ابن حجر كتب:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال القاضي عياض رحمه الله في كتابه الماتع /الشفا بتعريف حقوق المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) : فصل : في وجوب مناصفته صلى الله عليه وسلم :
ـــــــــــــــــــــــــ
قال الله تعالى : (وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[التوبة : 91] .
قال أهل التفسير إذا نصحوا لله ورسوله إذا كانوا مخلصين مسلمين في السر والعلانية.
حدثنا الفقيه أبو الوليد بقراءتي عليه حدثنا حسين بن محمد حدثنا يوسف بن عبد الله حدثنا ابن عبد المؤمن حدثنا أبو بكر لتمار حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا سهيل بن أبى صالح عن عطاء بن يزيد عن تميم الدارى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله ؟ قال (لله ولكتابه ولرسوله وأئمة المسلمين وعامتهم) .
قال أئمتنا: النصيحة لله ولرسوله وأئمة المسلمين وعامتهم واجبة .
قال الإمام أبو سليمان البستى: النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة إرادة الخير للمنصوح له وليس يمكن أن يعبر عنها بكلمة واحدة تحصرها، ومعناها في اللغة الإخلاص من قولهم نصحت العسل إذا خلصته من شمعه .
وقال أبو بكر ابن أبى إسحاق الخفاف: النصح فعل الشئ الذى فيه الصلاح والملاءمة، مأخوذ من النصاح وهو الخيط الذى يخاط به الثو .
وقال أبو إسحاق الزجاج نحوه .
فنصيحة الله تعالى صحة الاعتقاد له بالوحدانية ووصفه بما هو أهله وتنزيهه عما لا يجوز عليه والرغبة في محابه والبعد من مساخطه والإخلاص في عبادته والنصحية لكتابه: الأيمان به والعمل بما فيه وتحسين تلاوته والتخسع عنده وتعظم له وتفهمه والتفقه فيه والذب عنه من تأويل الغالين وطعن الملحدين .
والنصيحة لرسوله التصديق بنبوته وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه قاله أبو سليمان، وقال أبو بكر: ومؤازرته ونصرته وحمايته حيا وميتا، وإحياء سنته بالطلب والذب عنها ونشرها، والتخلق بأخلاقه الكريمة وآدابه الجملية .
وقال أبو إبراهيم إسحاق التجيبى: نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم التصديق بما جاء به والاعتصام بسنته ونشرها والحض عليها والدعوة إلى الله وإلى كتابه وإلى رسوله وإليها إلى العمل بها.
وقال أحمد بن محمد : من مفروضات القلوب اعتقاد النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال أبو بكر الآجرى وغيره : النصح له يقتضى نصحين نصحا في حياته ونصحا بعد مماته ففى حياته نصح أصحابه له بالنصر والمحاماة عنه ومعاداة من عاداه والسمع والطاعة له وبذل النفوس وأموال دونه كما قال الله تعالى : (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) الآية، وقال (وينصرون الله ورسوله) الآية .
وأما نصيحة المسلمين له بعد وفاته فالتزام التوقير والإجلال وشدة المحبة له والمثابرة على تعلم سنته والنفقة في شريعته ومحبة آل بيته وأصحابه ومجانبة من رغب عن سنته وانحرف عنها وبغضه والتحذير منه والشفقة على أمته والبحث عن تعرف أخلاقه وسيره وآدابه والصبر على ذلك: فعلى ما ذكره تكون النصيحة إحدى ثمرات المحبة وعلامة من علاماتها كما قدمناه .
وحكى (قوله التجيبى) بضم المثناة الفوقانية وفتحها وكسر الجيم الإمام أبو القاسم القشيرى :
أن عمرو بن الليث أحد ملوك خراسان ومشاهير الثوار المعروف بالصفار رؤى في النوم فقيل له ما فعل الله بك ؟ فقال غفر لى، فقيل بماذا ؟ قال صعدت ذروة جبل يوما فأشرفت على جنودي فأعجبتى كثرتهم فتمنيت أنى حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعنته ونصرته فشكر الله لى ذلك وغفر لى .
وأما النصح لأئمة المسلمين فطاعتهم في الحق ومعونتهم فيه وأمرهم به وتذكيرهم إياه على أحسن وجه وتنبيههم على ما غفلوا عنه وكتم عنهم من أمور المسلمين وترك الخروج عليهم وتضريب الناس وإفساد قلوبهم عليهم والنصح لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم ومعونتهم في أمر دينهم
ودنياهم بالقول والفعل وتنبيه غافلهم وتبصير جاهلهم ورفد محتاجهم وستر عوراتهم ودفع المضار عنهم وجل المنافع إليهم .
صلاة وسلاما عليك سيدي يا رسول الله وعلى آلك الطيبين الطاهرين أجمعين .
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه وأحبابه وتسلم تسليما كثيرا كبيرا
جزاكم الله خيرا سيدي الكريم