أثر المعاصي على العباد و البلاد :
لا شك أن ذنوب العباد تؤثر تأثيرا كبيرا على البلاد و العباد ، وتورث محق البركة أو تقليلها ، بل تؤثر على كل شيئ من إنسان و حيوان و نبات و جماد . 1- فالمعاصي سببٌ لحرمان الأرزاق : ففي الحديث الشريف : ((إن الرجل ليُحرَم الرزقَ بالذنب يصيبُه) .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (إنّ للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسَعة في الرزق، وقوَّة في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبُغضاً في قلوب الخلق) .
2- تمحق البركات: بركات الدين والدنيا :
قال الله عز وجل : "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " (سورة الأعراف آية ( 96).
3- أنها تسلب نعمة العافية في الأبدان: جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لم تظهر الفاحشة في قومٍ قطّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا)).
4- أنها تزيل النعم بمختلف أنواعها وأشكالها، وتحلّ النقم والمحن والفتن مكانها: قال: "وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون" (سورة النحل 112) . قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ...} [الرعد:11]. فالله تعالى لا يسلب نعمةً أنعمها على قومٍ أو مجتمع أو أمةٍ حتى يحدثوا تغيير ما هم عليه من الخير والهداية إلى الشرّ والضلالة. وكذلك لا يغيّر ما حلّ بقومٍ جزاء عصيانهم من عذاب ونكال وذل وخذلان إلى نعمةٍ ورخاء، وسلامة وإخاء حتى يغيروا ما بأنفسهم من الشر والآثام إلى توبةٍ خالصة، وطاعة للملك العلام.
5- و كذلك تكون سببا لحلول المصائب و الكوارث :
قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:166] . وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم" ( .
6- يؤثّر في كل شيئ حتى في الدواب: قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً} [فاطر:45]. قال القرطبي رحمه الله: "{وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ} يعني: من الذنوب {مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ} قال ابن مسعود رضي الله عنه: يريد جميع الحيوانات مما دبّ ودرج، قال قتادة: وقد فعل ذلك زمن نوح عليه السلام". و قال اللٰه تعالى: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" . والمراد بالفساد في الآية النقصُ والشرور والآلام التي تحدث في الأرض عند معاصي العباد، فكلَّما أحدثوا ذنباً أحدث الله لهم عقوبة، قال بعض السلف: "كلّما أحدثتم ذنباً أحدث الله لكم من سلطانه عقوبةً" .
وعن أبي قتادة بن ربعي أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال "مستريح ومستراح منه" قالوا يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه فقال "العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب" (متفق عليه )
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: (والذي نفسي بيده إن الحُبارى لتموت هزلاً في وكرها بظلم الظالم).
وقال مجاهد رحمه الله : إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة – أي : القحط - وأمسك المطر , وتقول : هذا بشؤم معصية ابن آدم
وعكرمة كان يقول: (دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون: منعنا القطر بذنوب بني آدم) .
7- وسبب للهوان و الصغار والضعف : ففي الحديث الشريف : ((وجُعلت الذلة والصغارُ على من خالف أمري)) ، فالعزَّة إنما هي في تحقيق طاعة الله وطاعة رسوله ، مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً [فاطر:10].
جاء في حديث آخر : ((يوشك أن تتداعى عليكم الأمم من كلِّ أفق، كما تتداعى الأكلةُ على قصعتها))، قلنا: يا رسول الله، أمن قلة يومئذ؟ قال: ((لا، وأنتم كثير ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، تنزَع المهابة من قلوب عدوّكم، ويُجعل في قلوبكم الوهن))، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: ((حبُّ الدنيا، وكراهة الموت)) .
و لما فُتحت قُبرص بَكى أبو الدرداء رضي الله عنه فقيل له: ما يبكيك في يوم أعزَّ الله فيه الإسلامَ وأهله؟ فقال: (ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملكُ تركوا أمرَ الله فصاروا إلى ما ترى ) .
ولذا كان من دعاء بعض الصالحين : "اللهم أعزَّني بطاعتك، ولا تذلَّني بمعصيتك" .
8- وسبب للفرقة بين المؤمنين :
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «والذي نفس محمد بيده، ما تواد اثنان ففرق بينهما، إلا بذنب يحدثه أحدهما» .
9- و من الممكن أيضا أن الذنوب تعجل بأحداث آخر الزمان : عن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من النوم محمراً وجهه وهو يقول: ((لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)) وعقد سفيان (تسعين أو مائة) قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: ((نعم إذا كثُر الخبث)). قال النووي رحمه الله: "والخبث هو بفتح الخاء والباء، وفسّره الجمهور بالفسوق والفجور، وقيل المراد: الزنا خاصة، وقيل أولاد الزنا، والظاهر أنه المعاصي مطلقاً".
و عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، إذا ظهرت القيان والمعازف، وشُربت الخمور)).
و بالجملة فإن الذنوب و المعاصي و عدم طاعة الأنبياء و المرسلين كانت سببا في هلاك الأمم: كإغراق قوم سيدنا نوحٍ عليه السلام، وفرعون وقومه، وإهلاك قوم عاد بالريح العقيم، وثمود بالصيحة، وقوم لوط بجعل عاليها سافلها. إلى غير ذلك. قال تعالى: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:40]، وقال: {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلأرْضِ مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَاء عَلَيْهِم مَّدْرَاراً وَجَعَلْنَا ٱلأنْهَـٰرَ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءاخَرِينَ} [الأنعام:6]. إن هذا النصّ في القرآن: {فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} وما يماثله يقرّر حقيقة، ويقرّر سنة، إنه يقرّر حقيقة أن الذنوب تهلك أصحابها، وأن الله هو الذي يهلك المذنبين، وأن هذه سنة ماضية - ولو لم يرها فرد في عمره القصير - ولكنها سنة تصير إليها الأمم حين تفشو فيها الذنوب .
وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم . ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا اللهم إني أسألك العفو و العافية في ديني و دنياي و أهلي و مالي . و الحمد لله أولا و آخرا ظاهرا و باطنا .
وصل اللهم على سيدنا ومولانا محمد و على آله و سلم .
_________________ مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
|