أكرمك الله الفاضلة ملهمة
وجعلنا الله من أهل المعروف
والقصة رواها أبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (7/ 294)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ أَبُو طَاهِرٍ، ثنا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ السُّلَمِيُّ الْمُقْرِي، بِالرَّافِقَةِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْعَلَاءِ، - أَخُو هِلَالٍ - ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، قَالَ:
" كُنْتُ فِي مَجْلِسِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ , وَكَانَ فِي مَجْلِسِهِ أَلْفُ رَجُلٍ , يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ , فَالْتَفَتَ فِي آخِرِ مَجْلِسِهِ إِلَى رَجُلٍ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ، فَقَالَ: قُمْ فَحَدِّثِ النَّاسَ بِحَدِيثِ الْحَيَّةِ ,
فَقَالَ الرَّجُلُ: أَسْنِدُونِي , فَأَسْنَدْنَاهُ , وَسَالَتْ جُفُونُ عَيْنَيْهِ , ثُمَّ قَالَ: أَلَا فَاسْمَعُوا وَعُوا ,
حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ جَدِّي، أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُعْرَفُ بِمُحَمَّدِ بْنِ حِمْيَرٍ , وَكَانَ رَجُلًا مَعَهُ وَرَعٌ , يَصُومُ النَّهَارَ , وَيَقُومُ اللَّيْلَ ,
وَكَانَ مُبْتَلًى بِالقَنْصِ , فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ يَتَصَيَّدُ , إِذْ عَرَضَتْ لَهُ حَيَّةٌ فَقَالَتْ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ بْنَ حِمْيَرٍ، أَجِرْنِي أَجَارَكَ اللهُ
قَالَ لَهَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرٍ: مِمَّنْ؟ قَالَتْ: مِنْ عَدُوِّي قَدْ طَلَبَنِي , قَالَ: وَأَيْنَ عَدُوُّكِ؟ قَالَتْ لَهُ: مِنْ وَرَائِي , قَالَ: مِنْ أَيِّ أُمَّةٍ أَنْتِ؟
قَالَتْ: مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ,
قَالَ: فَفَتَحْتُ رِدَائِي فَقُلْتُ: ادْخُلِي فِيهِ , فَقَالَتْ: يَرَانِي عَدُوِّي ,
قَالَ: فَشِلْتُ طِمْرِي فَقُلْتُ: ادْخُلِي بَيْنَ أَطْمَارِي وَبَطْنِي , قَالَتْ: يَرَانِي عَدُوِّي , قُلْتُ لَهَا: فَمَا الَّذِي أَصْنَعُ بِكِ؟
قَالَتْ: إِنْ أَرَدْتَ اصْطِنَاعَ الْمَعْرُوفَ فَافْتَحْ لِي فَاكَ حَتَّى أَنْسَابَ فِيهِ ,
قَالَ: أَخْشَى أَنْ تَقْتُلِينِي , قَالَتْ: لَا وَاللهِ , لَا أَقْتُلُكَ ,
اللهُ شَاهِدٌ عَلَيَّ بِذَلِكَ وَمَلَائِكَتُهُ , وَأَنْبِيَاؤُهُ وَحَمَلَةُ عَرْشِهِ , وَسُكَّانُ سَمَاوَاتِهِ إِنْ أَنَا قَتَلْتُكَ ,
قَالَ مُحَمَّدٌ: فَاطْمَأْنَنْتُ إِلَى يَمِينِهَا ,
فَفَتَحْتُ فَمِي فَانْسَابَتْ فِيهِ , ثُمَّ مَضَيْتُ إِذْ عَارَضَنِي رَجُلٌ وَمَعَهُ صَمْصَامَةٌ ,
فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ , قُلْتُ: مَا تَشَاءُ؟ قَالَ: لَقِيتَ عَدُوِّي؟ قُلْتُ: وَمَا عَدُوُّكَ؟
قَالَ: حَيَّةٌ , قُلْتُ: اللهُمَّ لَا , وَاسْتَغْفَرْتُ رَبِّي مِنْ قَوْلِي لَا مِائَةَ مَرَّةٍ , وَقَدْ عَلِمْتُ أَيْنَ هِيَ ,
ثُمَّ مَضَيْتُ أَقُولُ ذَلِكَ إِذْ قَدْ أَخْرَجَتْ رَأْسَهَا مِنْ فَمِي ,
ثُمَّ قَالَتِ: انْظُرْ مَضَى هَذَا الْعَدُوُّ؟ فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ إِنْسَانًا , فَقُلْتُ: لَيْسَ أَرَى إِنْسَانًا , إِنْ أَرَدْتِ أَنْ تَخْرُجِي , فَاخْرُجِي ,
قَالَتِ: انْظُرْ مَلِيًّا ,
قَالَ مُحَمَّدٌ: فَرَمَيْتُ حَمَالِيقَ عَيْنِي فِي الصَّحْرَاءِ , فَلَمْ أَرَ شَبَحًا وَلَا شَخْصًا وَلَا إِنْسَانًا ,
فَقُلْتُ: إِنْ أَرَدْتِ أَنْ تَخْرُجِي فَاخْرُجِي , فَلَيْسَ أَرَى إِنْسَانًا ,
قَالَتِ: الْآنَ يَا مُحَمَّدُ , اخْتَرْ وَاحِدَةً مِنِ اثْنَتَيْنِ؟ قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟
قَالَتْ: إِمَّا أَنْ أَنْكُتَ كَبِدَكَ فَأَفَتِّتُهَا فِي جَوْفِكَ , أَوْ أَنْكُتَكَ نَكْتَةً فَأَطْرَحَ جَسَدَكَ بِلَا رُوحٍ ,
قَالَ: قُلْتُ: يَا سُبْحَانَ اللهِ أَيْنَ الْعَهْدُ الَّذِي عَهِدْتِ إِلَيَّ؟
أَيْنَ الْعَهْدُ الَّذِي عَاهَدْتِنِيهِ؟ وَالْيَمِينُ الَّذِي حَلَفْتِ لِي؟ مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيتِيهِ
قَالَتْ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ , لِمَ نَسِيتَ الْعَدَاوَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِيكَ آدَمَ , حَيْثُ أَضْلَلْتُهُ وَأَخْرَجْتُهُ مِنَ الْجَنَّةِ؟
عَلَى أَيِّ شَيْءٍ طَلَبْتُ اصْطِنَاعَ الْمَعْرُوفِ ,
قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: وَلَيْسَ بُدٌّ مِنْ أَنْ تَقْتُلِينِي؟
قَالَتْ: وَاللهِ إِنْ كَانَ بُدٌّ مِنْ قَتْلِكَ قُلْتُ لَهَا: فَأَمْهِلِينِي حَتَّى أَصِيرَ إِلَى تَحْتِ هَذَا الْجَبَلِ فَأَمْهَدَ لِنَفْسِي مَوْضِعًا ,
قَالَتْ: شَأْنَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ: فَمَضَيْتُ أُرِيدُ الْجَبَلَ وَقَدْ أَيِسْتُ مِنَ الْحَيَاةِ , إِذْ رَمَيْتُ حَمَالِيقَ عَيْنِي نَحْوَ الْعَرْشِ ,
ثُمَّ قُلْتُ: يَا لَطِيفَ الْطُفْ بِلُطْفِكَ الْخَفِيِّ يَا لَطِيفُ , بِالْقُدْرَةِ الَّتِي اسْتَوَيْتَ بِهَا عَلَى عَرْشِكَ , فَلَمْ يَعْلَمِ الْعَرْشُ أَيْنَ مُسْتَقَرُّكَ مِنْهُ إِلَّا كَفَيْتَنِيهَا
ثُمَّ مَشَيْتُ , فَعَارَضَنِي رَجُلٌ صَالِحٌ صُبَيْحُ الْوَجْهِ , طَيِّبُ الرَّائِحَةِ , نَقِيٌّ مِنَ الدَّرَنِ , فَقَالَ لِي: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ,
فَقُلْتُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا أَخِي , قَالَ: مَا لِي أَرَاكَ قَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُكَ؟
فَقُلْتُ: يَا أَخِي مِنْ عَدُوٍّ قَدْ ظَلَمَنِي ,
قَالَ: وَأَيْنَ عَدُوُّكَ؟
قُلْتُ: فِي جَوْفِي , قَالَ لِي: افْتَحْ فَاكَ , فَفَتَحْتُ فَمِي ,
فَوَضَعَ فِيهِ مِثْلَ وَرَقَةِ زَيْتُونَةٍ خَضْرَاءَ , ثُمَّ قَالَ: امْضُغْ , وَابْلَعْ ,
فَمَضَغْتُ وَبَلَعْتُ ,
قَالَ مُحَمَّدٌ: فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى مَغَصَتْنِي بَطْنِي , فَرَمَيْتُ بِهَا مِنْ أَسْفَلَ قِطْعَةً قِطْعَةً ,
فَتَعَلَّقْتُ بِالرَّجُلِ ثُمَّ قُلْتُ: يَا أَخِي ,
أَحْمَدُ اللهَ الَّذِي مَنَّ عَلَيَّ بِكَ , فَضَحِكَ
ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَعْرِفُنِي؟
قُلْتُ: اللهُمَّ لَا ,
قَالَ: يَا مُحَمَّدُ بْنَ حِمْيَرٍ: إِنَّهُ لَمَّا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْحَيَّةِ مَا كَانَ , وَدَعَوْتَ بِذَلِكَ الدُّعَاءِ ضَجَّتْ مَلَائِكَةُ السَّبْعِ سَمَاوَاتٍ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ,
فَقَالَ اللهُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي , وَجُودِي وَارْتِفَاعِي فِي عُلُوِّ مَكَانِي , قَدْ كَانَ بِعَيْنَيَّ كُلُّ مَا فَعَلَتِ الْحَيَّةُ بِعَبْدِي ,
فَأَمَرَنِي اللهُ - وَأَنَا الَّذِي يُقَالُ لِيَ الْمَعْرُوفُ , مُسْتَقَرِّي فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ - أَنِ انْطَلِقْ إِلَى الْجَنَّةِ فَخُذْ طَاقَةً خَضْرَاءَ ,
فَالْحَقْ بِهَا عَبْدِي مُحَمَّدَ بْنَ حِمْيَرٍ , يَا ابْنَ حِمْيَرٍ عَلَيْكَ بِاصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ ,
فَإِنَّهُ يَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ , وَإِنَّهُ إِنْ ضَيَّعَهُ الْمُصْطَنَعُ إِلَيْهِ لَمْ يَضِعْ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ
_________________ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ
|