كثيراً ما نقرأ أن النذور والقرابين كانت تقدم للآلهة في المعتقدات الوثنية والديانات الوضعية حول العالم
وفي الغالب كانت هذه القرابين من البشر رغم أنها كانت تأتي في صور أخرى من طعام وشراب وحيوانات تذبح لارضاء الآلهة الغاضبة والعطشى للدماء
ولا نزال نسمع عن طقوس خفية لمنظمات سرية ولأتباع الديانة اليهودية تقوم على قربان بشري لأطفال أو لبالغين
فماذا كان الوضع في جاهلية العرب قبل الاسلام؟
ماذا عن تقديم القرابين عند العرب في الجاهلية؟..
هذا ما سنحوم حوله بإذن الله في السطور التالية ....
......
القرابين أو النذور
كانت على نوعين مادية ومعنوية
المادية على انواع منها أن ينذروا بعضا من محاصيلهم للأصنام، فهو بمثابة الدين القطعي الذي لا فكاك منه، أو ينذروا بعضا منها لله وهنا كانوايحتالون على أنفسهم بايجاد مبرر للتخلص من التزامهم بالنذر وتعليل ذلك عندهم أن الله غني وأما الأصنام فهي بحاجة إلى هذه النذور، قال تعالى: " وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَٰذَا لِشُرَكَائِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ ۗ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136) الأنعام
وفي السياق نفسه تأتي نذور تقديم بعض المآكل والمشارب للأصنام، فقد تصوروها على شاكلة الانسان تأكل وتشرب، لذلك قدموا لها الشعير والحنطة وهرقوا عليها اللبن.
ومن النذور المادية حبس الحيوانات وفقا للألهة، وتكون طليقة حرة ، مطلقة الإرادة في الكلأ والماء، لا تمس بسوء ولا ينتفع منها بشيء وهي على أنواع منها: البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي، وقد أشار إليها قوله تعالى: " مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ" 103 المائدة ومن النذور المادية : القرابين، وهي على نوعين:
قرابين حيوانية
وقرابين بشرية
فأما القرابين الحيوانيةفهي ذبائح كانوا ينذورنها للآلهة في مناسبات معينة أو وفاء لعهد ما، مثال ذلك أنهم كانوا ينذرون بألا تهب الصبا حتى يذبحوا أو ينحروا، وكان بعض أهل الجاهلية ينذر الرجل منهم على شائه إذا بلغت مائة أن يذبح عن كل عشرة منها شاه، فيبخل أن يذبح من غنمه شيئا، ويصيد الظباء ويذبحها بالنيابة عن غنمه، ويعتقد أنه في عمله هذا قد وفى بنذره، وفي ذلك يقول الحارث بن حلزة: عننا باطلاً وظلماً كما تعتر عن حجرة الربيض الظباء أي أنتم تأخذوننا بذنوب غيرنا كما تذبح الظباء عوضا عن الربيض وهي الغنم
كان أول ولد تنتجه الناقة اسمه الفرع وكانوا يذبحونه للآلهتهم يتبركون بذلك، وكان الرجل يقول إذا تمت ابلي كذا نحرت أول نتيج منها وكانوا اذا أرادوا نحره زينوه وألبسوه.
وأما القرابين البشرية:
فقد كانوا يلجأون إليها في حالات متنوعة ، منها تخيرهم لأجمل الأسرى وأعلاهم مرتبة وتقديمهم قرابين للآلهة علها ترضى مثال ما ورد عن أن المنذر ملك الحيرة قد ضحى بأربعمائة راهبة أسرهن وكن متنسكات في بعض أديرة العراق! (Encycolopedia of Islam 4/1969)
وكان بعضهم يسفك دم أولاده قرباناً للآلهة حتى تهدأ قال تعالى: " كَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137) الأنعام
وأغلب الظن أن هذه العادة كانت معروفة عن الأغنياء والفقراء على حد سواء وكان بعضهم يلجأ إلى هذه القرابين في حالة الشدة القصوى كماروي عن جد النبي عليه الصلاة والسلام السيد عبد المطلب الذي حُرِم الأولاد في البدء أنه قد نذر إن عاش له عشرة أولاد فسينحر أحدهم عند اساف ونائلة وثني قريش، وضرب القداح، فخرجت على اسم عبد الله والد سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم فهم بنحره فهبت قر يش بأسرها وثنته عن ذلك، واشارت عليه العرافة أن يفتديه بالإبل التي بلغت المائة.
وأد البنات:
كان من عادة أهل الجاهلية أنهم يئدون بناتهم إما لوجود الفقر ، أو خشية وقوعه في المستقبل ، فنهاهم الله تعالى عن الأمرين ، قال تعالى في كتابه المجيد: " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا " 31 الاسراء، و قال تعالى: "وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ " 151 الأنعام
لكن البعض يشير إلى أنّ وأد البنات عند العرب قبل الإسلام كان ذا دافع ديني حصراً. وبذلك ينفي المقاربات السابقة التي ربطت الوأد بخشية العار والفقر. هذا ما أشار إليه أيضاً كل من الزمخشري والرازي، ما دفع الباحث وحيد السعفي في كتابه «القربان في الجاهلية والإسلام» إلى ترجيح أن الوأد لم يكن كرهاً لأنثى أو خوفاً من عار بل تقرباً من الرب. كان العرب يعتقدون أن كل أنثى بنتُ للرب، الملائكة و«اللات» و«العزى» و«مناة الثالثة» الأخرى وأنثى الإنس أيضاً، وكانوا في هذا لا يخالفون ما جاء في الثقافات الأخرى من اتجاهات تنصّب المرأة بديلاً للرب.
ويقول آخر أن العرب كانوا يقدّمون بناتهم للأرض و هنّ في سنّ صغيرة جدا ، عسى هذه الأرض العاقر الرملية الصحراوية تُخصب بجثث الفتيات الغضة.
أول من وأد البنات من العرب
يرى كثيرون أن أول من وأد البنات من العرب هو قيس بن عاصم المنقري التميمي، لأنه خشي أن يخلف على بناته من هو غير كف لهن. وكان قد وأد ثماني بنات.
وقيل أن وأد البنات كان بسبب "خشية العار" وسبب ذلك يحكيه لنا القلقشندي....
قال القلقشندي: "إن العرب كانت تئد البنات خشية العار وممن فعل ذلك قيس بن عاصم المنقري وكان من وجوه قومه، ومن ذوي المال. وسبب قتله لبناته أن النعمان بن المنذر غزا بني تميم بجيش فقام الجيش فسبوا ذراريهم. فأنابه القوم وسألوه أن يحرر أسراهم فخيَّرَ النعمان النساء الأسيرات فمنهن من اختارت أبوها فردَّها لأبيها ومن اختارت زوجها ردَّها لزوجها فاخترن آباءهن وأزواجهن. إلا امرأة قيس بن عاصم فاختارت الذي أسرها فأقسم قيس بن عاصم أنه لا يولد له ابنة إلا قتلها فكان يقتلهن" و قيس بن عاصم المنقري التميمي صحابي جليل، قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم "هذا سيد أهل الوبر".
سوداء بنت زهرة الكاهنة
يحكى أن فتاة في الجاهلية نجت من الوأد وهي سودة بنت زهرة بنت كلاب عمة وهب والد السيدة آمنة ، وكاهنة قريش المفضلة...
جاء في الروض الأنف: "لما ولدت رآها أبوها زرقاء شيماء، فأمر بوأدها - وكانوا يئدون من البنات من كانت على هذه الصفة - فأرسلها إلى الحجون لتدفن هنالك. فلما حفر لها الحافر، وأراد دفنها سمع هاتفاً يقول: لا تئد الصبية! وخلها في البرية! فالتفت فلم ير شيئاً؛ فعاد، فعاد الهاتف. فرجع إلى أبيها وأخبره فقال: إن لها شأناً! وتركها، فكانت كاهنة قريش. وهي التي قالت يوماً لبني زهرة: إن فيكم نذيرة أو من تلد نذيرا، فاعرضوا علي نساءكم! فعرضوا عليها، فقالت في كل واحدة منهن قولا ظهر بعد حين؛ ثم عرضت عليها آمنة بنت وهب، فقالت: هذه النذيرة أو ستلدين نذيراً"؛ فولدت رسول الله صلى الله عليه.
أما النذور المعنويةفهي متعددة منها نذور الخدمات كأن ينذر أحدهم إذا ما رزق طفلا أن يجعله خادما للآلهة ويسمى الطفل المنذور "نذيرة" سواء كان ذكراً أو أنثى . وكان بعضهم ينذر إذا ما رزق طفلاً أن يجعله في خدمة الكعبة حتى يبلغ الحلم، ويسمى المنذور في هذه الحالة "الربيط" لأنه يرابط في فناء الكعبة لا يبارحه. ومن النذور المعنوية الصوم، وقد يكون معقوبا بالانقطاع عن الكلام
الأضاحي وقت العمرة والحج:
تقديم الأضاحي كان فعلا متنوعا ، ففي الأشهر الحُرم أيام العُمرة كان العرب القُدماء يُقدّمون الهَدْيْ ( الأضاحي من بعير وماعز ...) للكعبة فينحرون الهدي على أعتابها، وقد كان طقسا شعائريا إلزاميا، إذ ما تعذّر على الفقراء القيام به كانوا يضعون قلائد من لِحاء الشجر ( القشرة التي تلف الجذوع) في أعناقهم لاعتقادهم أنها تُجيزهم و تُعوّض القُربان الذي من المفروض أن يُقدّموه لآلهة الكعبة.
_________________ "يس" يا روح الفؤاد
|