه عن زيد ابن أرقم ( وإني تارك فيكم الثقيلين أولهما كتاب الله فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي اذكر كم الله
في أهل بيتي أذكركم الله فى آهل بيتي فقيل من أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قيل ومن هم؟ قال هم آل على وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس 0 قيل كل هؤلاء حرم الصدقة بعده قال نعم) وكل هؤلاء أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضلهم الخمسة أهل العباءة. ولهذا الفضل وبهذا النسب كانوا أفضل الناس عبادة وأعلاهم خلقاً وأكثرهم ورعاً وأوفاهم أحلاماً وأطهرهم سريرة وأنفذهم بصيرة وأفصحهم كلاماً وأكثرهم في الحق جرأة ومما قلته فيهم :
هم اشرف الناس إن حققت عنصرهم = اتقى الخلائق من عرب ومن عجم
هم الطهارة في أسمي مراتبها = وفي الكتب أتى إطلاق طهرهم
ما غرهم اشرف الأنساب من عمل = ولا ثناهم عن العلياء والهمم
فقد علوا فوق هام الكل منزلة = وطوقوا الدهر بالإجلال والكرم
ومن فضل الله علينا ونعمه التي يجب أن نشكره عليها أنه سبحانه وتعالى ألهمنا حبهم والميل العاطفي نحوهم وحب سيرتهم. ورغم ذلك نجد تقصيراٌ في حقهم من السادة العلماء حيث أن اغلب الأحاديث الواردة فيهم ـ برغم صحة ثبوتها – لا يذكرها بالبيان والتفصيل أغلب علمائنا اللهم إلا المحسوبين عليهم الموسومين بحبهم من أعلام التصوف فرغم ورود الحديث السابق في كتاب للإمام النووي من أكثر كتب الحديث تداولاً (رياض الصالحين) نقلاٌ عن صحيح مسلم قلما نجد عالماٌ يذكره وكثيراٌ ما نسمع الحديث "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا كتاب الله وسنتي" دون ذكر الرواية الثانية فعسى أن يجمع علماؤنا ومحدثونا وكتابنا بين الروايتين حيث لا يوجد تعارض بينهما فسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تمثلت وتجسدت في سادتنا أهل البيت فهم الذين شاهدوا وسمعوا أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وهم المترجمون لها فعلياً والرواة الأقرب من صاحبها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ثم ألم يبشر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنهما(كتاب الله وأهل البيت) لن يفترقا حتى بردا عليه الحوض؟! ألم يشر النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أحاديثه إلى أن نأخذ ديننا عنهم؟! وكم قد روت لنا كتب السنة عن سيدتنا أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق وسيداتنا أزواج النبي رضي الله عنهن! ألم يقل أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عن سيدنا الإمام علي كرم الله وجهه في أكثر من موقف علمي:"لولا علي لهلك عمر" وقوله عنه أيضاً "لا بقيت في أرض ليس فيها أبو الحسن" وأيضاً "لا معضلة إلا وأبو حسن حلال لها" فمن الواجب علينا وعلى علمائنا إبراز فضل آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وضرب الأمثلة بسلوكهم المشرف لتكون أسوة لنا ولشبابنا فهم اعظم أمثله لتطبيق سنه جدهم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. ومن احب قوما ٌحشر معهم فاللهم ارزقنا حبهم واجمعنا بهم فى الدنيا والآخرة ونقول مع القائل عنهم :
طهرتم فطهرنا بفضل طهوركم = وطبتم فمن أتفاس طيبكمو طبنا
ورثنا عن الأدباء حب ولائكم = وأنا إذا متنا نورثه الابنا
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
_________________ عضو: رابطة الأدب الإسلامي العالمية، ورابطة الأدب الحديث، واتحاد الكتاب العرب على الإنترنت
ـ تجمع شعراء بلا حدود
ـ مشرف سابق صفحة أدب وثقافة، جريدة صوت العروبة، ط. القاهرة باريس
|