قال الشيخ زكريا رحمه الله تعالى في فتح الرحمن «قال تعالى: «بعبده» دون نبيه أو حبيبه لئلا تضل أمته أو لأن وصفه بالعبودية المضافة إلى الله تعالى أشرف المقامات» .
قال الأستاذ أبو علي الدقاق رحمه الله تعالى: «ليس للمؤمن صفة أتمّ ولا أشرف من العبودية، ولهذا أطلقها الله تعالى علي نبيه في أشرف المواطن، كقوله: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ [الإسراء 1] ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ [الكهف 1] ، فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
[النجم 10] ، تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ [الفرقان 1] .
قال الشيخ عبد الباسط البلقيني رحمه الله: «ومن هنا يؤخذ الجواب عن وصفه صلى الله عليه وسلّم بذلك ووصف يحيى عليه السلام بالسيادة في قوله تعالى: وَسَيِّداً، وَحَصُوراً [آل عمران 39] .
قال الإمام الرازي رحمه الله، دل قوله بعبده على إن الإسراء كان بجسد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن العبد اسم للجسد والروح، قال تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى، عَبْداً إِذا صَلَّى [العلق:
قال الحافظ رحمه الله تعالى: «ليلا ظرف للإسراء وهو للتأكيد، وفائدته رفع توهم المجاز، لأنه قد يطلق على سير النهار أيضا، ويقال بل هو إشارة إلى أن ذلك وقع في بعض الليل لا في جميعه، والعرب تقول: سرى فلان ليلا إذا سار بعضه، وسرى في ليلة إذا سار في جميعها. ولا يقال أسرى ليلا إلا إذا وقع سيره في أثناء الليل، وإذا وقع في أوله يقال أدلج، ومن هذا قوله تعالى في قصة موسى وبنى إسرائيل: فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا [الدخان: 23] ، أي من وسط الليل» .
قال بعض أهل الإشارات: «لما محا الله آية الليل، وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً [الإسراء:
12] انكسر الليل، فجبر بأن أسري فيه بمحمد صلى الله عليه وسلم» . انتهى.
قال البرهان النسفي رحمه الله: «اتفقوا على أن المراد به مسجد بيت المقدس، وسمّي بالأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام» .
قال الزمخشري رحمه الله: «سمّى الأقصى لأنه لم يكن وراءه مسجد» .
قال ابن أبي جمرة- بفتح الجيم وبالراء- رحمه الله: «والحكمة في إسرائه صلى الله عليه وسلم أولا إلى بيت المقدس، لإظهار الحق على من عاند، لأنه لو عرج به من مكة إلى السماء، لم يجد لمعاندة الأعداء سبيلا إلى البيان والإيضاح. فلما ذكر أنه أسرى به إلى بيت المقدس سألوه عن أشياء من بيت المقدس كانوا رأوها وعلموا إنه لم يكن رآها قبل ذلك. فلما أخبرهم بها
حصل التحقق بصدقه فيما ذكر من الإسراء به إلى بيت المقدس في ليلة. وإذا صحّ خبره في ذلك لزم تصديقه في بقية ما ذكر» . انتهى.
وقيل: ليحصل له العروج مستويا من غير تعويج لما روي عن كعب أن باب السماء الذي يقال له مصعد الملائكة يقابل باب بيت المقدس، قال: وهو أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا.
قال الحافظ: «وفيه نظر. وقيل ليجمع بين القبلتين، لأن بيت المقدس كان هجرة غالب الأنبياء فحصل له الرحيل إليه في الجملة ليجمع بين أسباب الفضائل. وقيل لأنه محل الحشر، فأراد الله تعالى أن تطأه قدمه ليسهل على أمته يوم القيامة وقوفهم ببركة أثر قدميه. وقيل أراد الله سبحانه وتعالى أن يريه القبلة التي صلى إليها مدة، كما عرفت الكعبة التي صلى إليها.
وقيل لأنه مجمع أرواح الأنبياء فأراد الله تعالى أن يشرّفهم بزيارته صلى الله عليه وسلم. وقيل لتفاؤل حصول التقدير له حساّ ومعنى.
المصدر: مجمع من سبل الهدى والرشاد بتصرف يسير