بقلم: د. علي جمعة
مفتى الديار المصرية
قال تعالى{ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما* يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا* وسبحوه بكرة وأصيلا* هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلي النور وكان بالمؤمنين رحيما* تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما}[الأحزاب:40-44].
آيات نتلوها وكثير منا يحفظها, وقفت عندها ورأيت فيها دستورا في خطوات إذا ما فعلتها أيها المسلم أعانتك على طريق الله, فقد أرسل الله رسولا ولم يجعله أبا لأحد من الرجال, ليكون خالصا في أبوته لأمته, وفيما رواه الدارمي في سننه يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: “إنما أنا لكم مثل الوالد للولد, أعلمكم”, وقال تعالى { وأزواجه أمهاتهم} [ الأحزاب:6] فأي شرف أعظم من هذا..!
فالخطوة الأولى: أن تجعل نفسك وكأنك ابن للنبي صلى الله عليه وسلم حيث إن الله سبحانه وتعالى قد خلاه من الولد, وماتوا جميعا في حياته صغارا أطفالا ولم يبلغوا دور الرجولة, اعتز بنبيك اعتزازك بأبيك, بل أكثر من ذلك بكثير, بحيث لا تكون هناك مقارنة بين أبيك وبين النبي صلى الله عليه وسلم, وقد تصاب العلاقة بينك وبين أبيك بشيء من الكدر أو الفتور, لكنها لا تصاب بينك وبين حبيب الله صلى الله عليه وسلم, استحضر صورته أمامك بالليل والنهار, عش معه فإن هذا سيعينك بلا شك علي كل خطوات الطريق إلى الله.
وبعدما أنزلت رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة المصاحب لك في كل وقت وحين, فإذ بك تستحي أن تفعل الذنب, وتستحي ألا تكون هناك همة, تستحي من ألا تذكر الله أو أن تنقطع عن ذكره سبحانه وتعالى ـ لأن أباك يراقبك ولأنه معك ولأنه مصاحبك ـ تستطيع أن تتخيله, لكن لا تستطيع أن تتخيل ربك, لأنها وثنية مفرطة, أما هذا فهو الذي جعله الله واسطة بينه وبيننا ـ ولا واسطة بيننا وبينه سبحانه وتعالى, لكن لا يكلمنا ـ فاجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والدك ومصاحبك.
الخطوة الثانية: بعد ذلك أن تذكر الله ذكرا كثيرا بكرة وأصيلا, “لا يزال لسانك رطبا بذكر الله” [مسند الإمام أحمد]
الخطوة الثالثة: أن ترى دائرة نور ودائرة ظلام, النور فيه طاقة وفيه بيان وفيه حلاوة وله طلاوة يكشف عن الحقائق, والظلام فيه برودة ورائحته كريهة وأحواله مردية, والله جل جلاله يثني عليك لاتباعك لنبيك, ولإدراكك النور والظلمة, ولذكرك له كثيرا, فينقلك من الظلام إلى النور, ومن الضيق إلى السعة, ومن الاضطراب إلى الأمن والأمان والسلام في الدنيا أولا, يعني ستأخذ نصيبك هنا لأن كثيرا من الناس قد تعلقت قلوبهم بالدنيا, ولا يمكن أن نجذبهم إلى الله إلا منه, في الدنيا سيعطيك الله تعالى, وله ملكوت السماوات والأرض, ثم بعد ذلك يعطيك في الآخرة.
ثم انظر في هذه الكلمات التي لا يمكن لبشر أن يكتبها, إنما هي من عند الله {….وأعد لهم أجرا كريما} فسيكون فيه إعداد, عندما تعد لضيفك الطعام فإنك تتجهز له, بخلاف الطارق الذي يأتي من غير إعداد فإنك تقدم له ما وجد كثر أو قل, لكنه هنا فيه إعداد. والكرم حب والحب عطاء, والكرم في غير مقابل, فالله يعطيك من غير مقابل من غير حساب, والكرم مستمر, و(كريم) أي نفيس جيد غال في مادته, فالأجر في مادته سيكون نفيسا وفي شكله وفي مضمونه وفي أثره, وفي تلذذك به, كلمة وصف بها القرآن الكريم, لأنه لا مثيل له, وحفظ الله سبحانه وتعالى من أن نصف بالكرم كتابا غيره, فيقولون كتاب مبرور أو كتاب ثمين إلا كلمة الكريم, فإنها لا تستعمل في خطابات الملوك, والحمد لله رب العالمين,( كريم) هذه كلمة واحدة تجعلك تخرج من الدنيا بحذافيرها.
أيها المسلم: إذا أردت أن تنقل من دوامة الشهوات إلى طريق الله فعليك باتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه والد لك, ومصاحبا في طريقك إلى الله, فإنه هو المبشر والنذير, وهو المبشر والشاهد, وهو المبشر والآخذ بيدك إليه سبحانه, واذكر الله ذكرا كثيرا, وانتقل من دائرة الظلمة إلى دائرة النور بصلاة الله وملائكته عليك, ثم بعد ذلك استحضر نفاسة أجر الآخرة في مقابلة تفاهة الدنيا بما فيها ومن فيها, فإذا فهمت ذلك واستوعبته وغيرت مفهومك عن الحياة وعن الآخرة, واستصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم معك ـ كل يوم ـ فسيعينك ذلك علي نفسك في طريق ربك.
الأهرام 5 مايو 2008
|