إطعام الطعام فضيلة حض الشرع الشريف عليها وزكى فاعلها ، وجعلها من سبل الأمن في اليوم الآخر ، ومن الطرق الموصلة لرضوان ربنا وجنته.
قال الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في معرض المدح لعباده المؤمنين : {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) }. [سورة الإنسان].
وقال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم عن الصحابي الجليل عبد الله بن سلام رضي الله عنه : [لَمَّا قدِم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة، انجفل الناس قِبَله، وقيل: قد قدِم رسول الله، قد قدِم رسول الله، قد قدِم رسول الله، فجئتُ في الناس لأنظر، فلما تبيَّنت وجهه، عرَفت أنه ليس بوجه كاذب، فكان أول شيء سمعته تكلَّم به أن قال: (يا أيها الناس، أفشُوا السلام وأطعِموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام.]اهـ
وعلى هذا الطريق القويم صارت الأمة خلفاً عن سلف.
وتبارت مختلف الطبقات الاجتماعية للأمة في إبراز تلك الفضيلة كل وفق طاقته وإمكانياته المادية.
وكان من بينهم طبقات الملوك والأمراء ، سيما من خالط منهم السادة الصوفية وتأدب بآدابهم - وهم الكثرة الكاثرة عبر تاريخ الأمة - .
فيحدثنا ابن شاكر الكتبي في كتابه عيون التواريخ (1/ 364) في حوادث السنة الثانية والستون والست مئة في توضيح هذه الفضيلة لدى الملوك والأمراء قائلاً :
وفيها توفي الأمير حسام الدين لاجين الجُوكِندار العزيزي.
كان من أكابر الأمراء وأعظمهم مكانة في وقته ، وأعلاهم قدراً وأسعهم صدراً وأكثرهم تجملاً ، وكان شجاعاً بطلاً حازماً جواداً ، وله في الحروب المواقف المشهورة والآثار الجميلة.
وكان له في الفقراء والصالحين عقيدة حسنة ، ويكثر من الإحسان إليهم والبر بهم ، وافتقادهم بالنفقة والكسوة وغير ذلك ، وكان يعمل السماعات ويُحضر فيها من المأكل والمشرب والشموع ما يبهر العقل.
قال الشيخ قطب الدين اليونيني رحمه الله تعالى : طلبني ليلة في سماع عمله فحضرت عنده ، فلما دخلت إلى داره التي بالعُقَبية رأيت من الشموع الكافوري الكبار في أتوار [1] الفضة والمطعم ما يقصر عنه الوصف.
ثم مد بعد المغرب سماطاً عظيماً يشتمل على قريب مئة زبدية [2] عادلية كبار في كل زبدية منها خروف صحيح ، وقريب ثلاث مئة زبدية دون تلك ، في كل زبدية ثلاث طيور دجاج ، وغير ذلك من أنواع الأطعمة.
فلما فرغ الناس من الأكل صلوا العشاء الآخر ، وشرع المغاني في الغناء ورقص هو بنفسه بين الفقراء ، فلما فرغ المغاني من النوبة الأولى ، مَد سماطاً عظيماً يشتمل على عدة أطباق وصحون خزافية حلوى سكب وقطائف رطبة ومقلوة ومشبك ، وغير ذلك مما جميعه بالسكر المكرر والفستق والمسك ، فأكل الناس من ذلك ما أمكنهم وحملوا بحيث شيل جميع ذلك في خرق الحاضرين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] جمع تور ، وهي مشكاة أو ثريا ، وقيل شمعدان متوسط الحجم.
[2] إناء من الخزف الصيني بلون الزبد.
يتبع إن شاء الله.