الأخ الفاضل (الساقي) :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
أهلاً ومرحباً بك وبمحاوراتك وبتساؤلاتك .
والفقير كذلك شافعي المذهب .
واسمح لي بدايةً أن أوجهك إلى ما قاله إمامنا الشافعي رضي الله عنه ومن خلفه أعيان المذهب عن التصوف وعن السادة الصوفية وسنخرج من ذلك بدايةً بــ :
- الرد عما استشكل عليك وأنكرته من نقل ابن بطوطة - حتى الرجوع إليه -
- تبيان أن القول بأن بدايات التصوف ظهرت في القرن الثالث من الهجرة الشريفة كلام خاطئ مجانب للصواب .
- تبرئة السادة الصوفية مما ألصقه بهم الكذبة الفجرة أو أهل الاندساس أصحاب الأجندات المتعددة ، أو الأدعياء والجهلة والعوام ... الخ .
أورد الإمام البيهقي في كتابه [مناقب الشافعي (2/ 207، 208)]:[قلت - أي الإمام البيهقي - : وإنما أراد به من دخل في الصوفية واكتفى بالاسم عن المعنى، وبالرسم عن الحقيقة، وقعد عن الكسب، وألقى مؤنته على المسلمين، ولم يبال بهم، ولم يرع حقوقهم ولم يشتغل بعلم ولا عبادة، كما وصفهم في موضع آخر وذلك فيما أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت أبا عبد الله الرازي يقول : سمعت إبراهيم بن المولد يحكي عن الشافعي أنه قال : يكون الصوفي صوفياً حتى يكون فيه أربع خصال : كسول أكول نؤوم كثير الفضول. وإنما أراد به ذم من يكون منهم بهذه الصفة، فأما من صفا منهم في الصوفية بصدق التوكل على الله عز وجل، واستعمال آداب الشريعة في معاملته مع الله عز وجل في العبادة، ومعاملته مع الناس في العشرة، فقد حُكِيَ عنه أنه عاشرهم وأخذ عنهم. وذلك فيما أخبرنا به أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عبد الله بن الحسين ابن موسى السلامي يقول: سمعت علي بن أحمد يقول: سمعت أيوب بن سليمان يقول: سمعت محمد بن محمد بن ادريس الشافعي يقول: سمعت أبي يقول : صحبت الصوفية عشر سنين، فما استفدت منهم إلا هذين الحرفين: الوقت سيف ومن العصمة أن لا تقدر.]اهـ
- أورد ابن الجوزي في كتابه : [تلبيس إبليس (327)] :حيث قال :[وقد سمعت أبا عبد الله حسين بن علي المقري يقول: سمعت أبا محمد عبد الله بن عطاء الهروي يقول سمعت عبد الرحمن بن محمد بن المظفر يقول سمعت أبا عبد الرحمن بن الحسين يقول سمعت عبد الله بن الحسين السلامي يقول: سمعت علي بن محمد المصري يقول: سمعت أيوب بن سليمان يقول: سمعت محمد بن محمد بن إدريس الشافعي يقول: سمعت أبي يقول: صحبت أحد الصوفية عشر سنين ما استفدت منه إلا هذين الحرفين: الوقت سيف وأفضل العصمة أن لا تقدر]اهـ
- أورد ابن القيم في كتابه : [مدارج السالكين (3/129)] :[قال الشافعي رضي الله عنه : صحبت الصوفية فما انتفعت منهم إلا بكلمتين سمعتهم يقولون الوقت سيف فإن قطعته وإلا قطعك ونفسك إن لم تشغلها بالحق وإلا شغلتك بالباطل . قلت - أي ابن القيم - : يا لهما من كلمتين ما أنفعهما وأجمعهما وأدلهما على علو همة قائلهما ويقظته ويكفي في هذا ثناء الشافعي على طائفة هذا قدر كلماتهم .]اهـ
- الإمام الكبير حجة المتكلمين ، المفسر ، النظار أبي المظفر الإسفراييني قال في كتابه [التبصير في الدين] في الباب الخامس عشر : في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة وبيان مفاخرهم ومحاسن أحوالهم - الفصل الثالث : من فصول المفاخر لأهل الإسلام وبيان فضائل أهل السنة والجماعة وبيان ما اختصوا به من مفاخرهم ( صـ 164) :[وسادسها : علم التصوف والإشارات , وما لهم فيها من الدقائق والحقائق , لم يكن قط لأحد من أهل البدعة فيه حظ بل كانوا محرومين مما فيه من الراحة والحلاوة , والسكينة والطمأنينة وقد ذكر أبو عبد الرحمن السلمي من مشايخهم قريبا من ألف ، وجمع إشاراتهم وأحاديثهم ولم يوجد في جملتهم قط من ينسب إلى شيء من بدع القدرية والروافض ، والخوارج ، وكيف يتصور فيهم من هؤلاء وكلامهم يدور على التسليم ، والتفويض والتبري من النفس ، والتوحيد بالخلق والمشيئة ، وأهل البدع ينسبون الفعل ، والمشيئة ، والخلق ، والتقدير إلى أنفسهم ، وذلك بمعزل عما عليه أهل الحقائق من التسليم والتوحيد] اهـ
- قال الإِمام الكبير حجة المتكلمين عبد القاهر البغدادي رحمه الله تعالى في كتابه : [الفَرْقُ بين الفِرَقِ (صـ236)]:(الفصل الأول من فصول هذا الباب في بيان أصناف أهل السنة والجماعة. اعلموا أسعدكم الله أن أهل السنة والجماعة ثمانية أصناف من الناس... والصنف السادس منهم: الزهاد الصوفية الذين أبصروا فأقصروا، واختَبروا فاعتبروا، ورضوا بالمقدور وقنعوا بالميسور، وعلموا أن السمع والبصر والفؤاد كل أُولئك مسؤول عن الخير والشر، ومحاسب على مثاقيل الذر، فأعدُّوا خير الإِعداد ليوم المعاد، وجرى كلامهم في طريقَيْ العبارة والإِشارة على سَمْتِ أهل الحديث دون من يشتري لهو الحديث، لا يعملون الخير رياء، ولا يتركونه حياء، دينُهم التوحيد ونفي التشبيه، ومذهبهم التفويضُ إِلى الله تعالى، والتوكلُ عليه والتسليمُ لأمره، والقناعةُ بما رزقوا، والإِعراضُ عن الاعتراض عليه. {ذلكَ فضلُ اللهِ يؤتِيهِ مَنْ يشاءُ واللهُ ذو الفضلِ العظيمِ}(الجمعة:4)]اهـ
- قال الإمام الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في مقدمة موسوعته المسماة بـ [حلية الأولياء] :[أما بعد أحسن الله توفيقك فقد استعنت بالله عز وجل وأجبتك الى ما ابتغيت من جمع كتاب يتضمن أسامي جماعة وبعض أحاديثهم وكلامهم من أعلام المتحققين من المتصوفة وأئمتهم وترتيب طبقاتهم من النساك من قرن الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم ممن عرف الأدلة والحقائق وباشر الأحوال والطرائق وساكن الرياض والحدائق وفارق العوارض والعلائق وتبرأ من المتنطعين والمتعمقين ومن أهل الدعاوى من المتسوفين ومن الكسالى والمتثبطين المتشبهين بهم في اللباس والمقال والمخالفين لهم في العقيدة والفعال وذلك لما بلغك من بسط لساننا ولسان أهل الفقه والآثار في كل القطر والأمصار في المنتسبين إليهم من الفسقة الفجار والمباحية والحلولية الكفار وليس ما حل بالكذبة من الوقيعة والإنكار بقادح في منقبة البررة الأخيار وواضع من درجة الصفوة الأبرار بل في إظهار البراءة من الكذابين , والنكير على الخونة الباطلين نزاهة للصادقين ورفعة للمتحققين ولو لم نكشف عن مخازي المبطلين ومساويهم ديانة , للزمنا إبانتها وإشاعتها حمية وصيانة , إذ لأسلافنا في التصوف العلم المنشور والصيت والذكر المشهور ]. اهـ
- قال حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في كتابه:[المنقذ من الضلال (صـ17)]:[ولقد علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرتهم أحسن السيرة، وطريقتهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق.. ثم يقول رداً على من أنكر على الصوفية وتهجَّم عليهم: وبالجملة فماذا يقول القائلون في طريقةٍ طهارتُها - وهي أول شروطها - تطهيرُ القلب بالكلية عما سوى الله تعالى، ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلاة استغراقُ القلب بالكلية بذكر الله، وآخرها الفناء بالكلية في الله]اهـ
-قال الإمام العلامة المفسر النظار الإِمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى في كتابه:[اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (صـ 72 –73 ]:[الباب الثامن في أحوال الصوفية:اعلم أن أكثر مَنْ حَصَرَ فرق الأمة، لم يذكر الصوفية وذلك خطأ، لأن حاصل قول الصوفية أن الطريق إِلى معرفة الله تعالى هو التصفية والتجرد من العلائق البدنية، وهذا طريق حسن.. وقال أيضاً: والمتصوفة قوم يشتغلون بالفكر وتجرد النفس عن العلائق الجسمانية، ويجتهدون ألاَّ يخلو سرَّهم وبالَهم عن ذكر الله تعالى في سائر تصرفاتهم وأعمالهم، منطبعون على كمال الأدب مع الله عز وجل، وهؤلاء هم خير فرق الآدميين]اهـ
- قال سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام ( 2 / 191):[فصل في معرفة الفضائل : الفضائل بالمعارف والأحوال وما يتبعها من الأقوال والأعمال ولقد نال الأنبياء بذلك أفضل منال , فورث عنهم العارفون بعض المعارف والأحوال , وورث عنهم العارفون التقرب بالأقوال والأعمال , وورث عنهم الفقهاء التقرب بمعرفة الأحكام المتعلقة بالجوارح والأبدان وورث عنهم أهل الطريقة الأحكام المتعلقة بالبواطن ] اهـ
وللإمام عز الدين بن عبد السلام كتابا بعنوان [ حل الرموز أو زبد التصوف ] , قدم فيه شروحا نفيسة لبعض مراحل الطريق الصوفي , كما عرض فيه أيضا لبعض الرقائق والدقائق .
- قال الإِمام النووي رحمه الله تعالى في رسالته :[المقاصد في التوحيد والعبادة وأصول التصوف (صـ20)]:[أصول طريق التصوف خمسة: تقوى الله في السر والعلانية. اتباع السنة في الأقوال والأفعال. الإِعراض عن الخلق في الإِقبال والإِدبار. الرضى عن الله في القليل والكثير.الرجوع إِلى الله في السراء والضراء.]اهـ
- قال الإمام ابن الملقن رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه [طبقات الأولياء صـ 1]:[فهذه جملة من طبقات الأعلام الأعيان، وأوتاد الأقطاب في كل قطر وأوان؛ جمعتهم لأهتدي بمآثرهم، وأقتفي بآثارهم، رجاء أن أنظم في سلكهم ، " فالمرء مع من أحب "، وأحيا بذكرهم ، ويزول عني النصب. وعلى الله واليه التفويض والاستناد .]اهـ
- قال الإمام العلامة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى في كتابه [معيد النعم ومبيد النقم صـ140)] تحت عنوان الصوفية :[حَيَّاهمُ الله وبيَّاهم وجمعنا في الجنة نحن وإِياهم. وقد تشعبت الأقوال فيهم تشعباً ناشئاً عن الجهل بحقيقتهم لكثرة المُتلبِّسين بها، بحيث قال الشيخ أبو محمد الجويني لا يصح الوقف عليهم لأنه لا حدَّ لهم. والصحيح صحته، وأنهم المعرضون عن الدنيا المشتغلون في أغلب الأوقات بالعبادة.. ثم تحدث عن تعاريف التصوف إِلى أن قال: والحاصل أنهم أهل الله وخاصته الذين ترتجى الرحمة بذكرهم، ويُستنزل الغيث بدعائهم، فرضي الله عنهم وعنَّا بهم]اهـ
- نقل الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه:[تهذيب التهذيب(2/117)]:[وروى الخطيب بسند صحيح أن الإمام أحمد سمع كلام المحاسبي فقال لبعض أصحابه ما سمعت في الحقائق مثل كلام هذا الرجل ولا أرى لك صحبتهم . قلت – أي الإمام ابن حجر - إنما نهاه عن صحبتهم لعلمه بقصوره عن مقامهم فإنه في مقام ضيق لا يسلكه كل واحد ويخاف على من يسلكه أن لا يوفيه حقه. وقال الأستاذ أبو منصور البغدادي – عن الحارث المحاسبي - في الطبقة الأولى من أصحاب الشافعي كان إماما في الفقه والتصوف والحديث والكلام وكتبه في هذه العلوم أصول من يصنف فيها .]اهـ
- وقال الإمام العلامة الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه[تأييد الحقيقة العليَّة وتشييد الطريقة الشاذلية(صـ7)]:[اعلم وفقني الله وإياك أن علم التصوف في نفسه علم شريف رفيع قدره سني أمره ، لم تزل أئمة الإسلام وهداة الأنام قديماً وحديثاً يرفعون مناره وَيُجِلُّون مقداره ويعظمون أصحابه ويعتقدون أربابه ، فإنهم أولياء الله وخاصته من خلقه بعد أنبيائه ورسله ، غير أنه دخل فيهم قديماً وحديثاً دخيل تشبهوا بهم وليسوا منهم وتكلموا بغير علم وتحقيق فزلوا وصلوا وأضلوا ، فمنهم من اقتصر على الاسم وتوسل بذلك إلى حطام الدنيا ، ومنهم من لم يتحقق فقال بالحلول وما شابهه فأدى ذلك إلى إساءة الظن بالجميع ، وقد نبه المعتبرون منهم على هذا الخطب الجليل ونصوا على أن هذه الأمور السيئة من ذلك الدخيل.]اهـ
والمطالع لتراث الإمام السيوطي بصفة عامة يجد أنه كان من العلماء الذين قد أوقفوا جزءا كبيرا من علمهم في بيان وشرح النهج الصوفي والدفاع عن أئمته والقائمين عليه , فهو قد ترجم لأئمة وأقطاب التصوف " كسيدي أحمد البدوي وسيدي أبى الحسن الشاذلي " وغيرهم كثير في ثنايا كتبه تراجم توضح لطالب الحق القيمة الحقيقية لهؤلاء الأعلام , وتبرز دورهم الفعلي وتأثيرهم الإيجابي علي جموع المسلمين , كما ويحسب له أنه أخذ على عاتقه تقديم تحقيقات وتقريرات وافية لكثير من جوانب السلوك الصوفي كقيامه على سبيل المثال بتحقيق مسألة اتصال السند الصوفي إلي حضرة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم , ومن يطالع كتابه " الحاوي للفتاوي " وكتابه "حُسن المحاضرة " يجد من هذه الجهود المشكورة الكثير والكثير .
- وقال الإمام العلامة الحافظ أحمد بن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى في كتابه :[الفتاوى الحديثية (صـ 113)] :[مطلب : إياك أن تنتقد على السادة الصوفية : وينبغي للإنسان حيثُ أمكنه عدم الانتقاد على السادة الصوفية نفعنا الله بمعارفهم، وأفاض علينا بواسطة مَحبتَّنا لهم ما أفاض على خواصِّهم، ونظمنا في سلك أتباعهم، ومَنَّ علينا بسوابغ عوارفهم، أنْ يُسَلِّم لهم أحوالهم ما وجد لهم محملاً صحيحاً يُخْرِجهم عن ارتكاب المحرم، وقد شاهدنا من بالغ في الانتقاد عليهم، مع نوع تصعب فابتلاه الله بالانحطاط عن مرتبته وأزال عنه عوائد لطفه وأسرار حضرته، ثم أذاقه الهوان والذلِّة وردَّه إلى أسفل سافلين وابتلاه بكل علَّة ومحنة، فنعوذ بك اللهم من هذه القواصم المُرْهِقات والبواتر المهلكات، ونسألك أن تنظمنا في سلكهم القوي المتين، وأن تَمنَّ علينا بما مَننتَ عليهم حتى نكون من العارفين والأئمة المجتهدين إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.]اهـ
- وقال الإمام العلامة الحافظ عبد الرءوف المناوي في مقدمة كتابه :[الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية(صـ3،4)]:[وإني كنت قبل أن يكتب الشباب خط العذار , أردد ناظري في أخبار الأولياء الأخيار , وأتتبع مواقع إشارات حكم الصوفية الأبرار , وأترقب أحوالهم وأسبر أقوالهم ... حتى حصلت من ذلك على فوائد عاليات , وحكم شامخات ساميات فألهمت أن أقيد ما وقفت عليه في ورقات , وأن أجعله في ضمن التراجم , كما فعله بعض الأعاظم الأثبات , فأنزلت الصوفية في طبقات , وضربت لهم في هذا المجموع سرادقات , ورتبتهم على حروف المعجم عشر طبقات , كل مائة سنة طبقة , وجمعتهم كواكب كلها معالم للهدي , ومصابيح للدجى , ورجوم للمسترقة .]اهـ
وختاماً أوصيك ونفسي أخي في الله بما قاله الإمام الشافعي في ديوانه (صـ19) .
فلله دره عندما قال :
فقيهاً وصوفياً فكن ليس واحدا فإنــي وحـق الله إيـاك أنصح
فذلك قاس لم يذق قلبه تقــى وهذا جهول كيف ذو الجهل يصلح