موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 19 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة 1, 2  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: مرشد العوام لأحكام الصيام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يونيو 09, 2016 12:50 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين
وارض اللهم عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:
فقد أحببت أن أضيف إلى هذه الواحة الطيبة كتابا صغير الحجم
غزير العلم كبير الفائدة جم العائدة وهو كتاب:
مرشد العوام لأحكام الصيام
على المذاهب الأربعة
لمولانا العارف بالله المرحوم الشيخ محمد أمين الكردي
الإربلي الشافعي مذهبا النقشبندي مشربا
ابن الشيخ فتح الله زاده رزقهما الله الحسنى وزيادة
المتوفي ليلة الأحد ثاني عشر ربيع الأول سنة 1332هـ

ولترجمة سيدي محمد أمين الكردي رحمه الله – انظر هذا الرابط:
viewtopic.php?f=17&t=10100&p=61818&hilit=%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D8%A7%D9%85#p61818

والله المستعان وعليه التكلان
و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم .


_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مرشد العوام لأحكام الصيام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يونيو 09, 2016 12:53 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
بسم الله الرحمن الرحيم

"الحمد لله الذي جعل شهر رمضان سيد الشهور.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الأئمة البدور.

أما بعد:
فاعلموا إخواني – وفقني الله وإياكم لمرضاته – أن الله سبحانه و تعالى قد جعل سعادة الدنيا فانية، وسعادة الآخرة باقية .
وسعادة الآخرة إنما تحصل بتقوى الله وطاعة رسول الله .
وإن من أركان التقوى صوم شهر رمضان الذي جعله الله رحمة للأنام، وهو كما تعلمون الشهر الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس ، وبينات من الهدى والفرقان، والذي تفتح فيه أبواب الجنان،وتغلق فيه أبواب النيران، ويتاب فيه على العاصي، وتغفر فيه الزلات والمعاصي، وتضاعف فيه العطايا والمنح، ويتم للعباد الثواب والفرح.

ألا وإنه جعله الله مصباح الظلام، كيف لا وقد جعل الله صيامه أحد قواعد الإسلام، وكمل فضائله بإشراق نور القيام، وفتح فيه للتائبين أبوابه، وأوجب فيه للعاملين ثوابه.

فلا دعاء فيه إلا مسموع، و لا عمل فيه إلا مرفوع، و لا خير فيه إلا مجموع، ولا صبر فيه إلا مدفوع، فالسعيد من اغتنم أوقاته، والشقي من أهمله ففاته. فيا أيها العامل هذا أون ازديادك واستمتاعك، ويا أيها الغافل هذا شهر تيقظك وإقلاعك.

شهر فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، ما سأل الله فيه سائل إلا أعطاه، ولا استجار به مستجير إلا أجاره وكفاه.

فالغنيمة الغنيمة أيها المفرطون قبل ضياع الأوقات. ولا تركنوا إلى الذين ظلموا أنفسهم باكتساب المعاصي وترك الطاعات. فيا خيبة من حكمت عليه دناءة نفسه فترك الصيام والصلاة. ويا ندامة من استحكمت في قلبه الغفلة فتشاغل عن الإله.

فلا تتشاغل بأنواع الملاهي وتتبع الشيطان، ولا تتشبه بغالب جهلة هذا الزمان؛ فإنهم يزعمون أن الصلاة والصيام ليسا من عمل المتمدنين، ويعيرون من تمسك بأي قاعدة من قواعد الدين.

ولعمري! ما التمدن إلا في التدين بدين الله القويم، وما التوحش إلا في اتباع الهوى، والشيطان الرجيم.

واعلم أنه لا يتجرأ على الفطر وترك الصلاة إلا النفوس الفاجرات والشبان الفاسقون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

واحذر الغيبة والنميمة؛ فإنهما يحبطان العمل. واجتنب الحرام فإنه سبب المقت، والطرد، والوجل، خصوصا في هذا الشهر الذي زاده الله على غيره في رفعة القدر.

ولما كان الصيام من أهم أركان الإسلام، ومن الواجب على كل أحد تعلم ما يتعلق به من الأحكام؛ رأينا أن نتحف إخواننا المسلمين بتصنيف يفي مع اختصاره بهذا الغرض، مشتمل على أحكام الصوم على المذاهب الأربعة.

قصدنا فيه من العبارات أسهلها، ومن المعاني أجزلها، وأضفنا إليها في هذه الطبعة فوائد زيادة على الطبعة السابقة، دعت إليها الحاجة وسميناها بـ :
(مرشد العوام لأحكام الصيام)
فجاء بحمده تعالى طبق المأمول، والله نسأل أن يتفضل علينا بالقبول، وأن ينفع به كل من تلقاه بقلب سليم، إنه جواد كريم. " اهـ صـ 3- 4


_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مرشد العوام لأحكام الصيام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يونيو 10, 2016 12:27 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
( مقدمة في فضل تعليم العلم واستماعه :

اعلم أيها الأخ ، وفقني الله وإياك لطاعته، وكفانا شر عصيانه ومخالفة أمره: أنه لما كانت الأعمال الخيرية في شهر رمضان مضاعفة في الأجر والثواب؛ أحببت أن أذكر لك طرفا منها، كدراسة العلم، والصدقة، وتلاوة القرآن، والذكر، والدعاء؛ لتعمل بها في هذه الأوقات الفاضلة، تاركا كل خسيس مما يؤدي إلى غضب مولاك، مشتغلا بطاعته بحيث لا يمضي عليك لحظة في هذا الشهر إلا و لك فيها طاعة، فقف بالأعتاب، ولذ بذاك الجناب، عسى أن يفتح لك الباب، فتكتب من الأحباب، وتستأنس بلذيذ { وأن إلى ربك المنتهى } .


فأقول: من الأعمال المطلوبة المثاب عليها أفضل الثواب لا سيما في شهر رمضان:

1- دراسة العلم واستماعه: قال صلى الله عليه وسلم: " اغد عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبا" أي: للعلماء " ولا تكن خامسا فتهلك" . رواه الطبراني والبزار.

وقال صلى الله عليه وسلم: " من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة" . رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، أي: لأنه لا طريق إلى معرفة الله تعالى إلا بالعلم النافع في الدنيا والآخرة؛ فيجب على كل مكلف أن يسأل أهل العلم عما يتعلق بأمر دينه ومعاشه.

وقال صلى الله عليه وسلم: " من تفقه في دين الله عز وجل كفاه الله تعالى ما أهمه ورزقه من حيث لا يحتسب" رواه الخطيب في التاريخ .

وقال تعالى: { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } .

وقال صلى الله عليه وسلم: " العلم خزائن مفاتيحها السؤال، ألا فاسألوا رحمكم الله ؛ فإنه يؤجر فيه أربعة: السائل، والعالم، والمستمع، والمحب لهم" رواه أبو نعيم في الحلية.

وقال صلى الله عليه وسلم: " لا ينبغي للجاهل أن يسكت على جهله، ولا للعالم أن يسكت على علمه" رواه ابن السنى وأبونعيم في كتابيهما رياضة المتعلمين.

ومن لم يجد معلما يعلمه ما يحتاج إليه فليرحل وجوبا لطلب التعلم، وقال صلى الله عليه وسلم: " لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلم بابا من العلم عمل به أو لم يعمل به خير لك من أن تصلي ألف ركعة" رواه ابن ماجه بإسناد حسن .

وقال بعض الحكماء: من جلس مع خمسة زاد له خمسة: من جلس مع الأغنياء زاد له حب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة، ومن جلس مع الفقراء زاد له الشكر والرضا بقسمة الله تعالى، ومن جلس مع النساء والصبيان زاد له الحمق والجهالة، ومن جلس مع الفساق زاد له الجراءة على المعاصي والكسل عن الطاعات، ومن جلس مع العلماء زاد له الرشد والزهد والسعادة في الدنيا والآخرة.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن المؤمن ليخرج من منزله وعليه من الذنوب مثل جبل تهامة فإذا سمع العالم وخاف واسترجع انصرف من المجلس وليس عليه من الذنوب شئ.

وقال كعب الأحبار: لو أن ثواب مجلس العلم بدا (أي: ظهر) للناس لترك كل ذي شغل شغله، ومن أعرض عن مجلس العلم فقد أعرض عن رحمة الله.

وصح في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يعظ أصحابه يوما فأقبل ثلاثة من الرجال فرأى أحدهم فرجة في الحلقة فجلس إليها ، والثاني جلس خلف الحلقة ، والثالث أدبر ذاهبا، فقال صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما الأول – وهو الذي جلس في الحلقة – فآوى إلى الله فآواه الله إليه ، وأما الثاني – وهو الذي جلس خلف الحلقة- فاستحى من الله فاستحى الله منه، وأما الثالث – وهو الذي أدبر ذاهبا – فأعرض عن الله فأعرض الله عنه " .

وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله يبغض كل عالم بالدنيا جاهل بالآخرة" رواه الحاكم في تاريخه، وإسناده حسن.

وقيل : من حضر مجلس العلم أكرمه الله بسبع كرامات:
الأولى : كل قدم يرفعها ويضعها في الذهاب لطلب العلم يكون كفارة للذنوب، ورفعا للدرجات، وزيادة في الحسنات.

الثانية : إذا جلس عند العالم نزلت الرحمة على العالم فتصيبه ببركته.

الثالثة : أنه كلما نظر إلى وجه العالم يكتب له ثواب كأنه في الصلاة، بل كأنه ينظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل: "من رأى عالما فقد رآه".

الرابعة : يكون محفوظا من الذنوب والخطايا ما دام في مجلس العلم.

الخامسة : أنه لو غفر لأحد من أهل المجلس يشفع في غيره.

السادسة : أنه إذا سمع العالم وبلغ غيره فعمل به فله أجر مثل أجر من عمل به.

السابعة : أنه يدخل مجلس العلم مذنبا، ويخرج مغفورا له .

وروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: العلم أفضل من المال لسبعة أوجه:
الأول : العلم ميراث الأنبياء، والمال ميراث الفراعنة.

والثاني : العلم لا ينقص بالنفقةن والمال ينقص بها .

والثالث : المال يحتاج إلى الحافظ، والعلم يحفظ صاحبه .

والرابع : إذا مات الرجل خلف ماله، والعلم يدخل معه قبره .

والخامس : المال يحصل للمؤمن والكافر، والعلم لا يحصل إلا للمؤمنين.

والسادس : جميع الناس يحتاجون إلى العالم في أمر دينهم، و لا يحتاجون لصاحب المال .

والسابع : العلم يقوي الرجل عند المرور على الصراط، والمال يمنعه منه.

وقال صلى الله عليه وسلم: " من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع " رواه الترمذي .

وقال صلى الله عليه وسلم: " من غدا يريد العلم يتعلمه لله فتح الله له بابا إلى الجنة، وفرشت له الملائكة أكنافها، وصلت عليه ملائكة السماوت، وحيتان البحر، وللعالم من الفضل على العابد كالقمر ليلة البدر على أصغر كوكب في السماء" الحديث، رواه أبو داود والترمذي وغيرهما.
فينبغي الحضور إلى مجلس العلم ابتغاء مرضات الله، خصوصا مجالس الوعظ؛ لأنها ترقق غشاء القلوب الذي عليها بسبب الذنوب.

وينبغي لكل مؤمن أن لا يستحي من السؤال، ومراجعة العلماء خصوصا في العقائد؛ ليكون على بصيرة في دينه، ويقين تام من عقائده، فإنه إذا مات ووضع في القبر وسأله منكر ونكير عن الله وعن الرسل وغير ذلك ينطق بما انطوى عليه قلبه بدون زيادة ولا نقصان؛ لأنه في ذلك المحل لا يترك كما كان في الدنيا يتكلم بما ليس في قلبه ، بل إن كان عالما بالحق ينطقه الله به، وإن كان شاكا في شئ من قواعد دينه غير عالم به قال: لا أدري. والعياذ بالله تعالى .

وبهذا يعلم أن كل من لم يجاهد نفسه ليتعلم علم الإيمان و الإسلام يموت على شك منهما - والعياذ بالله - وهو لا يشعر؛ وحينئذ يكون من الذين لا نور لهم يوم يسعى نور أهل الإيمان والإيقان بين أيديهم وبأيمانهم، فيقول مستغيثا متلهفا: انظرونا نقتبس من نوركم، فلا يجد مجيبا، و لا مغيثا، وذلك أن كل واحد يكون نوره في القيامة على قدر معرفته بالله، ورسله، وملائكته، وما وجب من العقائد والطاعات إذ لا نور في عرصات القيامة إلا نور الإيمان، والطاعات التي اكتسبت في الدنيا باستعمال الآلات البدنية، والقوى الروحانية؛ فمن لم يكتسب في الدنيا شيئا من المعارف الدينية يبقى يوم القيامة في ظلمة بلا نور.
ويدل لذلك ما روي في الأثر عن أبي أمامة أنه قال: يغشى الناس يوم القيامة ظلمة شديدة ، ثم يقسم النور بينهم، فيعطى كل مؤمن بقدر علمه بالله تعالى وعمله له، ويترك الكافرون في ظلمة، لا يعطيان شيئا من النور، بل يحال بينهم وبين المؤمنين، بأن يضرب بينهم بسور دون جسر جهنم .

والمنافقون هم الشاكون المرتابون في دينهم، ولو كانوا يصلون بالمساجد، ويدخلون مع أهل الإيمان في مداخل الإسلام، قال الله تعالى في حقهم: {ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور} دلت الآية على أنهم لم يعبدوا صنما، بل كانوا مع المؤمنين في الأعمال الظاهرة، لكن لم يكونوا عارفين بما وجب عليهم معرفته حتى جاءهم أمر الله الذي هو الموت، وصاروا مستحقين لأن يقال لهم يوم القيامة: { فاليوم لا يؤخذ منكم فدية و لا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير}.

فإن كنت يا أخي تجد نفسك قد اطمأنت ورسخت في معرفة الله، وقواعد دينه، فاشكر الله تعالى على هذه النعمة العظيمة التي لا يوازيها شئ من متاع الدنيا، وإلا فلا بد لك أن تسعى في تصحيح اعتقادك حتى تحصل لك النجاة من عذاب النار، والدخول في دار القرار.

تتمة :
على العالم أن يعظ أهل مجلسه، ويذكرهم في دنياهم وأخراهم، و لا يقتصر على مجرد الحدود والأحكام، بل ينبغي المبالغة في الوعظ؛ لترق القلوب فيكون أسرع إلى الإجابة، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}.
وقال : { وعظهم و قل لهم في أنفسهم قولا بليغا } أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في هاتين الآيتين أن يعظ أصحابه ويحذرهم وينصحهم ويذكرهم بالعواقب .

وقد اتفق لبعض السلف في وعظه أنه كان يموت في مجلسه ما يزيد على العشرة من شدة تأثير الوعظ في قلوبهم.

وكما يجب على الواعظ أن ينهى غيره عن المنكر يجب عليه أن ينهى نفسه عنه بالأولى، وإنما يؤثر نهيه إذا كان غير مرتكب له .

قيل : إذا جلس الإنسان يعظ الخلق ناداه ملك: عظ نفسك بما تعظ به أخاك وإلا فاستح من سيدك فإنه يراك .

وينبغي للواعظ أن يأخذ طريق الاختصار، وأن لا يطول مجلسه، فإن تطويل المقال يورث الملالة، ما لم يكن هناك إقبال من أهل المجلس ) اهـ . صـ 5 – 10


_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مرشد العوام لأحكام الصيام
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يونيو 11, 2016 5:34 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
( فصل في فضل شهر رمضان:

قال الله تعالى وبقوله يهتدي المهتدون: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}.

شهر رمضان : لا يخفى أن هذا مما امتاز به هذا الشهر على غيره من الشهور؛ لأن الله تعالى لم يصرح في كتابه العزيز باسم شهر إلا باسم هذا الشهر، وهذا مما يدل على كثرة فضله على غيره، أي: بتكثير ثواب الأعمال الموافقة فيه.

وفضله على غيره : أن سائر الأمم الماضية كان لها عمر طويل وعمل كثير فأراد الله أن تكون أمة محمد صلى الله عليه وسلم سابقة عليهم فأعطاها شهر رمضان والأوقات الفاضلة؛ لتسبق سائر الأمم الماضية بكثرة الثواب .


وسمي رمضان: لأنه يرمض الذنوب، أي: يحرقها ويذيبها لما يقع فيه من كثرة العبادات .


الذي أنزل فيه القرآن : أي : لما خص الله تعالى شهر رمضان بالصيام وهو عبادة عظيمة بَيَّنَ سبب تخصيصه بإنزال أعظم كتبه فيه .

قال ابن عباس : أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر من شهر رمضان فوضع في بيت العزة في سماء الدنيا، ثم نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم منجما – أي مفرقا – بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة، وثبت معناه مرفوعا بسند حسن .

وكما اختار الله تعالى هذا الشهر لإنزال القرآن الكريم فيه أنزل فيه غيره من الكتب المقدسة.
فقد روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت توراة موسى في ست ليال مضين من رمضان، وأنزل زبور داود في ثنتي عشرة ليلة مضت من رمضان، وأنزل إنجيل عيسى في ثلاث عشرة – وفي رواية ثمان عشرة – ليلة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم في الرابعة والعشرين" رواه الإمام أحمد، وابن مردويه .

قال بعض العلماء : إن الكتب المنزلة من السماء إلى الأرض مائة وأربعة: صحف شيث ستون، وصحف إبراهيم ثلاثون، وصحف موسى قبل التوراة عشرة، والتوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان.
والأولى الإمساك عن عددها، وتفويض علمه إلى الله تعالى .

وقد أكرم الله هذه الأمة بأن جعل معاني الكتب مجموعة في القرآن، ومعاني القرآن مجموعة في الفاتحة.

{ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} أي: أنزل القرآن في رمضان كما تقدم، وهو هاد للناس إلى الحق بما فيه من الحِكَم والأحكام، وهو آيات واضحات مكشوفات مما يهدي إلى الحق، ويفرق بين الحق والباطل، والحلال والحرام .

وقد ورد في فضله أحاديث كثيرة شهيرة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سيد الشهور رمضان" رواه البزار، والبيهقي، ورمز السيوطي لحسنه.

وقال صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وأغلقت أبواب جهنم، وصفدت الشياطين، وفتحت أبواب الرحمة" رواه مسلم .

وإغلاق أبواب جهنم: إما حقيقة، أو كناية عن تنزه أنفس الصائمين عن رجس الفواحش والآثام.

وتصفيد الشياطين : حبسهم، وغل أعناقهم، فيفعله به جبريل، فقد ورد أن جبريل ينزل إلى الأرض في رمضان فيصفد مردة الجن والشياطين، فيغلهم في الأغلال، ويطرحهم في البحر؛ لئلا يفسدوا على هذه الأمة صيامهم.

وأما ما يقع في رمضان من المعاصي من كثير من الفسقة، من قتل وشرب خمر، وغير ذلك فإنه من النفس الأمارة بالسوء.
فاحذر نفسك، فإنها أشد من سبعين شيطانا، قال تعالى : { إن كيد الشيطان كان ضعيفا} ، وقال : { إن النفس لأمارة بالسوء} .
والنفس لا تفارق صاحبها إلا إذا مات، والشيطان يفارقه في رمضان، فما يقع فيه فهو من النفس.

وقال : " إذا كان أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنان كلها فلن يغلق منها باب في الشهر كله، وأغلقت أبواب النيران كلها فلم يفتح منها باب في الشهر كله، وأمر الله تعالى مناديا ينادي : يا طالب الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ثم يقول: هل من مستغفر فيغفر له؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟ هل من تائب فيتاب عليه؟ فلم يزل كذلك إلى انفجار الصبح، ولله تعالى في كل ليلة عند الفطر ألف ألف عتيق من النار قد استوجبوا النار" رواه الترمذي، والنسائي، والحاكم بألفاظ متقاربة.

وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الجنة لتزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان، فإذا كان أول ليلة من رمضان هبت ريح من تحت العرش يقال لها المثيرة، تصفق ورق أشجار الجنة وحلق المصاريع، فيسمع لذلك طنين لم يسمع السامعون أحسن منه، فتبرز الحور العين حتى يقمن على شُرَف الجنة، فينادين: هل من خاطب؟ ثم يقلن: يا رضوان ما هذه الليلة؟ فيجيبهن بالتلبية فيقول: يا خيرات حسان هذه أول ليلة من شهر رمضان" رواه ابن خزيمة، والبيهقي في الشعب.

وقال صلى الله عليه وسلم: " لو يعلم العباد ما في هذا الشهر من الخيرات لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها" رواه الطبراني في معجمه.
أي : لما فيه من الغفران، ورفع الدرجات، وتضاعف الحسنات، ومحو السيئات، واستجابة الدعاء وغير ذلك.

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: «أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير، كان كمن أدى الفريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة، كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة، وهو شهر يزاد فيه رزق المؤمن، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شيء» ، قلنا: يا رسول الله: ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم؟ فقال: " يعطي الله هذا الثواب لمن فطر فيه صائما على مذقة لبن، أو تمرة، أو شربة ماء، ومن أشبع فيه صائما كان له مغفرة لذنوبه، سقاه ربه من حوضي شربة لا يظمأ بعدها أبدا، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شئ، ومن خفف عن مملوكه فيه غفر الله له، وأعتقه من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى لكم عنهما: أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غنى لكم عنهما: تسألون ربكم الجنة، وتستعيذون به من النار" روا ابن خزيمة في صحيحه .

وقال صلى الله عليه وسلم: " أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا لم يعطهن نبي قبلي، أما واحدة: فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان ينظر الله عز وجل إليهم، ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبدا، وأما الثانية: فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك، وأما الثالثة: فإن الملائكة تستغفر لهم في كل يوم وليلة، وأما الرابعة: فإن الله عز وجل يأمر جنته فيقول لها: استعدي وتزيني لعبادي, أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي، وأما الخامسة: فإنه إذا كان آخر ليلة, غفر لهم جميعا, فقال رجل من القوم: أهي ليلة القدر؟ فقال: لا، ألم تر إلى العمال يعملون, فإذا فرغوا من أعمالهم وفوا أجورهم". رواه البيهقي.

وقال الله تعالى لموسى: " إني أعطيت أمة محمد نورين لكيلا يضرهم ظلمتان، فقال موسى: ما النوران يا رب ؟ فقال تعالى: نور رمضان، ونور القرآن، فقال موسى: وما الظلمتان يا رب؟ فقال: ظلمة القبر، وظلمة يوم القيامة" )اهـ صـ11-15




_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مرشد العوام لأحكام الصيام
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يونيو 11, 2016 11:15 pm 
غير متصل
Site Admin

اشترك في: الاثنين فبراير 16, 2004 6:05 pm
مشاركات: 23599

تسجيل حضور ومتابعة

بارك الله فيك

_________________
عَنْ عَلِيٍّ قَالَ كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مرشد العوام لأحكام الصيام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يونيو 12, 2016 12:10 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين ديسمبر 07, 2009 12:22 am
مشاركات: 1888
مكان: سيدنا الحسين وسيدتنا زينب
msobieh كتب:

تسجيل حضور ومتابعة

بارك الله فيك


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مرشد العوام لأحكام الصيام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يونيو 12, 2016 4:26 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين أغسطس 17, 2015 8:25 pm
مشاركات: 2991
البخاري كتب:


وقال صلى الله عليه وسلم: " لو يعلم العباد ما في هذا الشهر من الخيرات لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها" رواه الطبراني في معجمه.
أي : لما فيه من الغفران، ورفع الدرجات، وتضاعف الحسنات، ومحو السيئات، واستجابة الدعاء وغير ذلك.










msobieh كتب:

تسجيل حضور ومتابعة

بارك الله فيك

_________________
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأمتي


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مرشد العوام لأحكام الصيام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يونيو 12, 2016 10:41 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
مولانا السيد الشريف كتب:

تسجيل حضور ومتابعة

بارك الله فيك



حضوركم ومتابعتكم شرف عظيم سيدي الحبيب

لا حرمنا الله منكم أبدا، حفظكم الله وأيدكم ونصركم ونصر بكم

آمين آمين آمين

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مرشد العوام لأحكام الصيام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يونيو 12, 2016 10:44 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
الأخوان الفاضلان المداح الرفاعي وعاشق أهل البيت شرفني مروركم الكريم

جمعنا الله وإياكم دائما أبدا في محبة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مرشد العوام لأحكام الصيام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يونيو 12, 2016 10:57 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
( فصل في فضل صيام رمضان :

أيها الصائمون لكم من الله البشرى، ولقد مدحكم الله تعالى وخصكم بهذا الشهر العظيم الذي فيه الرحمة والعتق والكفارة، وأجزل لكم الثواب بما تعملونه من صيامه وقيامه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لكل شئ باب وباب العبادة الصوم" رواه ابن المبارك في الزهد. أي: لأنه يصفي الذهن، ويكون سببا لإشراق النور على القلب، فينشرح الصدر للعبادة، ويحصل الرغبة.

وقال صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة. ففي الحديث إخبار يتضمن بشارة من النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين من أمته بأن صيام رمضان على وجه التصديق والإخلاص له سبب لمغفرة ما تقدم من ذنوب الصائمين وما تأخر.

وقال : " من صام رمضان، وعرف حدوده، وتحفظ ما ينبغي له أن يتحفظ، كفر ما قبله" رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي.

وقال : " فإذا صام أول يوم من رمضان غفر له ما تقدم من ذنبه إلى مثل ذلك اليوم من شهر رمضان واستغفر له كل يوم سبعون ألف ملك من صلاة الغداة إلى أن توارت بالحجاب، وكان له بكل سجدة يسجدها في شهر رمضان بليل أو نهار شجرة يسير الراكب في ظلها خمسمائة عام" رواه البيهقي من حديث أبي سعيد مرفوعا.

وقال : " إذا كان يوم القيامة يخرج الصائمون من قبورهم، يعرفون بريح صيامهم، وأفواههم أطيب من ريح المسك، فيلقون الموائد والأباريق مسندة، فيقال لهم: كلوا فقد جعتم، واشربوا فقد عطشتم، وتمتعوا فقد عييتم، فيأكلون ويشربون، والناس في شدة وعيا" أي: تعب، أخرجه أبو الشيخ عن أنس.

وقال : " إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون فيدخلون، فإذا دخلوا منه أغلق فلم يدخل منه أحد غيرهم" رواه الشيخان .

وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا" متفق عليه.

وروى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له" أي: كل طاعة وخير إذا لم يكن رياء ونفاقا فاقل ما يعطى لصاحبه من الأجر عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف.
"إلا الصوم فإنه لي" أي: خالص لي لا يقصد به غيري؛ لأنه عبادة لا يقع عليها حواس العباد فلا يعلمه إلا الله والصائم، فصار الصوم عبادة بين العبد والرب؛ فلذلك أضافه إلى نفسه وجعل ثوابه بغير حساب؛ لأنه لا يتأدى إلا بالصبر، وقد قال الله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}، والصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر على محارم الله، وصبر على الآلام والشدائد، وكلها توجد في الصوم؛ إذ فيه صبر على ما وجب على الصائم من الطاعات، وصبر عما حرم عليه من الشهوات، وصبر على ما يصيبه من ألم الجوع وحرارة العطش وضعف البدن؛ طلبا لرضا الله تعالى، فلما كان في الصوم هذه المعاني خصه الله تعالى بذاته، ولم يكله إلى الملائكة، بل تولى جزاءه بنفسه، فأعطى الصائم أجرا من عنده ليس له حد ولا عدد، فقال: "وأنا أجزي به" يعني أكون له عن صومه على كرم الربوبية لا على استحقاق العبودية.

وقال أبو الحسن: معنى قوله " وأنا أجزي به" كل طاعة ثوابها الجنة، والصوم جزاؤه لقائي، أنظر إليه وينظر إلي، ويكلمني وأكلمه، بلا رسول ولا ترجمان.

ولله در من قال:
من كان يشكو عُظمَ داء ذنوبه
فليأت في رمضان باب طبيبه

ويفوز من عرف الصيام بطيبه
أوَ ليس قال الله في ترغيبه
الصوم لي وأنا الذي أجزي به

يا صائمي رمضان فوزا بالمنى
فتمتعوا نيل السعادة والغنى

وثقوا بوعد الله إذ فيه الْهنا
أوَ ليس هذا القول قول إلَهنا
الصوم لي وأنا الذي أجزي به


من صام نال الفوز من رب العلا
وبوجهه أضحى عليه مقبلا

يا من يروم تواصلا و توسلا
هِمْ رغبة في قول رب قد علا
الصوم لي وأنا الذي أجزي به


يا فوز من للصوم قام بحقه
وأتى بحسن القول فيه وصدقه

ومن الجحيم نجا وفاز بعتقه
فالله قال عن الصيام لخلقه
الصوم لي وأنا الذي أجزي به .


و قال غيره:
يــــــــا معشر الصوّام وافتكم البشرى
وقد نشر الباري بمدحكم ذكراً

خصــــــــصــتم بشهر فيه عتقٌ ورحمة
وقد أجزل الرحمن للصــــــائم الأجـــــرا

مساجـــــــــــــده مأنـــــوسة بتـــــــلاوة
الكتاب و فيما قبله تشتــــــــكي الهجرا

ولله فــــــــي العشر الأواخــــــر ليـــــلة
لقد عظمت قدراً، كما ملـــــــئت أجرا

فطوبى لقــــــــوم أدركـــــوها وشـاهدوا
تنزل أملاك الســـــــــما آيـــــة كـــــبرى

وفازوا بغــــــــفران الإلـــــه، فأصبحوا
يشم عليهم من شـــــذا عــــــــرفها عطرا .


"والصيام جنة" : بضم الجيم: الترس، وإنما جعل الصوم ترسا؛ لأن الصائم يستتر به عن النار لكثرة ذنوبه، ويتحفظ عن المعاصي ووسوسة الشيطان، فكما أنه لا يكمل الانتفاع بالترس إلا إذا كان محكما، كذلك الصوم لا يتحقق به التستر إلا إذا كان محفوظا من المعاصي قولا وفعلا؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: "وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب" أي: فلا يفحش في الكلام ولا يصيح ولا يخاصم، فيجب على الصائم عند الخصومة أن لا يتكلم بالفحش، ولا يرفع صوته بالهذيان، بل يلزمه أن يكون ممسكا عن جميع المناهي، لا عن الطعام والشراب فقط.

"فإن سابه أحد أو قاتله": أي تهيأ أحد لمشاتمته أو مقاتلته .

"فليقل إني امرؤ صائم" : أي بقلبه بأن يتفكر في كونه صائما؛ لترتدع نفسه عن سيئ القول ، ويقوى على كظم الغيظ، وليقل أيضا بلسانه مسمعا شاتمه بنية وعظه ودفعه بالتي هي أحسن، ولا يكافئه على شتيمته؛ لئلا يحبط ثواب صومه.

"والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك": أي أقسم صلى الله عليه وسلم بالله أن رائحة فم الصائم عند الله أحب من ريح المسك؛ حيث كانت ناشئة عن طاعته، ولما كان للصائم أثر رائحة كريهة في الدنيا جعلها الله في الآخرة أطيب من ريح المسك، ويشتهر أهل الصيام بذلك بين الناس؛ لما روي عن أنس مرفوعا: "إن الصائمين يخرجون من قبورهم يعرفون بريح أفواههم، فإن ريح أفواههم أطيب من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه" رواه البخاري ومسلم والنسائي، أي: بما يجده من ثواب الصوم مدخرا عند الله تعالى، فإن من ترك طعامه وشرابه وشهوته لله تعالى يعوضه الله خيرا من ذلك، كما قال الله تعالى: {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا}.

وروي عن بعض السلف قال: إذا كان يوم القيامة، وأراد الله بعبد خيرا أعطاه الله كتابه جهرا، وقال له: اقرأ سرا حتى لا يفضحه بين خلقه، فيقرأ كتابه سرا فلم يسمعه أحد، فتقول الملائكة: إلهنا هذه عناية لم تسبق لأحد من العصاة، وقد أوعدت من عصاك أن تعذبه وتحرقه بالنار فيقول سبحانه وتعالى: يا ملائكتي إني أحرقته في الدنيا بنار الجوع والعطش في الحر الشديد في شهر رمضان، فلا أحرقه اليوم بالنيران، وقد عفوت عنه، وغفرت له ما سلف من الذنوب والعصيان، وأنا الكريم المنان.

وقال صلى الله عليه وسلم: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته من الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان" رواه الإمام أحمد والحاكم.

وقال : " نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، ودعاؤه مستجاب، وعمله مضاعف، وذنبه مغفور" رواه البيهقي والديلمي وابن النجار.

وروي عن كعب الأحبار قال : قال الله تعالى لموسى: "يا موسى بن عمران إني آمر حملة العرش وحملة الكرسي أن يمسكوا عن العبادة إذا دخل شهر رمضان، وأن يقولوا لا إله إلا الله، وأن يقولوا كلما دعا الصائم له آمين، فإني آليت على نفسي أن لا أرد دعوة صائم رمضان".

وعن وهب ابن منبه أنه قال : لما أنزل الله التوراة على موسى قال: "يا رب إني أجد في الألواح أمة يصومون لك شهرا فتغفر لهم كل ذنب ارتكبوه في تلك السنة، وتعتق منهم كل يوم ستمائة ألف عتيق، فإذا كان في آخر أيامه أعتقت بقدر ما أعتقت في جميع الشهر، ولهم عند إفطارهم دعوة مستجابة، فاجعلهم أمتي، قال الله عز وجل: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم.)اهـ صـ16-20




_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مرشد العوام لأحكام الصيام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يونيو 12, 2016 11:26 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مارس 29, 2012 9:53 pm
مشاركات: 45691
الفاضل / البخارى

جزاك الله كل خير على هذا الطرح الرائع

جزاك الله خيرا

_________________
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مرشد العوام لأحكام الصيام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يونيو 12, 2016 11:29 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
الفاضل حامد الديب وجزاكم الله خيرا كثيرا

وشرفني مروركم العطر الكريم

بارك الله فيكم

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مرشد العوام لأحكام الصيام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يونيو 16, 2016 1:26 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
(فصل في حكمة الصوم ومراتبه:

اعلم أن المقصود من الصوم: إمساك النفس عن خسيس عاداتها، و حبسها عن شهواتها، و منعها عن مألوفاتها، و لما كانت النفس مائلة إلى حب الرفعة على سائر المخلوقات و التكبر عليهم، و غير ذلك من العوائق الحاجبة لها من أن تصل إلى الأنوار الإلهية، جعل الله الصوم سببا قويا في إزالة تلك العوائق، حتى أن أرباب المكاشفات لا يصلون إليه إلا بالصوم؛ لأنه سبب في تواضع النفس، و بتواضعها لا يحوم الشيطان حولها، فتصل إلى الأنوار الصمدية، و لذا قال صلى الله عليه و سلم:
{ لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات}. قال العراقي رواه أحمد بنحوه .

فهو لجام المتقين ، و جنة المحاربين ، و له تأثير عجيب في حفظ الأعضاء الظاهرة و قوى الجوارح لقوله صلى الله عليه و سلم: {صوموا تصحوا} . رواه ابن السني و أبو نعيم، و رمز السيوطي لحسنه .

و من حكمته: أن الله علم ما ينال الفقير من الجوع، فأدخل على الغني الصوم ليذوق طعم الجوع، حتى لا ينسى الفقير، فيسارع إلى دفعه عنه بالإحسان إليه، فينال بذلك ما عند الله تعالى من حسن الجزاء، و فيه موافقة الفقراء بتحمل ما يتحملون .

و قيل : من حكمته : أن الملائكة طعنت في بني آدم فقالت: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}.
فنظرت الملائكة إلى طاعتها، فقال الله تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ }.
أنتم يا معشر الملائكة تصومون عن المفطرات لغناكم عنها، و بنو آدم يصومون عنها لأجلي، مع احتياجهم إليها، فهم أفضل منكم، فأمر المؤمنين بالصيام ليظهر فضلهم على الملائكة .

و منها: أن بني آدم يذنبون و لا يقدرون على تأديب الله لهم بالنار، فأمرهم بالصيام ليذوقوا نار الجوع في الدنيا فتحرق ذنوبهم لينجوا من نار الجحيم .

و منها : كسر النفس و قهر الشيطان، فإن وسيلة الشيطان بالشهوة، و إنما تقوى الشهوات بالأكل و الشرب، فيستفاد من الصوم: قهر عدو الله، و كسر الشهوات، و تذليل النفس؛ لأن الشبع نهر في النفس يرده الشيطان، و الجوع نهر في الروح ترده الملائكة.
و حكمة وجوبه شهرا: روي أن آدم لما أكل من الشجرة التي نهي عنها بقي في جوفه مقدار ثلاثين يوما بلياليهن، و لما تاب عليه أمره بالصيام ثلاثين يوما بلياليهن، و إنما افترض الله على النبي صلى الله عليه و سلم و على أمته الصوم بالنهار دون الليل إكراما للنبي صلى الله عليه و سلم و رحمة بأمته .

و قيل ليكون مع الستة الأيام من شوال بعدد أيام السنة؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فصيام رمضان بعشرة أشهر، و صيام الستة من شوال بصيام شهرين ستين يوما، كل يوم بعشرة أيام، فجملة ذلك اثنا عشر شهرا، فلذلك كان المداوم علي فعل ذلك في كل عام كأنه صام الدهر كله؛ قال صلى الله عليه و سلم:
{ من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله } رواه الإمام أحمد و مسلم .
و إنما خص شوال بالذكر لقربه من رمضان، فيكون صوم الستة في شوال جابرا لما يقع من خلل في رمضان .


وللصوم ثلاث درجات:
صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص.

أما صوم العموم فهو: كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة، كالأكل والشراب والجماع.

وأما صوم الخصوص فهو: ما ذُكِر مع كف الجوارح الستة (وهي: السمع والبصر واللسان واليد والرجل والفرج) عن الآثام.

فكف السمع: عدم الإصغاء إلى كل ما نُهِيَ عنه، كالاستماع إلى كلام قوم أخفوه عنه، وإلى المزمار والطنبور وسائر الأصوات المحرمة، وكاستماع الغيبة النميمة وسائر الأقوال المحرمة، بخلاف ما إذا دخل عليه قهرا وكرهه، ولزمه الإنكار إن قدر.

وكف البصر : عدم النظر إلى كل ما يذم شرعا، وإلى كل ما يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله، فاحفظ عينك عن المحرمات، فإنما خلقت لك العين لتهتدي بها في الظلمات، وتستعين بها في الحاجات، وتنظر بها إلى عجائب ملكوت الأرض السماوات وتعتبر بما فيها من الآيات، قال عيسى عليه السلام: "إياكم والنظرة فإنها تزرع في القلب شهوة، فإن النظر بريد الزنا، والقلب تابع له"، وسئل الجنيد رضي الله عنه: بم يستعان على غض البصر؟ فقال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى ما تنظره.

وكف اللسان: حبسه عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش، والاستهزاء بالمسلمين، وشهادة الزور، والخلف في الوعد إذا وعده وهو يضمر الخلف.

وكف اليد : حبسها عن البطش بمحرم من كسب أو فاحشة، كالتطفيف في الكيل والوزن، والسرقة، وأخذ الرشوة وإعطائها، ولعب الميسر، وهو كل ما فيه قمار، أي: مغالبة بأخذ المال في أنواع اللعب كالطولة ولو بلا مال، والضامة، والضمنة، والكاتشينة، وككتابة ما يحرم النطق به، ولمس المرأة الأجنبية .

وكف الرجل : حبسها عن السعي إلى ما لم يؤمر به ولم يندب إليه، كالمشي في وشاية بمسلم إلى حاكم أو غيره، وخروج زوجة بغير إذن زوجها، وتخطي الرقاب إلا لفرجة، والمرور بين يدي المصلي .

وكف الفرج : منعه عما لا يحل للصائم، كجماع حليلة في نهار رمضان، وكالزنا، واللواط، وإتيان البهائم، والاستمناء باليد، والوطء في الحيض .

واعلم أن ما ذكرناه من كف الجوارح واجب مطلقا في الصوم والإفطار، وإنما ذكرناه في خصوص الصيام؛ لأن الحرمة فيه أشد من الحرمة في غيره، فينبغي للصائم أن يحفظ جوارحه من كل ما فيه حرمة، كما قيل:

إذا لم يكن في السمع مني تصامم
وفي مقلتي غض وفي منطقي صمت

فحظي إذا من صومي الجوع والظما
وإن قلت إني صمت يوما فما صمت


فإذا لم يزل الإنسان متبعا هواه عاكفا على معصية مولاه، فليعلم أنه لم يصم رمضان، وإنما هو جائع عطشان.

قال عليه الصلاة والسلام : " رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، و رب قائم ليس له من قيامه إلا السهر"، رواه ابن ماجه والنسائي وغيرهما.

وقال : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري.


وأما صوم خصوص الخصوص : فهو زيادة على ما سبق : صوم القلب عن الهمم الدنية، والأفكار الدنيوية، والخواطر الشهوانية، وكفه عما سوى الله بالكلية) اهـ صـ21-24


_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مرشد العوام لأحكام الصيام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يونيو 19, 2016 12:26 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
(فصل في أحكام الصيام

وصوم رمضان واجب بالإجماع ، معلوم من الدين بالضرورة ، وهو أحد أركان الإسلام ، يُكَفَّر جاحده إلا إذا كان جاهلاً نشأ ببادية بعيدة عن العلماء ، أو كان قريب عهد بالإسلام ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا كُتِبَ} أى فرض {عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}.


وهو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع بشروط مخصوصة فى وقت مخصوص ، وهو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية كما سيأتى .
{كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ} يعنى أن الصوم عبادة أصلية قديمة فرضها الله عليكم كما فرضها على الذين من قبلكم من الأنبياء والأمم من لدن آدم إلى عهدكم ، وفيه توكيد للحكم ، وترغيب فى الفعل ، وتطييـــب للنفس.
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ} يعنى ما حرم عليكم فى صيامكم
{أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} أى أيام شهر رمضان ؛ لأن الله تعالى قال أولاً : {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} وهذا يحتمل صوم يوم أو يومين ، ثم بينه بقوله تعالى : {مَعْدُودَاتٍ} على أنه أكثر من ذلك ، لكنها غير منحصرة بعدد ، ثم بين حصرها بقوله تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ}.


اتفق الأئمة الأربعة على أن صوم رمضان واجب على كل مسلم ، بالغ ، عاقل ، طاهر من حيض أو نفاس ، مقيم ، قادر على الصوم .


ويجب الصوم برؤية الهلال ، أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً باتفاق الأئمة الأربعة ، واختلفوا فيما إذا حال عند مطلع الهلال غيم أو غبار فى ليلة الثلاثين من شعبان ، فقالت الثلاثة : لا يجب الصوم ، وقال أحمد : يجب ، ويتعين أن ينويه من رمضان .


ويثبت رمضان عند أبى حنيفة : إذا كانت السماء مصحية بشهادة جمع يقع العلم بخبرهم ، وفى الغيم بعدل واحد ، رجلاً كان أو امرأة ، حرَّا أو عبدًا .

وقال مالك : لا يقبل إلا عدلان أو جماعة كثيرة بحيث يستحيل عادة تواطؤهم على الكذب، وكل واحد يدعى الرؤية أو عدل واحد بالنسبة لمن لا اعتناء لهم بالهلال .


وعند الشافعى وأحمد : يثبت بقول عدل واحد .


ولا يقبل فى هلال شوال وذى الحجة إلا عدلان عند الأربعة.


ومن رأى هلال رمضان وحده صام ، ثم إن رأى هلال شوال أفطر سرَّا عند الأربعة .



إذا رؤى الهلال بالنهار فهو لليلة المستقبلة ، سواء كانت قبل الزوال أو بعده ، لكن لا تغنى رؤيته نهاراً عند الشافعى ، بل المعول عليه عنده الرؤية بعد الغروب .

ولا يجوز الاقتداء بقول المنجم والحاسب أن الليلة من رمضان ، ولا يعملان بحسابهما ، عند الثلاثة ، والمعتمد عند الشافعية أن يعملا بحسابهما ، وكذا من غلب على ظنه صدقهما .


ولا يصح صوم يوم الشك عند الثلاثة ، وقال أحمد : يجب صومه إن كانت السماء مغيمة ، وإن كانت مصحية يكره .


واتفقوا على وجوب النية فى صوم رمضان ، وأنه لا يصح إلا بها ، ولا بد من التعيين كما فى الصلاة عند الثلاثة ، وقال أبو حنيفة : لا يجب التعيين ، بل لو نوى صوماً مطلقاً أو نفلاً جاز ، واختلفوا فى وقت النية ، فقالت الثلاثة : النية فى صوم رمضان : ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثانى ، وقال أبو حنيفة : ينوى من الليل إلى ما قبل الضحوة الكبرى ، وكذا فى النذر المُعَيَّن عنده .


وأما قضاء رمضان والنذر المطلق والكفارات فلا تصح إلا بنية معينة من الليل .
ولابد فى كل ليلة من نية جديدة عند الثلاثة
وقال مالك : تكفيه نية واحدة من أول ليلة أنه يصوم الشهر جميعه ، ويصح النفل بنية قبل الزوال عند الثلاثة ، وقال مالك: لا تصح نيته من النهار كالواجب .

ومن نوى الخروج من الصوم نهاراً بطل صومه عند مالك وأحمد ، ولا يبطل عند الشافعى وأبى حنيفة ، أو ليلاً واستمر على ذلك حتى طلع الفجر بطل صومه عند الثلاثة ، وقال أبو حنيفة : ما لم ينو قبل الضحوة الكبرى .


واتفقوا على أن من تعمد الأكل أو الشرب ناسياً فإنه لا يفسد صومه ، إلا مالكاً فإنه قال : يفسد صومه ، ويجب عليه القضاء دون الكفارة .


ومن أكل أو شرب وهو يظن أن الشمس غابت أو الفجر لم يطلع ، ثم ظهر الأمر بخلافه وجـــــب عليه القضاء دون الكفارة باتفاق الأربعة ، ولو طلع الفجر وفى فمه طعام فطرحه حالاً صح صومه عند الأربعة ، وإن بلعه بطل صومه ، وعليه القضاء دون الكفارة عند الثلاثة ، وقال مالك : عليه القضاء والكفارة .


ولو سبق ماء المضمضة أو الاستنشاق إلى جوفه من غير مبالغة قال أبو حنيفة ومالك : يفطر وعليه القضاء والكفارة، وقال الشافعى وأحمد : لا يفطر .


ولو بقى بين أسنانه طعام فجرى به ريقه إلى جوفه من غير قصد لم يفطر إن عجز عن تميـــــيزه ومجه عند الأربعة فإن بلعه عمداً بطل صومه عند الشافعى وأحمد ، وقال مالك: لا يبطل وقال أبو حنيفة : لا يبطل إن كان قليلاً ، وهو ما دون الحمصة ، فإن كان قدرها أفطر

ولو ابتلع بلغماً مع إمكان طرحه ولو وصل لطرف اللسان لا يبطل عند مالك وأبى حنيفة ، وعند الشافعى وأحمد : إن قدر على طرحه ولم يطرحه أفطر ، وإلا فلا .


وأجمعوا على أن من جامع وهو صائم فى رمضان عامداً كان عاصياً وبطل صومه ولزمه إمساك بقية النهار وعليه القضاء والكفارة الكبرى وهى :

( عتق رقبة ) فإن لم يجد ( فصيام شهرين متـــــتابعين) ، فلو أفطر يوماً فى أثنائهما ولو لعذر كنسيان أو مرض أو سفر بطل ما صامه ، ووجب الاستئناف عند الثلاثة ، وقال مالك : إن أفطر لغير عذر بطل ما صامه ، ووجب الاستئناف ، وإن أفطر لعذر فلا ، فإن لم يستطع ( فإطعام ستين مسكيناً ) ، وقال مالك : هى على التخيير فى الجميع ، والإطعام عنده أَوْلى ، وهى على الزوج عند الشافعى ، وعند الثلاثة : على الفاعل والمفعول . ولا كفارة بإفساد صوم غير رمضان إجماعاً . فإن جامع فى يومين من رمضان لزمه عند الثلاثة كفارتان ، وهو الراجح عند الحنفية ، أو جامع فى يوم مرتين لم يجب بالوطء الثانى كفارة عند الثلاثة ، وقال أحمد : إن كفَّر عن الأولى لزمه للثانى كفارة أخرى ، وإن لم يكفر عنها فكفارة واحدة .


واتفق الثلاثة على أن الموطوءة مكرهة أو نائمة يفسد صومها ويلزمها القضاء دون الكفارة ، وقال الشافعى : لا يفسد صومها ، وعلى الفاعل كفارة واحدة عند الثلاثة ، وعند مالك : عليه كفارتان عنه وعنها .


ولو جامع ناسياً لصومه لم يبطل عند أبى حنيفة والشافعى ، وقال مالك : عليه القضاء دون الكفارة ، وقال أحمد : عليه القضاء والكفارة .


ولو طلع الفجر وهو مجامع ، قال أبو حنيفة : إن نزع فى الحال حل صومه ، وإن استدام لزمه القضاء دون الكفارة ، وقال الشافعى ومالك : إن نزع فى الحال فلا شئ عليه ، وإن استدام لزمه القضاء والكفارة، وقال أحمد : عليه القضاء والكفارة مطلقاً ، نزع أو استدام .


واختلفوا فيمن نظر أو تفكر فأَمْنَى ، فقالت المالكية: عليه القضاء والكفارة ، إن تمادى ، وكانت عادته الإنزال بهما ، أو السلامة تارة والإنزال أخرى ، وأما إن لم يتماد أو كانت عادته السلامة فعليه القضاء دون الكفارة . وقالت الشافعية: لا يفسد الصوم إلا إذا كانت عادته الإنزال بهما ، وعليه القضاء دون الكفارة . وقالت الحنابلة : يفسد الصوم بتكرار نظر لا بتفكر . وقالت الحنفية : لا يضر ، وإن داوم النظر والفكر .


واختلفوا فيمن أنزل بقُبْلَة أو لَمْسٍ ، فقالت المالكية: عليه القضاء والكفارة مطلقاً تمادى أم لا ، قصد اللذة أم لا ، من عادته الإنعاظ أم لا ، سواء كانت القبلة فى الفم أو غيره . وقالت الحنفية والحنابلة : عليه القضاء دون الكفارة . وقالت الشافعية : الإنزال بالقبلة واللمس بلا حائل ، ولو بلا شهوة مفطر ، وعليه القضاء دون الكفارة . ولو قَبَّلَ فأمذى لم يفطر عند أبى حنيفة والشافعى . وقال أحمد : يفطر . وهو المشهور من مذهب مالك .


ولو قاء عامداً أفطر عند الثلاثة وإن قلَّ ، وقال أبو حنيفة : لا يفطر إلا أن يكون مِلْءَ فيه . فإن رجع عمداً ، أو غلبه فعليه القضاء والكفارة عند مالك ، وعليه القضاء فقط عند الثلاثة . وإن غلبه القئ لم يفطر عند الأربعة ، واختلفوا فيما إذا رجع شئ منه ، فعند الشافعى وأحمد : إن رجع غلبة فلا شيء عليه، أو عمدا بطل صومه و عليه القضاء فقط أو عمداً فعليه القضاء والكفارة ، وعند أبى حنيفة إن رجع عمداً وكان ملء فيه بطل صومه ، وعليه القضاء ، وإن لم يملأ فمه أو رجع غلبة فلا شئ عليه .


ولو اكتحل ليلاً فوجد طعم الكحل فى حلقه نهاراً لم يفطر عند الأربعة ، فإن اكتحل نهاراً فوجد طعمه فى حلقه أفطر عند مالك وأحمد ، وقال أبو حنيفة والشافعى : لا يفطر ، ويكره الاكتحال فى نهار رمضان عند الثلاثة ، وقال أبو حنيفة : لا يكره .


ولو سبق إلى جوفه نحو ذباب أو غبار طريق ولو نجساً لا يبطل صومه اتفاقاً ، ولو سبق إلى جوفه دقيق أو غبار كيل لم يفطر عند الثلاثة مطلقاً ، وقال مالك : إن كان صانعاً ككـــيَّال ، ومغربل ، وطحان ، ونخال ، وحامل لم يفطر ، وإلا أفطر وعليه القضاء دون الكفارة .

ولا يضره بلع ريقه إثر ماء المضمضة ولو أمكنه مجه عند الأربعة .


واتفقوا على أن الحجامة تكره ولا يفطر بها الصائم ، إلا أحمد فإنه قال : يفطر الحاجم والمحجوم .


ولو أغمى على الصائم جميع النهار لم يصح صومه بالاتفاق ، ولو نام جميع النهار صح صومه بالاتفاق.


ومن أصبح صائماً وهو جنب فصومه صحيح ، ولكن المستحب الاغتسال قبل طلوع الفجر بالاتفاق.


ويحرم الصوم على الحائض والنفساء ، ولا يصح منهما ، ويلزمهما القضاء عند الأربعة .

واتفقوا على أن الحامل والمرضع التى لا يمكنها الاستئجار إن خافتا على أنفسهما أو ولديهما أفطرتا وعليهما القضاء، ثم اختلفوا فى حكم فطرهما، فعند أحمد وأبى حنيفة: يباح لهما الفطر . وقال الشافعى : يجب على الحامل وعلى المرضع إن لم يوجد غيرها ، وقال مالك : إن خافتا مرضاً أو زيادته جاز الفطر ، وإن خافتا هلاكاً أو شدة ضرر وجب.
واختلفوا فى الفدية ، فقال أبو حنيفة : لا فدية عليهما مطلقاً، وقال مالك : لا فدية على الحامل ، وتجب على المرضعة إن أفطرت خوفاً على الولد ، وقال الشافعى وأحمد: إن أفطرتا للخوف على ولديهما فقط فعليهما القضاء والفدية ، وإن خافتا على أنفسهما ولو مع الولد فعليهما القضاء فقط . أما المرضعة التى يمكنها الاستئجار فقال أحمد ومالك : عليها الصوم ، وقال الشافعى وأبو حنيفة: يجوز لها الفطر .


واتفقوا على أن المسافر سفراً مباحاً تقصر فيه الصلاة ، والمريضَ الذى يرجى برؤه ويشق عليه الصوم مشقة شديدة يفطران، ولو لم يتضرر المسافر بالصوم . ويجب عليهما القضاء دون الفدية ، فإن صاما صح .


واتفقوا على أن من لا يطيق الصوم لمرض لا يرجى برؤه أو للكِبَر لا صوم عليه ، وتجب عليه الفدية عند الثلاثة ، وقال مالك : لا فدية . والفدية عند أبى حنيفة : نصف صاع من بر ، أو صاع من تمر أو شعير عن كل يوم ، وقال الشافعى : عن كل يوم مد من غالب قوت البلد ، وقال أحمد: لكل يوم نصف صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو من بر .


ومن أصبح صائماً ثم سافر لم يجز له الفطر عند الثلاثة . وقال أحمد : يجوز .


وإذا أسلم الكافر، أو قدم المسافر مفطراً، أو برأ المريض، أو بلغ الصبى، أو طهرت الحائض والنفساء، أو أفاق المجنون فى أثناء النهار لزمهم الإمساك بقية النهار وقضاء ذلك اليوم عند أحمد . وكذا عند أبى حنيفة ، إلا إذا بلغ الصبى ، أو أسلم الكافر فإنهما يمسكان بقية يومهما ، ولا قضاء عليهما عنده . وعند مالك : لا يلزمهما الإمساك ولا يستحب ، ويلزمهما قضاء ذلك اليوم ، إلا إذا أسلم الكافر فإنه يستحب له الإمساك والقضاء . وعند الشافعى : يستحب لهم الإمساك ، ويجب عليهم قضاء ذلك اليوم ، إلا الصبى والمجنون الذى لم يتعد بجنونه، والكافر الأصلى فلا قضاء عليهم .

ومن فاته شئ من رمضان لم يجز له تأخير قضائه، فإن أخره من غير عذر حتى دخل رمضان آخر أَثِمَ، ولزمه مع القضاء لكل يوم مد عند الثلاثة . وقال أبو حنيفة : يجوز له التأخير ، ولا كفارة عليه، ولو مات قبل إمكان القضاء فلا تدارك له ولا إثم بالاتفاق، وإن مات بعد التمكن وجب لكل يوم فدية كالفطرة عند أبى حنيفة . وقال مالك : مُدٌّ إن أوصى به . وعند الشافعية : يصوم عنه وَلِيُّه أو يخرج عنه لكل يوم مدًّا . وقال أحمد : إن كان صومه نذراً يصوم عنه وليه ، وإن كان عن رمضان أطعم عنه .


ويُسَنُّ تأخير السحور مع تيقن بقاء الليل ، وتعجيل الفطر بعد تحقق المغيب ، وأن يكون الفطر على تمر فحلو فماء ، ويسن أن يدعو عند إفطاره ؛ لما روى ابن ماجه من حديث عبد الله بــــن عمرو: "وَلِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةٌ لاَ تُرَدُّ".
وقال ابن أبى مليكة : سمعت عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر: {اللهم إنى أسألك برحمتك التى وسعت كل شئ أن تغفر لى". صحح الحافظ البوصيرى إسناده .

وأن يقول بعد إفطاره: "اللهم لك صمت ، وعلى رزقك أفطرت" ، رواه ابن السنى .

وقال بعض السلف : "ما من مسلم يصوم فيقول عند إفطاره: ياعظيم ياعظيم ، أنت إلهى لا إله غيرك ، اغفر لى الذنب العظيم ، فإنه لا يغفر الذنب العظيم إلا العظيم ، إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". ) اهـ صـ25-31




_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مرشد العوام لأحكام الصيام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يونيو 19, 2016 1:04 am 
متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7474
مولانا السيد الشريف الدكتور محمود صبيح حفظه الله كتب:

تسجيل حضور ومتابعة

بارك الله فيك

_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 19 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة 1, 2  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 79 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط