موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: مصطلحات التصوف الاسلامي .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يونيو 24, 2016 1:43 am 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 3204


تفسير ألفاظ تدور بين هذه الطائفة وبيان ما يشكل منها :

أعلم أنَّ من المعلوم: أن كلَّ طائفة من العلماء لهم ألفاظ يستعملونها - فيما بينهم - انفردوا بها عمن سواهم، تواطئوا عليها؛ لأغراض لهم فيها: من تقريب الفهم على المخاطبين بها، أو تسهيل على أهل تلك الصنعة في الوقوف على معانيهم، بإطلاقها. وهذا الطائفة يستعملون ألفاظاً فيما بينهم، قصدوا بها الكشف عن معانيهم لأنفسهم، والإجمال والستر على من باينهم في طريقتهم؛ لتكون معاني ألفاظهم مستبهمة على الأجانب، غيرة منهم على أسرارهم أن تشيع في غير أهلها، إذ ليست حقائقهم مجموعة بنوع تكلف، واستخلص لحقائقها اسرار قوم.
ونحن نريد بشرح هذه الألفاظ: تسهيل الفهم على من يريد الوقوف على معانيهم من سالكي طرقهم، ومتبعي سنَّنهم.
فمن ذلك:
الوقت
حقيقة الوقت عند أهل التحقيق: حادث متوهِّم علق حصوله على حادث متحقق فالحادث المتحقق، وقت للحادث المتوهم، تقول: آتيك رأس الشهر، فالإتيان متوهم، ورأس الشهر حادث متحقق. فرأس الشهر وقت الإتيان.
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق، رحمه الله، يقول:
الوقت: ما أنت فيه، إن كنت بالدنيا فوقتك الدنيا، وإن كنت بالعقبى فوقتك العقبى وإن كنت بالسُّرور فوقتك السرور وإن كنت بالحزن فوقتك الحزن.
يريد بهذا: أن الوقت ما كان هو الغالب على الإنسان.
وقد يعنون بالوقت: ما هو فيه من الزمان، فإن قوماً قالوا: الوقت ما بين الزمانين، يعني الماضي والمستقبل.
ويقولون: الصوفي ابن وقته، يريدون بذلك: أنه مشتغل بما هو أولى به من العبادات في الحال، قائم بما هو مطلوب به في الحين.
وقيل: الفقير لا يهمه ماضي وقته وآتيه، بل يهمه وقته الذي هو فيه.
ولهذا قيل: الاشتغال بفوات وقت ماض. تضبيع وقت ثان.
وقد يريدون بالوقت: ما يصادفهم من تصريف الحقِّ لهم، دون ما يختارونه لأنفسهم.
ويقولون: فلان بحكم الوقت. أي: أنه مستسلم لما يبدو له من الغيب من غير أختيار له.
وهذا فيما ليس لله تعالى عليهم فيه أمر أو اقتضاء بحق شرع، إذ التضييع لما أمرت به: وإحالة الأمر فيه على التقدير وتركُ المبالاة بما يحصل منك من التقصير: خروج عن الدين.
ومن كلامهم: الوقت سيف. أي: كما أنَّ السيف قاطع فالوقت بما يمضيه الحق ويجريه غالب.
وقيل: السيف لين مسه، قاطع حده، فمن لاينهُ سلم، ومن خاشنه اصطلم. كذلك الوقت: من استسلم لحكمه نجا، ومن عارضه انتكس وتردي.
وأنشدوا في ذلك:
وكالسيف إن لاينته لان مسه ... وحدَّاه إن خاشنته خشنان
ومن ساعده الوقت: فالوقت له وقت.
ومن ناكده الوقت: فالوقت عليه مقت.
وسمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: الوقت مبرد يستحقك ولا يمحقك.
يعني: لو محاك وأفتاك لتخلصت حين فنيت. لكنه يأخذ منك ولا يمحوك بالكلية - وكان ينشد في هذا المعنى: كل يوم يمر يأخذ بعضي يورث القلب حسرة ثم يمضي وكان ينشد أيضاَ:
كأهل النار إن نضجت جلود ... يورث القلب حسرة ثم يمض
وكان ينشد أيضاً:
كأهل النار إن نضجت جلود ... أعيدت للشقاء لهم جلود
وفي معناه:
ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميِّت ميت الأحياء
والكيِّس: من كان بحكم وقته؛ إن كان وقته الصحو فقيامه بالشريعة، ون كان وقته المحو، فالغالب عليه أحكام الحقيقة.
ومن ذلك:
المقام
والمقام: ما يتحقق به العبد بمنازلته من الآداب؛ ممام يتوصَّل إليه بنوع تصُّرفَ، ويتحقق به بضرب تطلُّب، ومقاساة تكلف.
فمقام كل أحد: موضع إقامته عند ذلك، وما هو مشتغل بالرياضة له.
وشرطه: أن لا يرتقي من مقام إلى مقام آخر، ما لم يستوف أحكام ذلك المقام، فإن من لا قناعة له لا تصح له التوكل ومن لا توكل له لا يصح له التسليم، وكذلك من لا توبة له لا تصح له الإنابة، ومن لا ورع له لا يصح له الزهد.
والمقام: هو الإقامة، كالمُدخل بمعنى الإدخال، والمخرج بمعنى الإخراج.
ولا يصحُّ لأحد منازلة مقام إلا بشهود إقامة الله تعالى إياه بذلك المقام، ليصحَّ بناء أمره على قاعدة صحيحة.
سمعت الأستاذ أبا عليِّ الدَّقاق، رحمه الله تعالى، يقول: لما دخل الواسطي نيسابور، سأل أصحاب أبي عثمان: بماذا كان يأمركم شيخكم؟ فقالوا: كان يأمرنا بالتزام الطاعات، ورؤية التقصير فيها.
فقال: أمركم بالمجوسيَّة المحضة، هلا أمركم بالغيْبة عنها، برؤية منشئها ومجريها؟ وإنما أراد الواسطي بهذا: صيانتهم عن محل الإعجاب.
لا تعريجاً في أوطان التقصير، أو تجويزاً للإخلال بأدب من الآداب.
ومن ذلك:
الحال
والحال عند القوم: معنى يَرِد على القلب، من غير تعمد منهم، ولا اجتلاب، ولا أكتساب لهم، من: طرب، أو حزن، أو بسط، أو قبض، أو شوق، أو انزعاج أو هبة، أو احتياج.
فالأحوال: مواهب، والمقامات. مكاسب.
والأحوال تأتي من عين الجواد، والمقامات تحصل ببذل المجهود.
وصاحب المقام ممكن في مقامه، وصاحب الحال مُترقَّ عن حاله.
وسئل ذو النون المصري، عن العارف، فقال: كان ها هنا، فذهب.
وقال بعض المشايخ: الأحوال كالبروق: فإن بقي فحديث نفس.
وقالوا: الأحوال كأسمها، يعني أنها: كما تحلُّ بالقلب نزول في الوقت.
وأنشدوا:
لو لم تَحُلْ ما سميت حالا ... وكل ما حال فقد زالا
انظر إلى الفيء إذا ما انتهى ... يأخذ في النقص إذا طالا

وأشار قوم إلى بقاء الأحوال، ودوامها. وقالوا: إنها إذا لم تدم ولم تتوَال فهي لوائح وبواده، ولم يصل صاحبها بعد إلى الأحوال فإذا دامت تلك الصفة فعند ذلك تسمَّى: حالاً.
وهذا أبو عثمان الحيري يقول: منذ أربعين سنة ما أقامني الله في حال فكرهْتُه.
أشار إلى دوام الرِّضا، والرضا من جملة الأحوال.
فالواجب في هذا: أن يقال: إن من أشار إلى بقاء الأحوال فصحيح ما قال، فقد يصير المعنى شِرْباً لأحد فيربّي فيه.
ولك لصاحب هذه الحال أحوال: هي طوارق لا تدوم فوق أحواله التي صارت شرباً له؛ فإذا دامت هذه الطوارق له، كما دامت الأحوال المتقدمة، ارتقى إلى أحوال أخر، فوق هذه وألطف من هذه، فأبداً يكون في الترقي.
ومن ذلك:
القبض والبسط
وهما: حالتان، بعد ترقيِّ العبد عز حالة الخوف والرجاء.
فالقبض للعارف: بمنزلة الخوف للمستأنف.
والبسط للعارف: بمنزلة الرجاء للمستأنف.
ومن الفصل بين القبض والخوف، والبسط والرجاء: أن الخوف ما يكون من شيء في المستقبل، إما أن يخاف فوقت محبوب أو هجوم محذور.
وكذلك الرجاء: إنما يكون بتأميل محبوب في المستقبل، أو بتطلع زوال محذور وكفاية مكروه في المستأنف.
وأما القبض: فلمعنى حاصل في الوقت، وكذلك البسط، فصاحب الخوف والرجاء: تعلق قلبه في حالتيه بآجله. وصاحب القبض والبسط أخذ وقته بوارد غلب عليه في عاجله.
ثم تتفاوت نعوتهم في القبض والبسط على حسب تفاوتهم في أحوالهم: فمن واردٍ يوجب قبضاً، ولكن يبقى مساغ للأشياء الأخر، لأنه غير مستوف ومن مقبوض لا مساغ لغير وارده فيه، لأنه مأخوذ عنه بالكلية بوارده.
كما قال بعضهم: أنا ردْم، أي: لا مساغ فيّ.
وكذلك المبسوط: قد يكون فيه بسط يسع الخلق، فلا يستوحش من أكثر الأشياء، ويكون مبسوطاً لا يؤثر فيه شيء بحال من الأحوال.
ومن أدنى موجبات القبض: أن يرد على قلبه وارد موجبه إشارى إلى عتاب ورمز باستحقاق تأديب، فيحصل في القلب لا محالة، قبض.
وقد يكون موجب بعض الواردات إشارة إلى تقريب، أو إقبال بنوع لطف وترحيب، فيحصل للقلب بسط.
وفي الجملة: قبض كل أ؛د حسب بسطه، وبسطه على حسب قبضه.
وقد يكون قبض يشكل على صاحبه سببه: يجد في قلبه قبضاً لا يدري موجبه ولا سببه، فسبيل صاحب هذا القبض التسليم، حتى يمضي ذلك الوقت، لأنه لو تكلف نفيه، أو استقبل الوقت قبل هجومه عليه باختياره زاد في قبضه.
ولعله يعد ذلك منه: سوء أدب.
وإذا استسلم لحكم الوقت، فمن قريب يزول القبض، فإن الحق سبحانه قال: والله يقبض وببسط.
وقد يكون بسط يرد بغتة، ويصادف صاحبه فلتة لا يعرف له سبباً، يهز صاحبه ويستفزه، فسبيل صاحبه السكون، ومراعاة الأدب، فإن في هذا الوقت له خطراً عظيما فليحذر صاحبه مكراً خفياً.
كذا قال بعضهم: فتح عليَّ باب من البسط، فزللت زلة فحجبت عن مقامي.

ولهذا قالوا: قف على البساط، وإيَّاك والانبساط.
وقد عدّ أهل التحقيق حالتي القبض والبسط: من جملة ما استعاذوا منه، لأنهما بالإضافة إلى ما فوقهما من استهلاك العبد واندراجه في الحقيقة: فقر وضر.
سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت الحسين بن يحيى يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت الجنيد يقول: الخوف من الله يقبضني، والرجاء منه: يبسطني. والحقيقة: تجمعني، والحق: يفرقني، إذا قبضني بالخوف أفناني عني، وذا بسطني بالرجاء ردني علي وإذا جمعني بالحقيقة أحضرني وإذا فرقني بالحق أشهدني غيري، فغطاني عنه، فهو تعالى في ذلك كله محركي غير ممسكي، وموحشي غير مؤنسي، فأنا بحضوري أذوق طعم وجودي، فليته أفناني عني فمتعني، أو غيبني عني فروحني.
ــــــــــــــــــ
الرسالة القشيرية (1 / 30 - 44)


_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: [AhrefsBot] و 15 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط