اليسر في الصيام في ضوء تعاليم الشريعة
اليسر من اهم معالم التشريع الإسلامي، ورفع الحرج من أبرز سمات الشريعة الإسلامية؛ قال تعالى في ثنايا آيات الصيام:
{ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]
هذا ومن أهم مظاهر اليسر في الصيام ما يلي:
أولاً: إباحة الأكل والشرب والرفث من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، قال تعالى:
{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]
لما نزل صوم رمضان في بداية تشريعه كانوا لا يأكلون ولا يشربون إذا ناموا، وكذلك كان الرفث ، فخفف الله عنهم وأباح لهم الأكل والشرب والرفث من غروب الشمس حتى طلوع الفجر بهذه الآية الكريمة، وقد فرح المسلمون بالرخصة التي جاءت بها الآية فرحا شديدا،
روى البخاري بسنده عن البراء- رضي الله عنه- قال كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، إذا كان الرجلُ صائما ، فحضرَ الإفطارُ ، فنامَ قبل أن يفطرَ ، لم يأكلْ ليلتهُ ولا يومهُ ، حتى يمسيَ ، وإن قيس بنَ صرْمةَ الأنصاري كانَ صائما ، فلما حضر الإفطارُ ، أتى امرأتهُ ، فقال لها : أعندَكِ طعامٌ ؟ قالت : لا ، ولكن أنطَلِقُ فأطلبُ لك ، وكان يومَهُ يعملُ ، فغلبتهُ عيناهُ، فجاءتِ امرأَتُهُ ، فلما رأتهُ ، قالتْ : خيْبَة لكَ ، فلما انتصفَ النهارُ ، غُشِي عليه ، فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية { أُحِلَّ لكم ليلةَ الصيامِ الرفَثُ إلى نسائكم } [ البقرة : 187] ففرحوا بها فرحا شديدا ، ونزلت {وكلُوا واشربُوا حتى يتبيَّنَ لكم الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسودِ من الفجْرِ }.
ولما صار الرفث حلالاً بعد أن كان حراما، كان الأكل والشرب بطريق الأولى، فلذلك فرحوا بنزولها وفهموا منها الرخصة، ولما كان حلهما بطريق المفهوم نزل بعد ذلك {وكلُوا واشربُوا حتى يتبيَّنَ لكم الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسودِ من الفجْرِ }
ليعلم بالمنطوق تسهيل الأمر عليهم صريحا .... وهذا هو المعتمد وبه جزم السهيلي وقال: إن الآية بتمامها نزلت في الأمرين معا أي: إباحة الأكل والشرب والرفث في الليل.
ولذلك روى الإمام أبو داود بسنده عن ابن عباس قال:" كان الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالنِّسَاءُ , وَصَامُوا إِلَى الْقَابِلَةِ فَاخْتَانَ رَجُلٌ نَفْسَهُ فَجَامَعَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَلَمْ يُفْطِرْ فَأَرَادَ اللهُ - عز وجل - أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ يُسْرًا لِمَنْ بَقِيَ , وَرُخْصَةً وَمَنْفَعَةً فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ، فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ، فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْر}،
, وَكَانَ هَذَا مِمَّا نَفَعَ اللهُ بِهِ النَّاسَ , وَرَخَّصَ لَهُمْ وَيَسَّرَ.
المرجع: مجلة الأزهر
عدد رمضان سنة 1442هـ
يتبع بمشيئة الله تعالى