مَا جَاءَ فِي أَسمَاء الْكَعْبَة وَأَن لَا يبْنى بَيت يشرف عَلَيْهِ
اإنما سميت الْكَعْبَة كعبة لوَجْهَيْنِ: الأول: لِأَنَّهَا مربعة، وَأكْثر بيُوت الْعَرَب مُدَوَّرَة، وَعند أهل اللُّغَة كل بَيت مدور مربع فَهُوَ مكعب، وكعبة بِفَتْح الْكَاف، وَكَانَ فِي خثعم بَيت يسمونه كعبة اليمانية. قَالَ سعيد بن سَالم: قَالَ ابْن جريج: وَكَانَ ابْن الزبير بنى الْكَعْبَة على مَا بناها إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: وَهِي كعبة على خلقَة الكعب؛ فَلذَلِك سميت الْكَعْبَة. قَالَ الْأَزْرَقِيّ: وَكَانَ النَّاس يبنون بُيُوتهم مُدَوَّرَة تَعْظِيمًا للكعبة، وَأول من بنى بَيْتا مربعًا حميد بن زُهَيْر، فَقَالَت قُرَيْش: ربع حميد بن زُهَيْر بَيْتا إِمَّا حَيَاة وَإِمَّا موتا. الثَّانِي: لعلوها ونتوها ونشورها على الأَرْض، فَكل ناتئ بارز كَعْب، مستديراً كَانَ أَو غير مستدير، وَمِنْه كَعْب ثدي الْجَارِيَة وَكَعب الْقدَم وَكَعب الْقَنَاة. وَمن أسمائها الْبَيْت وَهُوَ اسْم علم على الْكَعْبَة زَادهَا الله تَشْرِيفًا وتكريماً سميت بذلك لِأَنَّهَا ذَات سقف وجدار وَهِي حَقِيقَة الْبَيْت وَإِن لم يكن بِهِ سَاكن، وَيُسمى الْبَيْت الْحَرَام لتَحْرِيم الله إِيَّاهَا؛ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن مَكَّة حرمهَا الله وَلم يحرمها النَّاس ". أَو لِأَن حرمتهَا انتشرت فَأُرِيد بِالتَّحْرِيمِ سَائِر الْحرم، كَمَا قَالَ عز وَجل: " هَديا بَالغ الْكَعْبَة ". وَأَرَادَ الْحرم. وَيُسمى الْبَيْت الْعَتِيق وَتقدم فِي بَاب الْفَضَائِل سَبَب تَسْمِيَتهَا بذلك. قَالَ الْأَزْرَقِيّ: وَكَانَ يدعى الْبَيْت قادسياً، ويدعى بادراً، ويدعى الْقرْيَة الْقَدِيمَة. انْتهى. وَيُسمى بكة على قَول، وَأما مَكَّة فَهِيَ الْقرْيَة. وَذكر صَاحب الْمَشَارِق: من أسمائها البنية وبنية إِبْرَاهِيم، وبنية أبي طَالب. وَعَن شيبَة بن عُثْمَان: أَنه كَانَ يشرف فَلَا يرى بَيْتا مشرفاً على الْكَعْبَة إِلَّا أَمر بهدمه. وَعَن يُوسُف بن مَاهك قَالَ: كنت جَالِسا مَعَ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ فِي نَاحيَة الْمَسْجِد الْحَرَام إِذْ نظر إِلَى بَيت مشرف على أبي قبيس فَقَالَ: أَبيت ذَلِك؟ قلت: نعم. قَالَ: إِذا رَأَيْت بيوتها يَعْنِي بذلك مَكَّة قد علت أخشبها، وفجرت بطونها أَنهَارًا فقد أزف الْأَمر. قَالَ الْأَزْرَقِيّ: وحَدثني جدي قَالَ: لما أَن بنى الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ دَاره الَّتِي بِمَكَّة على الصيارفة حِيَال الْمَسْجِد الْحَرَام، أَمر قوامه أَن لَا يرفعوها فيشرفوا بهَا على الْكَعْبَة، وَأَن يجْعَلُوا أَعْلَاهَا دون الْكَعْبَة فَتكون دونهَا؛ إعظاماً للكعبة أَن تشرف عَلَيْهَا، فَلم تبْق بِمَكَّة دَار لسلطان وَلَا غَيره حول الْمَسْجِد تشرف على الْكَعْبَة إِلَّا هدمت وَخَربَتْ إِلَّا هَذِه الدَّار فَإِنَّهَا على حَالهَا إِلَى الْيَوْم.
تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام والمدينة الشريفة والقبر الشريف
المؤلف: محمد بن أحمد بن الضياء محمد القرشي العمري المكي الحنفي، بهاء الدين أبو البقاء، المعروف بابن الضياء (المتوفى: 854هـ)