موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: شخصية الحلاج
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة إبريل 14, 2006 4:36 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء ديسمبر 14, 2005 5:57 pm
مشاركات: 55
تمثّل شخصية الحسين بن منصور المعروف بالحلاّج نموذجاً من نماذج البطولة لا علاقة له بالنموذج السابق لا من قريب ولا من بعيد.

لقد نشأ هذا الزاهد المتصوّف في واسط والعراق، وصَحِبَ أبا القاسم الجُنيد وغيره، واختلف الناس في عصره بشأنه، من مبالغ في تعظيمه، إلى مبالغ في تكفيره. وكان ابتداءُ حاله ـ على ما ذكره عز الدين بن الأثير في تاريخه ـ أنه كان يظهر الزهد والتصوّف والكرامات.

ويقالُ إنه أصبح داعياً قُرمطياً في خُراسان والأهواز وفارس والهند والتركستان، وسرعان ما اجتمع حوله تلاميذه الحلاّجية عند عودته من مكة إلى بغداد عام 296هـ (908)م، واتهمه المعتزلة بالشعوذة، وأُخرِج من الطريقة بمقتضى (توقيع) الإمامية، وفتوى الظاهرية، وقبض عليه رجال الشرطة العباسيون مرتين، وأحضر أمام الوزير ابن عيسى، وعُذِّب عام 913م، وأمضى ثماني سنوات في سجن بغداد. ولعل اهتمام شغب (أم المقتدر) ورعايتها الحلاّج، وميل الحاجب نصر إليه ومساندته عند المقتدر، قد ساهما في تأجيج عداوة الوزير حامد له، فأمر بقتله بعد محاكمة دامت سبعة أشهر، بمقتضى فتوى أقرّها القاضي المالكي أبو عمر. وفي الثلاثاء 26 آذار سنة 922م، جلد الحلاّج، وقطّعت أوصاله وشوّه وصلب، ثم حُزّ رأسه وأحرق، وذلك في ساحة السجن الجديد ببغداد على الضفة اليمنى لنهر دجلة أمام باب الطاق.

أكان هذا الانتقام الوحشي من الحلاّج لسبب يتعلق بالقصيدة الدينية، أم برأيه ومذهبه في التقرب إلى الله؟ أم أن هناك أسباباً سياسية أبعد من ذلك، منها أن الحلاّج (شرّع مبضع الإصلاح، وراح يعمل بجد ونشاط لإيجاد جماعة قوية، متماسكة تربط بينهم الأخوَّة الروحية والفناء الكلي في سبيل الله، وتجعل من أهدافها الحقيقية إنقاذ المجتمع الإسلامي مما يعانيه من أمراض)، ودعا إلى (وحدة إسلامية شاملة ذات جذور عميقة منبثقة من التعبد والزهد والتقوى)؟!

إن تلك الطريقة الوحشية في قتل الحسين بن منصور، وأهمية الرجل أدتا إلى نشوء مجموعة من الحكايات والأساطير تذهب إلى أنه لم يصلب، وإنما الذي صلب شخص آخر غيره، كما هي الحال في صلب المسيح. وقد انتصرت الذاكرة الشعبية لشخصية الحلاّج من خلال تلك الأساطير التي اشتهرت بعد صلبه، أو من خلال سيرته الشعبية التي ظهرت مكتوبة بعد ذلك بفترة غير قصيرة، وهي تثبت أن هذه الشخصية (حية فاعلة في الوعي) الشعبي. وقد رأى أحد الباحثين أن هذه السيرة (مادة أكثر أهمية من غرائبيات الكتب الرسمية، وذلك لأنها تمثّل خلاصة نهائية لما مكث في الوجدان الشعبي بعد غربلة طويلة).

لنقرأ المقطع الأخير من هذه السيرة:

(فلما حرقوه أخذت أخته رماده، وطلعت إلى البرج كما أوصاها، وكانت الليلة الجمعة، فوقفت تصلّي، فإذا بالماء قد طلع حتى ساوى (شراشيف) القصور، فقالت: أيها الماء ارجع بإ ذن الله عزَّ وجل، فإن أخي (حسين) الحلاّج قد حالل كل من ضربه أو صلبه أو رجمهُ، أو أحرقه، وهو يسلّم عليك ويقول لك: لا تغرق أهل بغداد، فإن شيخه الجنيد فيها. ثم رمت بالرماد في الماء، فهبط الماء إلى مكانه بإذن الله عز وجل. ثم وضعت رأسها ونامت، فرأت في النوم (أخاها) الحلاّج وهو كالقمر ليلة البدر، وعلى رأسه تاج مرصّع بدر وجوهر. فقال: (إلى كم تبكي؟) لقد ضاق بسببك صدري، فقالت: يا أخي وكيف لا أبكي، وقد جرى عليك ما جرى؟ فقال: يا أختي لمّا قطّعوني كان قلبي (مشغوف) بالمحبة، فلم أجد ألماً. فلما خنقوني، نزلت ملائكة حسان الوجوه، (فطالعوني) إلى تحت العرش، و(قالوا) هذا حسين المحب، فنادى (مُنادي):

يا حسين رحم الله من عرف قدره، وكتم سرّه. فقلت: يا مولاي أردت التعجل إلى مشاهدتك. فقال: انظر إلى جمالي أي وقت شئت، لا أحتجبُ عنك أبداً. ثم كشف (عن) الحجاب، فلما رأيت عرش الملك امتلأ قلبي فرحاً وسروراً.

ثم قال: (يا أختي، أرأيت لو كان طائر في قفص، فإن أطلق الطائر يرعى في بساتين وأنهار، هل يضير الطائر كسر القفص؟ قلت: لا. قال: فذلك أنا، ثم تركني وانصرف).

نلاحظ من المقبوس السابق أن الخيال الشعبي قد عمد في نهاية السيرة ـ التي انتهت بصلب الحلاّج وحرقه ـ إلى نسج نهاية أخرى، نهاية تستند إلى عالم الآخرة، والوسيلة هي الرؤيا أو الحلم، فعالم الواقع عجز عن تحقيق ما رغبت العامة فيه، ومن هنا كان اللجوء إلى الحلم، وفي الحلم تتحقق العدالة التي نرجوها، ومن هنا نفهم مسوّغات وجود العالم الآخر، أو البعث في الثقافة الإسلامية. إنها الرغبة في تحقيق العدالة، لقد رأت الأخت أخاها الحسين سعيداً برؤية وجه الحق، لقد رأته معافىً، وفهمت منه أنه لم يشعر بالألم عندما عذّبوه. وقبل ذلك كانت قد طبّقت وصية الحلاّج في ألاّ يُغرق الفرات بغداد، وذلك بأن رمت رماد أخيها في الماء فهدأ وعاد إلى مستواه الأول.

لقد رفعت العامة الحلاّج إلى مستوى المسيح، حين رسمت في البداية نموذجاً للحلاّج قريباً جداً من نموذج يسوع المسيح، من خلال ذكر أمه الحامل به دون الإشارة إلى الأب أو وجوده، كمحاكاة لولادة المسيح. (كما نلمس في السيرة تحرّقاً إلى حرية القول، من خلال التهمة الكبرى، التي وجّهت إلى الحلاّج، وهي تكذيب المؤذن، ونلمس تحرّقاً لا يقل عن السابق في احتقار الكذب والتزييف، وتفريغ الألفاظ من المعنى. وكلا الأمرين واحد، لأن القمع السياسي إذ يمارس على حرية القول فإنه يعمل على إنتاج قول مزيّف فارغ المحتوى.

_________________
كميشى حسينى من آل بيت النبوة

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 20 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط