من وقائع بعض الفقراء ما حدثنا به عبد الله ابن الأستاذ المروزي, قال : رأي بعض المريدين في الواقعة شيخنا ابا مدين وجملة وجملة من الصوفية قد أحدقوا به, فقال بعضهم لأبي مدين : ما معني سر الحقيقة وحقيقة الحقيقة ؟ فقال : هو محل الأسرار, وعند حقيقته عجزت الأوهام والأفكار , وطاشت عقول ذوي الأبصار , إذ العقول لا تعدو طورها, ولا تعرف حدها, جهل ذلك من جهله, وعلمه من علمه, فلا يدرك الحق إلا الحق, ولا يعرف الحق إلا بالحق, فهذه خلقي وخليقتي, وعلي هذا انطوت حقيقتي. فالتشوف إلي هذا مما لا يدرك, والخوض فيه واجب أن يترك. فقال له السائل : أسألك عن التوحيد ما هو ؟ فقال : التوحيد همتي, وهو شريعتي وسنتي. التوحيد هو الغاية القصوي, والملجأ والمأوي. وهو الأساس الذي قام به الوجود, وعليه فترة كل مولود. لكن الناس فيه علي مراتب, فمنهم القريب , ومنهم الصاحب. فالرتبة العليا هي الترقي من الأسماء والصفات إلي توحيد الذات. هناك أفنيت عمري, وأتعبت خاطري وفكري, إلي أن نلت منه المعني, ولا حظت ذاك الجمال الأسني. وذلك بمن من الله سبحانه وتعالي ابتداء وانتهاء (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها). ثم قال : عمرت سري بك فأحييتني, ومما سواك أبعدتني, وبك عن الكونيين أثنيتني, وبالفضل منك ألهمتني. فأنا الفقير وأنت الغني. ثم قال للسائل : اسمع مخلوقاته بعز كبريائه مذلولة, والأشياء كلها من العرش إلي الثري معلولة, إذ هو مذلها بالقهر , وقاهرها بالأمر , ومصرفها بقدرته فيما نفع وضر. قدرته في الثري كقدرته في العرش رالسما , وهو معكم أينما كنتم. أحاط بكل شئ علما, وأحصي كل شئ عددا, وهو الأول والآخر, والظاهر والباطن, وهو بكل شئ عليم. علي العرش استوي, وهو خالق العرش والثري وما بينهما. فالكل قائم به, وممسوك بقدرته ولطفه. وما من ذرة فما فوقها إلا وهو معها, معية ليست بحلول وانتقال , ولا تغير ولا زوال, فالمخلوقات بأسرها ظل, وهو سبحانه وتعالي حقيقة الكل
_________________ أيا ساقيا على غرة أتى يُحدثني وبالري يملؤني ، فهلا ترفقت بى ، فمازلت في دهشة الوصف ابحث عن وصف لما ذُقته ....
|