|
مقال للشيخ محمد أكرم حفظة الله
لم أستطع أن أوفى بوعدى بإكمال المقالات عن مراتب الإدراك فى الانسان، و الوقوف مع بعض معانى كلام إبن خلدون الذى نقلته فى مقال الجمعة الماضيةكما ذكرت، حيث لم يمكننى تجاهل ذكرى هى بين الذكريات أطيبها، و يوم هو بين الأيام أسعدها، و ليله هى بين الليالى أكرمها و أقربها إلى نفوس المؤمنين و قلوبهم، و كيف لا ؟ و هى ليلة أبرز الله فيها نور من أرسله رحمة للعالمين، فأثرت أن ألتمس بركات المولد الشريف، و أن أشم من عبيره أطيب ريح، خاصة و أنكم و أنتم تقرأون هذا المقال أكون فى رحاب طيبه، فى جوار الحبيب صلوات ربى و سلامه عليه و أله، أنعم بنسمات المولد المبارك فى رحاب صاحب المولد عسى الله أن يجعل من هذا القرب فى المكان قربا فى المكانة، و أن ينعم علينا بجواره يوم القيامة.
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مره بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضير بن كنانة بن خزيمه بن مدركه بن إلياس بن نضر بن نزار بن معد بن عدنان، و إلى هنا أمسك النبى صلى الله عليه و اله و سلم فى ذكر نسبه الشريف، نعم نسب شريف كريم، فقد إنتقل فى الأصلاب الطيبه و الأرحام الطاهرة، حفظه الله من السفاح، و تنقل نوره بالنكاح، و قد رؤى فى الظهور و الجباه، فهو خيار من خيار كما قال، إصطفى الله له الأباء و الأمهات، شرفا و نسبا و سيادة و قيادة.
ظهرت قبل مولده البشائر، و بشرت بذلك الأم الكريمة السيدة أمنه بنت وهب، فقد سمعت فى حملها من يقول لها يا أمنه إنك قد حملت بخير العالمين طرا ( أى جميعا )، فاذا ولدته فسميه محمدا، و اكتمى شأنك. و لم تشتك السيده أمنه فى حملها مما تشتكى منه الناس، فلم تجد ألما و لا ثقلا، و رأت من بركات حمله و وضعه ما رأت .. فقد رأت حين حملت به أنه خرج منها نور رأت منه قصور بصرى من أرض الشام. و حين وضعته أرسلت إلى جده عبد المطلب سيد قريش أن قد ولد لك غلام فأته فأنظر إليه، فأتاه و نظر اليه، و حدثته بما رأت حين حملت به، و أخبرته بما قيل لها و ما أمرت أن تسميه، فنظر إليه و قال:
: إن محمدا لن يموت حتى يسود العرب و العجم و أنشأ يقول : الحمد لله الذى أعطانى هذا الغلام الطيب الأردان أعيذه بالواحد المنان من كل ذى عيب و ذى شنأن حتى أره شــــــامخ البنـــــيان و كان هذا الوضع فى يوم الاثنين الثانى عشر من شهر ربيع الأول .. و قد سئل بعدها عبد المطلب عن سبب تسميته بمحمد و ليس من أسماء أبائه و لا قومه، فقال رجوت أن يحمد فى السماء و الارض : و قد حقق الله رجاءه. و لذكرى هذا المولد الشريف على صاحبه و أله أفضل الصلاة و التسليم مكانة رفيعة فى نفوس المؤمنين، المتعلقين بحضرته .. و قد دأبت البلدان الاسلامية، حكاما و محكومين، علماءا و عواما على الاحتفال بهذا المولد الكريم المبارك.
و من المعلوم أن هذه الاحتفالات لم تكن فى القرون الثلاثة الاولى، إلا أنها أحدثت بعدها، فكيف يمكن الحكم عليها من الناحيه الشرعية؟ و هل مجرد إحداث أمر من الأمور بعد عهد النبى صلى الله عليه و اله و سلم و الخلفاء الراشدين و القرون الثلاثة الاولى دليل فى ذاته على عدم جوازها ؟. أما عن إحداث أمور بعد عهد النبى صلى الله عليه و اله و سلم فمن المعلوم أن الصحابة أحدثوا بعده أمورا، مثل جمع القرأن فى عهد أبى بكر الصديق، و جمع الناس على إمام واحد فى صلاة التراويح فى عهد عمر، و الاذان الثانى فى الجمعة فى عهد عثمان رضى الله عنهم جميعا، و لم يروا فى ذلك مخالفة لأمر النبى أو سنته حيث أنها أمور ليس فيها نهى كما أنها تستقيم مع أصول الشريعة و مقاصدها. و مما إستحدث فى عهد التابعين، إدخال القبر الشريف و قبرى الصاحبين الكرام و الحجرات داخل الحرم النبوى الشريف، و كان عمر بن عبد العزيز واليا على المدينة، و لم يرى فى أحد من التابعين فى ذلك مخالفة شرعية أو بدعة منكرة، بل صار القبر المعظم و قبرى الصاحبين داخل المسجد، و صار المسلمون يصلون أمام الحجرة و خلفها و عن يمينها و عن شمالها دون نكير من أحد من علماء الامة أو فقهائها على مر الزمان. و لا نقول هنا أن الخلفاء الراشدين، و التابعين و الفقهاء و العلماء قد أحدثوا فى الدين ما ليس منه، و لكنهم أحدثوا ما لم يفعله النبى صلوات ربى و سلامه عليه و على اله، و لكن مما يشهد له الشرع و اصوله، و إن لم يأت بتفصيله و هيئته على عهد النبى صلى الله عليه و اله و سلم. و لذا يقول الشافعى رحمه الله : ( كل أمر له مستند من الشرع فليس ببدعه و إن لم يفعله السلف).
فمجرد ترك الشىء و عدم فعله فى عهد النبى و فى القرون الثلاثة الاولى ليس فيه دليل على التحريم، و لم يقل بذلك من له أدنى دراية بعلم الفقه و أصوله. فإذا جئنا إلى أمر كالمولد النبوى الشريف فلماذا نجتهد نحن، و لسنا من أهل الاجتهاد و الاستنباط ؟ فألامر ليس بجديد، بل قد مرت قرون على الامة الاسلامية و هى تحتفل بالمولد المبارك فى شتى بقاع بلدان الاسلام، فلابد أن العلماء قد أبدوا أرائهم فى هذا الأمر، و نقلوه و تكلموا عنه، فليكن لنا فى أرائهم سند نرجع اليه، و من لم يرضى بأقوالهم فليعد هذا الامر من المختلف فيه و ليسع كل واحد من المسلمين ما ارتضاه من أراء الفقهاء فلا ينكر بعضنا على الاخر.
و قد أفرد العلامه يوسف النبهانى فى كتابه ( حجة الله على العالمين ) فصلا فى اجتماع الناس لقراءة مولد النبى صلى الله عليه و اله و سلم، ذكر فيه بعض أراء العلماء الأكابر فى الاحتفال بالمولد و نقل من كتبهم التى صنفوها فى سيرة المولد النبوى المبارك. كما وضع الحافظ السيوطى رحمه الله رسالة ماتعة بعنوان ( حسن المقصد فى عمل المولد )، أورد فيها رأيه و رأى غيره من العلماء فى الاحتفال بهذا المولد الكريم على صاحبه أفضل الصلاة و التسليم. و ننقل هنا أراء العلماء كما تعودنا حتى لا يكون الامر مرجعه هوى النفس أو الانتصار للرأى، بل يكون القصد منه و غايته بيان الحق لمن أراد أن يهتدى.
و ننقل هنا ما نقله الشيخ النبهانى فى الفصل المذكور عاليه فيقول : ( قال الإمام أبو شامة شيخ النووى : و من أحسن ما إبتدع فى زماننا ما يفعل كل عام فى اليوم الموافق ليوم مولده صلى الله عليه و اله و سلم من الصدقات و المعروف و إظهار الزينة و السرور فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان للفقراء، شعر بمحبة النبى صلى الله عليه و اله و سلم و تعظيمه فى قلب فاعل ذلك و شكر الله تعالى على ما من به من إيجاد رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم الذى أرسله رحمة للعالمين).
و قال السخاوى : ( إن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة ثم لازال أهل الاسلام من سائر الاقطار و المدن الكبار يعملون المولد و يتصدقون فى لياليه بأنواع الصدقات و يعتنون بقراءة مولده الكريم و يظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم). و قال القسطلانى : ( و لازال أهل الاسلام يحتفلون بشهر مولده عليه الصلاة و السلام و يعملون الولائم و يتصدقون فى لياليه بأنواع الصدقات و يظهرون السرور و يزيدون فى المبرات و يعتنون بقراءة مولده الكريم و يظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم، و مما جرب من خواصه أنه أمان فى ذلك العام و بشرى عاجله بنيل البُغْيه و المرام فرحم الله إمرأ اتخذ ليالى شهر مولده المبارك أعيادا). انظر كيف استقبل هؤلاء الفضلاء من أكابر العلماء احتفال المسلمين بمولد النبى العظيم، هذا مع علمهم و إقرارهم أنه استحدث بعد القرون الثلاثة، و لم ير أحد منهم فى هذا نكير .. فليفهم ذلك أنصاف المتعلمين و من يدورون فى أفكار الوهابية المنكرين.
و فى رسالة السيوطى المذكورة و التى جمعها فى كتابه (حاوى الفتاوى) يقول الامام : ( قد وقع السؤال عن عمل المولد النبوى فى شهر ربيع الاول ما حكمه من حيث الشرع و هل هو محمود أو مذموم ؟ و هل يثاب فاعله أولا ؟ قال : الجواب عندى لأن أصل عمل المولد الذى هو اجتماع الناس و قراءة مل تيسر من القرأن و رواية الاخبار الواردة فى مبدأ أمر النبى صلى الله عليه و اله و سلم و ما وقع فى مولده من الايات ثم يمد لهم سماطا فيأكلونه و ينصرفون من غير زيادة على ذلك، من البدع الحسنة التى يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبى صلى الله عليه و اله و سلم و إظهار الفرح و الاستبشار بمولده الشريف صلى الله عليه و اله و سلم).
و الحق أن أراء العلماء أكثر و أطول مما نستطيع نقله فى هذا المقال، إلا أننا نرجو أن يكون فيما نقلناه كفايه لمن طلب الحق و أراده. أكرمنا الله بمولد الهادى الشفيع و بلغنا بحقه كل مقام رفيع.
_________________
بئس الانام ثلاثة و إمامهم ذاك الخبيث الأحمق الحراني
تلميذه ابن القيم النزِق الذي ذم الكرام بقوله البهتــان
وخليفة الاثنين ناشر كفرهم ذَنَّبٌ يسمى ناصر الألبانــي
***(اللهم اجعلني من المهتدين واجعلني سببًا لمن إهتدى )***
|
المنتدى
التسجيل
الأسئلة المتكررة
بحث
