أحباب موقع الدكتور / محمود صبيح
اخترت لكم هذا الموضوع :
[size=24]الإنشاد الدِّيني بَدَأه الصَّحابة وطوَّره المشايخ..!!
http://www.islamonline.net/arabic/famou ... le03.SHTML[/size]خيري عبدالعزيز- موسيقي مصري
الإنشاد الديني: هو الفن الغنائي الذي يتناول موضوعات لها سمت ديني كالعشق الإلهي، أو مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الوحدانية والملكوت الأعلى وغيرها، وكان الذين يتصدون لهذا الفن من ذوي الأصوات الجميلة الجذابة.
"نشأته" وللإنشاد الديني قصة تؤكدها كتب التراث وهي أنه مع ظهور الإسلام في مكة المكرمة، ثم هجرة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة المنورة، كانت الدولة الإسلامية قد بدأت ملامحها تظهر للنور، واستقرت أحوال المسلمين، وجعل الناس يقيمون فرائضهم، ويتحينون أوقات الصلاة بقراءة القرآن فيجتمعون لتأديتها، وكان لابد للمسلمين أن يفكروا في صيغة لدعوة المصلين لأداء الصلوات في أوقاتها، فاقترح بعضهم أن يوقدوا نارًا فاعتُرِض على هذا الاقتراح؛ لما له من شبه بنار الفرس التي كانوا يعبدونها ويتبركون بها، ثم أدلى بعضهم بفكرة أخرى وهي أن يُنادى للصلاة ببوق يُنفخ فيه فيسمعه المسلمون فرُفِض هذا الرأي أيضًا، وفي اليوم التالي اجتمعوا بالرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – وقص عليه عبد الله بن زيد – رضي الله عنه – رؤياه، وهي أنه سمع في منامه أذانًا يدعو للصلاة؛ فصدَّقه الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأمره بالأذان ففعل، فلما سمع عمر – رضي الله عنه – الصوت أقبل على الرسول – صلى الله عليه وسلم – وقال: أولا تبعثون رجلاً آخر يصلح له؟، فلما فرغ عبد الله بن زيد من الأذان قال له الرسول – صلى الله عليه وسلم - : قم مع بلال فألقها عليه فليؤذن بها فإنه أندى منك صوتًا، فنادى بها بلال وظل يجود فيها كل يوم خمس مرات، ويرتلها ترتيلاً حسنًا بصوت جميل جذَّاب، ومن هنا جاءت فكرة الأصوات الندية في التغني بالأشعار الإسلامية، ثم تطور الأمر على أيدي المؤذنين في مصر والشام والعراق وغيرها من البلدان، وأصبح له قوالب متعددة وطرائق شتى.
أولاً: من حيث المقام الموسيقى كالراست، والبياتي، والحجاز، وكذا طريقة الأداء من حيث استخدام البعض للزخارف والحليات، وكذا ما يسمى بالعفقات الموسيقية.
ثانيًا: من حيث الإطالة والمد في بعض الحروف عند بعضها الآخر، أو عدمها في البعض الآخر، وكذا تغيير المقام الموسيقي أثناء الأداء وهو ما يسمى بالتحويلة الغنائية.
وتؤكد كتب التراث الإسلامي أن بداية الإنشاد الديني كان على أيدي مجموعة من الصحابة - رضي الله عنهم - في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ثم مجموعة من التابعين – رحمهم الله - الذين تغنَّوا بالرسول وخصاله وأفضاله .. وكانت قصائد "حسان بن ثابت" - شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم - هي المَعين الذي لا ينضب بالنسبة للمنشدين، ثم تغنَّوا بقصائد أخرى لغيره من الشعراء الذين كتبوا في موضوعات متنوعة منها: الدعوة إلى عبادة الله الواحد، ومنها ما يدعو إلى التمسك بالقيم الإسلامية وأداء الفرائض من صلاة، وزكاة، وحج إلى غير ذلك.
تطوُّر الإنشاد الديني ثم تطور الحال بعد ذلك في الدولة الأُموية ليصبح الإنشاد فنًّا له أصوله، وضوابطه، وقوالبه، وإيقاعاته، واشتغل بهذا الفن عِلْيةُ القوم، إلى جانب فنون أخرى راقت لهم بعضها ألحانٌ عاطفية أو وصفية، والبعض الآخر ديني وصوفي.
وكان أكثر هؤلاء المشتغلين بفن الإنشاد الديني وتلحين القصائد الدينية، إبراهيم بن المهدي وأخته عَليَّة، وأبو عيسى صالح بن هارون الرشيد، وعبد الله بن موسى الهادي، والمعتز وابنه عبد الله، وعبد الله بن محمد الأمين، وأبو عيسى بن المتوكل، وعبد الملك بن مروان، وغيرهم كثيرون.
وتحكي كتب التراث في هذا الصدد أن "عبد الملك بن مروان" كان يشجع الموسيقيين ورجال الفن والإنشاد أكبر تشجيع، فيجزل لهم العطاء إن أجادوا، وكذلك كان الخليفة الواثق الذي كان يغني له إسحاق وإبراهيم الموصلي، وهما من أشهر الموسيقيين في العصر الأموي، وعبد الرحمن بن الحكم الذي ذاع في عهده صيت الفتى "رزياب" وهو تلميذ إسحق الموصلي، وغيرهم كثيرون ممن اشتهروا بغناء وتلحين القصائد الدينية، كل هذا ثابت وموجود في كتاب "شرح نهاية الأرب"، وكتاب "الأغاني" لأبي فرج الأصفهاني، و "عصر المأمون" للدكتور فريد رفاعي، ومقدمة كتاب "مؤتمر الموسيقى العربية" للدكتور محمود أحمد الحفني.
"الإنشاد في القرن العشرين" جاء القرن العشرون وفي بداياته أصبح للإنشاد الديني والتواشيح أهمية كبرى، حيث تصدى لهذا اللون من الغناء كبار المشايخ والمنشدين الذين كانوا يحيون الليالي الرمضانية، والمناسبات الدينية، بصوت جميل نديٍّ يجمع المئات بل الآلاف من عشاق هذا الفن حوله، وتطورت قوالب هذا الفن فأصبحت له أشكال متعددة وأسماء كثيرة تمجِّد الدين الحنيف، وتدعو لوحدة المسلمين، وتشجب الرذيلة، وتدعو إلى الفضيلة، وتمدح رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وآل البيت.
"أشكاله" وكان يتخلل هذا اللون من الإنشاد الديني كثير من الحوارات الغنائية الممتعة بين "المنشد الأصلي" - وكان يتمتع بصوت ساحر جميل- وبين مجموعة المنشدين من خلفه، وكان المنشد يتوسط الحلقة، ويلتف من حوله مجموعة "السنيدة" أو "المذهبجية" بعد ذلك، وكان المنشد يختار مقطعًا من القصيدة أو جملة يجعلها محورًا تدور حولها كل الردود من "السنيدة"، فيرددونها وراءه ثم يعودون إليها بعد المنشد، وكانت الوصلة الأولى يختار لها الشيخ المنشد مقامًا موسيقيًّا معينًا مثل "الراست" مثلاً أو البياتي، أو الحجاز، وغيرها، ثم يبدأ المنشد الوصلة بإبراز مواهبه في الأداء، وبراعته في التنقل بين المقام الأصلي ومشتقاته، وقدرته على إبراز الحليات والزخارف اللحنية، ثم يقوم المنشدون بعد ذلك بترديد المقطع أو الجملة المحورية التي بدأ بها القصيدة.
ثم تأتي الوصلة الثانية فيختار لها مقامًا موسيقيًّا آخر حتى ينوع في المقامات، وحتى لا يمل السامعون ويفعل ما فعله في الوصلة الأولى.
"أشهر المُنشدين" ومن أشهر المنشدين في أوائل القرن الشيخ محمود المسلوب، الشيخ يوسف المنيلاوي، الشيخ أبو العلا محمد، الشيخ عبد اللطيف البنا، الشيخ سلامة حجازي، الشيخ محمود صبيح، وكان الإنشاد الديني في هذه الفترة يُغنَّى بدون مصاحبة آلية اللهم إلا بعض المشايخ الذين استخدموا المسبحة ينقرون بها على كوب من الماء ليحدث رنينًا جذابًا.
ثم تطور بعد فترة وجيزة ليصبح فنًّا له أصوله وأشكاله، ولا يعتمد على الارتجال وحده أو قوة الصوت وحده، بل يعتمد على الجمل اللحنية الجديدة والمبتكرة، وكذلك استخدام "اللزمات الموسيقية" والإيقاعات التي تناسب روح القصيدة.
فتكونت الفرق الموسيقية المصاحبة "للمنشد أو المطرب"، وكانت تسمى آنذاك "بالتخت" وهو يتكون من خمسة عازفين يسمونهم بالخماسي الموسيقي، وهم "العود – القانون – الناي – الكمان – الإيقاع"، ويجلسون على المنصة أو المسرح في شكل دائري يتوسطهم المنشد ومن خلفهم مجموعة المنشدين، وكانوا يبدءون السهرة بقالب موسيقي يسمى "البشرف" أو "دولاب" وهما عبارة عن مقطوعة موسيقية من مقام موسيقي معين "كالراست أو البياتي" مثلاً، ويحدث حوار موسيقي بين الآلات لإبراز مواهبهم في العزف، ثم يعودون إلى الجملة الأصلية المحورية في القالب الموسيقي.
التطور الأخير انتقل الإنشاد من الارتجال والتطريب إلى التعبير والتأثير، فضلاً عن استحداث جمل تسمى "اللزمات" وإيقاعات متنوعة وجمل حوارية بين الآلات بعضها وبعض وبين المنشدين، وتكوَّنت فرق خاصة بأداء هذا اللون تسمى "فرق الموسيقى العربية" التي تتناول التراث الموسيقي والغنائي بأشكال وقوالب جديدة.
واستُحْدِث بعد ذلك لون هو وليد تجربة القصائد والأناشيد هو "الدعاء الديني"، وكان الدعاء الديني يُغنَّى بالفصحى أو بالعامية، ولا يزيد عن خمس دقائق ليكون جرعة روحية مكثفة ذات موضوع واحد.
حتى ظهر لون جديد يسمى "بالغناء الديني الشعبي" وهو فن يعتمد على دراما القصة في شكل غنائي يشبه الملحمة يحكي فيها المنشد قصص الأبطال التاريخيين أو يمدح رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ويحكي حياته وسيرته، وهذا اللون جذب إليه كثيرًا من البسطاء، وتقام له الليالي والموالد والأفراح، ومن أبرز من أدى هذا اللون الدرامي من المشايخ الشيخ محمد عبد الهادي وكذا الشيخ عبد الرحيم دويدار، والشيخة هنيَّات شعبان، الشيخة سعيدة عبدالرحيم.
ويأتي في مقدمة المشايخ الذين تخصصوا في الغناء الصوفي الشيخ/ ياسين التهامي، وله شرائط كاسيت يقتنيها المعجبون والعشاق الذين يجدون لهذا الفن صدى طيبًا في نفوسهم.
وكان للإنشاد الديني الفضل في تخريج دفعة كبيرة من ذوي الأصوات الجبارة الجميلة القوية المتمكنة والبارعة، على رأس هؤلاء يأتي الشيخ/محمد الطوخي، والشيخ/طه الفشني، والشيخ/سيد النقشبندي، ثم الشيخ/نصر الدين طوبار، والشيخ/محمد عمار، والشيخ/سعيد حافظ وغيرهم كثير.
الكحلاوي.. المتصوف مداح الرسول25/02/2004
سارة الحلواني**
هو صاحب الملحمة النبوية أو "مداح الرسول" كما كان يحب أن يُنادى، المطرب الذي سلك طريق العبادة والزهد وسخّر الفن ليكون طريق دعوة وحض على الفضيلة، وهو أيضًا الفنان صاحب القدرات المتعددة الذي تنوع بين الغناء البدوي والشعبي والديني وكذلك في التمثيل، وكان له شرف الريادة والسبق في كل ألوان الغناء التي اشتهر بها ثم تبعه المريدون!.
إنه الفنان محمد مرسي عبد اللطيف أو "الكحلاوي" الذي يُعَدّ واحدًا من أشهر من مدحوا الرسول صلى الله عليه وسلم بين مطربي عصره.
نشأ الكحلاوي نشأة دينية عربية في منيا القمح بالشرقية (شمال القاهرة) في أسرة عربية قح، وُلد في أكتوبر 1912، يتيمًا بعدما توفيت والدته أثناء ولادته ولحق بها أبوه وهو لا يزال طفلاً رضيعًا، وقد تناقلته الأسرة بينها إلى أن استقر به الأمر وعمره 3 سنوات في كنف خاله الفنان محمد مجاهد الكحلاوي الذي انتقل به إلى حي باب الشعرية الشعبي العريق الذي كان له أثر كبير في شخصيته.
تربى الكحلاوي في أحضان خاله الذي كان معاصرًا للفنان صالح عبد الحي وكان ذا صيت في ذلك الوقت، وكان هو من الرعيل الأول للمطربين الشعبيين، وكان يطلق عليهم في ذلك الوقت الصهبجية وهم المغنون الذين يحيون الأفراح والليالي الملاح.
وقد كان لملازمته لخاله -معلّمه- في حفلاته الأثر الكبير، حيث تشبع بالحياة الفنية منذ صغره وورث عنه الصوت الجميل والأداء المتميز وكذلك لقبه!.
وقد ألحقه خاله بمدرسة فرنسية للراهبات درس بها خمس سنوات، وفي نفس الوقت كان يحفظ القرآن في جامع سيدي الشعراني، ولما لم تعجبه الدراسة بالمدرسة الفرنسية ألحقه خاله بالتعليم الديني الأزهري فأظهر تألقًا ساعده عليه حفظه للقرآن كاملاً حفظًا وتلاوة في السادسة من عمره، واستمر في التعليم الأزهري، لكنه لم يحصل على شهادة العالمية الأزهرية، وكان لدراسته الدينية أبلغ الأثر في إتقانه للغة العربية وتصحيح مخارج ألفاظه، واستيعابه للنصوص العربية والشعر العربي، ومكنه بعد ذلك من إلقاء الشعر والقصائد والمدائح النبوية.
.
الاعتكاف للأغاني الدينية
وكانت مرحلته الأخيرة بالغناء الديني التي مثلت حوالي نصف إنتاجه الفني، فقد لحّن أكثر من 600 لحن ديني من مجمل إنتاجه الذي قارب 1200 لحن، ولم تكن الأغنية الدينية تعرف بمفهومها الحالي؛ إذ اقتصرت في ذلك الوقت على التواشيح الدينية، ولكنه وضع أسسها وأصبحت الأغنية الدينية تغنى بنوتة موسيقية وفرقة كاملة وقد تلون في غنائه بين الإنشاد والغناء والسير والملاحم والأوبريتات، فقد قدم "سيرة سيدنا محمد" صلى الله عليه وسلم و"سيرة السيد المسيح" و"قصة حياة سيدنا إبراهيم الخليل". ولمع الكحلاوى في الغناء الديني ولاقت أغانيه حفاوة عند جمهوره وأصبحت تذاع في كل المناسبات الدينية، ومن أشهر أغانيه (لاجل النبي).
لم يكن الكحلاوي يغني غناء دينيًّا فحسب ولكنه عاشه وأحسه، ودخل بمرحلة الغناء الديني مرحلة الورع والزهد في حياته بعد أن ندم على الوقت الذي قضاه بعيدًا عن الله وبعيدًا عن حب رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فكان يعتكف في مسجده بالإمام الشافعي أسبوعًا أو ما يزيد يقرأ القرآن ويصوم، ثم يخرج بعدها متشبعًا بروح الإيمان وبلحن جديد أيضًا، فكان الفن بالنسبة له دعوة وطريقة أخرى من طرق الدعوة والحض على الفضيلة من خلال الكلمة المغناة.
وقد رفض الكحلاوي رحمه الله التغني لأي مخلوق إلا لسيد الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يغنّ لملك ولا رئيس مثلما فعل كل المطربين. وتروى عنه واقعة رفضه الغناء للزعيم جمال عبد الناصر رغم طلبه شخصيًّا، وأنه قال: لن أمدح أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان حلمه الكبير هو إنشاء مسرح إسلامي، وتكوين فرقة للإنشاد الديني على مسرح البالون وهو الحلم الذي يعمل على تحقيقه ابنه الفنان أحمد الكحلاوي.
الدعوة بالأغنية
حب التراث الإسلامي وراثة
وكما تميز في عمله الفني فقد نجح أيضًا في الجانب الاجتماعي من حياته فاستطاع أن يزرع في أبنائه حب الإسلام والتراث الإسلامي العريق، فتميزوا في مجالات متنوعة ولكنها تشترك في صلتها بالإسلام وتراثه: فابنته الدكتورة عبلة داعية إسلامية وعميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية، والدكتورة عليا أستاذة الحقوق والشريعة الإسلامية، والأستاذة عزة متخصصة في الديكور الإسلامي، والدكتور محمد الكحلاوي أستاذ في الآثار الإسلامية وأمين عام الأثريين العرب، والفنان أحمد الكحلاوى الذي ورث عن والده الصوت الجميل ورسالته الفنية فهو ملحن فرقة للإنشاد الديني.
كراماته وتجلياته الصوفية
وقد انتابت الكحلاوي روح صوفية جارفة وهو الذي أدى فريضة الحج 40 مرة متواصلة فلم يقطع الحج أربعين عامًا متواصلة، فكان يعتكف على جبل القصير على البحر الأحمر اعتقادًا منه أن سيدي أبي الحسن الشاذلي القطب الصوفي يقرأ معه القرآن، ثم يعود مرة أخرى لمقامه!! وكان يجاور سيدي الإمام الشافعي وسيدي عمر بن الفارض وسيدي عقبة بن نافع وغيرهم من أولياء الله الصالحين.
كما كان له تجلياته النابعة عن إلهام صوفي ونزعة تغلبه في التقرب إلى الله تعالى وأوليائه الصالحين، فقد هجر عمارته المطلة على النيل في حي الزمالك الراقي وبنى مسجدًا يحمل اسمه وسط مدافن الإمام الشافعي وبنى فوقه استراحة وسكنها وبنى كذلك مدفنه فيه!.
وبدأت خلواته في جامعه ثم امتدت معه في أوقات قضائه للعمرة التي أدى مناسكها عشرات المرات، فكان يقضي وقته عند قبر سيدنا حمزة وكذلك في خلوة عند جبل أحد وكان يتخذ مكانًا بالقرب من قبر الرسول صلى الله عليه وسلم يختلي فيه، وكان يتلمس خطى سيدنا محمد في الأماكن التي سار فيها عليه الصلاة والسلام بين مكة والمدينة.
وفي آخر أيامه كان يقضي معظم وقته في الاستراحة التي تعلو الجامع عابدًا تاليًا لكتاب الله، كما كان ينفق ماله في سبيل الله فكان يقيم مائدة إفطار طوال شهر رمضان المعظم، هذا بالإضافة إلى تموين شهري لمعظم الأسر التي تسكن منطقة المدافن وكذلك معونات نقدية.
وعندما توجهت إلى المنطقة التي يوجد بها الجامع اكتشفت أنه من العلامات المميزة لهذا المكان -العامر بالرغم من وجوده وسط المدافن- فالمنطقة مشهورة بجامع الكحلاوي القريب من محطة الأتوبيس -التي تحمل هي الأخرى اسم الكحلاوي- والجامع صغير الحجم بسيط الإنشاء ليس به تكلف في العمارة ولا في النقوش، وأبرز ما فيه آية الإخلاص التي كتبت بطريقة فنية جميلة، وفي مواجهة باب الجامع يوجد باب آخر يوصل إلى الاستراحة وعلى يمينه يستقر مدفنه في هذا المكان الذي ارتبط به في حياته.
وعندما صعدت إلى سطحه وجدته قد امتلأ بالملابس بشكل يستدعي في الذاكرة مصانع الملابس، وبعدما تبينت الأمر اتضح أن هذه الملابس هي الكسوة المدرسية للأطفال وساكني القبور في منطقة الإمام، كما يضم المكان مدرسة لحفظة القرآن ومستوصفا طبيا وسبيلا.
ظل مداح الرسول طول حياته ينفق ماله ابتغاء مرضات الله ويسعى وراء موالد الأولياء الصالحين ويتقرب من المشايخ، ويخرج في سبيل الله حتى توفاه الله في الخامس من أكتوبر 1982، وهو في حياته لم يندم على شيء سوى الفترة التي قضاها في عدم طاعة الله وكان يطلق عليها "جاهلية محمد الكحلاوي"!!!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رحمت الله عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد