"وبما أننا نتحدث عن ملامح في غزوة أحد أريد أن أقول: «جبل أًُحدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه»؛ لأننا سمعنا بعض العارفين بالله حين تذكر كلمة «أحد» قال: أحد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - فتعجب القوم لقول الشيخ عبد الله الزيدان الذي قال ذلك، فلما رأى عجبهم قال لهم: ألم يخاطبه رسول الله بقوله:
«اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان»،
ألم يقل فيه رسول الله: «أحد جبل يحبنا ونحبه»
أتريدون أحسن من ذلك في الصحبة! قل: أحد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
وقلنا سابقاً: إنك إذا وقف عقلك في حاجة فلا تأخذها بمقاييسك أنت، بل خذها بالمقاييس الأعلى.
ونحن نقول هذا الكلام لأن العلم الآن يجري ويسعى سعيًا حثيثا مسرعًا حول استخراج بعض أسرار الله في الكون، فبين لنا أن الحيوانات لها لغات تتفاهم بها ويحاولون الآن أن يضعوا قاموسا للغة الأسماك.
والحق سبحانه وتعالى ذكر لنا حكاية النملة مع سليمان - عليه السلام - فقال: {ياأيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} [النمل: 18] هذا القول يدل على أنّ نملة خرجت وقامت بعمل (وردية) كي تحافظ على من معها ثم عادت لتتكلم مع أبناء فصيلتها، وسمعها سيدنا سليمان، فتبسم من قولها.
إذن العلم يتسابق ويجد وَيُسَارع الآن ليثبت أن لكل جنس في الوجود لغة يتفاهم بها، وكل جنس في الوجود له انفعال، وكل جنس في الوجود له تكاثر، ولذلك قال الحق لنا على لسان سيدنا سليمان: {ياأيها الناس عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطير وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الفضل المبين} [النمل: 16] وكانت هذه خصوصية لسيدنا سليمان عليه السلام، إذن فللطير منطق.
وعندما نتسامى ونذهب إلى الجماد نسمع قول الحق سبحانه في آل فرعون وعدم بكاء الجماد عليهم: {كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} [الدخان: 25 - 29]
هل تبكي السماء والأرض؟ إنه أمر عجيب؛ فالجماد من سماء وأرض لا تتفاهم فقط ولكن لها عواطف أيضاً؛ لأن البكاء إنما ينشأ عن إنفعال عاطفي وجداني.
إذن فهناك ما هو أكثر من التفاهم، إن لها عواطف مثلك تماما، وكما تحزنك حاجة فالأرض أيضًا تبكي، وما دامت تبكي إذن فلها مقابل بأن يفرح، ويقول الله تعالى عن أرض فرعون: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض} فلو أنها لم تبك مع بعض الناس؛ لما كان لهذا الكلام ميزة.
لذلك قال الإمام علي كرم الله وجهه: إذا مات المؤمن بكى عليه موضعان: موضع مصلاه؛ لأنه سيحرم من نعمة الإيمان، ومصعد عمله، موضع في الأرض وموضع في السماء.
إذن فلا بد أن نفهم أن لكل شيء شعوراً. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إذا مات المؤمن استبشرت له بقاع الأرض فليس من بقعة إلا وهي تتمنى أن يدفن فيها» .
لماذا نقول هذا الكلام الآن؟ نقول ذلك حتى إذا ثبت بالعلم أن لكل شيء لغة، ولكل شيء في أجناس الكون تفاهما، يقال إن فيه ناساً هبت عليهم نسمات الإيمان فأدركوها وأحسوها من القرآن، فلا يدعي أحد أنه ابتكر من ذات نفسه لأنها في القرآن وإن كنا لا نعرف كيف تأتي" انتهى.
تفسير الشعراوي (3/ 1739- 1741)
_________________ مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
|